يهتم هذا المقياس بتعريف الطالب بالمفاهيم والنظريات الأساسية لعملية للتكامل والاندماج في مجال العلاقات الدولية وذلك من خلال دراسة المواضيع التالية: التعريف بطبيعة هذا الحقل الأكاديمي وتطوره من حيث مفهوم ومقاصد التحالفات والتكتلات التي شهدتها العلاقات الدولية بصفة غير مسبوقة وأكثر تعقيداً في  العصر الحديث. ومن تم استعراض نظرية التكامل بين نظريات ومقاربات العلاقات الدولية من خلال تحليل ونقد نماذج وتجارب التكامل بالاسقاط. 


  برنامج مقياس التحولات الديمقراطية في الوطن العربي

مدخل

المحور الأول: التحول الديمقراطي (الاطار المفاهيمي والنظري).

أولا:  التحول الديمقراطي: مقاربة مفاهيمية.

1.   تعريف التحول الديمقراطي.

2.   التحول الديمقراطي والمفاهيم المرتبطة.

3.   أنماط التحول الديمقراطي.

ثانيا: المداخل النظرية المركزة على شروط التحول الديمقراطي.

1.   المدخل التحديثي.

2.   مدخل الثقافة السياسية.

3.   المدخل المؤسسي.

ثالثا: المداخل النظرية المركزة على مصادر التحول الديمقراطي.

1.    المدخل الانتقالي.

2.   المدخل البنيوي.

3.   المدخل التنموي.

4.   نظرية السلام الديمقراطي.

5.   المجتمع المدني كآلية من آليات ارساء الديمقراطية التشاركية.

المحور الثاني: قضية التحول الديمقراطي في الوطن العربي.

أولا: أسباب وعوامل التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية.

1.   أسباب وعوامل داخلية (النزوع الأخلاقي والوطني).

2.   أسباب وعوامل خارجية (تناقض النظام العالمي الجديد).

    ثانيا: خصائص عملية الانتقال الى التعددية السياسية في الوطن العربي (ادارة عملية   الانتقال الديمقراطي).

      ثالثا: بعض المداخل النظرية والتحليلية لدراسة التعددية السياسية والتحول الديمقراطي في الوطن العربي.

 

مــدخـــل

    

      لقد شهدت الساحة السياسية في العقود الأخيرة زخم من التطورات السياسية خاصة في دول العالم الثالث في اطار ما سمي "الثورة الديمقراطية العالمية"، إذ أصبحت هذه الظاهرة تمثل الاهتمام الرئيسي المعاصر في دراسة النظم السياسية.

       وقد شهد حقل السياسة المقارنة تطورا مماثلا من خلال اخضاع مفهوم التحول الديمقراطي باعتباره أحد المفاهيم الرئيسية لمحاولات معمقة للتأصيل المفاهيمي، هذا الاهتمام تجلى من خلال تطوير جملة من المداخل النظرية لتقديم جملة من التفسيرات حول أنماط التحول وأسبابه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الأول: التحول الديمقراطي (المطار المفاهيمي والنظري).

     لقد خضع مفهوم التحول الديمقراطي باعتباره أحد المفاهيم الحديثة المطروحة على الساحة الفكرية لمحاولات للتأصيل المفاهيمي تجسدت من خلال الاهتمام المتنامي لمختلف الأدبيات بهذا الموضوع، إلا أن طبيعة مفهوم التحول الديمقراطي الذي اتسم بالاتساع والشمول إلى جانب ضرورة صياغة تعريف إجرائي فرض المزيد من الاهتمام بتأصيل هذا المفهوم.

أولا:  التحول الديمقراطي: مقاربة مفاهيمية.

1.   تعريف التحول الديمقراطي.

      إن محاولة التأصيل المفاهيمي للتحول الديمقراطي تستدعي الرجوع إلى الأصول اللغوية للمصطلح، فكلمة التحول لغة تعبر عن تغيير نوعي في الشيء أو انتقاله من حالة إلى أخرى.

     ويشير لفظ التحول الديمقراطي لغة إلى التغير أو النقل، فيقال حول الشيء أي غيره أو نقله من مكانه، وكلمة التحول تقابلها في اللغة الإنجليزية "Transition".

      يقصد بالتحول الديمقراطي في الدلالة اللفظية المرحلة الانتقالية بين نظام غير ديمقراطي ونظام ديمقراطي، فالنظام السياسي الذي يشهد تحولا ديمقراطيا يمر بمرحلة انتقالية بين نظام غير ديمقراطي في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي.

      لقد استخدمت العديد من المصطلحات للدلالة على مفهوم التحول الديمقراطي كالتحول السياسي، أو الانتقال إلى الديمقراطية، أو التحديث السياسي، أو التحرير السياسي أو الدمقرطة.

     يقصد بعملية التحول الديمقراطي تراجع الحكم التسلطي بكافة أشكالها وحلول نظم أخرى في الحكم، تعتمد على الاختيار الشعبي بواسطة الانتخابات كوسيلة لتبادل السلطة أو الوصول إليها، وكبديل عن حكم الفرد وانتهاك القوانين والدستور، وقد اصطلح على هذه العملية بالتحول الديمقراطي.

 

      تختلف أسباب الانتقال من النظام التسلطي إلى النظام الديمقراطي من حالة إلى أخرى، فقد تنبع من داخل المجتمع ذاته، كما قد تكون الديمقراطية مفروضة على المجتمع من خارجه، فقد تنبع من داخل المجتمع ذاته، كما قد تكون الديمقراطية مفروضة على المجتمع من خارجه، ويمكن أن ينتج عن رغبة من الدول المعنية بتلقي المساعدات الخارجية، حيث تربط الدول المانحة بين درجة التقدم الديمقراطي من ناحية وبين حجم المساعدات من ناحية أخرى، خاصة وأن أغلب المساعدات الاقتصادية والأمنية تأتي من الو.م.أ وحلفائها.

    يشير مفهوم الانتقال إلى الديمقراطية إلى حالة التوافق المجتمعي الحاسم الذي ينتقل بموجبه النظام السياسي في بلد ما من حكم الغلبة والوصاية على الناس إلى حالة الاعتراف بأن الشعب مصدر السلطات والالتزام بتنظيم السلطة سلميا عن طريق انتخابات عامة تتسم بالشفافية والنزاهة، وممارسة الحكم وفق شرعية دستور ديمقراطي تكون المواطنة فيه مصدر الحقوق والواجبات.

     يعرف ديفيد كولير(David Colier) و ستيفن ليفسكي(Steven Levitsky) الديمقراطية أنها : " مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته، من خلال الادارة السليمة للجماعة المتنافسة أو المصالح المتضاربة".

   فالنظام الديمقراطي هو النظام الذي يسمح بمشاركة سياسية واسعة في اطار الميكانيزمات الانتخابية، والاعتراف بمبدأ التداول على السلطة والمشاركة في عملية اتخاذ القرارات. 

   كما يقدم جوزيف شومبيتر(Joseph Shumpeter) في عمله المعروف "الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية" سنة 1942 تعريفا للديمقراطية كونها: " نظام يتضمن توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرار السياسي، والذي يتحقق من خلال الانتخابات التنافسية".

   ويعرفه أيضا تشارلز أندريان بأنه: " التحول من نظام إلى آخر، أي تغيير النظام القائم وأسلوب صنع السياسة الذي يتبناه النظام، ويسميه التغيير بين النظم، وعليه التحول يعني تغييرات عميقة في الأبعاد الأساسية الثلاثة في النظام: البعد الثقافي، البعد الهيكلي والسياسات وهذه التغيرات ناتجة عن وجود تناقضات بين هذه الأبعاد الثلاثة، مما يؤدي الى عجز النظام القائم على التعامل معها في ظل الاطار والأسلوب القديم".

   وفي تعريف آخر للتحول الديمقراطي فهو: عملية الانتقال من أنظمة تسلطية الى أنظمة ديمقراطية، تم فيها حل أزمة الشرعية ، والمشاركة والهوية والتنمية، أي انتهاج الديمقراطية كأسلوب لممارسة الأنظمة السياسية، فالتحول الديمقراطي يعني تغييرا جذريا لعلاقات السلطة في المجال السياسي وعلاقات التراتب في الحقل الاجتماعي.

   وتأسيسا على ما سبق فإن التحول الديمقراطي هو:-

      " مجموعة من المراحل المتميزة تبدأ بزوال النظم السلطوية يتبعها ظهور ديمقراطيات حديثة تسعى لترسيخ نظمها، وتعكس هذه العملية اعادة توزيع القوة بحيث يتضاءل نصيب الدولة منها لصالح مؤسسات المجتمع المدني بما يضمن نوعا من التوازن بين كل من الدولة والمجتمع، بما يعني بلورة مراكز عديدة للقوى وقبول الجدل السياسي".

       2. التحول الديمقراطي والمفاهيم المرتبطة. 

    بغية تحديد مفهوم التحول الديمقراطي سعت العديد من الأدبيات السياسية الى محاولة تأصيل عدد من المفاهيم ارتبطت بالتحول الديمقراطي كالليبرالية السياسية، الانتقال الديمقراطي، الرسوخ الديمقراطي....إلخ.

·       العلاقة بين الليبرالية والتحول الديمقراطي.

   لقد حرصت العديد من الأدبيات في تناولها لمفهوم التحول الديمقراطي على التمييز بين  كل من الليبرالية والتحول الديمقراطي. فالليبرالية تتضمن أهدافا متواضعة تتمثل في التخفيف من حدة القيود وتوسيع نطاق الحقوق الفردية والجماعية داخل النظام السلطوي وهي لا تعني بالضرورة إرسائها لتحول ديمقراطي وإن كانت تساهم في تحفيز هذه العملية. أما التحول الديمقراطي فيهدف الى تحقيق إصلاحات سياسية تعكس قدرا أكثر اتساعا من محاسبة النخبة وصياغة اليات عملية صنع القرار في اطار مؤسسي ديمقراطي.  

·       التحول الديمقراطي والانتقال الديمقراطي.

يميز الكثير من المفكرين بين الانتقال الديمقراطي والتحول الديمقراطي؛ حيث يعتقدون أن الانتقال الديمقراطي هو أحد مراحل التحول الديمقراطي ويعد من أخطر المراحل نظرا لإمكانية تعرض النظام فيها لانتكاسات حيث أن النظام في هذه المرحلة يكون ذو طبيعة مختلطة حيث تتعايش فيه كل من مؤسسات النظام القديم والحديث ويشارك كل من ذوي الاتجاهات السلطوية والديمقراطية في السلطة سواء عن طريق الصراع والاتفاق.

·       التحول الديمقراطي والترسيخ الديمقراطي.

تميز الأدبيات السياسية الخاصة بالديمقراطية بين التحول الديمقراطي من ناحية والترسيخ الديمقراطي من ناحية أخرى، فحدوث التحول الديمقراطي لا يعني استمراره وتعزيزه، ولا يمكن اعتبار أن الديمقراطية قد ترسخت في مجتمع ما عندما يقبل جميع الفاعلين السياسيين الأساسيين حقيقة أن العمليات الديمقراطية هي التي تحدد وتملي التفاعلات التي تتم داخل النظام السياسي.

يرى كل من Higley و Guentherأن بداية رسوخ النظام الديمقراطي يعود الى اتفاق النخبة حول مختلف الاجراءات مع مشاركة شعبية واسعة النطاق في الانتخابات ومختلف العمليات المؤسسية الأخرى.

 

3. أنماط التحول الديمقراطي.

    إن إجراء تحوّل سياسي يعني في عمقه وشموليته: تبديل جذري لأسس البنية الاجتماعية والسياسية القائمة في المجتمع، لذلك فالعملية تنطوي على إجراء قدر كبير من التغيرات في النظام السياسي، كأن يحدث تغير في القيادة السياسية، يليه تغير في ممارسة السلطة ومن ثم في التوجهات السياسية العامة التي تؤدي إلى تغيرات هيكلية وبنيوية تؤثر على مخرجات النظام، عن طريق عدّة أنماط، من حيث الأسلوب والدرجة، حيث نجد:

1- النمط السلمي: يحدث النمط السلمي للانتقال من نظام سياسي إلى آخر دون اللجوء إلى العنف أو الثورة كوسيلة للتغيير.

2- النمط العنيف: يحدث عندما يتم اللجوء إلى السلوك العنيف كونه الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن المطالب وحماية المصالح، وينشأ العنف في حالة العجز عن تغيير الوضع القائم بوسائل سلمية.

3- التحول الجزئي المحدود: يتمثل هذا الأسلوب في الترميم والإصلاح والتحسين لما هو قائم فعلا دون المساس بالجذور والأصول.

4- التحول الشامل: أي إحداث تغيير شامل في حالة عجز القوى التقليدية بمختلف أنماطها وأشكالها عن مواجهة التحديات ومتطلبات التنمية والتقدم، أي إعادة البناء إنطلاقا من الجذور.

       هذا ويتفق أغلب الباحثين المتخصّصين في الظواهر السياسية على ثلاث طرق أو أساليب يجري إتباعها لتجسيد عملية التحوّل السياسي وهي: التحوّل، الإحلال، الإحلال التحوّلي.

1- التحــــوّل:

       هو عبارة عن تغيير من فوق يبادر به الزعماء السياسيون المسيطرون على هرم السلطة في النظام السياسي الفاسد، من خلال شروعهم في إجراء تغييرات عميقة وشاملة غير مسبوقة، ويعود لهم بالتالي الفضل في وضع حدّ للنظام السياسي الفاسد واستبداله بآخر صالح، وذلك بعد توفّر ثلاث عناصر أساسية:

أ- وجود تيار إصلاحي:

       هناك علاقة وثيقة بين التحول كأسلوب وبين النخب السياسية المثقفة والمؤمنة بالديمقراطية والقادرة على السير في طريقها والمحتمل تبوؤها مقاليد الحكم داخل نسق الحكم الفاسد باعتبارها مؤمنة بضرورة وحتمية التغيير وإقامة نظام سياسي صالح.

ب- تغيّر في القيادة:

       إن ظهور الإصلاحيين غير كاف ما لم تتوفّر لهم سلطة إتخاذ القرار، أي أن التحول السياسي مرهون بوصول التيار الإصلاحي إلى سدّة الحكم ومشاركته في رسم السياسة العامة للبلاد، ويتم ذلك في حالة:

- مرور النظام السياسي الفاسد بأزمة ووفاة مؤسس هذا النظام، حيث يجري البحث عن قيادة جديدة في أسرع وقت ممكن، فيسعى الخليفة في ظل المتغيرات الجديدة إلى التكيف من خلال الشروع في عملية التغيير.

- أو عندما يبادر القادة بإجراء إصلاحات روتينية استجابة لضغوط البيئتين الداخلية والخارجية، الأمر الذي يجعل من وصول عناصر إصلاحية إلى السلطة أمرا ممكنا.

- أو عندما يجرؤ الإصلاحيون المدعمون من الداخل والخارج على خلع الحاكم الفاسد واستبداله بآخر ذي نزعة ديمقراطية.

    ج- قوة الحكومة على المعارضة:

       أي احتفاظ الحكومة الإصلاحية بالمبادرة والسيطرة على عملية التحول، بالتالي قدرة الإصلاحيين على إنجاح التحول تتوقف على:

- تحييد المعارضة عن طرق إضعافها أو طمأنتها بفكرة الإصلاح، ويجري في الغالب الاعتماد على الزعماء السياسيين الديمقراطيين الذين يحظون بتأييد واسع النطاق من الداخل والخارج في تحدي ومقاومة التيار المحافظ.

- الحفاظ على الشرعية من خلال التأكيد على عناصر الاستمرارية مع الماضي، أي السعي إلى الإيحاء أن النظام الجديد الجاري إنشاؤه ناجم في الأصل عن النظام القديم الذي يعترف به الديمقراطيون المعتدلون.

- التحالف مع المعارضة من خلال إجراء مشاورات مع العناصر الفاعلة للمعارضة والأحزاب السياسية ومختلف الفئات والقوى السياسية والاجتماعية التي لها وزن في الساحة السياسية للبلاد.

2- الإحـــــلال:

    مصدر عملية الإحلال المعارضة التي تتوفر على الإرادة السياسية والرغبة في التغيير، وتأتي هذه العملية بعد أن تقوى شوكة المعارضة وتمسك بزمام المبادرة مما يسمح لقادة المعارضة بملأ الفراغ واعتلاء سدة الحكم، ثم البدء في تغيير النظام القائم، وهناك ثلاثة عناصر أساسية يمكن للمعارضة أن توظفها لصالحها قصد وضع حدّ للنظام الفاسد:

أ- المؤسسة العسكرية، حيث قد يغير قادتها من موقفهم المؤيد للسلطة الحاكمة بسبب تغير الظروف الداخلية والخارجية واعتقادهم أن من مصلحتهم إلتزام الحياد أو تفادي اللجوء إلى استعمال القوة ضد العناصر المناوئة للنظام.

ب- المثقفون: حيث يشكل الطلبة والمثقفون رواد المعارضة السياسية، غير أن تأثيرهم مرهون على فهمهم للواقع المعقد وتجاوز ضغط المصالح الآنية.

ج- الجماهير: تلعب المظاهرات والاحتجاجات دورا محوريا في عملية الإطاحة بنسق الحكم الفاسد.

3- الإحلال التحوّلي:

    يتطلب هذا الأسلوب وجود قوى ديمقراطية معارضة في المجتمع تكون قادرة ليس فقط على إجبار الحكام بوسيلة من الوسائل على تقديم تنازلات وإنما أيضا على تجسيد الديمقراطية والحفاظ عليها وتفادي ظهور أو قيام نوع آخر من الحكم اللاّديمقراطي.

    إذن يأتي الإحلال التحوّلي نتيجة عملية حسابية براغماتية عقلانية يؤمن بموجبها الطرفان (الحكومة والمعارضة) بالديمقراطية كآلية للتعامل مع مختلف الأزمات المترتبة عن الشمولية، وذلك عن طريق:

     أ- صفقة سياسية ممكنة.

       يكون ناتجا عن توازن القوى بين الحكومة والمعارضة، مما يدفع إلى التفاوض حول تغيير النظام السياسي القائم، وتتطلب هذه العملية التوصل إلى صفقة سياسية من خلال إبرام عقد سياسي بين السلطة والمعارضة يضمن انتقال سلمي بدون صدمات إلى نسق حكم صالح.

 

هناك أمران يدفعان السلطة والمعارضة إلى التوافق السياسي:

-       أولهما الاعتراف بفشل العنف في فرض الشرعية أو الاستيلاء على السلطة.

-       ثانيهما تنامي الشعور العام بالحاجة إلى إجماع وطني لمجابهة تحديات التنمية والأمن.

ب- احتواء الراديكاليين.

       تقوم كلّ من السلطة والمعارضة بدعم بعضها البعض فيما يخصّ احتواء المتشدّدين غير المرغوب فيهم، حتّى يتمكن كلّ طرف من تجاوز عقبة المغالين التابعين له، فتضطر كلّ من السلطة والمعارضة إلى اللّجوء إلى طاولة المفاوضات بعد إدراكهما للمخاطر التي قد تنجم عن منطق المواجهة والعنف، ويجري غالبا التفاوض حول الضمانات التي يقدمها كل طرف للآخر.

    يتضح لنا أن التحول السياسي ظاهرة سياسية شديدة التعقيد ناجم عن تفاعل عوامل داخلية وخارجية، لكن درجة تأثيرها مجتمعة في عملية التحول السياسي من نموذج إلى آخر قد تتفاوت من وحدة سياسية إلى أخرى تبعا لخصوصية كل واحدة، لكن القاسم المشترك هو إذا كان هذا التحول السياسي هو تحوّل إلى نموذج ديمقراطيا فإن المحصّلة النهائية هي حصول تنمية سياسية مستدامة، لأن التحول السياسي الديمقراطي يؤدّي حتما إلى رشاد الحكم، هذا الأخير الذي يعتبر أحد الأبعاد الرئيسية لتحقيق التنمية السياسية

ثانيا. المداخل النظرية المركزة على شروط التحول الديمقراطي.

1. المدخـــــــــل التحديثــــــــــي.

   يؤكد المدخل التحديثي  على جملة من المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية لعملية التحول الديمقراطي، ويربط بين الديمقراطية الليبرالية والتنمية الاقتصادية.

  نعني بالتحديث: استجلاب رموز الحضارة الحديثة وأدوات الحياة العصرية كالتجهيزات التكنولوجية والمعدات الالية والمنظمات ذات المسميات الحديثة وسلع الاستهلاك والرفاهية.

            ترجع  الأصول التاريخية لهذا المدخل الى "ادم سميث" فهو أول من عبر عن هذا الاتجاه من  خلال كتابه : "ثروة الأمم"، لتأكيده على الليبرالية السياسية كشرط للأداء الفعال للسوق، الذي يعتبره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، فبالنسبة لادم سميث، الحكومة التي لا تحكم قبصتها على الحكم هي التي تتيح مجالا أكبر للحرية الفردية والمنافسة.

            قضية الارتباط بين الديمقراطية والتنمية تبرز من خلال افتراضات وأطروحات عالم الاجتماع السياسي الأمريكي سيمور مارتن ليبست وقدم ليبست أطروحته لأول مرة سنة 1959 في مقالة تحت عنوان:" بعض الاشتراطات الاجتماعية للديمقراطية: التنمية الاقتصادية والشرعية السياسية". ولتأكيد أطروحته نشر في سنة 1960 كتابه: "الرجل السياسيPolitical man "، وحسب ليبست فان الديمقراطية ترتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

           ولإثبات هذه العلاقة قام بدراسة شملت البلدان الأوروبية والبلدان الناطقة بالإنجليزية في أمريكا الشمالية وأستراليا حيث صنفها الى:

·       ديمقراطيات مستقرة.

·       ديمقراطيات غير مستقرة.

·       دكتاتوريات.

 

             وصنف بلدان أمريكا اللاتينية الى ديمقراطيات ودكتاتوريات مستقرة وغير مستقرة، وقارن هذه البلدان من خلال مؤشر الثروة والحضرية وكذا درجة التصنيع والتعليم باعتبارها مؤشرات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتوصل الى أن البلدان الأكثر ديمقراطية من بين المجموعتين كانت تتمتع بمستوى تنمية اقتصادية واجتماعية عالية. 

            وقد قامت دراسات عديدة للتأكد من أطروحة ليبست الأصلية ومنها دراسة قام بها "بولين وجاكمان Bollen and Jakman" فقد توصلا من خلال تحليلي احصائي لمجموعة من العوامل التي تمثل المحددات الأساسية للديمقراطية، الى أن المحدد الاقتصادي أكثر أهمية من المتغيرات الاخرى مجتمعة.

2. مدخل الثقـــــــافــة السيــــــــاسيــــــة.

 

v   نشأة مدخل الثقافة السياسية

     يعد مفهوم الثقافة السياسية ومعه مفهوم التنشئة السياسية من أهم مفاهيم دراسة النظم السياسة المقارنة. وترجع أهمية هذا المدخل من خلال ادراك أن مجموعة الرموز السياسية والثقافية المشكلة لنظام معتقدات الأفراد والجماعات تعتبر أساس شرعية النظام. ويقصد بالتنشئة السياسية تلك العملية التي يتم عن طريقها اكتساب المعرفة السياسية وعادات التفكير والسلوك التي تشكل رموز ومعتقدات الثقافة السياسية.

    يرجع استخدام هذا المدخل الى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات حيث أدرك علماء السياسة أن الأطر التخليلية البنائية أو الهيكلية لا تمكن وحدها من تقديم رؤية شمولية للنظم السياسية، فدعوا الى ضرورة أخذ البيئة الثقافية بعين الاعتبار عند دراسة الحكم والسياسة في أي مجتمع متأثرين في ذلك بمفاهيم وتصورات ورؤى وتصورات علم النفس الاجتماعي.

     ومن العوامل التي ساعدت على انتشار هذا المدخل التطورات التقنية المتعلقة بتقدم أدوات البحث وجمع البيانات، خاصة تطوير أساليب المسح الاجتماعي واستبيانات الرأي العام. كذا تطوير وسائل وطرق المقابلة وطرق التحليل والاستنتاج الاخصائي.

 

 

 

 

v     التعريف بمفهوم الثقافة السياسية

    لقد كان العالم السياسي الأمريكي "ألوند" أول من استخدم مصطلح الثقافة السياسية في مقالة كتبها سنة 1956 ويعرفها "ألموند" أنها: " مجموعة التوجهات السياسية والاتجاهات والأنماط السلوكية التي يحملها الفرد تجاه النظام السياسي ومكوناته المختلفة وتجاه دوره كفرد في النظام السياسي".

    ويرى "لوسيان باي" أن الثقافة السياسية هي: " مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي".

      أما "سيدني فيربا" فيذهب في تعريفه للثقافة السياسية أنها: " المعتقدات الواقعية والرموز التعبيرية والقيم التي تحدد الوضع الذي يحدث التصرف السياسي في اطاره".

     ويذهب "اريك روي" الى اعتبار الثقافة السياسية أنها: " نمط القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفية الفردية".

     يذهب "ألموند" الى اعتبار أن الثقافة السياسية تتكون من أربعة أبعاد:

1.   أنها تتكون من مجموعة التوجهات الذاتية تجاه العملية السياسية بين أفراد المجتمع ككل أو بين مجموعة فرعية داخل المجتمع.

2.   أنها تتكون من ادراكات وأحاسيس أو مشاعر وتقييمات، فهي تشمل معلومات ومعارف ومعتقدات حول الواقع السياسي، ومشاعر وأحاسيس تجاه العملية السياسية، والتزامات بقيم سياسية معينة.

3.   محتوى الثقافة السياسية متضمن في عملية التنشئة السياسية الي تتم خلال مرحلة الطفولة ومن خلال المؤسسة التعليمية والتعرض لوسائل الاعلام والخبرة العملية في الحياة الاجتماعية والسياسية.

4.   تؤثر الثقافة السياسية على البنية الحكومية والسياسية وأدائها واللتان تحملان علاقات متبادلة بينهما.

     اجمالا يمكن القول أن مفهوم الثقافة السياسية يتحدد من خلال العناصر التالية:

·       يتحدد جوهر الثقافة السياسية في القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع، وهي بهذا تعبير عن عناصر غير مادية أو معنوية.

·       الثقافة السياسية فرعية أو جزء من الثقافة العامة للمجتمع.

·       يعتبر النظام الثقافي في المنظور الماركسي أحد عناصر البنيان الفوقي الذي يشكله البنيان السفلي (قوى وعلاقات الانتاج) وهكذا فالثقافة السياسية هي نتاج الواقع الاقتصادي وفي هذا الاطار يذهب المفكر الماركسي "جرامشي" صاحب فكرة ونظرية الهيمنة الى اعتبار أن الثقافة السياسية هي: " البنية الفوقية الايديولوجية للمجتمع، ويتم خلقها وتعزيزها عن طريق الهيمنة الطبقية وتعمل التنشئة السياسية على استمراريتها وديمومتها".

·       لا تعرف الثقافة السياسية لأي مجتمع ثباتا ولكنها تتعرض للتغير والتبدل، ويتوقف هذا التغير على مدى التغير في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

·       الثقافة السياسية المنتشرة في المجتمع ليست متماثلة، ويرجع ذلك لاختلاف مجموعة من العوامل كالأصل العنصري والديانة ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادي والحالة التعليمية.

v     قياس توجهات الأفراد تجاه النظام السياسي.

    يرى "ألموند" و"فيربا" أن توجهات الأفراد تجاه النظام السياسي تتحدد من خلال ثلاثة أبعاد هي:

·       الادراك، ويعني مدى معرفة الأفراد بنظامهم السياسي والبنى التي يحتويها والأدوار السياسية في جانبي المدخلات والمخرجات.

·       المشاعر، وتعني الأحاسيس التي يحملها الفرد تجاه النظام السياسي والسلطات والسياسات العامة.

·       التقييم، ويعني الأحكام والآراء التي يحملها الأفراد تجاه النظام السياسي وتقييمهم لأدائه.

أما تحديد وقياس الثقافة السياسية لأي مجتمع فيتم من خلال مدى ادراك وشعور وتقييم الأفراد لأربعة جوانب أساسية من الحياة السياسية هي:

·       النظام ككل، ويشمل الموقع والتاريخ والشكل الدستوري والمساحة...الخ

·       المدخلات وهي التعبير وتقديم المطالب المختلفة الى السلطات السياسية لتحويلها الى سياسات عامة وقرارات ملزمة.

·       المخرجات وهي القرارات والسياسات التي يصدرها النظام السياسي.

·       دور الذات ويشمل مدى ادراك الفرد لدوره في الحياة السياسية من خلال معرفته لكيفية المشاركة السياسية والمعايير التي يستخدمها لتكوين آرائه حول النظام السياسي. 

v   أنواع الثقافة السياسية.

    قدم "ألموند" و"فيربا" تصنيفا لأنواع الثقافات السياسية وهي كالتالي:

1.   الثقافة السياسية الضيقة أو المحلية: توجد هذه الثقافة في المجتمعات التقليدية، وتتميز بعدم وجود أدوار ووظائف سياسية للفرد، وتكون للفرد معلومات ومدارك ضيقة للمجتمع، أما ادراكه ووعيه بنظامه السياسي فهو محدود وغير واضح.

2.   الثقافة السياسية التابعة أو الرعوية: وهي عبارة عن وجود ثقافة الخضوع للقرارات التي تتخذها السلطات ويعتبرها أفراد المجتمع الزامية ولا يمكن تحديها، نظرا لاقتناع الفرد بعدم قدرته على التأثير على النظام السياسي وأنه مجرد تابع أو رعية.

3.   الثقافة السياسية المشاركة: هي ثقافة يتميز الفرد فيها بمعرفته لواجباته وحقوقه ولديه ثقة بكفاءاته وقدرته على التأثير في الحياة السياسية، ويعتبر دوره ايجابيا وفعالا في العملية السياسية. وشعور الفرد وتقييمه للنظام السياسي يتراوح بين القبول الكامل والرفض التام.

 

   3. المدخـــــــــــل المؤسســــــــي.

    يعتبر الاقتراب المؤسسي من التحليلات النظرية الهامة، اذ ظهرت كرد فعل للاقتراب التاريخي من جهة والاقترابين المثالي والقانوني من جهة أخرى، حيث أصبح الاهتمام منصبا على دراسة الحقائق السياسية كالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والمحاكم، ودراسة الادارة، ونظم الانتخابات والأحزاب السياسية.

   يعتمد اقتراب المؤسسة على شرح وتفصيل وصفي للمؤسسة، ثم اجراء مقارنة بين المؤسسات من حيث التشابه والاختلاف داخل الدولة أو بين الدول وذلك من خلال التركيز على:-

1.   الهدف من تكوينها: هل تأسست لتحقيق غرض عام.

2.   مراحل تطورها والعوامل التي كان لها دور وتأثير في شكل المؤسسة وأدائها.

3.   تجنيد الأعضاء في المؤسسة ويتم عبر الانتخابات أو التعيين أو الجمع بينهما.

4.   الوسائل المستخدمة من طرف المؤسسة للحفاظ على بقائها.

5.   هياكل المؤسسة وأبنيتها ومكوناتها.

6.   علاقة المؤسسة بغيرها من المؤسسات.

7.   اختصاصات المؤسسة حسب ما ينص عليه الدستور والقوانين.

8.   الثقل النسبي للمؤسسات من حيث الأهمية والفاعلية والقوة والتأثير.

9.   التنظيم الداخلي للمؤسسة وتوزيع الأدوار فيها.

    المؤسسة في معناها العام هي مجموع مظاهر الأنماط السلوكية الثابتة والتي تحدد انتظام (قواعد) وسلوك نشاط الأفراد. والمؤسسة عند صموئيل هنتنغتون هي:" أنماط من السلوك الثابت والمقيم والمتوافق بين الأفراد".

    والمأسسة هي العملية التي تكتسب بها التنظيمات والاجراءات درجة متزايدة من الثبات والانتظام والاستمرارية، ويقصد بالمؤسسات السياسية مجموعة العناصر التنظيمية الرسمية ذات العلاقة بالنظام السياسي وتشمل المؤسسات التشريعية، التنفيذية، القضائية، المؤسسات البيروقراطية.

     لقد مر الاقتراب المؤسسي بمرحلتين: المرحلة التقليدية والحديثة.

§       الاقتراب المؤسسي التقليدي.

     يولي هذا الاقتراب أهمية بالغة للأبنية والهياكل، والأطر الرسمية ومدى التزام المؤسسات بالقواعد الدستورية، لذلك كان التركيز على وصف الدولة وأركانها ووظائفها القانونية التقليدية( التشريعية، التنفيذية، القضائية) أو وصف شكل الدولة( موحدة أو اتحادية) كما تصف شكل الحكومة( ملكية أو جمهورية) وأنواع الحكومات( برلمانية، رئاسية، حكومة جمعية).

    كما يهتم هذا الاقتراب بالتطور التاريخي للمؤسسات، ويتم تناول النظام السياسي من منطلق القانون الدستوري، فالظاهرة السياسية يحكمها اطاران، اطار مشروعية المؤسسة أي خضوعها للقواعد الدستورية المنظمة للمؤسسات، واطار شكل المؤسسة أي النمط البنائي التراتبي للمؤسسة وعلاقاتها بالمؤسسات الأخرى.

 

   النقد

1.   غلبة النظرة الوصفية والتاريخية والدستورية.

2.   تجاهله السلوك السياسي والسياق الاقتصادي والاجتماعي والايديولوجي الذي تتحرك فيه المؤسسات.

3.   تجاهل الاقتراب المؤسسي الفاعلين غير الرسميين، كالطبقات الاجتماعية، والقوة السياسية.

§         الاقتراب المؤسسي الجديد أو الحديث.

      ظهرت بذور الاقتراب المؤسسي الجديد في أواسط الستينيات على يد العالم السياسي الأمريكي "صاموئيل هنتنغتون" وذلك في كتابه " النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة"، الا أن بروز المؤسسية الحديثة كان في الثمانينيات.

    لقد اهتمت المؤسسية الجديدة سياقات جديدة لدراسة المؤسسة، وتمثلت في الجوانب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية التي تتبادل التأثير مع المؤسسة التي تعيش ضمنها، كما اهتمت بتفاعل المؤسسة مع بيئتها وبالتأثيرات المتبادلة بين المؤسسة والبيئة.

   يولي الاقتراب المؤسسي أهمية للبعد المؤسسي لدراسة الظواهر السياسية ويربط ذلك بالأوضاع الاقتصادية والثقافية التي توجد فيها المؤسسة، فالمؤسسات هي المحدد الرئيسي للسياسة العامة على حد قول (ويلدافسكي1986).

    تعددت وتنوعت الدراسات المتناولة للمؤسسات والأطر النظرية والتحليلية، فقد اهتم "هنتغتون" بدراسة المؤسسات وأبعادها، ووضع مقاييس تعتمد على مؤشرات لتحديد الأنماط والمستويات، فحدد أربعة معايير لقياس مستوى المؤسسية ( البناء المؤسسي) وهي كالتالي:-

1.   التكيف: يقصد به مقدرة المؤسسة على الاستجابة للتأثيرات الداخلية والخارجية ومواجهتها من خلال ترتيبات معينة كإحداث تغييرات في الأشخاص أو الوظائف، وتقاس هذه القدرة باستخدام المؤشرات التالية:-

·       العمر الزمني: فكلما كان عمر المؤسسة أطول كانت الأقدر على التكيف والعكس صحيح، فالمؤسسة القديمة هي الأكثر تأثيرا وبشكل ايجابي في تعزيز أداء الدولة واستقرارها.

·       العمر الجيلي: يتعلق بالتغيرات في القيادة العليا للمؤسسة ومدى تعبيرها عن التغير الجيلي؛ أي هل انتقلت القيادة سلميا من جيل الى جيل؟ فالمؤسسة التي يتم فيها الانتقال وفقا لقواعد التداول السلمي على السلطة عن طريق الانقلابات أو الثورات.

·       التغير الوظيفي: المؤسسة التي تغير من وظائفها أكثر قدرة على التكيف من التي تعجز عن ذلك.

2.   التعقيد: بمعنى أن تضم المؤسسات مجموعة من الوحدات المتخصصة وتقوم بمجموعة من الوظائف بغية الاستمرارية، ويقاس التعقيد بالمؤشرين التاليين:-

-         درجة تعدد وحدات المؤسسة وتنوعها           - درجة تعدد وظائف المؤسسة وتنوعها.

3.   الاستقلالية: تشير الى مدى حرية المؤسسة في العمل، وتقاس ب:-

·       الميزانية: هل للمؤسسة ميزانية مستقلة؟ وهل لها حرية التصرف؟

·       شغل المناصب: الى أي حد تتمتع المؤسسة بالاستقلال في تجنيد أعضائها؟

4.   التماسك: يشير الى درجة الرضا أو الاتفاق بين الأعضاء داخل المؤسسة ويقاس بالمؤشرات التالية:-

·       مدى انتماء الأعضاء للمؤسسة.

·       مدى وجود أجنحة داخل المؤسسة تهتم بمناسبات التغير القيادي.

·       مدى وجود خلافات داخل المؤسسة، وما اذا كانت تتعلق بمبادئ المؤسسة وأهدافها أو بقضايا هامشية.

      تعد المؤسسات السياسية أحد اليات ترسيخ القواعد وأسس اللعبة السياسية وتوزيع السلطة فيما بين الفاعلين السياسيين وهي توفر اليات تمكن الأفراد والجماعات من رصد السلوك العام، ومتابعة المساءلة السياسية، ومنع الفساد السياسي والتعسف في السلطة.

     وقد قدم في هذا الصدد الكاتب الأمريكي "صاموئيل هنتنغتون" دراسة نظرية حول التحول الديمقراطي في مؤلفه:" الموجة الثالثة، التحول الى الديمقراطية في أواخر القرن العشرين".

    تشير تحليلات صاموئيل هنتنغتون الى أهمية الربط بين شرعية مؤسسات النظام السياسي وموجات التحول الديمقراطي في العالم، واعتبرت هذه التحليلات أن كافة النظم السياسية تهتم بقضية الشرعية، التي ظلت مفهوما غامضا.

   في هذا الاطار يحدد هنتنغتون شروط معينة لنجاح المؤسسية التي تؤدي بدورها للدمقرطة وهي:-

·       أن فن البناء الهندسي للدولة يجب أن يتم في اطار القيم التي يعتز بها المجتمع ويتمسك بها، وتتغلغل بعمق في النسيج الاجتماعي، والتي يمكن أن تولد حركة ايجابية دافعة.

·       يمثل الدستور احدى المصادر للقيم التي يتمسك بها المجتمع.

·       العمل على ارساء صيغة تعيد احياء التقاليد القديمة في اطار ملائم للأبنية والأفكار الحديثة والجديدة الوافدة.

      لقد أولت الدراسات المعاصرة اهتماما بدور الاستراتيجيات المؤسسية في التحول الديمقراطي، بحيث سعت في معظمها الى محاولة التعرف على كل من الهياكل المؤسسية المناسبة لهذا التحول الى جانب تلك التي تسهم في استقرار الديمقراطيات.

   لقد قدم كل من  Lijphartو Linz دراسة حول دور كل من النظام البرلماني والرئاسي في التحول الديمقراطي، حيث رأى المفكرين أهمية النظام البرلماني والتمثيل النسبي في مواجهة التباينات الاثنية الى جانب توفيرها لمناخ مؤسسي أكثر مرونة ومواءمة لإرساء ورسوخ الديمقراطية مقارنة بالنظام الرئاسي.

   عموما،  المؤسسات تمثل شرط أساسي  لقيام الدمقرطة وفي دفع عملية التحول الديمقراطي خاصة فيما يتعلق بدور المؤسسة البرلمانية التي تعتبر الممثل الأساسي للسيادة الشعبية.

 

 

 

 

ثالثا. المداخل النظرية المركزة على مصادر التحول الديمقراطي.

1. المدخــــــل الانتقـــالـــــــي.

    يمثل هذا المدخل الباحث السياسي "دانكوارت روستوDankwart Rustow" الذي كتب في مقالته بعنوان: "Transition to Democracy" سنة 1970، فقد سعى الى معرفة كيفية تحقيق الديمقراطية في المقام الأول.

    يرى روستو أن العمل على كيفية تحقيق الديمقراطية يتطلب مدخلا تطوريا تاريخيا يستخدم منظورا كليا لدراسة حالات مختلفة لأن ذلك يوفر مجالا للتحليل أفضل من مجرد البحث عن المتطلبات الوظيفية للديمقراطية.

   استند روستو في دراسته الى بعض النماذج الديمقراطية في تبرير المدخل الانتقالي، على تحليل تاريخي مقارن، فدرس المسار التاريخي لكل من تركيا والسويد وحدد أربعة مراحل أساسية تتبعها كل البلدان لتحقيق الدمقرطة وهي:-

1.مرحلة تحقيق الوحدة الوطنية: يرى روستو أن تحقيق الوحدة الوطنية لا يعني توافر الإجماع، إنما حيث يتم البدء بتشكيل هوية وطنية مشتركة لدى الغالبية العظمى من المواطنين.

2. مرحلة الصراع السياسي غير الحاسم / المرحلة الإعدادية: حيث يمر المجتمع القومي بمرحلة إعدادية، وتشهد هذه المرحلة صراعا حادا بين جماعات متنازعة  بسبب تزايد أهمية نخبة صناعية جديدة تطالب بموقع مؤثر في المجتمع السياسي في مواجهة النخب التقليدية المسيطرة التي تحاول الحفاظ على الوضع القائم، فتكون الديمقراطية بذلك أحد النواتج الرئيسية لهذا الصراع، وبالتالي فهي ليست نتاجا لتطور سلمي.

 3- مرحلة القرار / المرحلة الانتقالية والتحول المبدئي: وتبدأ هنا عملية الانتقال والتحول المبدئي، وهي لحظة تاريخية حاسمة تقرر فيها أطراف الصراع السياسي غير المحسوم التوصل إلى تسويات وتبني قواعد ديمقراطية تمنح الجميع حق المشاركة في القرار السياسي.

4. مرحلة التعود: وفي هذه المرحلة تتعود الأطراف المختلفة على قواعد اللعبة الديمقراطية، ويرى روستو أن قرار التوصل إلى اتفاق حول تبني قواعد ديمقراطية قد لا يكون ناتجا عن قناعة، ولكن مع مرور الوقت تتعود الأطراف على هذه القواعد وتتكيف معها.

      وقد قام العديد من المهتمين بتفسير عمليات الدمقرطة بتطوير المدخل الانتقالي لروستو، ومن أهم المحاولات دراسة جويلرمو أودينيل(G.O'Donnell) وزملائه عام 1986 في دراسة تحت عنوان: "Transition from Authoritarian Rule" ودراسة لجان لينز (Juan Linz)  تحت عنوان: "Between States: Interim Governments and Democratic Consolidation"
ويميز جميع هؤلاء الباحثين بشكل واضح مثلما فعل روستو بين مرحلة الانتقال والتحول المبدئي من الحكم التسلطي وبين مرحلة ترسيخ الديمقراطية الليبرالية، ويرجع ذلك إلى أن عمليات الانتقال المبدئية قد تنجح أحيانا وتترسخ لكنها قد تفشل وتتعثر في أحيان أخرى. وخلاصة هذا المدخل هو أنه يرى أن مصدر عملية التحول الديمقراطي هو مبادرات وأفعال النخب الموجودة.

   2. المدخــــــــل الــبنيــــــوي.

     يقوم هذا المدخل على افتراض رئيسي وهو أن المسار التاريخي لأي بلد نحو الديمقراطية يتشكل ويتأثر بنمط التنمية الرأسمالية، وليس عن طريق مبادرات وخيارات النخب. ويرى هذا المدخل أن النخب السياسية تقوم بمبادرات وخيارات معينة، إلا أن هذه الخيارات لا يمكن تفسيرها إلا عبر الإشارة إلى القيود المحيطة بها.

    يستند الافتراض الأساسي للمدخل البنيوي على أن التفاعلات المتغيرة تدريجيا لبنى السلطة والقوة – اقتصادية اجتماعية سياسية – تضع قيودا وتوفر فرصا تدفع النخب السياسية وغيرهم، في بعض الحالات وفي مسار تاريخي يقود إلى الديمقراطية الليبرالية، بينما في الحالات الأخرى قد تقود تفاعلات بنى السلطة والقوة إلى مسارات سياسية أخرى، وبما أن بنى السلطة تتغير تدريجيا عبر فترات تاريخية طويلة، فإن تفسيرات المدخل البنيوي لعملية التحول الديمقراطي طويلة الأمد.

    وتتمثل الدراسة الكلاسيكية للمدخل البنيوي في دراسة بارنغتون مور(Barington Moore)  الذي قدم محاولة لتفسير اختلاف المسار السياسي الذي اتخذته إنجلترا والولايات المتحدة (مسار الديمقراطية الليبرالية) عن المسار الذي اتبعته اليابان و ألمانيا (مسار الفاشية) عن مسار الصين وروسيا (الثورة الشيوعية).
    واستندت مقاربة مور ليس بناء على مبادرات النخب وإنما في إطار العلاقات المتفاعلة لأربع بنى متغيرة للقوة والسلطة ثلاث منها طبقات اجتماعية وهي: الفلاحين، طبقة ملاك الأراضي(أرستقراطية الأرض)، البرجوازية الحضرية والبنية الرابعة هي الدولة، وتوصل إلى أن شكل الديمقراطية الليبرالية كان نتيجة لتفاعل مختلف هذه البنى.

    وبالنظر لإغفال تحليلات مور دور العلاقات والتفاعلات الدولية وعبر القومية بما في ذلك الحرب، ولذا فقد قام ديتريك روشماير وزملاؤه بتدارك هذا النقص، وضمنوا هذه العوامل في تحليلاتهم.
مما سبق يتضح أن المدخل البنيوي يركز على أن مصدر عملية التحول الديمقراطي هو ذلك التفاعل بين مختلف بنى القوة والسلطة، وتختلف طبيعة هذا التفاعل من نظام لآخر ومن بلد لآخر.

     3. المدخـــــــل التنمـــــوي.

 

v   تعريف التنمية السياسية       

      وضعت تعاريف عدة لمفهوم التنمية السياسية؛ فمنهم من ركز على العلاقات الاجتماعية والروابط السياسية في المجتمع، العلاقات بين الناس والعلاقات بين المؤسسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين هذه وأولئك. ومنهم من ركز على بنية الأجهزة والهياكل السياسية وطبيعتها ومكانتها ودورها في الدولة، ومنهم من اهتم خاصة بقدرات النظام السياسي وفعالية الأداء الحكومي، ومنهم من أولى عنايته لاستقرار النظام السياسي وشرعيته في المجتمع  وهكذا ظهرت تعاريف كثيرة يمكن اختصار مضمونها في :

ü    التنمية السياسية هي نماذج العلاقات بين الناس من خلال المؤسسات الحكومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ü    التنمية السياسية هي زيادة المساواة وقدرة النظام السياسي وتمايز البنى السياسية. فالنظام المتطور سياسيا هو الذي يواجه بنجاح الضرورات الوظيفية لكل نظام سياسي.

ü     وهي عند بعضهم وضع رموز سياسية متغيرة ورموز لتوطيد الهوية الوطنية، وبنية مركزية قانونية وسياسية، وقنوات لتنظيم الصراع السياسي.

ü    التنمية السياسية هي قدرة النظام على التعامل مع بيئته الداخلية والخارجية.

ü    التنمية السياسية هي قدرة النخبة الحاكمة على تحقيق التنمية.

ü    التنمية السياسية هي عملية بناء الديموقراطية.

v     نظريات التنمية السياسية.

      في حقل التنمية السياسية ظهرت نظريات لم تثبت صحة أي منها بصورة تامة ومقنعة، تعرض بعضها للنقد في وقت ظهورها أو بعده، وتمت مراجعة بعضها أو مناقضته من قبل أصحاب النظريات أنفسهم. من هذه النظريات نذكر: في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت النظريات الأكثر رواجا هي "نظرية التحديث" و"نظرية التنمية الاقتصادية"، و"نظرية الثقافة السياسية"؛ وابتداء من نهاية الثمانينيات خاصة صار الحديث مركزا على "نظريات التحول الديموقراطي" وبناء الديموقراطية بوجه عام، وفي مقدمتها نظرية "الديموقراطية أولا" و"نظرية الاختيار العقلاني". وحدث هذا في ارتباط وثيق مع تطورات الوضع الدولي خاصة في العالم الثالث وفي المعسكر الاشتراكي سابقا.

·       نظرية التحديث. 

     الإطار الفكري العام لهذه النظرية يقوم على تقسيم المجتمعات إلى "مجتمعات تقليدية" هي "المجتمعات المتخلفة" و"مجتمعات حديثة" هي البلدان المتطورة، والإيمان بتصور خطي مستقيم وحتمي للتطور التاريخي يسير بالمجتمعات من التقليد إلى الحداثة، وهو المقابل الليبرالي للنظرية الماركسية القائلة آنذاك بوجود حتمية تاريخية أخرى تنتقل بموجبها المجتمعات الرأسمالية إلى الاشتراكية. إلى جانب هذا السياق النظري العام تتميز نظرية التحديث بسمتين هما العمومية والشمول، لأن التحديث مفهوم شامل يتناول التنمية السياسية في حركية واحدة شاملة للمجتمع بأسره من دون التركيز على المجتمع السياسي وحده. والسمة الأخرى أن نظرية التحديث تركز على العوامل الخارجية من حيث أنها على قول أصحابها تقوم بدور كبير في نقل المجتمعات المعنية من التقليد إلى الحداثة، وتحقيق التنمية السياسية نتيجة لذلك. في عرض هذه النظرية شدد أشهر القائلين بها وهو "دافيد أبتر" على التنمية والتحديث، فالتنمية تقتضي  أن عملية التصنيع يتبعها وينجم عنها تغير في مبادئ التدرج الاجتماعي وفي توزيع المراكز والأدوار الاجتماعية، بصورة عقلانية متدرجة تنقل المجتمع من التقليد إلى الحداثة عبر مراحل متتالية تختلف فيما بينها من حيث مبادئ التدرج الاجتماعي وفي توزيع المراكز والأدوار الاجتماعية  السائدة في كل منها إلى أن تبلغ الطور الأخير، طور الحداثة المتميز بسمات المجتمع الغربي الحديث، يكون فيه بفعل عوامل متعددة على رأسها الحراك الاجتماعي انتماء الأفراد غير معتمد فقط على العلاقة بوسائل الإنتاج، بل تحدده أيضا الإقامة وأساليب الترفيه والتسلية والقيم المادية الاستهلاكية والمعنوية الأخلاقية، وبصفة عامة سلسلة من مصالح مرتبطة بالمراكز الاجتماعية" تؤدي إلى تشكيل "مجموعات مصلحية متخصصة". عندئذ يتجه الوعي الطبقي نحو الزوال ويسود "نظام وظيفي" أو "مهني" تكون فيه النخب مجتمعة ب"مركز وظيفي متخصص" تحدده الكفاءات والتعليم والتربية ونوعية التكوين والقيم المرتبطة بكل هذا، وهي كلها من خصائص الحداثة.

     أما التحديث السياسي فهو عند أنصار المذهب التنموي "نقل الأدوار المهنية والتقنية والإدارية... والمؤسسات كالمدارس والمستشفيات والشركات مثلا إلى مجتمعات غير صناعية". ومقتضى التحديث في هذه النظرية أنه "تحت تأثير مجتمع صناعي تظهر أدوار اجتماعية في مجتمع غير صناعي". هذه الأدوار أنتجها المجتمع الصناعي واستوردتها المجتمعات السائرة في طريق التحديث. في هذه الأخيرة تقوم الأدوار والمؤسسات المستوردة بدور تجديدي ريادي استراتيجي، وتكمن أهميتها الاستراتيجية في أنها آتية من عالم خارجي متطور ولأن المجتمع غير المتطور بحاجة إليها لتحقيق تنميته في عملية التنمية هناك انتقال تدريجي، وأدوار المجتمع الحديث ومؤسساته تأتي بعد سلسلة من الأطوار أما في عملية التحديث فهناك "حرق المراحل" حيث تصير هذه الأدوار مهيمنة ومتقدمة على تطور قوى الإنتاج وعلى التنمية المادية للمجتمع، ومع ذلك فهي بنظر القائلين بها مفيدة وضرورية لأنها حاملة للتجديد والانتقال إلى الحداثة.

     انطلاقا من هذا التصور رأى دافيد أبتر في الاستعمار "قوة تحديثية" و"نموذجا صار التحديث بواسطته كونيا. بعد استقلال المستعمرات ودخول العالم الثالث مرحلة التنمية، ليس سرا أن في هذه النظرية دعوة إلى التصنيع وتوسيع التعاون التقني والثقافي وبشكل عام تكثيف الوجود الغربي في هذه البلدان باعتباره ضروريا للمجتمعات "التقليدية" السائرة في طريق التصنيع والنمو الاقتصادي، وكذلك التحديث الاجتماعي والسياسي على ما أعلنه أصحاب النظرية.

 

·       نظرية التنمية الاقتصادية.

     هذه النظرية تطبيق لمقولات المدرسة السلوكية الشاملة في العلوم الاجتماعية على علم السياسة عامة والعلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية خاصة. من ناحية الأداء يرى القائلون بنظرية التنمية الاقتصادية أن توسيع التصنيع والتحديث وتزايد نطاق التعليم وارتفاع مستوياته وزيادة التمدين ونشاطات الإعلام تزيد النظام فاعلية وشرعية بالنتيجة.

    وقد اتفق أصحاب هذه النظرية في أشياء أولها دور الطبقة الوسطى في تحقيق التحول الديموقراطي، واختلفوا في أمور أخرى منها أهمية هذا الدور وقوته ونوع العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية. أقوى المدافعين عن هذه النظرية، وهو "سيمور مارتن ليبست" قال بعلاقة إيجابية طردية ومباشرة بين التنمية الاقتصادية والديموقراطية، مؤكدا أن العامل الاقتصادي، هو سبب استقرار الديموقراطيات الغربية بينما ذهب آخرون، في مقدمتهم "صامويل هنتنغتون" ومن دون إنكار دور الطبقة الوسطى في قيام الديموقراطية، إلى أن التنمية الاقتصادية واحد من العوامل وليس العامل الوحيد في العملية، لكنه سلم بأن الديموقراطية ستكون في نهاية المطاف إذا كانت التنمية الاقتصادية ملخصًا ما رآه من أهمية نسبية للمتغير الاقتصادي وللمتغيرات الأخرى بمسلمة عبارته  "التنمية الاقتصادية تجعل الديموقراطية ممكنة والزعامة السياسية تجعلها حقيقية أو فعلية".

·       نظرية الديموقراطية.

    قامت هذه النظرية بدراسات عن بلدان عديدة فقيرة متقاربة المستوى من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكنها مختلفة في أنظمتها السياسية، بعضها أخذ بقدر معين من الديموقراطية وبعض آخر ظل خاضعا لأنظمة سلطوية، لاحظ عدد من علماء السياسة، في مقدمتهم" سيغل وفاينزشتاين وهالبرين" أن الديموقراطيات الفقيرة حققت نموا لا يقل سرعة وحجما عما حققته الأتوقراطيات الفقيرة، وتفوقت الأولى على الثانية في الأداء وحسن التسيير كما أنها لم تقع فيما وقعت فيها الاستبداديات الفقيرة من إفلاس. فالكوارث كالمجاعات والأوبئة الفتاكة واستشراء الفساد وتفاقم البطالة والبؤس كانت من نصيب الحكومات العسكرية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا والدول الشيوعية في أوروبا الشرقية. في إفريقيا وآسيا مثلا لوحظ أن البلدان التي خاضت تجربة ديموقراطية لفترة مثل الهند والموزمبيق والسنغال كانت أفضل حالا من أتوقراطيات أنغولا والكونغو وزيمبابوي وأوزبكستان، سواء في معدلات نمو الاقتصاد الوطني ونمو الدخل الفردي أو مقاييس الرفاهية الاجتماعية وأحوال المعيشة والصحة والتعليم ونوعية الإدارة والخدمات.

      نتائج هذه الدراسات حملت أصحابها على التصدي بنقد شديد لنظرية التنمية الاقتصادية ومعاكستها بتقرير أسبقية الديموقراطية على التنمية الاقتصادية. وكان الطعن الأكبر الذي قدموه ضد هذه الأخيرة أنها وطدت الاستبداد وأطالت عمره وأجلت قضية الديموقراطية، ذلك أن في مقولة التنمية أولا إقصاء لقضية الديموقراطية وغض للبصر عن ممارسات أنظمة سلطوية رفعت شعار التنمية الاقتصادية واعتلت به لاستبعاد المطالب الديموقراطية داعية إلى "حشد القوى وتعبئة الجهود الوطنية كافة من حول النظام للانتصار في معركة التنمية".

    4. نظرية السلام الديمقراطي.

     تقوم فكرة السلام الديمقراطي على ترويج المؤسسات الليبرالية للصداقة بين الأمم الديمقراطية، وهو ما أكده عدد من الباحثين الليبراليين مثل: بروس راست (Bruce Russet) ومايكل دويل (Michael Doyle )  الذين أقروا بوجوب أن يحل السلام الدولي بين الديمقراطيات المتطورة) .
ويمكن تعريف السلام الديمقراطي وفقا للتحليل الدياليكتيكي على أنه:" قدرة بعض المجتمعات على حل خلافاتها ونزاعاتها بصورة سلمية على الرغم من امتلاكها وسائل العنف."

    وقد اقترنت نظرية السلام الديمقراطي إلى حد بعيد بكتابات مايكل دويل (Michael Doyle) وبروس راست (Bruce Russet) اللذين تأثرا بكانط، ويشير دويل إلى أن التمثيل الديمقراطي والالتزام الإيديولوجي بحقوق الإنسان، والترابط العابر للحدود الوطنية، كل ذلك يفسر اتجاهات الميل إلى السلام التي تتميز بها الدول الديمقراطية، ويجادل أيضا بأن غياب مثل هذه الصفات يفسر السبب الذي يجعل الدول غير الديمقراطية ميالة للحرب، فمن دون هذه القيم والقيود فإن منطق القوة سيحل محل منطق التوفيق.

 

 

      وتقوم نظرية السلام الديمقراطي على المرتكزات التالية:- تستند نظرية السلام الديمقراطي إلى منطق كانط الذي يؤكد على ثلاث عناصر :

·       التمثيل الديمقراطي الجمهوري.

·        التزام إيديولوجي بحقوق الإنسان.

·        الترابط العابر للحدود الوطنية.

     تعتبر هذه النظرية بأن الحروب بين الديمقراطيات نادرة، ومن المعتقد أن الديمقراطيات تسوي الصراعات المتعلقة بالمصالح من دون التهديد باستعمال القوة أو استعمالها فعلا بنسبة أكبر مما تفعله الدول غير الديمقراطية.

     ويرى الليبراليون أنه يمكن تحقيق سلام عالمي بين الدول الليبرالية، على اعتبار أن المتغيرات السياسية المحلية تستطيع أن تعمل وتتفاعل عالميا، ولكن ذلك يتطلب إيجاد آليات تساعد على ذلك دوليا، لذا يمكن استخدام السلام الديمقراطي لتقييم تأثير مجموعة من الروابط السلمية التي توصف بأنها روابط فاعلة، كالروابط التجارية التي تساهم في تقليل النزاعات، وتحول دون تعاظم فرص المواجهات العسكرية.

    وفي فترة قريبة، كان هناك شبه إجماع على أن الدول الديمقراطية الليبرالية ناجحة في علاقاتها مع الدول الليبرالية الأخرى فقط، أما في علاقاتها مع الدول غير الليبرالية فالصورة مختلفة.

     5. المجتمع المدني كآلية من آليات ارساء الديمقراطية المشاركاتية.

·       المجتمع المدني والديمقراطية.

           على المستوى الأكاديمي يظهر الاهتمام بالمجتمع المدني من خلال عدة أبحاث ميدانية، كالبحث الميداني للأكاديمي الأمريكي "روبرت بوتنامRobert Putnam "  الذي ركز على ايطاليا، وخلص الى أن الحكومة الرشيدة "Sound Government"  تحقق بواسطة وجود قطاع تطوعي صحيHealthy Voluntary Sector " التي بواسطتها يتم تكوين رأسمال اجتماعي Capital Social  قائم على الثقة والتعاون الاجتماعي، وهذا ما يؤدي الى حكومة جيدة، وتحسين أداء الأسواق الاقتصادية.

    إن أطروحة بوتنام تركز أساسا على مسألة بناء القدرة لحكم راشد؛ ذلك أن أي استراتيجية لبناء القدرات يجب أن تتضمن مقاييس كبرى لتأسيس وتدعيم التطوعية لخلق شروط لديمقراطية قوية ومستقرة.


يعتبر القانون الدولي العام فرع من فروع القانون العام فهو ينظم العلاقات بين الدول فيما بينها أوبين الدول والمنظمات الدولية لهذا يسميه البعض بقانون العلاقات الدولية.وهو العمود الفقري في دراسة العلاقات الدولية

وأعمالا بالبرنامج الوزاري الخاص بطلبة السنة الثالثة تخصص علاقات دولية سنتطرق إلى المحاور التالية :

-         مفهوم القانون الدولي

-         تطور القانون الدولي

-         مذاهب القانون الدولي

-         مصادره

-         أشخاصه

-         موضوعاته