محاضرات علم النفس الأورام

لطلبة السنة أولى ماستر علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane53@gmail.com

 

الإشراف على الموت

 

تمهيد:

    إن مسالة الموت لا تقتصر على مريض السرطان ولكن الموت مسألة تشمل جميع الكائنات الحية  بما فيهم البشر سواء أكانوا بصحة جيدة أو في صحة متذبذبة أو متدهورة، أجنة، صغارا، شبابا، كبارا، شيوخا، ولا يعرف أحدنا منا زمن أو مكان موته، أو كيف سوف يكون ذلك، وأرى أن رحمة الله بعباده أننا لا نعرف ذلك .

وفي هذه المحاضرة سوف أشير إلى حاجات المريض الذي هو على مشارف الموت، ثم سوف أتطرق إلى الرعاية الملطفة في هذه المرحلة، لأتناول فيما بعد مفهوم الموت رغم صعوبة إيجاد مفهوم دقيق وواضح له ونهائي ومفاهيم أخرى مرتبطة به،و مراحل أو سيرورة الموت من ناحية بيولوجية وكيف يتم تشخيصه طبيا .

ولا شك أن كل واحد منكم قد عايش تجربة موت شخص عزيز عليه ومن المؤكد أن ذلك كان وقعه وتأثيره مؤلما مؤثرا، ولكن تختلف التجربة الشخصية من شخص لآخر، وفي مثل هذه الحالة فنحن كأشخاص عاديين أو مرضى نحن نحتاج إلى مرافقة نفسية كما يحتاجها مريض السرطان الذي يُشارف على الموت.

 

أولا: حاجات المرضى الذين هم على مشارف الموت:

    مما لا شك فيه أن الأشخاص الذين هم على مشارف الموت هم بحاجة إلى رعاية خاصة تتناسب ووضعهم الصحي من أجل تسيير الألم، كما أنهم بحاجة إلى الاهتمام بحاجاتهم الروحية والنفسية، فهم بحاجة إلى أن يُصغى إليهم، أن يُحاطوا بالأمن وأن يتم دعمهم ومساندتهم، فهم كغيرهم من الناس بحاجة إلى أن يُفهموا وأن يحترموا وهذا ما تم الاشارة إليه في محاضرات سابقة.

    البعض من هؤلاء الأشخاص قد يتمكنوا من تهيئة أنفسهم للموت في حالة من الطمأنينة والأمان، محاطين بمن يُحبونهم، ولكن مثل هذه الأمور قد لا تتحقق للجميع، فمنهم من يعيش الرهبة، غير قادرين على توجيه أنفسهم، وفي حالة اضطراب غير قادرين عن التعبير عن حاجاتهم ورغباتهم.

قد نجد مثل هذه الحالات في حالة خوف من الموت، قد تشعر بأنها عبء ثقيل على أهلها وأقربائها، قد تشعر بالضياع، قد تشعر بالوحدة، وقد تكون في حالة غضب واستثارة على أنه تم التخلِّي عنها، وقد تتشبث بأمل" العلاج المعجزة "، قد تخبر شعورا بأنها ضيعت ( بدّدت )حياتها أو أن حياتها ذهبت سُدىً، وقد تلجأ للبكاء في ظروف معينة، قد ترغب وبشدّة مفارقة الحياة للخلاص من معاناتها وآلامها.

قد ترغب في الاتصال بأشخاص قطعت صلتها بهم، وقد ترغب في التعبير عن أمور حدثت في الماضي أو تود طلب الغفران.

قد نجد مثل هذه الحالات في وضع غضب غير منطقي سواء تجاه الأقارب، أو تجاه الطاقم الطّبي والشبه الطّبي، وربما حتى المحيط الخارجي، وقد تنزعج من الأقارب أو الأصدقاء لعدم وقوفهم بجانبها.

مثال واقعي:  

   حالة مريضة تبلغ من العمر 37 سنة كانت في بداية الاستشفاء في وضع نفسي جيد، منفتحة على الآخرين، منبسطة، تتحدّث مع رفيقاتها ورفقائها المرضى وكذا مع الفرقة الطبية؛ هذا كان قبل علمها بحقيقة مرضها أن السرطان فجأة على لسان طبيبها عند ذكره للعلاج.

بدأت حالتها تسوء تدريجيا شيئاً فشيئاً مع خضوعها للعلاج الكيماوي، والفحوصات المؤلمة التي كانت تخضع لها بصورة متكررة وكانت تصفها بالموت، إلى أن بلغت مرحلة متطورة من المرض ورغم اهتمام عائلتها بها ولاسيما والدتها بالدرجة الأولى، لكن صارحتني بأمر وقالت لي أن لا أحد فهمها وأنها كانت تود التنزه، واصطحابها إلى البحر وأنها كانت تود استرداد صحتها ووقوفها مجددا على قدميها.

 

ثانيا: الرعاية الملطّفة (Les soins Palliatifs) لدى مرضى على مشارف الموت:

   يتعلق الأمر بطرق جيدة للتعامل مع حالات الموت أثناء التكفل بالمرضى الذي هم على وشك الوفاة، والتي تحمل مفهوم " الموت الجيّد " «bien mourir»، وذلك من خلال تكفل ومرافقة جد قريبة من التجربة الفردية والشخصية لنهاية الحياة.

 يُطالب  المجتمع بمطالب وانتظارات قوية فيما يتعلّق بالطب ليجعل الموت بصورة انسانية . تمر من خلال اختيار: متطوعيين يسجلون أنفسهم في إطار تكاملي مع مختصيين وأقرباء المريض.  

بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية (Organisation Mondiale de la Santé (OMS))(  والجمعية الأوروبية فيما يخص الرعاية الملطفة (L'Association européenne pour les soins palliatifs)    

(EAPC) فقد اقترحا تأسيس أخلاقيات تتعلق برعاية المرضى خلال نهاية الحياة مرتكزتين في ذلك على مبادئ تتمثل فيما يلي:

مبدأ الاستقلالية: على أن كل شخص له الحق في اتخاذ القرارات التي تخصه لاسيما فيما يتعلق بقبول أو رفض العلاج المقترح.

مبدأ الانسانية: كل شخص هو فريد من نوعه سواء تعلق الأمر من حيث تكوينه البيولوجي، تاريخه، مصيره، فلابد من احترام الانسان وأن أي مرض سواء أكان عقليا أو جسديا لا يحط بأي حال من الأحوال من كرامة الانسان وعزة نفسه حتى وإن كان على مشارف الموت، فلابد من احترام خصوصيته، واحترام عائلته.

مبدأ التناسب: لا يمكن تبرير أي علاج إن لم يكن متناسبا مع حالة المريض. وبالنسبة للمريض وهو على وشك الوفاة يسمح هذا المبدأ بتفادي العلاجات غير متناسبة وحالته لأن ذلك سوف يشعر بضراوة وحدة العلاج.

مبدأ عدم الجدوى: إذا كان العلاج بدون هدف ولا يقدم فائدة للمريض فلا جدوى منه، فهنا لابد من تبرير توقيف العلاج .

يُعزى هذا المبدأ إلى الصعوبة التي يواجهها المعالجون فيما يتعلق بمشروع علاجي: تغذية زرقية nutrition parentérale ، مضادات حيوية، نقل دم، وإن تطبيقها يكون صعبا خارج تأمل واضح وقوي للعاملين في مجال الصحة وفي إطار عمل الفرقة.

رفض الموت الرحيم (L’euthanasie): يعد آخر مبدأ احتفظت به الجمعية الأوروبية فيما يخص الرعاية الملطّفة، حيث تم الاشارة إلى مخاطر الانزلاق في هذا الاجراء الذي قد يبدو قانونيا ومشروعا لوضع

نهاية لآلام ومعاناة المريض، وقد يطلب المريض ذلك لفظا ولكن قد لا يرغب في ذلك فعلا، ناهيك عن ما قد يترتب عنه من آثار وانعكاسات على الأطباء، الممرضين، أهل المريض.

مبدأ العدل: تحتفظ المنظمة العالمية للصحة بمبدأ أخير وهو التوزيع العادل للإمكانيات، وتؤكد على مستوى العالم أنه ينبغي أن يتلقى كل مريض هو على مشارف الموت الرعاية الملطفة التي يحتاجها، معنى ذلك حث الدول على اتخاذ تدابير سياسية وعملية من أجل التخفيف من الآلام، وهذا المبدأ ينطبق أيضا على الممارسة الطبية الفردية.

 

 ثالثا: تعريف الموت ونهاية الحياة:

   تعرف الموت لغة: ضد الحياة، يُقال ماتَ يَمُوتُ ويماتُ: فهو ميّتٌ، ومِيّتٌ، وقوم موتى وأموات، ومَيِّتُون ومَيْتُون.

وبمفهوم ديني فمعظم الأديان ترى أن موت الانسان هو خروج الروح من بدنه ومغادرته إلى حيث لا نعلم.

ومفهوم الاسلام للموت هو خروج الروح من الجسد بواسطة ملك من الملائكة وهو ملك الموت، وفي ذلك يقول عز وجل:«قُلْ يَتَوفَاكُم مَلَكُ المَوت الذِّي وُكِّلَ بِكُمْ ثمّ إلى ربِّكُم تُرْجَعُون» . ( السجدة، الآية:11) .

  لقد سبق وذكرت أنه من الصعوبة تحديد تعريف دقيق ونهائي، ويكون الأمر أصعب عند ذكر نهاية الحياة أو عند ذكرنا لمريض مصاب بالسّرطان على أنه على مشارف الموت لأنه لم يتوف بعد، فأحيانا تطول مدة بقائه على قيد الحياة رغم أنه في طور جد متقدم من السرطان ! وقد لاحظت ذلك شخصيا شخص ظل ما يقارب ثمانية أو ما يزيد بقليل على قيد الحياة رغم وضعه المتردي للغاية والطور المتقدم من السرطان.

ومثل هذه الحالات ذكرها كارل سيموتون عندما قام بأبحاث واسعة النطاق رفقة زوجته ستيفاني فوجد  مرضى رغم بلوغهم سرير الموت لكنهم تحسنوا وتعافوا وانتصروا على السّرطان بشكل مدهش.

    وبالنسبة للإشراف على الوفاة (الموت) وبحكم تجربتي الشخصية مع مرضى السّرطان هي طور أو مرحلة يكون فيها الوضع الصحي للمريض مأساويا بالموازاة مع وضعه النفسي ويترتب عن ذلك وفاة الشخص فعلا .

ولقد ذكرت في محاضرة سابقة حالة مصاب بسرطان الدم كان وضعه الصحي والنفسي في أسوأ وأعقد الأحوال حيث علم بحقيقة مرضه التي أخفيت عنه، ضف إلى ذلك عدم إمكانية زرع نخاع العظم الذي بنى عليها آمالا كبيرة وتوفي في ظرف قياسي لم يتعدى 20 يوما .

نهاية الحياة :

- نهاية الحياة تمثل صدى لمرحلة أخيرة من الحياة، ولكل ما هو مهم بالنسبة لنا، وقد نجده مختلطا ببعض المفاهيم التي تخص الشيخوخة.

- يتمثل المفهوم البيولوجي في ضعف لوظائف حيوية يكون صداها وتأثيراتها نفس- اجتماعية تتجلى في تباطؤ، أو تخلي أو تراجع عن الحياة الاجتماعية.

- نهاية الحياة تظهر كجزء/ كزمن متشابك في هذه المرحلة الغامضة المشوشة التي نسميها نهاية الحياة،   يتعلق الأمر بالقسم الأخير من الحياة الذي يسبق الموت.

رابعا: سيرورة نهاية الحياة:

   لقد ذكرت سابقا أن الموت تجربة شخصية لكل شخص، وللموت مسار أو سيرورة من المراحل أو التغييرات الفيزيولوجية والنفسية قد تنبؤنا بأن الموت أصبح وشيكا، لاسيما إن ظهرت تعقيدات وصعوبات صحية فتسرّع من وتيرة الموت.

إن مثل هذه المراحل أو التغييرات تجنّد كل من العائلة والفريق الطبي المعالج لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل التهيئة النفسية  لمرافقة المريض في نهاية الحياة عموما، ومريض السرطان خصوصا لأن موضوعنا يدور حوله بصورة مباشرة.

التغييرات البدنية التي يمكن ملاحظتها خلال الأيام القليلة المتبقية من حياة المريض:

    خلال الأيام المتبقية للمريض قد نلاحظ انخفاضا واضحا للطاقة ولوظائفه أو نشاطه المعتاد، عدم قدرة المريض عن مغادرة سريره ( ملازمة سريره )، وفي حالة تعب وخور للطاقة، عدم قدرته على البقاء في حالة يقظة، غير قادر على التواصل، أو الأكل أو الشرب، وربما وجدنا صعوبة في عملية إطعامه وربما يجد كذلك صعوبة في بلع الطعام.

في مثل هذه الحالة لابد من إعلام أهل المريض لمرافقة مريضهم خلال هذه المرحلة الصعبة والحرجة له ولهم، وحتى على الفرقة الطبية من ممرضين وأطباء وتقنيين في الصحة لأنهم يواجهون حالات كثيرة من الوفاة ربما تعد بالمئات في العام الواحد، وهذا ما ذكرته إحدى الممرضات بجناح مصلحة علاج أمراض الدم وكانت أحد أعضاء الفرقة الطبية رفقة زميلاتها الممرضات مكلفة بعملية إدراج ومتابعة العلاج الكيماوي لمرضى سرطان الدم.   

العلامات البدنية المنبئة بموت وشيك:

  هناك مجموعة من  التغييرات التي تحدث أيام قبل الاحتضار قد تتنبأ الفرقة المعالجة أن المريض سوف يموت وتتنبأ العائلة كذلك للتعامل مع مثل هذه الظروف.

من بين هذه التغييرات تغير لون البشرة، تغير على مستوى التنفس، معنى ذلك أن الجسم ينحو نحو الفناء أو الانطفاء، وفي مثل هذه الحالة قد يصل الشخص إلى مرحلة غيبوبة.

بالنسبة لحالة الوعي:

  فحالة الوعي تتغير في مرحلة نهاية الحياة، وتكون غير قابلة للانعكاس، وتعد علامة عن تدهور وضع المريض، وقد يكون بصورة تدريجية أو بسرعة، وقد يترتب عن ما تم إدراجه من أدوية، وقد يستغرق المريض في نوم مطول، ومن الصعب إيقاظه وتنحو نحو حالة الغيبوبة .

  إن التغييرات التي تحدث على مستوى الجسم خلال الدقائق الأخيرة من الحياة، قد تستثير حالة هيجانية وحالة هذيانية، كما يمكنها أن تقدم هلوسات.

إن مثل هذه الاستجابات قد تربك وتقلق أقرباء وعائلة المريض، في مثل هذه الحالات قد تتدخل الفرقة المعالجة لادراج مثبطات ومنومات عصبية لتهدئة المريض وعائلته إلى غاية الوفاة.

ما هو مهم بالنسبة للمريض هو الاهتمام والعناية به وعدم التخلي عنه إلى غاية لحظات حياته الأخيرة، فنرافقه سواء أكنا أخصائيين نفسانيين، أطباء، ممرضين، ولا ننسى عائلة المريض وأقربائه ونؤدي واجبنا المهني على أكمل وجه.

  يمكننا تشجيع عائلته على التحدث إليه والتقرب منه وإبداء حبها له، والجلوس بالقرب منه أو التمدد إلى جانبه حتى لا يشعر بالتخلي عنه مهما كان الوضع الصحي المأساوي للمريض، إذ لابد أن يتحلى أهله بالشجاعة والقوة .

مثال واقعي: حالة مريض في أواخر الخمسينات كان مصابا بسرطان العقد اللمفاوية قطع شوطا طويلا مع المرض وعلاجاته الكيميائية كان من بين الحالات التي كنت أتابعها من الناحية النفسية، كانت تربطه بزوجته علاقة حب ومودة قوية جدّا، إلى درجة أنه كان لا يقدر مفارقتها ولا هي قادرة على فراقه .

استبد به الوضع الصحي بعد أن غاب عن أنظاري ما يقارب ثمانية أشهر، كان خلالها يخضع للعلاج الكيماوي في المستشفى النهاري دون علمي، وفجأة أراه مجددا في حالة الاستشفاء.

    خلال فترة الغياب أصيب بنوبة قلب فأجريت له عملية جراحية للقلب، بعدها ساءت حالته عانى من أرق شديد، و كان يظل جالسا على مقعد طوال الليل،مع صعوبة في التنفس، تم توقيف لحصص العلاج الكيماوي، لكن ساءت حالته بعد فترة نقاهة ليعود مجددا إلى حالة الاستشفاء في وضع صحي متأزم، عسر شديد للتنفس، يظل جاسا على مقعد لعله يلتقط أنفاسه، لا يقوى على الحديث.

وكحالة أراه حالة استثنائية خلال تعامله مع وضعه الصحي الذي ازداد سوءًا، نزيف في اللّثة، عسر تنفس شديد، عدم قدرته على التحدّث مع تنهدات متكررة، وتم ربطه بجهاز رصد عمل القلب الذي أربك زوجته وأفزعها وأشعرها بحزن عميق خوفا من فقدان زوجها، أدركت حينها أنها سوف تفقد زوجها رأيتها بملامح حزن وأسى عميقين، عيناها دامعتان، أتت إلي لكي تخبرني عن وضع زوجها، أدركت أنها بحاجة إلى مساندة ودعم نفسي فهي كانت على وشك الانهيار، حاولت الرفع من معنوياتها وطلبت منها أن تتحلى بالصبر والشجاعة وأن تظل شجاعة وصامدة أمام زوجها ثم توجهنا إليه.

   ذهبت للاطمئنان عليه رفقة زوجته، كان وضعه مأساويا للغاية، لون بشرته أصفر مُخضر، منهك كان يعاني عسرا شديدا في التنفس، أخبرني أنه لن يتمكن من الحديث، فأخبرته أنني لن أتعبه بل جئت لتفقد أحواله،  طلب منّي أن أرافق زوجته التي طُلب منها تقديم عينات من دم زوجها من أجل إجراء التحاليل الطّبية وقال لها: " أنا رَانِي بخِير، أنا راني بخير، هِي تْرُوحْ مْعَاكْ". بنبرة قوية شجاعة.

لم أحضر وفاته، ولكن عقبها بفترة قصيرة لم تتعد أيام توفي يوم الجمعة عند الفجر بوجه طلق مبتسم وأنه كان ملازما للاستغفار.

بالنسبة لحالة التنفس:

  نعلم أن التنفس مؤشّر على أن الشخص على قيد الحياة، ولكن يتغير مساره عندما ينحو الشخص نحو الوفاة .

التغير الحاصل على مستوى عملية التنفس قد يظهر بأشكال مختلفة فقد يظهر بصورة غير منتظمة في تردده، سعته، إيقاعه، وخلال الساعات الأخيرة قد يصبح بطريقة اصطناعية ( تنفس اصطناعي )، مترافق بمراحل انقطاع متكرر للتنفس، عائق  تنفسي كبير.

مثل هذه الحالات أيضا لاحظتها لدى مريضة بسرطان الدم في عمر 25 سنة، بلغت مرحلة متطورة ونهائية للمرض، أصبحت شديدة الحساسية اللّمس، عسر تنفس شديد، و تم الاستعانة بالتنفس الاصطناعي ولكن ظهر لدى الحالة أن هناك عائق كبير أمام عملية التنفس، وظلت على ذلك الحال ليس فقط لساعات بل لعدة أيام إلى أن توفيت .

 

بالنسبة للحشرجات النهائية:

   تعد الحشرجات جزءً من السيرورة الطبيعية للموت، تكون الحشرجات النهائية عادة نمطية، في نفس الوقت شهيقي وزفيري، وأحيانا قوية وملفتة للأنظار.

 

بالنسبة للاجتذاب ( الانسحاب ):

  خلال اللحظات الأخيرة ، فإن عضلات التنفس قد يحدث عليها تغيير، حيث يُلاحظ من قبل الفريق الطبي انسحابا لتحت الأضلع، وانسحابا أو اجتذابا لتحت الترقوة و ارتفاعا للكتفين لدى الشخص أثناء التنفس.

بالنسبة لإصابة الجلد والجهاز العضلي:

  خلال الساعات والدقائق التي تسبق الموت، تنسحب الدورة الدموية من محيط الجسم لتتركز في أعضاء حيوية. يصبح الشخص ذابل اللّون، ولون بشرة  يصبح بلون رمادي مع ازرقاقها.

كما تظهر برودة على مستوى الأطراف، ازرقاق على مستوى اليدين، الأصابع، القدمين، الشفتين، كذلك تصبح أعضاء كالفخذين، الركبتين وغيرها صلبة وصعبة للتحريك،  كما أن فقدان القوة العضلية يجعل

الشخص منفرج الجفنين، فكه نازل، عيناه شبيهة بالزجاج ودامعتين.

بالنسبة للعلامات التي تشير إلى الاحتضار:

   هناك مجموعة من العلامات قد تظهر في عدة أشكال كـــ: حالة الاستثارة، تعرق، وجه منقبض، توتر عضلي، تأوهات.

وعند نهاية الحياة يتغير إيقاع التنفس بشكل واضح، فبالنسبة للتنفس الطبيعي يكون ما بين  10و20  ولكن يمكن أن ترتفع إلى 50 تنفس في الدقيقة الواحدة وهذا ما يُسمى تسارع التنفس Tachypnée.

وباقتراب اللحظات الأخيرة للحياة فإن التسارع في التنفس يتطور نحو بطء تنفس ليعلن عن موت  فعلي.

 

خلال لحظة الوفاة:

  ذكرنا سابقا أن توقف التنفس والعمليات التي تشير إلى التنفس تشكل نهاية الحياة، وخلال ذلك تشكل الأقوال، والحركات، والاستجابات أهمية بالنسبة للأقرباء / العائلة حيث تظهر ردود فعل عاطفية: هناك من يرى أنه المذنب في حق ذلك المريض، بعضهم الآخر يرى أنه ارتاح من معاناة وآلام لا يمكن تحملها، منهم من يراه أنه عند خالق أرحم على عباده وأن الأمانة عادت إلى بارئها وأنها ليست نهاية المطاف بل عبور إلى حياة أبدية.

في مثل هذه الحالات لابد أن تكون الفرقة المعالجة المتعددة التخصصات مجنّدة بقدراتها ومميزاتها الشخصية وتكوينها الأكاديمي والميداني من أجل مرافقة أقرباء وأهل مريضها الذي توفي في مثل هذه الوضعيات الصعبة.

 

ملاحظة لطلبتي الأعزاء:

  لمزيد من الاطلاع وتوسيع المعارف أدعوكم إلى الاطلاع على المواقع التالية فيما يخص موضوع المحاضرة:

_ www.medecine.ups.tlse.fr

_ palli-science.com/sites/default/files/nursing

_ www.eajaz.org> scientific-Miracles

_www.infirmiers.com



محاضرات علم النفس الأورام

ماستر1 علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane53@gmail.com

 

التّدخلات الدّوائية والنّفسية لمريض السّرطان

تمهيد:

  قد سبق وتحدثنا عن السّرطان كمرض وتداعياته النفسية وانعكاساته وتعقيداته الجسدية ويعد أحد الأمراض الخطيرة والفاتكة، تأثيراه لا تنحصر في المريض بل تتعداه إلى أسرته أقربائه ولهذا تناولنا جانب التكوين والتواصل لدى الفريق العلاجي في إطار تكاملي(إطار تعدد التخصصات ).

ومن البديهي أن علاج مريض الّسرطان ينبغي أن يأخذ هذا البعد التكاملي في العلاج أيضا تربويا، نفسيا، طبيا وهذا ما سوف أحرص على 

. تقديمه في هذه المحاضرة 

أولا: العلاج الطّبي للسّرطان:

  يتنوع العلاج الطّبي للسّرطان وفقا لموقعه وخطورته ويتضمن أنماطا عامة كالجراحة، العلاج الاشعاعي، العلاج الكيماوي، والعلاج البيولوجي.

العلاج الجراحي (Surgery):

   تعد الجراحة أقدم العلاجات وأغلبها شيوعا للسّرطان، تستعمل هذه الطريقة لإزالة الورم المبدئي، الأنسجة المحيطة، لإزالة العقد اللمفاوية، ويمكن استخدامها لإزالة الأورام ذات الطّابع الانبثاثي.

وتعد من العلاجات الناجحة لاسيما في المراحل المبكرة للمرض وقبل انتشاره، وتساهم في التشخيص وتحديد  طور المرض، وقد تستخدم بالاشتراك مع العلاج الكيماوي أو علاج إشعاعي أو مناعي، فقد يُزال جزء من الورم جراحيا قبل العلاج الكيماوي كما هو الحال في سرطان الثدي ويعقبه علاج كيماوي .

وقد تترتب عليها تأثيرات جانبية كشعور المريض بالتعب والإرهاق، والضّيق بسبب الآلام والتي يتم تسكينها من خلال أدوية مسكنة.

العلاج الكيماوي(Chemotherapy):

   يُستعمل في هذا العلاج عقاقير كيمائية لإبطاء أو إيقاف أو قتل الخلايا السرطاني ، يمكن تقديمه عن طريق الحقن الشرياني، عن طريق الوريد أو عن طريق الفم .

على الرغم من أنه يمكن أن يستعمل بصورة فردية، لكن يمكن أن يكون علاجا مكملا للعلاج الجراحي أو الاشعاعي.

ومن بين الآثار الجانبية لهذا العلاج كغيره من العلاجات: التعب، الغثيان، التقيؤ، اضطراب الشهية، تساقط الشعر، انخفاض الوزن، انخفاض لكريات الدم البيضاء والحمراء، الصفائح الدموية.

العلاج الاشعاعي (Radiotherapy):

 في هذا النوع من العلاج تستخدم أشعة جاما بهدف تحطيم الخلايا السّرطانية ومنعها من الانتشار، كما لها دور في التخفيف من الأعراض الناتجة عن الأورام المنتشرة في الجسم، كما يستخدم لأسباب وقائية بهدف تنظيف المناطق التي يُتوقع أن تكون فيها خلايا سرطانية مجهرية، وقد يستعمل بصورة مكملة لعلاجات أخرى فقد تعطى الأولوية للجراحة لتقليص حجم الورم تم يُستعمل العلاج الاشعاعي للتخلص من بقايا الخلايا السرطانية . 

بصورة مشابهة للعلاج الكيماوي يمكن للعلاج الاشعاعي أن يؤذي الخلايا السليمة المجاورة، ولديه آثار جانبية فقد يشعر المريض بالتعب، فقدان الشعر، فقر الدم، جفاف الفم، الغثيان، التقيؤ،...

  

العلاج البيولوجي (Biological therapy):

   يُطلق عليه العلاج المناعي حيث يستخدم الجهاز المناعي للجسم من أجل إيقاف أو اخماد نمو السرطان ، وفي هذا الصدد بحث العلماء عن الخلايا المصابة بالطفرات من أجل استخدام معدِّلات الاستجابة البيولوجية .

هذا العلاج يُحفّز الدّفاع المناعي للجسم وذلك باستخدام لقاحات مكونة من انتيجينات سرطانية معدّلة ومضادة للسّرطان .

  بعض العلاجات البيولوجية للسرطان تستخدم لقاحات أو بكتيريا لإستثارة الجهاز الدفاعي ضد الخلايا السرطانية.

  ومن بين الآثار الجانبية للعلاج المناعي حمى، غثيان، قشعريرة، تقيؤ، تعب، طفح جلدي، تورمات، آلام على مستوى العظام، صداع الرأس، أحيانا صعوبة في التنفس..    

عملية زرع نخاع العظم (Bone Marrow Transplantation):

   هذا العلاج يوجه لعلاج سرطان الدم وتعد غالبا فعالة وفي حالة تحسّن، تحدث عملية زرع نقي العظم من خلال مجرى الدم المحيطي حيث تقوم هذه العملية بترميم وتجديد الخلايا التي حُطّمت بسبب العلاج الكيماوي أو العلاج الاشعاعي.

  يتلقى المريض  الخلايا الأم التي تنتقل أو تعبر نقي العظم وتنتج خلايا دم ضرورية ناقلة للأكسجين، تحارب الاصابات، وتمنع من حدوث النزيف .

عملية زراعة نخاع العظم هي عملية حقن الخلايا الجذعية المكوّنة للدم ( السليمة) في جسم المريض لتحل محل نخاع العظم التالف وهذا ما يُطلق عليه زرع ذاتي (Autologous Transplant)، كما يمكن أن يكون حقن هذه الخلايا الجذعية من متبرع أو قريب مطابق    )Allogeneic Transplant   ).

   ومن بين مضاعفات عملية زرع النخاع قد يحدث رفض الجهاز المناعي الخلايا السليمة التي تم زرعها ، وقد يُصاب بداء مهاجمة خلايا المتبرع لجسم المريض، وقد يُصاب المريض بالتهابات أو إصابات فطرية أو فيروسية بسبب أن العلاج الكيماوي أو الاشعاعي الذي يخضع له المريض يُضعف جهاز المناعة فيجعله عرضة لها.

 

ثانيا: التدخلات النفس تربوية (Psycho-educational Interventions )  :

  تهدف هذه التدخلات النفسية التربوية إلى خفض الشكوك( عدم اليقين )، الاحساس بعدم الكفاية، الخلط، فقدان الأمل، فقدان التحكم بسبب المعلومات التي يزود بها المرضى حول سيرورة المرض والتعامل معه.

هذه التدخلات توظف جنبا إلى جنب مع تدخلات نفس-اجتماعية كتوظيف العلاج النفسي وكان لها دور وفعالية في خفض من مستوى الأسى والضّيق.

 تلعب التدخلات النفس تربوية دورا فعالا في الوقاية أو التخفيف من حدّة الاكتئاب والقلق بالنسبة للمرضى الذين خضعوا للعلاج الجراحي أو الكيميائي.

مثال عن التدخل النفس-اجتماعي: في دراسة قام بها ماكلون ورفاقه (Macquellon et al)(1998)  حيث أعدوا برنامجا لخفض القلق والاكتئاب والأسى لدى مرضى السّرطان لدى عينة مكونة من 150 مريضا بالسرطان اختيروا بصورة عشوائية سواء بالنسبة للتدخل النفس التربوي أو للعلاج المتداول الطّبي.

كانت التدخلات النفس-تربوية جد قصيرة ما بين 15-20 دقيقة، فكانت النتائج أن المرضى الذين تلقوا تدخلا قصيرا سجلوا انخفاضا دالا على مستوى القلق وانخفضت لديهم أعراض الاكتئاب، وكانوا أكثر رضا بما تلقوه من عناية وعلاج.

ثالثا: التدخّلات-المعرفية-السلوكية ) Cognitive-Behavioral Interventions  (:

  يعد العلاج المعرفي السلوكي أحد أساليب العلاج النفسي الحديثة نسبيا التي نتجت عن إدراج العمليات المعرفية إلى مجال أساليب العلاج السلوكي، تعود جذوره إلى أعمال آرون بيك (A. Beck) في الستينات على مرضى الاكتئاب، وأعمال إليس (Ellis) في الخمسينات .

يتعامل هذا العلاج مع الاضطرابات المختلفة من منظور ثلاثي حيث يتناول المكونات المعرفية والانفعالية والسلوكية للاضطراب، وعليه فقد تنوعت الفنيات المستخدمة التي يرتكز عليها على أساس الاقناع الجدلي التعليمي للمفحوص من أجل تبيان لاعقلانية الأفكار التي يؤمن بها وتأثيراتها عليه وعلى سلوكه في إطار علاقة علاجية بنّاءة قائمة على حوار نشط فعّال: فاحص - مفحوص.

وتتمثل مبادئ العلاج المعرفي السلوكي فيما يلي:

1- أن المُعَالَجْ والمُعَالِج يعملان معا في تقييم المشكلات والتوصل إلى حلول.

2- أن المعرفة لها دور أساسي في معظم التعلم الانساني.

3- أن المعرفة والوجدان والسلوك تربطهم علاقة متبادلة على نحو سببي .

4- أن الاتجاهات والتوقعات والأنشطة المعرفية الأخرى لها دور أساسي في انتاج وفهم كل من السلوك وتأثيرات العلاج والتّنبّو بهما.

   يتضمن العلاج المعرفي السلوكي وبصورة نمطية التدريب على الاسترخاء، التدريب على مهارات التعامل وإعادة البناء المعرفي، يرتكز هذا البروتوكول العلاجي على التعرف على الأفكار والسلوكيات الخاطئة بهدف تقليص الأسى وتحقيق حسن الحال الذاتي والارتياح النفسي.

لقد أشار هولاند وأليسي (Holland&Alici) (2010) أن التقنيات السلوكية كالاسترخاء، التسلية، إزالة الحساسية التدريجي والتنويم مفيدة في خفض حدوث الغثيان، التقيؤ لدى مرضى السرطان، كذلك وجد فيرقورا وموسلي (Firgueora&Moseley ) (2007) أن الاسترخاء العضلي المتدرج وعمليات إزالة الحساسية المنظم ذو فعالية في الوقاية من الغثيان، التقيؤ وعلاجهما.

كذلك تعد نماذج العلاج المعرفي السلوكي الأكثر استخداما ويمكن توظيفها لتسكين الألم  ومقاومته ، والذي قد يكون مرتبطا بتشخيص المرض، إجراءات العلاج، الجراحة، العلاج الاشعاعي أو العلاج الكيميائي، تطور السرطان وانتشاره.

ففي دراسة لـــ تاترو و مونتجومري (Tatrow&Montgomri)  (2006)على مريضات مصابات بسرطان الثّدي طُبّق عليهن العلاج المعرفي السلوكي نقلن وبصورة دالة ألما أقل مقارنة بالمجموعة الضّابطة.

 كذلك يمكن توظيفه في المجال الانفعالي والوجداني لاسيما في حالة الأسى والاكتئاب ومن أجل تسير الضغط ومن أجل تعزيز نمط نوم أفضل أو بالتنسيق مع التربية الصّحية لتحسين جودة حياة المريض .

كذلك يمكن توظيف التسيير المعرفي السلوكي للضغط  بالتنسيق مع التدريب على تقنيات لخفض التوتر كالاسترخاء العضلي المتدرج أو التدريب على الاسترخاء الذّاتي لـــ شولدز(Schuldz)، التخيّل الموجّه، التنفس العميق، التأمل مع تقنيات معرفية كإعادة البناء المعرفي، والتدريب على مهارات التعامل كلها تقنيات يمكن أن تساعد المريض على التكيف وتساهم في خفض الأفكار المتسلطة الخاصة بالسرطان، أعراض القلق ، والرفع من مستوى التفاؤل والوجدان الايجابي وبالتالي التأثير على الجانب المناعي.  

طريقة كارل سيمونتون (التخيل الموجه) في علاج مرضى السرطان:

  ونظرا لأهمية الطريقة التي وظفها كارل سيمونتون (Carl Simonton) في علاج مريض السرطان ألا وهي التخيل الموجه، النشيط والايجابي سوف يتم الحديث عنها إذ تتمثل في توظيف قدرات ابداعية والمتمثلة في التخيّل من أجل تشكيل رؤى أو صور عقلية وإسقاطها على شاشة ما يراه عقلنا، وهنا تتم بلورة علاقة بين ما نمتلكه داخل العقل وما نخبره في الجسد واستعمال ارتباطات بين العقل والجسم من أجل استرداد الصحة والعافية .

حيث نجعل المريض يتخيل نظام جسمه الدفاعي ( الكريات الدموية البيضاء ) يُناضل ضد المرض ويقضي على الخلايا السرطانية وهنا نقترح على المريض التمدد والاسترخاء بشكل جيد تم نطلب منه تخيل مثلا الكريات البيض وهي تناضل ضد السرطان وتدمرها.

ولسيمونتون كتاب مشهور موسوم بــ:  « استعادة المعافاة مجددا »   «   well  again Getting   » صدر بعد تجربته مع مئات المرضى بالسّرطان، أحدث هذا الكتاب ضجة فيما تعلق ببروفيل الشخصية السّرطانية أظهر فيه كيف يستجيب المرضى للقلق وكيف يمكن أن تساهم عوامل وجدانية في حدوث السرطان وتطوّره- وكيف يمكن للتوقعات الايجابية والوعي الذّاتي، والعناية الذّاتية أن تؤدّي إلى البقاء على قيد الحياة.

قدم سيمونتون في هذا الكتاب تقنيات تساعد مرضى السّرطان وتعزز العلاج الطّبي كتعلم الاتجاهات الايجابية، الاسترخاء، التخيل الموجه، تحديد الأهداف، تسيير الألم ، التمارين البدنية، بناء نظام دعم وجداني.

علاج حل المشكلات لدى مريض السّرطان (Problem-solving Therapy):

   يعد أحد  الأساليب العلاجية تساعد الفرد على التسيير الفعال للآثار السلبية أو الأحداث الضاغطة التي يمكن أن تحدث في الحياة كالطلاق، موت شخص عزيز، فقدان وظيفة، أو الاصابة بمرض وخطير كالسرطان.

 يمكن أن يستخدم أسلوب حل المشكلات بالتنسيق مع أساليب أخرى لمساعدة الأشخاص لمواجهتها  وحلها، ويمكن توظيفه وبصورة فعالة في معالجة مشكلات عدة كـــ:

- الاضطراب الاكتئابي الكبير .

- اضطراب القلق المعمم.

- الأسى الوجداني.

- الأفكار الانتحارية.

- الأسى الوجداني والمشكلات الحياتية لدى مرضى السرطان ومرضى الداء السكري وغيرهم.

أسلوب حل المشكلات يساعد على تدريب الفرد على مهارات فعالة لحل المشكلات والتعامل مع الوضعيات الضاغطة، ومن بين هذه المهارات :

- اتخاذ قرارات صائبة .

- تعميم استخدام سبل مبتكرة في التعامل مع المشكلات.

- التعرف على الحواجز من أجل بلوغ الأهداف.

   لقد أجريت دراسات حول تدخلات متعددة وظّفت أسلوب حل المشكلات أو بعضا من عناصره لخفض الآثار البدنية والوجدانية للسرطان سواء كان ذلك بالنسبة للمرضى أو أقربائهم ( أسرهم ).

يعد أحد العلاجات الفعالة المرتكزة عل التدخل المعرفي-السلوكي التي تؤدي إلى تبني تطبيق فعال واتجاهات متكيفة مع حل المشكلة ومهارات  فعالة لحل للمشكلات الحياتية .

   بالنسبة لبروتوكول علاج حل المشكلات بالنسبة لمرضى السرطان يتم مساعدة الأفراد من أجل التعامل بصورة أكثر فعالية مع السرطان في علاقته مع مشكلات الضغط، قصد تعليمهم مهارات موجهة لحل فعّال لمثل هذه المشكلات، أو تسيير أفضل لاستجاباتهم الوجدانية السلبية إزاءها.  


رابعا: العلاج الجماعي (Group Therapy):

   أجريت في الماضي أبحاث ودراسات لتقييم تدخلات العلاج الجماعي حيث كان الاهتمام والتركيز على نماذج العلاج التدعيمي- التعبيري مع مريضات مصابات بسرطان الثّدي، لتتسع دائرة العلاج الجماعي فتتضمن نماذج علاجات نفسية أخرى كالعلاج المعرفي السلوكي وفئات أخرى من مرضى السّرطان كسرطان المبيض.

  في هذا الصدد وصف شرمان (Sherman) (2004) فوائد العلاج الجماعي بالنسبة لمرضى السّرطان على أنه يزود هؤلاء المرضى فضاءً عاما للمناقشة، وأن ذلك يُشعرهم بأن المرض مشترك بينهم ويُساعدهم على تقاسم الخبرة والتجربة، كما يعد فرصة للتعلم من التجارب المشابهة مع المشاركين في هذا النوع من العلاج، ويُساهم في خفض الوصمة المرتبطة بالسّرطان.

كما نقل سبيجل (Spiegelبلووم (Bloom) وآخرون (1989)عقب تطبيق العلاج الجماعي التدعيمي(المتضمن للتعبير عن الوجدانات، إعادة التعرف على أولويات الحياة، الرفع من دعم الأصدقاء والعائلة..) لدى مريضات مصابات بسرطان الثّدي في مرحلة الانبثاث تحسنا بالنسبة للبقاء على قيد الحياة، المزاج، الألم، ومهارات التعامل.

 التربية العلاجية (Therapeutic education):

 تعرف منظمة الصحة العالمية (1996) التربية العلاجية على أنها  مجموع الممارسات الموجهة للمريض من أجل اكتساب القدرات والطاقات والحفاظ عليها حتى يتمكن من التعامل الفعال مع مرضه، ومع أنواع العلاجات، بالتعاون والتشارك مع المعالجين، وتعد جزءً هاما في عملية التكفل بالمريض.   

محورها الأساسي المريض، تتضمن أنشطة منظمة من التحسيس والإعلام، التعليم، والمرافقة النفسية -اجتماعية خلال المرض، وصف العلاج، أنواع الرعاية، الاستشفاء الخاص، والسلوكات الصحية، والمرض والمريض.

تهدف إلى مساعدة المريض وأقربائه على فهم المرض، وفهم العلاج، والتعاون مع المعالجين، العيش بصورة أكثر صحية، والعمل على تحسين أسلوب الحياة.

  إذن فالتربية الصحية تخص كل شخص مُعَالَج ( المريض ومحيطه ) مصاب بمرض على أن يتم تسييره بالتعاون مع المعالجين الأكفاء ذو الطاقات والقدرات، تتضمن أنشطة من التحسيس-الإعلام- التعليم تسمح للمريض بتسيير أفضل لمرضه وحياته اليومية .  

وبالنسبة لمريض السرطان فالتربية الصحة تتمركز حوله وحول محيطه بالتنسيق والتعاون مع الأطباء والمختصين في مجال الصحة حيث يتم تنظيم حصص تحسيسية، إعلامية و كذا تعليمية تمكن المريض وأقربائه من تسيير أفضل للمرض وللحياة.



محاضرات علم النفس الأورام

ماستر1 علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane53@gmail.com

 

        التّكوين والتّواصل والضّغوط لدى الفريق العلاجي

 

تمهيد:

   

    يحتاج مرضى السرطان على امتداد التكفل الطبي والنفسي أن يُصغى إليهم وأن يُحترموا، هم يرغبون في أن يُعلموا، لا أن تتم حمايتهم بإفراط، أو أن يُعاملوا بقسوة بسبب إصدار حقيقة المرض، فمن أجل التواصل فهم بحاجة إلى أن تؤخذ راحتهم الذّاتية بعين الاعتبار في القرارات العلاجية وفي اختيار أنواع الفحص والكشف فهو أمر أساسي وضروري من أجل تقديم دعم يُناسب معاناتهم المعنوية وعلاج فعّال يُناسب وضعهم الجسدي .                                               

    إن الهدف الأساسي لعلم النفس الأورام هو إدماج البعد النفسي- الاجتماعي عبر مختلف مراحل العلاج من أجل بناء نظام عناية وعلاج يأخذ بعين الاعتبار صحة الفرد على المستوى الفردي والصحة العمومية بشكل عام .

   يُشكل علم النفس الأورام أحد زوايا تعدد الاختصاصات في علم الأورام، يركز على الجوانب النفسية والسيكوباثولوجية لمرض السرطان، للمريض، أقربائه، كذلك المعالجين.

 

تكوين العاملين في مجال علم النفس الأورام:

   لا يتعلق التكوين بالمختصين في مجال العناية النفسية والعقلية أو العلاج النفسي والعقلي فحسب ، ولكن يتعلق بكل الاختصاصات المندرجة ضمن مسار عناية المريض وعلاجه بمصلحة طب الأورام : أطباء، ممرضين، معالجين، حاملي المرضى، موظفو أمانة السر وغيرهم ... مجموع المختصين، بدءً باستقبال المريض وأهله إلى غاية أنشطة العناية والعلاج الأكثر تخصصا، مرورا بتحقيق مختلف الأفعال التقنية، التي تؤدي إلى الالتقاء، المرافقة، الاعلام، الاصغاء إلى شدّة/ ضيق المرضى وأقربائهم.

  يستلزم إذن تخصيص هياكل علاجية في مصلحة طب الأورام  مكونة من مختصين  بالعناية النفسية والعلاج النفسي مكيفة مع خصوصية كل تجربة نفسية وجسدية يمر بها مرضى السرطان وعائلاتهم.

    هذا التكوين يسمح بإعطاء انفتاح وانتباه خاص إلى المعاناة النفسية ما من شأنه أن يستجيب لمتطلبات واحتياجات مريض السّرطان الشرعية، واستيعاب دورهم المنوط بهم سواء أكانوا مختصين في علاج الأورام، ممرضات/ ممرضين، أطباء عاميين، ... تستلزم مقاربة متعددة التخصصات على أن يكون هناك انتماء حقيقي لهؤلاء وفعالية دورهم في إطار مفهوم تعدد التخصصات.

   ينبغي أن يُعزّز التكوين التماثلات المشتركة المتبادلة لكل فاعل( طبيب، أخصائي نفسي عيادي، طبيب عقل، ممرض)  وذلك من خلال إدماج على الأقل جانب من نظرة ومنطق الفاعلين الآخرين، وهذا دون خلط للأدوار  مع بقاء كل شخص في مكانه، فكل واحد منهم عليه أن يحافظ على أدواره المتميزة والمكمّلة للآخر، وعلى كل منهم تعلم التواصل فيما بينهم، أن يفهم أحدهم الآخر وأن يجدوا متعة العمل معا وفي إطار تكاملي.

 

تكوين الأخصائيين النفسانيين و أطباء العقل:

  يتعلق الأمر عادة بمختص نفساني للأورام  un psycho-oncologue ويعد مختصا في الصحة العقلية متمركزا دوره في التكفل بالمرضى بمصلحة طب الأورام. يتعلق الأمر بمختص نفساني عيادي أو طبيب عقلي: على الرغم من أن هذين التخصصين مختلفين، ولكن عملهم في مجال مبحث السّرطان أو بالأحرى علاج السرطان يتضمن نقاطا مشتركة ولهذا يظهر أحيانا أو يتكرر ذكر مصطلح مشترك وهو Psycho-oncologue  ومن أجل ازاحة اللّبس ومن أجل الايضاح نتكلم هنا عن أخصائيين نفسانيين وأطباء عقل أو نفضل استعمال «PSYS» عندما يتعلق الأمر بكليهما.

  ينطلق مجال علم النفس الأورام من التكيف النفسي للمريض وعائلته إلى الأعراض السيكوباثولوجية المتولدة عن المرض أو العلاجات، الصعوبات العلائقية  إلى سلوكات الخطر، مرورا بالاتصال (التواصل) معالج-مريض Soignant-Soigné  ومن خلال ذلك يتم تحديد  التقييد العلاجي أو التحالف العلاجي .

تتمثل مهام psys بمصلحة طب الأورام في أربعة محاور أساسية :

- الوظيفة العيادية للعلاجات، سواء تعلق الأمر باكتشاف الاضطرابات، الوقاية منها إن أمكن، والتكفل العيادي.

- وظيفة تجاه الفرقة المعالجة والمؤسسة، في حالة الاستحقاق حيث يتم ادراجه ضمن الفرقة المعالجة، سواء كان الأمر بصورة واضحة أو ضمنية حول طرق العمل والمرجعية النظرية .

- وظيفة تعليمية، وبصورة واسعة نقل الكفاءات والمهارات ومعرفة التصرف faire  savoir   بالقرب من أطباء وفرق معالجة، وفي إطار التبادلات بشأن وضعيات عيادية صعبة.

- وظيفة بحثية تتعلق بإجراء بحوث.

 

 تكوين الفاعلين في مجال الرّعاية النّفسية خارج إطار مبحث السّرطان أو مصلحة علاج السّرطان:

   بعض المتابعات النفسية والطب-عقلية تنطلق خلال التكفل داخل مصلحة علاج السرطان يمكن أن تجرى بأماكن علاج المرضى أو بالارتكاز على تنظيم علاجات الأورام، ضمن إطار شبكة على سبيل المثال.

    نوعية الاتصال بين المختصين وتقاسم المرجعيات ( المعالم ) المشتركة ، وبشكل خاص حول المرض السوماتي ( الجسدي )؛ تعد من النقاط الأساسية من أجل استمرارية العلاجات وتميُّزها، قصد تجنب مثلا  تمثلات مُحقّرة وخاصة المغلوطة منها والمرتبطة بالمرض والموت حتى لا تغزو المجال العلاجي.

ينبغي البحث أيضا عن مشاركين في التكوين، كذلك البحث عن مختصين خارج المجال الطبي، من أجل تعزيز التكفل بالمرضى الخاضعين للعلاج بسبب السرطان ( بمفهوم الكفاءة ومفهوم التقبل ).

تكوين الأطباء الذين هم بصدد التكفل بالمرضى المصابين بالسّرطان:

  يمثل الأطباء محطة جوهرية في تنظيم العلاجات بمصلحة طب الأورام، من خلال مكانتهم في الكشف عن الاضطرابات والتوجيه نحو الأخصائي النفسي العيادي والطبيب العقلي (psys) ، كذلك بالنسبة لوصف المثبطات العصبية. كذلك لديهم دور وقائي من خلال إعلام المريض، اتخاذ القرار، العلاقة العلاجية، كل العوامل التي لها ارتباط مع تكيف نفسي مميز بالنسبة للمريض وبالنسبة لأهله.

فالعلاقة الطبية والفحص الطبي يمثلان دعامة للعديد من المهام المعقدة تتمثل فيما يلي:

- الكشف عن الجاروحية ( القابلية للانجراح )، المعاناة النفسية، خطر الانتحار.

- تشخيص اضطرابات القلق والاكتئاب ( المتكررة الظهور في مصلحة علاج الأورام ).

- التوجيه نحو الأخصائي النفسي العيادي أو الطبيب العقلي .

- تكوين في مجال وصف المثبطات العصبية ( قلق، خلط، اكتئاب ).

- إدماج الأقارب في التكفل ( جوانب اتصالية، قانونية....) .

تكوين الفرق المُعالِجة :

   العديد من التوجيهات فيما يخص تكوين الأطباء تُطبق كذلك على الفرق المعالجة والتي تهتم بالتكفل بمرضى السرطان،هذا التكوين يستلزم إدماج كفاءات من أجل ما يلي:

- الكشف عن الجاروحية ( القابلية للانجراح )، المعاناة النفسية، خطر الانتحار.

- التقييم الصّارم والمنتظم للمشكلات النفسية للمريض، لاسيما التي تلاحظها الفرق المعالجة، وهذا قد يتطلب الاستعانة بأدوات صادقة، ولكن لابد أن تكون مرتكزة على نقل كفاءات وأنشطة تكوين الفرق من قبل (psys) ( اكتشاف الأعراض، دعم وإعادة تطمين المريض وأقربائه )، كذلك توقع الحاجات والكشف عن وضعيات الخطر.

- الكشف ومتابعة المتلازمات الخلطية.

- التوجيه نحو أخصائي نفسي عيادي أو طبيب عقلي .

- إدماج الأقارب في التكفل ( جوانب اتصالية، وقانونية ).

- أخلاقية العلاقة مع الشخص المريض.

- العلاقة المساعدة.

- تسيير وضعيات عدوانية .

  كذلك يدمج تكوين الفرقة المعالجة تكوين المعالج  حتى يتسنى له التعرف على معاناته المهنية والعمل ضمن اطار تعدد التخصصات.

تكوين لغير المعالجين ( موظف أمانة السّر، حامل المرضى ):

   هم كذلك يشكلون جزءًا من فعالية سلسلة العلاجات التي يتلقاها المريض على المستوى الفردي، قابليته للانجراح، وعليهم اقتراح الدعم النفسي الملائم.

الهدف من تكوينهم هو ادماج تكوين قاعدي في المجالات الموالية:

- علاقة مساعدة ومعرفة التصرف( التعامل) مع الشخص الذي يُعاني( المريض ) ( احترام، تعاطف، اصغاء باهتمام ).

- التعرف على وضعيات الشدّة ( الضّيق )النفسية الكبرى.

-  التعرف على مصادر وموارد الشخص في وضعيات صعبة.

- التعرف على معاناته المهنية .

 

مفهوم الاتصال:

  إن أصل كلمة communiquer  لاتينية من كلمة communicare والتي تعني أن يكون الشخص في علاقة ، إذن فكلما دخلنا في اتصال مع شخص ما فنحن في علاقة معه .

ولكن الاتصال يتعدى العلاقة، فهو يجعل أمورا مشتركة، أن يحدث تقاسم أو مشاركة بين شخصين،   

المعلومة المقترحة أو المقدمة من قبل المُرسل واستقبالها من قبل المستقبل يمكن أن تقبل كما يمكن أن ترفض. فإذا قبل المرسل ذلك فسوف يشكل بدوره رسالة ( كاستجابة ) «Feed-back».

هذه الرسالة هي التي سوف تشكل الاتصال و سوف يتولد منها بالمقابل رسالة آخر من المرسل وهكذا.

 

الاتصال في إطار علم النفس الأورام ( مريض- معالج ):

  الاتصال هو تقاسم أو مشاركة للمعلومات والانفعالات فمثلا عند الاعلان عن معلومة سيئة ( خطيرة وصادمة ) رغم أنها صادمة ومؤلمة فهو يستجيب على الأقل لحاجات المريض في أن يكون على دراية ومعرفة.

   فمريض السرطان يرغب في أن يعامل كشخص منفرد بذاته له شخصية، أن يُحترم،أن يُعلم، أن يُخبره طبيبه أن يوصل إليه المعلومة بكلمات بسيطة واضحة وبصورة متفهمة وأن يكون مستعدا لمساعدته والتكفل به.

مثال واقعي : في هذا الصدد أتذكر حالة مريضة (ن ب) لم تدرس تبلغ 40 سنة  عندما علمت الطبيبة وعن طريق نتائج تحاليل مريضتها أنها مصابة بالسرطان ( سرطان الدم ) تلعثمت واضطربت وقالت لها أنت مصابة بميكروب وسوف أحيلك إلى المستشفى الجامعي بوهران لتخضعين لعلاج بالمصل.

المريضة أدركت وبسرعة أنه السرطان وقالت للطبيبة إنه سرطان وظلت الطبيبة تُنكر ذلك بقولها وبصورة متكررة أنه ميكروب، خرجت المريضة في حالة انهيار نفسي تبكي وتدرك في قرارة نفسها أنه المرض الخبيث.

 

   فكان من المفروض أن تكون هذه التبادلات بين المُعالج والمُعَالج تستجيب لانتظارات واحتياجات المريض، وفي هذا الصدد يقول ميهيرا (Mihura) وإربوت(Erbaut) (2008)إن مثل هذه الاعلانات، عندما تكون مكيفة ومهيكلة تسمح للمختصين وللمريض لمناقشتها وبلورتها في إطار منظور مشترك من أجل التكفل في إطار علاجي.

    الاعلان له دور جوهري وأساسي في إقامة علاقة مُعالِج- مُعَالج relation soignant-soigné ، وانطلاقا من ذلك يمكن أن تُخلق ارتباطات تجمع كلا الطرفين ببعض خلال المرافقة .

ولهذا يمكن القول أن نجاح المقابلة الأولى أو الاتصال الأول بين المعالج والمريض سبيل لنجاح وتقدم العلاقة (الاتصال) وبالتالي التكفل والعلاج القائم على الثقة والاحترام.

ومن وظائف الاتصال بين المُعالِج- المُعالج: - تبادل المعلومات - التعبير الوجداني - تطوير تحالف علاجي .

يستلزم الاتصال علاقة صادقة وتبادلية :

  إن الاتصال بين المعالج و المعالج معقدة ومتشابكة تجمع جوانب عدة معرفية، وجدانية، علائقية تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين المرضى، أقربائهم ، والمعالجين.

كما أن اختلاف موقع كل شخص في العلاقة العلاجية ممكن أن يغيّر من شروط وظروف الاتصال ؛ فمع مريض يتمتع باستقلالية إلى درجة ما قد ننسى عدم تناسق العلاقة ضمن استيعاب لتعاون بسيط، إلى عمل مشترك؛ و مع مُعالِج منهك بتراكم المهام أحيانا يكون أمر أو فرض التكوين بشأن الاتصال أمر لا يمكن تحقيقه، لاسيما إن لم تكن له دافعية في ذلك.

ناهيك عن الاطار المؤسساتي وما يفرضه من حواجز أو عراقيل فمن أجل الاتصال يتطلب وقتا، «فسحة زمن» ، فضاء، وجو مناسب لإقامة علاقة ذات جودة في إطار علاجي تكاملي بين أعضاء الفرقة المعالجة.

 

طلب الاتصال قد يكون غامضا أو غير واضح:

   كما هو معلوم مسبقا أن المرضى دائما هم من يُطالب بمعلومات، مشاركين، التعبير الوجداني (الانفعالي)، وإن معرفة الموضوع أو الوعي به لا يستلزم اتخاذ قرار، لكن على العكس، فالأمر قد يغمرهم في حالة عدم كفاية وإحباط. فهناك أهمية للتمثلات ليس تلك الخاصة بالمريض التي تكون قبلية أي قبل المرض أو حتى عند الالتقاء به، ولكن أيضا تلك التي تتشكل عند تفاعلاته المتتالية بمختلف الفاعلين والعاملين في مجال العلاج.

مثال واقعي من تجربتي البحثية:

  أتذكر حالة مريضة مصابة بالسرطان نفس الحالة السابقة ( ن ب ) وبعد أن حدث تحسّن ملحوظ من الناحية النفسية والجسدية ( بعد أن كانت تعاني فقر دم شديد، يرقان حاد، هزال شديد، عدم الرغبة في التحدث، اكتئاب، فقدان شهية ... تحسنت انخفضت حدة فقر الدم واليرقان لديها، أصبحت تتحدث وتتكلم مع الفاحصة، عادت شهيتها للأكل، أصبح لديها أمل  ) تدخل إليها الطبيبة فجأة وبصورة مباغتة وتخبرها أن مناعتها ضعيفة وعليها أن لا تترك أحدا يدخل إليها .

المريضة قفزت قفزة قوية على سريرها تغيرت ملامحها من ملامح إطمئنان وارتياح إلى ملامح قلق، خوف وارتباك وانشغال، ولحسن الحظ كنت هناك وتحدثث إليها وطمأنتها بشأن صحتها وتحسنها مقارنة بما كانت عليه في وضع صحي خطير.  

  من الأهمية بمكان التعرف على التبادلات الوجدانية وأثر  السّمات الوجدانية الشخصية للفاعلين في مجال العلاج كالتعرف على درجة التحمل، عدم اليقين لدى الأطباء، أو الذكاء الوجداني للمرضى، السؤال عقب خطأ طبي قد يتم تناوله بزاوية أخلاقية، تهويل أو تضخيم من حجم المعلومة  يمكن أن يكون له تأثير.

فلابد من النظر في كل قطب من أقطاب أو محاور الاتصال الانساني على أن نكون إنسانيين في مجال التبادلات ، آخذين بعين الاعتبار تأثير الاتجاهات الفردية على الجانب المعرفي والوجداني.

 

 

ملاحظة : للمزيد من الاطلاع يمكنكم طلبتي الأعزاء الرجوع إلى بعض الكتب أو الأبحاث ذات الصلة بالموضوع مثل :

_ Marie Frédérique Bacqué (2006). Cancer et traitement .Springer .Paris

_ Patrice Guex(1994). An introduction to psycho-oncology. Routldge.



محاضرات علم النفس الأورام

ماستر1 علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane53@gmail.com

 

الآثار النفس- اجتماعية للسّرطان

 

تمهيد:

      مما لا شك فيه أن العلوم الطبية قد تطورت، وتكنولوجيا الكشف والفحص كذلك وأدى ذلك إلى علاج العديد من أنواع السرطان لاسيما إذا تم اكتشافها في مرحلة مبكرة، وبالنسبة للمجتمع الأمريكي مثلا فإن نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات وبالنسبة لكل أنواع السرطان المشخصة ما بين 1999 و2005 بلغت 68% مقارنة بنسبة بقاء على قيد الحياة 50% ما بين سنة 1975 و1977.

هذا بالنسبة للمجتمع الأمريكي حيث الطب متقدم والرعاية الصحية في أعلى مستوياتها، ومع ذلك فإن المريض لا يحتاج فقط إلى فحص وعلاج طبي فلديه حاجات نفسية اجتماعية وجدانية لا ينبغي إغفالها سواء تحدثنا عن أمريكا أو الجزائر.

  لا يخلو أي مرض من انعكاسات نفسية واجتماعية وحتى مادية على المصاب، ولكن قد يكون تأثيرها أشد على مريض السرطان تحديدا بسبب التشخيص أولا، فالخضوع للعلاج  وما يُفرزه من تأثيرات على المستوى الجسدي والنفسي في آن واحد وهذا ما سوف نحاول عرضه .

 

الأسى أو الكرب النفسي:

   لقد أشارت دراسات أن الأسى له ارتباط مرتفع بحدوث السّرطان وانخفاض البقاء على قيد الحياة وارتفاع نسبة الوفاة بسبب السّرطان، وفي هذا الصدد سوف أتحدث عن حالة حقيقية حالة مفحوص متزوج له ثلاثة أطفال أخفي عنه المرض على أنه سرطان وقيل له التهاب، وعندما تحسنت حالته تم توجيهه من مستشفى جامعي إلى مستشفى آخر لإجراء فحوصات وعلاج عن طريق زرع نخاع العظم وهناك أخبره الطبيب أنه سرطان وأن ما يخضع له من علاج كيماوي له تأثيرات صحية سلبية ومن بينها عدم الانجاب؛ فانتكست حالته وظل في حالة أسى وحزن عميقين وخلال وقت قياسي لم يتعدّ 19 يوما  توفى عقبها.

الاكتئاب:

   يعد الاكتئاب خبرة مشتركة بين مرضى السّرطان على الرغم من أن نسبة انتشاره تختلف من دراسة إلى أخرى، فقد توصل كريستنسن وآخرون (Christensen et al)  إلى نسبة(13.7%) كنسبة انتشار للإكتئاب الكبير .

وضمن عينة دنماركية مصابة بسرطان الثدي في مرحلة مبكرة بلغ عددها 3232، لوحظ ارتفاع نسبة انتشار الاكتئاب لدى من هم في سن شبابي إذ بلغت 17.9% ما بين سن 18-35 سنة.

وبصورة عكسية لدى المسنين إذ بلغت النسبة 11.2% ما بين سن 60-69 سنة.

   ويمكن للاكتئاب أن يرتبط بالاختلالات البدنية عقب المرض وعند الطور المتقدم منه وخلال تواجد الألم ، كما أن العلاج الكيميائي والجراحي قد يشكل مصدرا لإحداث الاكتئاب لديهم بسبب الآثار الجانبية السلبية كاضطراب الصورة الجسمية والأعراض البدنية .

   وقد توصل كل من واطسون(Watson) وهافيلاند(Haviland) وجرير(Greer) ودافيدسون (Davidson) أن مستويات الاكتئاب تكون مرتبطة وبصورة دالة مع ارتفاع نسبة الوفاة عقب5 سنوات  بين مجموعة مرضى السرطان الذين هم على قيد الحياة.

وتجدر الاشارة في هذا المقام ومن خلال تجربتي البحثية الميدانية أن أذكر أن الاكتئاب لا يرتبط بالمرض وتطوره فحسب بل يرتبط بما يعيشه المريض من ظروف استشفاء طويلة، وغياب طويل عن المنزل والأهل، ناهيك عن رؤية ومشاهدة أشخاص يعانون نفس المشكل الصحي وقد كوّن المريض معه علاقة صداقة قوية يموتون الواحد تلو الآخر، فنجد يستجيب ويتفاعل بصورة أخرى مختلفة عما عهدناه عليها، فينزوي في غرفته، ولا يعود يتفقد أحوال زملائه المرضى ويستغرق في النوم ليل نهار، ويرى أن مصيره الموت المحتم وأنه سيخرج ميتا من هذه المستشفى.

الانتحار:

   التفكير بالانتحار والفعل الانتحاري يكون مرتفعا بالنسبة لمرضى السّرطان  مقارنة بغيره من المجموعات الطبية المرضية(Rockett,Wany et al :2007) ولاسيما في الدول الغربية، فمرضى السرطان لهم إحتمال مضاعف للانتحار مقارنة بالمجتمع الاجمالي. فقد أوجدت دراسة بالولايات المتحدة الأمريكية أن هناك ارتباط دال بين المرض "السرطان" والانتحار.

كما توجد عوامل خطر ترفع من الأفكار الانتحارية والسلوك الانتحاري لدى مرضى السرطان ومن بينها الشعور بأنهم عبء على الآخرين، والاكتئاب وفقدان الأمل، والألم ، ونقص الدعم الاجتماعي، والخوف من المستقبل.

اضطراب الصورة الجسمية :

  مشكلات الصورة الجسمية تعد من أعمق الانعكاسات النفسية الناتجة عن علاجات السرطان، لاسيما إن تركت العلاجات آثارا أو جروحا أو ندبات تُذكّر المريض بتجربة مؤلمه مما يولد ضغطا واكتئابا تنعكس على مجالات حياته المختلفة سواء مع عائلته أو أشخاص آخرين .

فالمرأة التي خضعت لجراحة الثدي(استئصال) تتأثر بهذه العملية وتنشغل حول ما استجد على صورتها الجسمية إذ يترتب على ذلك أسى، وتشعر بانخفاض على مستوى الجاذبية، ففي دراسة لــــ 546 مريضة تتراوح أعمارهن ما بين 22-50 سنة خضعن لعلاج جراحي على مستوى الثدي((Fabian et al :2006   فأسفرت الدراسة أن ما يزيد عن نصف العينة نقلن تجربتهن حول مشكلات تتعلق بالصورة الجسمية بعد عملية الاستئصال حول حياتهن الجنسية لاسيما مشكلات فهم الشريك، مشكلات في فهم وجدانات المرأة، وفقدان الشعر الناجم عن العلاج الكيماوي انخفاض لتقدير الذات، وانشغالات حول اكتساب الوزن.

 

مشكلات في الوظيفة الجنسية :

    قد يفرز السّرطان مشكلات على مستوى الوظيفة الجنسية وهذا حسب نوع السّرطان وموقعه وباختلاف الجنسين.

فقد أشار فوبار (Fobair)وسبيجال(Spiegel)(2009) بالنسبة للمصابات بسرطان الثدي الذين ظلوا على قيد الحياة تحدثن عن مشكلاتهم الجنسية إذ تراوحت النسبة ما بين 50-47% .

تتضمن مشاكل الوظيفة الجنسية فقدان الرغبة الجنسية لدى كل من الرجل أو المرأة، اختلال في وظيفة الانتصاب لدى الرجل، آلام في العلاقة ، وقد تستمر اختلالات الوظيفة الجنسية حتى سنوات من العلاج، كما يمكن أن تفرز بعض العلاجات مثلا كاستئصال البروستات أو الرحم العقم.

إن مثل هذه الاختلالات قد تعزى أيضا إلى العلاج الكيميائي، الاشعاعي، الجراحي، مضادات الألم، مضادات الاكتئاب والذهان .

الهذيان:

   الهذيان مشكل سيكاتري ينجم عن الآثار المباشرة للسّرطان على الجهاز العصبي، والآثار غير المباشرة لتعقيدات المرض والعلاج الكيماوي.

  إن ضعف الوظائف المعرفية من انتباه وتركيز ووعي إضافة إلى الاستثارة الهيجانية تعد منبئة ودالة على الهذيان هذا ما أشار إليه كيلي (Kellyلجيبيسفلجرفيك(Ljubisavljevic).

وتظهر بصورة جلية لدى مرضى السرطان وبصورة مرتفعة في مراحلهم النهائية وهذا ما لاحظته جليا عند مريضة بسرطان الدم أصبحت تتحدّث عن أمور غريبة وكأنها ترى أشخاص سود وكأنها في عالم آخر وكان انتباهها وتركيزها ليس كالمعتاد مقارنة بما كانت عليه في أولى المقابلات، وهنا كانت صعوبة كبرى في التحدث معها والتدخّل النفسي مع طور خطير من المرض يلازمه الألم الحاد، وتدهور قدراتها المعرفية.

 

مشكلات علائقية:

   مما لاشك فيه أن تداعيات السرطان لا تنحصر في الفرد وبصورة فردية ولكن تتعداها إلى الجانب العلائقي مصاب- عائلة ، مصاب-طبيب ، مصاب- فرقة طبية.

وبسبب الوضع النفسي والصحي الذي يكون عليه المريض قد تتأثّر وتضطرب العلاقة، فانشغال وقلق العائلة قد يُنقل إلى المريض وتظهر مظاهره في سلوكياتهم، فيدرك أن الوضع خطير جدّا وتزداد حالته تأزما .

وعلى أهل المريض وعلى الطبيب وعلى الفرقة المعالجة معرفة الوضع النفسي للمريض بالموازاة مع وضعه الصحي من أجل أفضل تكفل نفسي وطبي .

أذكر حالة مراهق يبلغ من العمر 17 سنة اشتد به المرض في أقصى حالات الألم إلى درجة عدم تحمله وشدة حساسيته من اللّمس البسيط ، كان المفحوص في حالة قلق وغضب من الفرقة الطبية التي تدرك صعوبة الفحص وألمه ( فحص نخاع العظم المتكرر)، ولم يرغب في البقاء في المستشفى ورغب في الخروج ولو لفترة قصيرة لتغيير جو الاستشفاء ولكن دون جدوى ، بعد فترة قصيرة توفي الشاب .

ولهذا نذكّر أن العمل لابد أن يكون من قبل فرقة متعددة التخصصات لمساعدة المريض على التعايش مع المرض ومن أجل أن يكون أيضا متعاونا مع الطاقم الطبي.

مشكلات مادية :

  قد لا نولي اهتماما بالجانب المادي للمريض وعائلته، ولكن ينعكس الوضع الاقتصادي على  الوضع النفسي والصّحي للمريض.

فالمريض الذي لا يتوفر على امكانيات مادية ولا أهله سوف تتعثّر لديه مسألة علاجه، فعوضا أن لا ينشغل فكره بتكاليف العلاج فسوف يزداد عبء التكلفة المادية على عبء الاصابة بالسرطان وتطوره، ولهذا فقد وجدنا حالات توقفت عن العلاج، أو لم تعاود الظهور مجددا إلى المستشفى، وهناك حالات أخرى تبيع ما لديها من مقتنيات وأجهزة وغيرها لتضمن تكاليف التنقل، التحاليل، وفحوصات أخرى قد يصعب جمع المال من أجل القيام بها.


 محاضرات  في مقياس علم النفس الأورام

السنة الأولى ماستر علم النفس الصحة

أ د: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane@gmail.com

 

التكيّف النّفسي والآثار النّفسية والاجتماعية لدى مريض السّرطان وأقربائه

 

تمهيد:

   إن سماع كلمة سرطان مخيف مفزع يهدد ويزعزع استقرار النفس الانسانية، فغالبا ما يُرادف الموت الأكيد الذي لا مفر ولا نجاة منه، هذا حسب ما يحمله الفرد من تصورات اجتماعية سواء أكان مصابا به فعلا أو لا .

   ولكن نحن في هذا السّياق سوف نركّز أكثر على المريض وما يتمخض عنه من إعلان عن تشخيص السّرطان، الذي لن يكون أمرا سهلا أو مستساغا عليه بطبيعة الحال،و  لن تكون مسألة الاعلان سهلة حتى على الطبيب الذي سوف يُعلن عنه في ظروف معينة، قد تختلف من طبيب إلى آخر، ولا حتى على أهله ،إذن سوف نتحدّث عن مراحل يمر بها المريض ذاته ألا وهي مراحل التكيف التي سوف يتم الخوض فيها.

  ومما لاشك فيه أن سلوك الانسان تحدده عوامل عدة منها ما يرتبط بشخصيته وخبراته، ومنها ما يرتبط بمحيطه عند تلقي المعلومة السيئة ( المفجعة ) وتعد وضعية صعبة للغاية تترتب عليها استجابات متتالية ولكن ليست بالضرورة تتبع نفس الترتيب ، كما أن هذه المراحل ( مراحل التكيف ) لا يمر بها مريض السّرطان بمفرده ولكن أيضا محيطه ولكن لا تعاش في نفس الوقت وبنفس الطريقة.

 

 

أولا : تحديد بعض المصطلحات ذات الصلة بالموضوع :

المرض (La maladie): إصابة على مستوى الجسم حيث يحدث تغيير على مستوى الوضع الصحي.

التشخيص (Le diagnostic): التعرف على المرض من خلال أعراضه.

 الإعلان (L’annonce): مفهوم يرتبط بحقيقة تتعلق بالإعلان عن التشخيص يقوم به الطبيب.

الحداد (Le deuil): هو كلمة فرنسية تعني " الألم"  وهو يعني المرور عبر الألم يشير إلى فقدان قد يولد معاناة نفسية و/ أو بدنية .

 

ثانيا: من هو الشخص المكلف بعملية الاعلان عن التشخيص ؟

   إن مسألة إعلام المريض بحقيقة مرضه مسؤولية الطبيب، فمن حق المريض معرفة مرضه ومن واجب الطبيب اخباره ( ولكن آخذا بعين الاعتبار الظروف النفسية للمريض وبتهيئة الجو النفسي والمكان المناسب لذلك ) .

تأثير تقديم المعلومة ( التشخيص ) على المريض : 

    الاعلان عن مرض خطير أو مزمن يترتب عنه دائما صدمة (Choc) نفسية، تكون استجابة المريض غير متوقعة: اندهاش، أسى، بكاء،صراخ .أحيانا استجابة مشوشة ولكن  حدّته الانفعالية تكون شديدة.

وهذا الاعلان يستوجب عمل الحداد عن الحالة الصحية السابقة حيث كان يتمتع بصحة جيدة لأنه يعرف أنه مصاب بالمرض ( السّرطان ) .

 

 ثالثا : مراحل التكيّف (Phases d’adaptation):

الرفض أو الانكار(Négation  ou refus):

      الاعلان عن  تشخيص مرض قاتل خبر مفجع مؤلم يولد حالة من الصدمة المؤقتة؛ يتملك الشخص ذهول وعدم اليقين (الرّيبة) متبوعا بقول: « غير ممكن »، « لا يُمكن أن يكون ذلك حقيقيا »، « ليس أنا !».

يمكن أن تقلل هذه الآلية الدفاعية من حجم التهديد الحياتي، والاحتفاظ بمحيطه كما هو، هذا الانكار هو

استراحة ضرورية يسمح له  بالاستقبال وبالاستمرار في العيش بأقل درجة قلق ممكنة، بإنكار الوضعية يعمل الشخص جاهدا للتّحدّث كأنه حدث خارجي أو أنه يتعلّق بشخص أجنبي، وحتى اتخاذ قرارات بشأن اختيار العلاج يُعد أيضا ميكانيزما دفاعيا للإنكار من خلاله يُخمد الحقيقة على أشخاص أعزاء عليه، ومع مرور الوقت هذا الميكانيزم المؤقت سوف ينبثق من تقبل جزئي للحقيقة.

 

الغضب (الثورة) (La colère ):

   سريعا تظهر على السطح أحاسيس الغضب والثورة والسّخط يتدفق منها قول: «  لماذا أنا ؟».

كل ذلك يُمكن أن يُصبح مصدر استثارة ونقد: ضحك، لا مبالاة بالآخرين، بعلاج الممرضة، بالعلاج الموصوف من قبل الطبيب، آراء أو أفكار العائلة وغيرها ..

الغضب هو استجابة طبيعية ومبرّرة، فالشخص المصاب بالسّرطان يشعر بمرارة فقدان الاستقلالية  لاسيما إن استلزم عليه الاستشفاء، كما تعد مرحلة صعبة بالنسبة لأفراد عائلته، وحتى الفرقة الطبية الذين لا يفهمون دائما معنى هذا الغضب.

تمثل هذه الثورة أو الغضب القلق الذي يخبره المريض في محيطه من مشاعر الاستثارة، الشعور بالذّنب، العجز أمام مصيره.

 

المساومة (Marchandage):

  إذا ظلّ الرفض عنيدا للحقيقة، وظلت الثورة ضد القدر  غير فعالة ، قد يلجأ الشّخص المصاب إلى المساومة: تقديم وعد ( على سبيل الامتثال للعلاج الموصوف من قبل الطبيب ) بالتبادل أو مقابل مكافأة تتمثل في حدث معين قد يكون قريبا أو بعيدا في الزّمن ( على سبيل المثال: الرجوع إلى العمل، الذهاب في رحلة أو سفر ..)

   يمكن أن تتعلق المساومة بأمور دينية كأن يُسخّر حياته للمسجد، غير أن فائدة المساومة قد لا تدوم طويلا أي تظل لفترات قصيرة، ولكنها مع ذلك تحمل الأمل للمريض، أحيانا تترافق بشعور بالذّنب فالوعد الذي قطعه على نفسه قد لا يمكن الوفاء به دائما ( كأن يحضر لعيد ميلاد، حضور تخرّج ابنه من الكلية) .

 

الاكتئاب (La dépression):

    سوف يتفطن الانسان المصاب بالسّرطان أن واقعه اليومي قد تغير: تعب، وهن بدني، فقدان للطاقة استشفاءات متكررة أو طويلة، حياة مهنية واجتماعية مهدّدة ...

يشعر الشخص المصاب بالسّرطان أنه سُلبت منه أشياء أساسية، هو يُدرك أنه فقد الكثير، يُصبح يشعر بأنه تائه أو بالضياع، يشعر بالأسى، لا يستطيع القيام بأدواره تجاه أقربائه كما كان عليه في السابق.

يتوقع مريض السّرطان الفُقدان، فقدان أشياء كثيرة ، وأنه سوف تحدث له أشياء، ولا يعرف بما سوف يتشبّت، ويجهل غالبا الطرق التي سوف تمكنه من السّيطرة على الموقف وإيجاد استقلالية جديدة.

 


التقبل (Acceptation):

  التقبل ليس بالضرورة إشارة إلى أن الشخص يستقيل أو يستسلم بعيدا عن انكار أي أمل، التقبل يتضمن مرحلة هامة لسيرورة من خلالها يمكن أن يتعلم المصاب أو المصابة بالسّرطان كيف يعيش وكيف يموت، وذلك باحترام الشروط المفروضة للوجود الانساني.

   من خلال التجارب المؤلمة ومراحل الأزمة والتي تقلب رأسا على عقب حياة المريض، فإن الشخص قد يجد في ذاته قوة من أجل تقييم الوضعية التي هو عليها واستخراج العوامل والجوانب الايجابية؛ بمعنى إقامة توازن جديد في حياته، إذن فمن خلال تجربته الشخصية ينمو، ويكتشف قدراته وإمكاناته ومميزاته الايجابية .

   هذه المراحل التي تم شرحها سابقا أطلقت عليها إليزابث كيلبر روس (Elizabeth Kulber Ross) سنة (1975)  بسيرورة النضج والذي يوضح نموذج التقبل كما هو موضح فيما يلي:

 

نموذج إليزابث كيلبر روس (1975)

الصدمة المبدئية (Le choc initial): " على الفور أحدث لي صدمة " .

الانكار(Deni): " غير صحيح " .

الغضب (الثورة) (Révolte): " لماذا أنا " .

التفاوض (Négociation): " حسناً ليس لديّ خيار " .

التفكير/ التأمل (Réflexion): " لن أصبح كما كنت سابقا " .

التقبّل (Acceptation): يتم تقبل المرض أو يتحمله .

 

رابعا: تأثير الاصابة بالسّرطان على الأقارب:

     تعد العائلة وسطا مهما للعلاقات الوجدانية والوسط القريب جدا من المصاب، وعند تواجد مرض مزمن أو خطير فإن ذلك من شأنه يؤدّي إلى اضطراب استقرارها ويهدد ارتباطات التعلق، وبالتالي عليها ومن أجل التكيف مع الوضعية أن تعيد تنظيم ذاتها من أجل بلورة وتوزيع الأدوار بين أفرادها.

  عند الاعلان عن التشخيص، فهنا المريض قد علم بالأمر وعليه إعلام أقربائه، فعليه تناسي أو نسيان الصدمة من أجل تهيئة نفسه للحوار الذي سوف يجريه مع أهله بشأن المرض، وهنا ليس المريض بحاجة إلى متابعة وتدخل نفسي بل العائلة هي الأخرى تحتاج ذلك.

  السلبية التي قد تظهر بسبب المرض قد تكون مصدر ألم بالنسبة للعائلة التي لا يمكنها التصرف، ولا يمكنها أن تتلقى العلاجات عوضا عن مريضها، وأرى كباحثة في موضوع السّرطان وعلاجه أن المريض ليس مريض السرطان ولكن المريض هو العائلة التي تتكبد معاناة وصعوبات كثيرة وتعيش لحظات ومراحل صعبة ولدينا مثل شعبي جزائري « المريض ميشي المريض، المريض لِّي يُرفُد المريض».

 

    الدور الأساسي الذي ينبغي على العائلة القيام به هو مرافقة مريضها، ولكن أحيانا هذا الدور لا يكون كافيا أو ملبيا لمتطلبات المريض لاسيما وأنهم لا يمكنهم تقدير أو تقييم الألم والمعاناة التي يتكبّدها، إحدى المريضات كنت قد تابعتها من الناحية النفسية وفي مراحل متقدمة من السّرطان حيت الألم كان حادًّا لا يُطاق فتقول ما يلي : "  في رمضان،كُنت نبكي من الضُّر،الدّار هُلُّكتهم، قعدُو غِير يْشُوفو فّيَّا مَا قُدْرُو يْدِيرُو وَالُو ".

يقول باك (M-F Bacque (و بايي(Baillet) أن : « دعم العائلة ضروري، ولكنه لا يكون دائما كافيا،لأنها أحيانا تكون في شدّة( ضيق ) أكثر من المريض».

بالنسبة للمحلل النفساني كورنو (G Corneau) و الذي  مسّه السّرطان يذكر: « يجب في آن واحد إعلام وتطمين المقربين.. من جهة إذا قدم الأشخاص الدعم والتفاعلات التي يحتاجها كل مريض وليس اغراقه في انزواء( انعزال)، فإن انشغالاتهم يمكن أن تصبح وبسرعة خانقة».

يعيش الأقرباء نفس المراحل كرد فعل مثلما يعيشها المرضى إثر الاعلان عن التشخيص؛ الغضب قد يستهدف المريض في حد ذاته، فقد نُحملّه ولو جزئيا مسؤولية هذه الكارثة لأنه مثلا تعاطى التدخين وبإفراط، أو أنه تهاون عن علاج نفسه، وبسببه قد تتعطّل مشاريعنا أو تؤجّل.

     قد يشعر المرضى أثر الاصابة بالمرض على علاقتهم بعائلتهم ، بأصدقائهم، زملائهم ، فالتعليقات والمقارنات قد تزيد قلقهم وتوترهم سواء أكانت من قبل أشخاص مقربين لهم أو من قبل أشخاص خارج نطاق العائلة والتي تؤثر أقوالهم واستجاباتهم وسلوكياتهم على عائلة المصاب.

أحيانا يكون محتوى المحادثات مقتصرا فقط على السّرطان، وهذا يؤثّر على هوية المريض التي تُقلّص بسبب ما أصابه  من مرض، وفي أحيانا أخرى هناك من لا يتحدّث عن الأمر وهنا يخشى المريض من أن يُرهق أو يُزعج الآخرين. غالبا ما تقوم العائلة بأمور كثيرة بحثا على أن تقدم ما هو أفضل لمريضها ولكن أحيانا مثل ذلك قد يُفقد المريض استقلاليته وهذا ما يُجّرده من قدرته على الفعل.

إن اهتمام العائلة الشديد بأي تفصيل من أجل حماية المريض قد تكون عواقبه سلبية حيث تنحو نحو إفراط في الحماية وقد يقوده إلى هشاشة من جديد على مستوى الهوية فقد يفقد تقديره لذاته.

   بالنسبة للمريض في حد ذاته قد يجد صعوبة كبرى للتحدث عن المرض لأبنائه أو زوجه ( شريك حياته ) وهذا ما  نجده لدى بعض الحالات التي لم تخبر زوجها ولا أبناءها الذكور ولا كنتها وأخبرت فقط ابنتها الكبرى، وهناك من أخفى عن عائلته الصغرى وأخبر فقط شقيقه أو شقيقته، كما توجد حالات لا تعلم بمرضها وتعيش هواجس المرض ولكن أهلها هم يعلمون، ولكن من الحالات من تدرك فجأة الأمر ليس على يد أهلها بل شخص آخر قد يكون طبيبا أو ممرضا أو شخصا آخر أو حتى من ملف وضع صدفة على سرير المريض؛ وهذا ما لاحظته لدى مراهق يبلغ 17 سنة أخفى عنه والده الذي كان يعمل بمصلحة طبية فقد وجد اسمه على الملف مع ذكر التشخيص باللغة  الفرنسية فبحث عنه في الانترنت فعلم أنه سرطان الدّم .  

  بالنسبة للأبناء أطفالا أو مراهقين قد تتغير أدوارهم وسلوكياتهم عند إصابة الأم أو الأب بالسّرطان فإذا كان الابن الأكبر قد يتقلد مسؤولية أكبر منه ليهتم بمن هم أصغر منه، وقد ينغمس في هذه الوضعية دون أن يشعر بطفولته، وقد يشعر بالذنب إزاء أحد والديه بسبب المرض، والبعض منهم قد ينكر المرض ويُظهر عدوانية فيرفضون المرض أو يهوّنون منه دون إشفاق على أوليائهم، وقد تظهر لديهم اضطرابات سلوكية تترجم صعوبات تكيفية مثل : الكوابيس، تراجع في النتائج الدراسية، انعزال،...

وتمثل المراهقة مرحلة حساسة وحرجة وتعد مرحلة أزمة وإدراك الطفل للموت ( موت شخص عزيز بسبب السرطان) لا يكون كإدراك المراهق فالطفل الصغير لا يعي حقيقة الموت ولكن بالنسبة للمراهق يمكن أن يُدخله في نوبات هلع، قلق، اضطرابات سلوكية، وغيرها .

  بالنسبة لــــ  دلفو (Delvaux)« فالتقبل ذو صلة  مع مستوى التكيف الوالدي، بما أن الوالدين يقدمان صعوبات تكيفية فلديهم أطفالا يجدون أيضا صعوبة في التكيّف » .

فأن تكون مريضا لا يعني أمرا سهلا ولكن أن يكون قريب منك تحبه مريضا أمر أصعب لاسيما إن كانت أساليبنا ومواردنا غير كافية للتدخّل، من أجل حمايته، مساعدته، تشجيعه، وتوفير ارتياح نفسي وبدني له.

ملاحظة : أعزائي الطلبة للمزيد من الاطلاع يمكنكم العودة إلى :

- www.ligue-cancer.net

- www.inferessourse.ca.fr

- www.respel.org


محاضرات علم النفس الأورام

ماستر1 علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

 

التّدخلات الدّوائية والنّفسية لمريض السّرطان

تمهيد:

  قد سبق وتحدثنا عن السّرطان كمرض وتداعياته النفسية وانعكاساته وتعقيداته الجسدية ويعد أحد الأمراض الخطيرة والفاتكة، تأثيراه لا تنحصر في المريض بل تتعداه إلى أسرته أقربائه ولهذا تناولنا جانب التكوين والتواصل لدى الفريق العلاجي في إطار تكاملي ( إطار تعدد التخصصات ) .

ومن البديهي أن علاج مريض الّسرطان ينبغي أن يأخذ هذا البعد التكاملي في العلاج أيضا تربويا، نفسيا، طبيا وهذا ما سوف أحرص على تقديمه في هذه المحاضرة.

أولا: العلاج الطّبي للسرطان:

  يتنوع العلاج الطّبي للسّرطان وفقا لموقعه وخطورته ويتضمن أنماطا عامة كالجراحة، العلاج الاشعاعي، العلاج الكيماوي، والعلاج البيولوجي.

العلاج الجراحي (Surgery):

   تعد الجراحة أقدم العلاجات وأغلبها شيوعا للسّرطان، تستعمل هذه الطريقة لإزالة الورم المبدئي، الأنسجة المحيطة، لإزالة العقد اللمفاوية، ويمكن استخدامها لإزالة الأورام ذات الطّابع الانبثاثي.

وتعد من العلاجات الناجحة لاسيما في المراحل المبكرة للمرض وقبل انتشاره، وتساهم في التشخيص وتحديد  طور المرض، وقد تستخدم بالاشتراك مع العلاج الكيماوي أو علاج إشعاعي أو مناعي، فقد يُزال جزء من الورم جراحيا قبل العلاج الكيماوي كما هو الحال في سرطان الثدي ويعقبه علاج كيماوي .

وقد تترتب عليها تأثيرات جانبية كشعور المريض بالتعب والإرهاق، والضّيق بسبب الآلام والتي يتم تسكينها من خلال أدوية مسكنة.

العلاج الكيماوي(Chemotherapy):

   يُستعمل في هذا العلاج عقاقير كيمائية لإبطاء أو إيقاف أو قتل الخلايا السرطاني ، يمكن تقديمه عن طريق الحقن الشرياني، عن طريق الوريد أو عن طريق الفم .

على الرغم من أنه يمكن أن يستعمل بصورة فردية، لكن يمكن أن يكون علاجا مكملا للعلاج الجراحي أو الاشعاعي.

ومن بين الآثار الجانبية لهذا العلاج كغيره من العلاجات: التعب، الغثيان، التقيؤ، اضطراب الشهية، تساقط الشعر، انخفاض الوزن، انخفاض لكريات الدم البيضاء والحمراء، الصفائح الدموية.

العلاج الاشعاعي (Radiotherapy):

 في هذا النوع من العلاج تستخدم أشعة جاما بهدف تحطيم الخلايا السّرطانية ومنعها من الانتشار، كما لها دور في التخفيف من الأعراض الناتجة عن الأورام المنتشرة في الجسم، كما يستخدم لأسباب وقائية بهدف تنظيف المناطق التي يُتوقع أن تكون فيها خلايا سرطانية مجهرية، وقد يستعمل بصورة مكملة لعلاجات أخرى فقد تعطى الأولوية للجراحة لتقليص حجم الورم تم يُستعمل العلاج الاشعاعي للتخلص من بقايا الخلايا السرطانية . 

بصورة مشابهة للعلاج الكيماوي يمكن للعلاج الاشعاعي أن يؤذي الخلايا السليمة المجاورة، ولديه آثار جانبية فقد يشعر المريض بالتعب، فقدان الشعر، فقر الدم، جفاف الفم، الغثيان، التقيؤ،...

العلاج البيولوجي (Biological therapy):

   يُطلق عليه العلاج المناعي حيث يستخدم الجهاز المناعي للجسم من أجل إيقاف أو اخماد نمو السرطان ، وفي هذا الصدد بحث العلماء عن الخلايا المصابة بالطفرات من أجل استخدام معدِّلات الاستجابة البيولوجية .

هذا العلاج يُحفّز الدّفاع المناعي للجسم وذلك باستخدام لقاحات مكونة من انتيجينات سرطانية معدّلة ومضادة للسّرطان .

  بعض العلاجات البيولوجية للسرطان تستخدم لقاحات أو بكتيريا لإستثارة الجهاز الدفاعي ضد الخلايا السرطانية.

  ومن بين الآثار الجانبية للعلاج المناعي حمى، غثيان، قشعريرة، تقيؤ، تعب، طفح جلدي، تورمات، آلام على مستوى العظام، صداع الرأس، أحيانا صعوبة في التنفس..    

عملية زرع نخاع العظم (Bone Marrow Transplantation):

   هذا العلاج يوجه لعلاج سرطان الدم وتعد غالبا فعالة وفي حالة تحسّن، تحدث عملية زرع نقي العظم من خلال مجرى الدم المحيطي حيث تقوم هذه العملية بترميم وتجديد الخلايا التي حُطّمت بسبب العلاج الكيماوي أو العلاج الاشعاعي.

  يتلقى المريض  الخلايا الأم التي تنتقل أو تعبر نقي العظم وتنتج خلايا دم ضرورية ناقلة للأكسجين، تحارب الاصابات، وتمنع من حدوث النزيف .

عملية زراعة نخاع العظم هي عملية حقن الخلايا الجذعية المكوّنة للدم ( السليمة) في جسم المريض لتحل محل نخاع العظم التالف وهذا ما يُطلق عليه زرع ذاتي (Autologous Transplant)، كما يمكن أن يكون حقن هذه الخلايا الجذعية من متبرع أو قريب مطابق   (Allogeneic Transplant).

   ومن بين مضاعفات عملية زرع النخاع قد يحدث رفض الجهاز المناعي الخلايا السليمة التي تم زرعها ، وقد يُصاب بداء مهاجمة خلايا المتبرع لجسم المريض، وقد يُصاب المريض بالتهابات أو إصابات فطرية أو فيروسية بسبب أن العلاج الكيماوي أو الاشعاعي الذي يخضع له المريض يُضعف جهاز المناعة فيجعله عرضة لها.

 

ثانيا: التدخلات النفس تربوية(  Psycho-educational Interventions)( :

  تهدف هذه التدخلات النفسية التربوية إلى خفض الشكوك( عدم اليقين )، الاحساس بعدم الكفاية، الخلط، فقدان الأمل، فقدان التحكم بسبب المعلومات التي يزود بها المرضى حول سيرورة المرض والتعامل معه.

هذه التدخلات توظف جنبا إلى جنب مع تدخلات نفس-اجتماعية كتوظيف العلاج النفسي وكان لها دور وفعالية في خفض من مستوى الأسى والضّيق.

 تلعب التدخلات النفس تربوية دورا فعالا في الوقاية أو التخفيف من حدّة الاكتئاب والقلق بالنسبة للمرضى الذين خضعوا للعلاج الجراحي أو الكيميائي.

مثال عن التدخل النفس-اجتماعي: في دراسة قام بها ماكلون ورفاقه (Macquellon et al)(1998)  حيث أعدوا برنامجا لخفض القلق والاكتئاب والأسى لدى مرضى السرطان لدى عينة مكونة من 150 مريضا بالسرطان اختيروا بصورة عشوائية سواء بالنسبة للتدخل النفس التربوي أو للعلا ج المتداول الطّبي.

كانت التدخلات النفس-تربوية جد قصيرة ما بين 15-20 دقيقة فكانت النتائج أن المرضى الذين تلقوا تدخلا قصيرا سجلوا انخفاضا دالا على مستوى القلق وانخفضت لديهم أعراض الاكتئاب، وكانوا أكثر رضا بما تلقوه من عناية وعلاج.

ثالثا: التدخّلات-المعرفية-السلوكية  )Cognitive-Behavioral Interventions)(:

  يعد العلاج المعرفي السلوكي أحد أساليب العلاج النفسي الحديثة نسبيا التي نتجت عن إدراج العمليات المعرفية إلى مجال أساليب العلاج السلوكي، تعود جذوره إلى أعمال آرون بيك (A. Beck) في الستينات على مرضى الاكتئاب، وأعمال إليس (Ellis) في الخمسينات .

يتعامل هذا العلاج مع الاضطرابات المختلفة من منظور ثلاثي حيث يتناول المكونات المعرفية والانفعالية والسلوكية للاضطراب، وعليه فقد تنوعت الفنيات المستخدمة التي يرتكز عليها على أساس الاقناع الجدلي التعليمي للمفحوص من أجل تبيان لاعقلانية الأفكار التي يؤمن بها وتأثيراتها عليه وعلى سلوكه في إطار علاقة علاجية بنّاءة قائمة على حوار نشط فعّال: فاحص - مفحوص.

وتتمثل مبادئ العلاج المعرفي السلوكي فيما يلي:

1- أن المُعَالَجْ والمُعَالِج يعملان معا في تقييم المشكلات والتوصل إلى حلول.

2- أن المعرفة لها دور أساسي في معظم التعلم الانساني.

3- أن المعرفة والوجدان والسلوك تربطهم علاقة متبادلة على نحو سببي .

4- أن الاتجاهات والتوقعات والأنشطة المعرفية الأخرى لها دور أساسي في انتاج وفهم كل من السلوك وتأثيرات العلاج والتّنبّو بهما.

   يتضمن العلاج المعرفي السلوكي وبصورة نمطية التدريب على الاسترخاء، التدريب على مهارات التعامل وإعادة البناء المعرفي، يرتكز هذا البروتوكول العلاجي على التعرف على الأفكار والسلوكيات الخاطئة بهدف تقليص الأسى وتحقيق حسن الحال الذاتي والارتياح النفسي.

لقد أشار هولاند وأليسي (Holland&Alici) (2010) أن التقنيات السلوكية كالاسترخاء، التسلية، إزالة الحساسية التدريجي والتنويم مفيدة في خفض حدوث الغثيان، التقيؤ لدى مرضى السرطان، كذلك وجد فيرقورا وموسلي (Firgueora&Moseley ) (2007) أن الاسترخاء العضلي المتدرج وعمليات إزالة الحساسية المنظم ذو فعالية في الوقاية من الغثيان، التقيؤ وعلاجهما.

كذلك تعد نماذج العلاج المعرفي السلوكي الأكثر استخداما ويمكن توظيفها لتسكين الألم  ومقاومته ، والذي قد يكون مرتبطا بتشخيص المرض، إجراءات العلاج، الجراحة، العلاج الاشعاعي أو العلاج الكيميائي، تطور السرطان وانتشاره.

ففي دراسة لـــ تاترو و مونتجومري (Tatrow&Montgomri)  (2006)على مريضات مصابات بسرطان الثّدي طُبّق عليهن العلاج المعرفي السلوكي نقلن وبصورة دالة ألما أقل مقارنة بالمجموعة الضّابطة.

 كذلك يمكن توظيفه في المجال الانفعالي والوجداني لاسيما في حالة الأسى والاكتئاب ومن أجل تسير الضغط ومن أجل تعزيز نمط نوم أفضل أو بالتنسيق مع التربية الصّحية لتحسين جودة حياة المريض .

كذلك يمكن توظيف التسيير المعرفي السلوكي للضغط  بالتنسيق مع التدريب على تقنيات لخفض التوتر كالاسترخاء العضلي المتدرج أو التدريب على الاسترخاء الذّاتي لـــ شولدز(Schuldz)، التخيّل الموجّه، التنفس العميق، التأمل مع تقنيات معرفية كإعادة البناء المعرفي، والتدريب على مهارات التعامل كلها تقنيات يمكن أن تساعد المريض على التكيف وتساهم في خفض الأفكار المتسلطة الخاصة بالسرطان، أعراض القلق ، والرفع من مستوى التفاؤل والوجدان الايجابي وبالتالي التأثير على الجانب المناعي.  

طريقة كارل سيمونتون (التخيل الموجه) في علاج مرضى السرطان:

  ونظرا لأهمية الطريقة التي وظفها كارل سيمونتون (Carl Simonton) في علاج مريض السرطان ألا وهي التخيل الموجه، النشيط والايجابي سوف يتم الحديث عنها إذ تتمثل في توظيف قدرات ابداعية والمتمثلة في التخيّل من أجل تشكيل رؤى أو صور عقلية وإسقاطها على شاشة ما يراه عقلنا، وهنا تتم بلورة علاقة بين ما نمتلكه داخل العقل وما نخبره في الجسد واستعمال ارتباطات بين العقل والجسم من أجل استرداد الصحة والعافية .

حيث نجعل المريض يتخيل نظام جسمه الدفاعي ( الكريات الدموية البيضاء ) يُناضل ضد المرض ويقضي على الخلايا السرطانية وهنا نقترح على المريض التمدد والاسترخاء بشكل جيد تم نطلب منه تخيل مثلا الكريات البيض وهي تناضل ضد السرطان وتدمرها.

ولسيمونتون كتاب مشهور موسوم بــ:  « استعادة المعافاة مجددا »« again well Getting» صدر بعد تجربته مع مئات المرضى بالسّرطان، أحدث هذا الكتاب ضجة فيما تعلق ببروفيل الشخصية السّرطانية أظهر فيه كيف يستجيب المرضى للقلق وكيف يمكن أن تساهم عوامل وجدانية في حدوث السرطان وتطوّره- وكيف يمكن للتوقعات الايجابية والوعي الذّاتي، والعناية الذّاتية أن تؤدّي إلى البقاء على قيد الحياة.

قدم سيمونتون في هذا الكتاب تقنيات تساعد مرضى السّرطان وتعزز العلاج الطّبي كتعلم الاتجاهات الايجابية، الاسترخاء، التخيل الموجه، تحديد الأهداف، تسيير الألم ، التمارين البدنية، بناء نظام دعم وجداني.

 

علاج حل المشكلات لدى مريض السّرطان (Problem-solving Therapy):

   يعد أحد  الأساليب العلاجية تساعد الفرد على التسيير الفعال للآثار السلبية أو الأحداث الضاغطة التي يمكن أن تحدث في الحياة كالطلاق، موت شخص عزيز، فقدان وظيفة، أو الاصابة بمرض وخطير كالسرطان.

 يمكن أن يستخدم أسلوب حل المشكلات بالتنسيق مع أساليب أخرى لمساعدة الأشخاص لمواجهتها  وحلها، ويمكن توظيفه وبصورة فعالة في معالجة مشكلات عدة كـــ:

- الاضطراب الاكتئابي الكبير .

- اضطراب القلق المعمم.

- الأسى الوجداني.

- الأفكار الانتحارية.

- الأسى الوجداني والمشكلات الحياتية لدى مرضى السرطان ومرضى الداء السكري وغيرهم.

أسلوب حل المشكلات يساعد على تدريب الفرد على مهارات فعالة لحل المشكلات والتعامل مع الوضعيات الضاغطة، ومن بين هذه المهارات :

- اتخاذ قرارات صائبة .

- تعميم استخدام سبل مبتكرة في التعامل مع المشكلات.

- التعرف على الحواجز من أجل بلوغ الأهداف.

   لقد أجريت دراسات حول تدخلات متعددة وظّفت أسلوب حل المشكلات أو بعضا من عناصره لخفض الآثار البدنية والوجدانية للسرطان سواء كان ذلك بالنسبة للمرضى أو أقربائهم ( أسرهم ).

يعد أحد العلاجات الفعالة المرتكزة عل التدخل المعرفي-السلوكي التي تؤدي إلى تبني تطبيق فعال واتجاهات متكيفة مع حل المشكلة ومهارات  فعالة لحل للمشكلات الحياتية .

   بالنسبة لبروتوكول علاج حل المشكلات بالنسبة لمرضى السرطان يتم مساعدة الأفراد من أجل التعامل بصورة أكثر فعالية مع السرطان في علاقته مع مشكلات الضغط، قصد تعليمهم مهارات موجهة لحل فعّال لمثل هذه المشكلات، أو تسيير أفضل لاستجاباتهم الوجدانية السلبية إزاءها .  

رابعا: العلاج الجماعي (Group Therapy):

   أجريت في الماضي أبحاث ودراسات لتقييم تدخلات العلاج الجماعي حيث كان الاهتمام والتركيز على نماذج العلاج التدعيمي- التعبيري مع مريضات مصابات بسرطان الثّدي، لتتسع دائرة العلاج الجماعي فتتضمن نماذج علاجات نفسية أخرى كالعلاج المعرفي السلوكي وفئات أخرى من مرضى السّرطان كسرطان المبيض.

  في هذا الصدد وصف شرمان (Sherman) (2004) فوائد العلاج الجماعي بالنسبة لمرضى السّرطان على أنه يزود هؤلاء المرضى فضاءً عاما للمناقشة، وأن ذلك يُشعرهم بأن المرض مشترك بينهم ويُساعدهم على تقاسم الخبرة والتجربة، كما يعد فرصة للتعلم من التجارب المشابهة مع المشاركين في هذا النوع من العلاج، ويُساهم في خفض الوصمة المرتبطة بالسّرطان.

كما نقل سبيجل (Spiegelبلووم (Bloom) وآخرون (1989)عقب تطبيق العلاج الجماعي التدعيمي(المتضمن للتعبير عن الوجدانات، إعادة التعرف على أولويات الحياة، الرفع من دعم الأصدقاء والعائلة..) لدى مريضات مصابات بسرطان الثّدي في مرحلة الانبثاث تحسنا بالنسبة للبقاء على قيد الحياة، المزاج، الألم، ومهارات التعامل.

 التربية العلاجية (Therapeutic education):

 تعرف منظمة الصحة العالمية (1996) التربية العلاجية على أنها  مجموع الممارسات الموجهة للمريض من أجل اكتساب القدرات والطاقات والحفاظ عليها حتى يتمكن من التعامل الفعال مع مرضه، ومع أنواع العلاجات ، بالتعاون والتشارك مع المعالجين، وتعد جزءً هاما في عملية التكفل بالمريض.   

محورها الأساسي المريض، تتضمن أنشطة منظمة من التحسيس والإعلام، التعليم، والمرافقة النفسية -اجتماعية خلال المرض، وصف العلاج، أنواع الرعاية، الاستشفاء الخاص، و السلوكات الصحية، والمرض والمريض.

تهدف إلى مساعدة المريض وأقربائه على فهم المرض، وفهم العلاج، والتعاون مع المعالجين، العيش بصورة أكثر صحية، والعمل على تحسين أسلوب الحياة.

  إذن فالتربية الصحية تخص كل شخص مُعَالَج ( المريض ومحيطه ) مصاب بمرض على أن يتم تسييره بالتعاون مع المعالجين الأكفاء ذو الطاقات والقدرات، تتضمن أنشطة من التحسيس-الإعلام- التعليم تسمح للمريض بتسيير أفضل لمرضه وحياته اليومية .  

وبالنسبة لمريض السرطان فالتربية الصحة تتمركز حوله وحول محيطه بالتنسيق والتعاون مع الأطباء والمختصين في مجال الصحة حيث يتم تنظيم حصص تحسيسية، إعلامية و كذا تعليمية تمكن المريض وتمكن أقربائه من تسيير أفضل للمرض وللحياة.

 

 

 


محاضرات علم النفس الأورام

ماستر1 علم النفس الصحة

أد: طالب سوسن

 

        التّكوين والتّواصل والضّغوط لدى الفريق العلاجي

 

تمهيد:

 

    يحتاج مرضى السرطان على امتداد التكفل الطبي والنفسي أن يُصغى إليهم وأن يُحترموا، هم يرغبون في أن يُعلموا، لا أن تتم حمايتهم بإفراط، أو أن يُعاملوا بقسوة بسبب إصدار حقيقة المرض، فمن أجل التواصل فهم بحاجة إلى أن تؤخذ راحتهم الذّاتية بعين الاعتبار في القرارات العلاجية وفي اختيار أنواع الفحص والكشف فهو أمر أساسي وضروري من أجل تقديم دعم يُناسب معاناتهم المعنوية وعلاج فعّال يُناسب وضعهم الجسدي .                                               

    إن الهدف الأساسي لعلم النفس الأورام هو إدماج البعد النفسي- الاجتماعي عبر مختلف مراحل العلاج من أجل بناء نظام عناية وعلاج يأخذ بعين الاعتبار صحة الفرد على المستوى الفردي والصحة العمومية بشكل عام .

   يُشكل علم النفس الأورام أحد زوايا تعدد الاختصاصات في علم الأورام، يركز على الجوانب النفسية والسيكوباثولوجية لمرض السرطان، للمريض، أقربائه، كذلك المعالجين.

 

تكوين العاملين في مجال علم النفس الأورام:

   لا يتعلق التكوين بالمختصين في مجال العناية النفسية والعقلية أو العلاج النفسي والعقلي فحسب ، ولكن يتعلق بكل الاختصاصات المندرجة ضمن مسار عناية المريض وعلاجه بمصلحة طب الأورام : أطباء، ممرضين، معالجين، حاملي المرضى، موظفو أمانة السر وغيرهم ... مجموع المختصين، بدءً باستقبال المريض وأهله إلى غاية أنشطة العناية والعلاج الأكثر تخصصا، مرورا بتحقيق مختلف الأفعال التقنية، التي تؤدي إلى الالتقاء، المرافقة، الاعلام، الاصغاء إلى شدّة/ ضيق المرضى وأقربائهم.

  يستلزم إذن تخصيص هياكل علاجية في مصلحة طب الأورام  مكونة من مختصين  بالعناية النفسية والعلاج النفسي مكيفة مع خصوصية كل تجربة نفسية وجسدية يمر بها مرضى السرطان وعائلاتهم.

    هذا التكوين يسمح بإعطاء انفتاح وانتباه خاص إلى المعاناة النفسية ما من شأنه أن يستجيب لمتطلبات واحتياجات مريض السّرطان الشرعية، واستيعاب دورهم المنوط بهم سواء أكانوا مختصين في علاج الأورام، ممرضات/ ممرضين، أطباء عاميين، ... تستلزم مقاربة متعددة التخصصات على أن يكون هناك انتماء حقيقي لهؤلاء وفعالية دورهم في إطار مفهوم تعدد التخصصات.

   ينبغي أن يُعزّز التكوين التماثلات المشتركة المتبادلة لكل فاعل( طبيب، أخصائي نفسي عيادي، طبيب عقل، ممرض)  وذلك من خلال إدماج على الأقل جانب من نظرة ومنطق الفاعلين الآخرين، وهذا دون خلط للأدوار  مع بقاء كل شخص في مكانه، فكل واحد منهم عليه أن يحافظ على أدواره المتميزة والمكمّلة للآخر، وعلى كل منهم تعلم التواصل فيما بينهم، أن يفهم أحدهم الآخر وأن يجدوا متعة العمل معا وفي إطار تكاملي.

 

تكوين الأخصائيين النفسانيين و أطباء العقل:

  يتعلق الأمر عادة بمختص نفساني للأورام  un psycho-oncologue ويعد مختصا في الصحة العقلية متمركزا دوره في التكفل بالمرضى بمصلحة طب الأورام. يتعلق الأمر بمختص نفساني عيادي أو طبيب عقلي: على الرغم من أن هذين التخصصين مختلفين، ولكن عملهم في مجال مبحث السّرطان أو بالأحرى علاج السرطان يتضمن نقاطا مشتركة ولهذا يظهر أحيانا أو يتكرر ذكر مصطلح مشترك وهو Psycho-oncologue  ومن أجل ازاحة اللبس ومن أجل الايضاح نتكلم هنا عن أخصائيين نفسانيين وأطباء عقل أو نفضل استعمال «PSYS» عندما يتعلق الأمر بكليهما.

  ينطلق مجال علم النفس الأورام من التكيف النفسي للمريض وعائلته إلى الأعراض السيكوباثولوجية المتولدة عن المرض أو العلاجات، الصعوبات العلائقية  إلى سلوكات الخطر، مرورا بالاتصال (التواصل) معالج-مريض Soignant-Soigné  ومن خلال ذلك يتم تحديد  التقييد العلاجي أو التحالف العلاجي .

تتمثل مهام psys بمصلحة طب الأورام في أربعة محاور أساسية :

- الوظيفة العيادية للعلاجات، سواء تعلق الأمر باكتشاف الاضطرابات، الوقاية منها إن أمكن، والتكفل العيادي.

- وظيفة تجاه الفرقة المعالجة والمؤسسة، في حالة الاستحقاق حيث يتم ادراجه ضمن الفرقة المعالجة، سواء كان الأمر بصورة واضحة أو ضمنية حول طرق العمل والمرجعية النظرية .

- وظيفة تعليمية، وبصورة واسعة نقل الكفاءات والمهارات ومعرفة التصرف faire  savoir   بالقرب من أطباء وفرق معالجة، وفي إطار التبادلات بشأن وضعيات عيادية صعبة.

- وظيفة بحثية تتعلق بإجراء بحوث.

 

 تكوين الفاعلين في مجال الرعاية النفسية خارج إطار مبحث السرطان أو مصلحة علاج السرطان:

   بعض المتابعات النفسية والطب-عقلية تنطلق خلال التكفل داخل مصلحة علاج السرطان يمكن أن تجرى بأماكن علاج المرضى أو بالارتكاز على تنظيم علاجات الأورام، ضمن إطار شبكة على سبيل المثال.

    نوعية الاتصال بين المختصين وتقاسم المرجعيات ( المعالم ) المشتركة ، وبشكل خاص حول المرض السوماتي ( الجسدي )؛ تعد من النقاط الأساسية من أجل استمرارية العلاجات وتميُّزها، قصد تجنب مثلا  تمثلات مُحقّرة وخاصة المغلوطة منها والمرتبطة بالمرض والموت حتى لا تغزو المجال العلاجي.

ينبغي البحث أيضا عن مشاركين في التكوين، كذلك البحث عن مختصين خارج المجال الطبي، من أجل تعزيز التكفل بالمرضى الخاضعين للعلاج بسبب السرطان ( بمفهوم الكفاءة ومفهوم التقبل ).

تكوين الأطباء الذين هم بصدد التكفل بمرضى المصابين بالسرطان:

  يمثل الأطباء محطة جوهرية في تنظيم العلاجات بمصلحة طب الأورام، من خلال مكانتهم في الكشف عن الاضطرابات والتوجيه نحو الأخصائي النفسي العيادي و الطبيب العقلي (psys) ، كذلك بالنسبة لوصف المثبطات العصبية. كذلك لديهم دور وقائي من خلال إعلام المريض، اتخاذ القرار، العلاقة العلاجية، كل العوامل التي لها ارتباط مع تكيف نفسي مميز بالنسبة للمريض وبالنسبة لأهله.

فالعلاقة الطبية والفحص الطبي يمثلان دعامة للعديد من المهام المعقدة تتمثل فيما يلي:

- الكشف عن الجاروحية ( القابلية للانجراح )، المعاناة النفسية، خطر الانتحار.

- تشخيص اضطرابات القلق والاكتئاب ( المتكررة الظهور في مصلحة علاج الأورام ).

- التوجيه نحو الأخصائي النفسي العيادي أو الطبيب العقلي .

- تكوين في مجال وصف المثبطات العصبية ( قلق، خلط، اكتئاب ).

- إدماج الأقارب في التكفل ( جوانب اتصالية، قانونية....) .

تكوين الفرق المعالجة :

   العديد من التوجيهات فيما يخص تكوين الأطباء تُطبق كذلك على الفرق المعالجة والتي تهتم بالتكفل بمرضى السرطان،هذا التكوين يستلزم إدماج كفاءات من أجل ما يلي:

- الكشف عن الجاروحية ( القابلية للانجراح )، المعاناة النفسية، خطر الانتحار.

- التقييم الصّارم والمنتظم للمشكلات النفسية للمريض، لاسيما التي تلاحظها الفرق المعالجة، وهذا قد يتطلب الاستعانة بأدوات صادقة، ولكن لابد أن تكون مرتكزة على نقل كفاءات وأنشطة تكوين الفرق من قبل (psys) ( اكتشاف الأعراض، دعم وإعادة تطمين المريض وأقربائه )، كذلك توقع الحاجات والكشف عن وضعيات الخطر.

- الكشف ومتابعة المتلازمات الخلطية.

- التوجيه نحو أخصائي نفسي عيادي أو طبيب عقلي .

- إدماج الأقارب في التكفل ( جوانب اتصالية، وقانونية ).

- أخلاقية العلاقة مع الشخص المريض.

- العلاقة المساعدة.

- تسيير وضعيات عدوانية .

  كذلك يدمج تكوين الفرقة المعالجة تكوين المعالج  حتى يتسنى له التعرف على معاناته المهنية والعمل ضمن اطار تعدد التخصصات.

تكوين لغير المعالجين ( موظف أمانة السّر، حامل المرضى ):

   هم كذلك يشكلون جزءًا من فعالية سلسلة العلاجات التي يتلقاها المريض على المستوى الفردي، قابليته للانجراح، وعليهم اقتراح الدعم النفسي الملائم.

الهدف من تكوينهم هو ادماج تكوين قاعدي في المجالات الموالية:

- علاقة مساعدة ومعرفة التصرف( التعامل) مع الشخص الذي يُعاني( المريض ) ( احترام، تعاطف، اصغاء باهتمام ).

- التعرف على وضعيات الشدّة ( الضّيق )النفسية الكبرى.

-  التعرف على مصادر وموارد الشخص في وضعيات صعبة.

- التعرف على معاناته المهنية .

 

مفهوم الاتصال:

  إن أصل كلمة communiquer  لاتينية من كلمة communicare والتي تعني أن يكون الشخص في علاقة ، إذن فكلما دخلنا في اتصال مع شخص ما فنحن في علاقة معه .

ولكن الاتصال يتعدى العلاقة، فهو يجعل أمورا مشتركة، أن يحدث تقاسم أو مشاركة بين شخصين،   

المعلومة المقترحة أو المقدمة من قبل المُرسل واستقبالها من قبل المستقبل يمكن أن تقبل كما يمكن أن ترفض. فإذا قبل المرسل ذلك فسوف يشكل بدوره رسالة ( كاستجابة ) «Feed-back».

هذه الرسالة هي التي سوف تشكل الاتصال و سوف يتولد منها بالمقابل رسالة آخر من المرسل وهكذا.

 

الاتصال في إطار علم النفس الأورام ( مريض- معالج ):

  الاتصال هو تقاسم أو مشاركة للمعلومات والانفعالات فمثلا عند الاعلان عن معلومة سيئة ( خطيرة وصادمة ) رغم أنها صادمة ومؤلمة فهو يستجيب على الأقل لحاجات المريض في أن يكون على دراية ومعرفة.

   فمريض السرطان يرغب في أن يعامل كشخص منفرد بذاته له شخصية، أن يُحترم،أن يُعلم، أن يُخبره طبيبه أن يوصل إليه المعلومة بكلمات بسيطة واضحة وبصورة متفهمة وأن يكون مستعدا لمساعدته والتكفل به.

مثال واقعي : في هذا الصدد أتذكر حالة مريضة (ن ب) لم تدرس تبلغ 40 سنة  عندما علمت الطبيبة وعن طريق نتائج تحاليل مريضتها أنها مصابة بالسرطان ( سرطان الدم ) تلعثمت واضطربت وقالت لها أنت مصابة بميكروب وسوف أحيلك إلى المستشفى الجامعي بوهران لتخضعين لعلاج بالمصل.

المريضة أدركت وبسرعة أنه السرطان وقالت للطبيبة إنه سرطان وظلت الطبيبة تُنكر ذلك بقولها وبصورة متكررة أنه ميكروب، خرجت المريضة في حالة انهيار نفسي تبكي وتدرك في قرارة نفسها أنه المرض الخبيث.

 

   فكان من المفروض أن تكون هذه التبادلات بين المُعالج والمُعَالج تستجيب لانتظارات واحتياجات المريض، وفي هذا الصدد يقول ميهيرا (Mihura) وإربوت(Erbaut) (2008)إن مثل هذه الاعلانات، عندما تكون مكيفة ومهيكلة تسمح للمختصين وللمريض لمناقشتها وبلورتها في إطار منظور مشترك من أجل التكفل في إطار علاجي.

    الاعلان له دور جوهري وأساسي في إقامة علاقة مُعالِج- مُعَالج relation soignant-soigné ، وانطلاقا من ذلك يمكن أن تُخلق ارتباطات تجمع كلا الطرفين ببعض خلال المرافقة .

ولهذا يمكن القول أن نجاح المقابلة الأولى أو الاتصال الأول بين المعالج والمريض سبيل لنجاح وتقدم العلاقة (الاتصال) وبالتالي التكفل والعلاج القائم على الثقة والاحترام.

ومن وظائف الاتصال بين المُعالِج- المُعالج: - تبادل المعلومات - التعبير الوجداني - تطوير تحالف علاجي .

يستلزم الاتصال علاقة صادقة وتبادلية :

  إن الاتصال بين المعالج و المعالج معقدة ومتشابكة تجمع جوانب عدة معرفية، وجدانية، علائقية تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين المرضى، أقربائهم ، والمعالجين.

كما أن اختلاف موقع كل شخص في العلاقة العلاجية ممكن أن يغيّر من شروط وظروف الاتصال ؛ فمع مريض يتمتع باستقلالية إلى درجة ما قد ننسى عدم تناسق العلاقة ضمن استيعاب لتعاون بسيط، إلى عمل مشترك؛ و مع مُعالِج منهك بتراكم المهام أحيانا يكون أمر أو فرض التكوين بشأن الاتصال أمر لا يمكن تحقيقه، لاسيما إن لم تكن له دافعية في ذلك.

ناهيك عن الاطار المؤسساتي وما يفرضه من حواجز أو عراقيل فمن أجل الاتصال يتطلب وقتا، «فسحة زمن» ، فضاء، وجو مناسب لإقامة علاقة ذات جودة في إطار علاجي تكاملي بين أعضاء الفرقة المعالجة.

 

طلب الاتصال قد يكون غامضا أو غير واضح:

   كما هو معلوم مسبقا أن المرضى دائما هم من يُطالب بمعلومات، مشاركين، التعبير الوجداني (الانفعالي)، وإن معرفة الموضوع أو الوعي به لا يستلزم اتخاذ قرار، لكن على العكس، فالأمر قد يغمرهم في حالة عدم كفاية وإحباط. فهناك أهمية للتمثلات ليس تلك الخاصة بالمريض التي تكون قبلية أي قبل المرض أو حتى عند الاتقاء به، ولكن أيضا تلك التي تتشكل عند تفاعلاته المتتالية بمختلف الفاعلين والعاملين في مجال العلاج.

مثال واقعي من تجربتي البحثية:

  أتذكر حالة مريضة مصابة بالسرطان نفس الحالة السابقة ( ن ب ) وبعد أن حدث تحسّن ملحوظ من الناحية النفسية والجسدية ( بعد أن كانت تعاني فقر دم شديد، يرقان حاد، هزال شديد، عدم الرغبة في التحدث، اكتئاب، فقدان شهية ... تحسنت انخفضت حدة فقر الدم واليرقان لديها، أصبحت تتحدث وتتكلم مع الفاحصة، عادت شهيتها للأكل، أصبح لديها أمل  ) تدخل إليها الطبيبة فجأة وبصورة مباغتة وتخبرها أن مناعتها ضعيفة وعليها أن لا تترك أحدا يدخل إليها .

المريضة قفزت قفزة قوية على سريرها تغيرت ملامحها من ملامح إطمئنان وارتياح إلى ملامح قلق، خوف وارتباك وانشغال، ولحسن الحظ كنت هناك وتحدثث إليها وطمأنتها بشأن صحتها وتحسنها مقارنة بما كانت عليه في وضع صحي خطير.  

  من الأهمية بمكان التعرف على التبادلات الوجدانية وأثر  السّمات الوجدانية الشخصية للفاعلين في مجال العلاج كالتعرف على درجة التحمل، عدم اليقين لدى الأطباء، أو الذكاء الوجداني للمرضى، السؤال عقب خطأ طبي قد يتم تناوله بزاوية أخلاقية، تهويل أو تضخيم من حجم المعلومة  يمكن أن يكون له تأثير.

فلابد من النظر في كل قطب من أقطاب أو محاور الاتصال الانساني على أن نكون إنسانيين في مجال التبادلات ، آخذين بعين الاعتبار تأثير الاتجاهات الفردية على الجانب المعرفي والوجداني.

 

 

ملاحظة : للمزيد من الاطلاع يمكنكم طلبتي الأعزاء الرجوع إلى بعض الكتب أو الأبحاث ذات الصلة بالموضوع مثل :

_ Marie Frédérique Bacqué (2006). Cancer et traitement .Springer .Paris

_ Patrice Guex(1994). An introduction to psycho-oncology. Routldge.

 

 

 

  


مجال علم النفس الصحة الثقافي