محاضرات علم النفس المعرفي

السنة الثالثة أرطفونيا            

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane@gmail.com

 

النّسيـــــــــــــــــــــــــــان

 

تمهيد:

   الذاكرة ملكة عقلية وتعد قدرة لا يُستهان بها وذات أهمية بالنسبة للإنسان في حياته وتعاملاته وتعلمه، وفقدانها يولد اضطرابات سلوكية لديه، ولكن هناك مفهوم يرتبط بالذّاكرة ولا يعني فقدانها تماما ألا وهو النسيان الذي له دور في اكتساب المعلومات والتعلم .

والتساؤل الذي يُمكن طرحه ما مفهوم النسيان؟ ما علاقته بالذاكرة؟ ما هي النظريات التفسيرية بشأنه؟

1 - تعريف النسيان:

   النسيان ظاهرة معقدة وهي في آن واحد ظاهرة بيولوجية ونفسية وقد يكون النسيان طبيعيا كما قد يكون باثولوجيا ( مثلما هو الحال في الحبسة ) والذي يُترجم في فقدان تدريجي أو فوري، وقتي أو دائم للذكرى .

  بالنسبة للإنسان السليم فالنسيان يتعلق بتظليل للمعلومات المدركة أو المتعلمة، قد يتعلق الأمر بصعوبات تذكر ما اختفى أو توارى في مكان ما من الذّاكرة.  

ولتوضيح النسيان أكثر سوف نقدم مفهوما يشرح ذلك أكثر.

 

2 - مفهوم النسيان:

   لقد فسّر علماء النفس تقليديا النّسيان على أنه اختفاء للمعلومات عن الذّاكرة بحيث نصبح عاجزين عن التذكّر، أما من الوجهة الحديثة فتشير إلى أن المعلومات لا تختفي من الذّاكرة إلا أننا نفشل في استرجاعها أو التعرف عليها.

إن الأبحاث الفيزيولوجية المعاصرة تؤيد ذلك فمن خلال استثارة مناطق من الذّاكرة في الدّماغ كهربائيا أدى إلى تذكّر معلومات عجز الأفراد عن تذكّرها قبل الاستثارة الكهربائية.

ويعود الفضل إلى ابنكهاوس في دراسة الذاكرة عمليا وكشف عن مميزاتها كالعلاقة بين نوعية الذكرى ومحتواها، وأثر قِدم أو حداثة المعلومات على عملية التذكّر.

أعماله وأعمال باحثين آخرين أوضحوا تأثير عامل الزمن على بقاء المعلومات وتذكرها فالذّاكرة تتجزأ تدريجيا وتفقد تباثها وحدّتها مع الزّمن، إذن يرتبط مفهوم النسيان مع مفهوم الزمن، فكلما زادت المدة الزمنية بعد التعلم كلما زادت احتمالية النّسيان، وهذا ما أكده ابنكهاوس سنة (1885) في منحنى النّسيان

الذي هو موضح في الشكل.

     وفي هذا الصدد تشير دراسات ويكلقرين (Wickelgren) (1975) أن تكليف المفحوصين بدراسة سلسلة من المفردات ومن تم التعرّف عليها بعد تأخير عملية التذكّر لدقائق محدودة أو أيام، أظهر أن كمية الاحتفاظ من خلال التعرف يتناقص بزيادة المدة الزمنية .

  يتميز النسيان بمميزات تتمثل في :

- انخفاض  على مستوى القدرات والاختفاء اللاإرادي للمعلومات المكتسبة، سواء بعد عملية التعلم، أو بصورة عرضية من خلال سيرورات آلية .

- فقدان المعلومة مرتبط بعملية الترميز غير التام أو السطحي .

- و مع ذلك يظل النسيان ظاهرة طبيعية فيزيولوجية أساسية بالنسبة لتوازن الدماغ حتى لا يحدث إرهاق على مستوى المسارات العصبية.

- النسيان يختلف عن الحبسة في كونه ظاهرة طبيعية غير مرضية ، فالحبسة ناتجة عن إصابة دماغية  على مستوى الوظائف المعرفية .

 

3 - النظريات المفسرة للنّسيان:

نظرية الضمور(Decay Théory): تشير هذه النظرية إلى أن المعلومات في الذّاكرة الطويلة تبدأ تتلاشى وتضمحل مع مرور الزمن، وتتناغم فكرة هذه النظرية مع التفسيرات الفيزيولوجية فالوصلات العصبية تبدأ في التمزق والتلف مع تقدم العمر أو مع عدم الاستخدام ( قانون الاستعمال والإهمال ) لتصبح هذه المعلومات التي ترتبط بهذه الوصلات العصبية غير قابلة للتّذكّر.

  وينتقد البعض هذه النظرية من أن الزمن لوحده غير كاف لتلف الوصلات العصبية أو المعلومات إذا لم يقترن مع عوامل أخرى كضعف المعالجة المعرفية ، إصابات الجهاز العصبي وغيرها .

 

نظرية التّداخل أو التزاحم (Interference Theory): تشير هذه النظرية إلى أن كثرة تداخل أو تزاحم المعلومات في الذّاكرة القصيرة أثناء المعالجة أو في الذّاكرة الطويلة خلال التّخزين ، وكثره المهمّات التعلمية والأنشطة التي يقوم بها الفرد خلال النهار تعمل على تشتت المعلومات المخزّنة في الذّاكرة فتسهل عملية النّسيان.

  ولهذا فالطالب الذي يتعلم معلومة ما أو محاضرة ما ثم ينام لمدة ثماني ساعات متواصلة فلديه فرصة جيدة للتذكّر مقارنة بزميله الذي لم ينال قسطا كافيا من النوم وقام بمهمات عديدة.

وهناك نوعين من التداخل أو التزاحم هما :

أ/ الكف القبلي (Proactive Inhibition): في هذه الحالة فالتداخل ينتج عن أثر تعلم الفعاليات السّابقة على تذكّر الفعاليات اللاّحقة .

ب/ الكف الرجعي أو البعدي (Retroactive Inhibition): وفي هذه الحالة يُشير إلى أثر تعلم الفعاليات اللاّحقة على الفعاليات السّابقة .

 

 • نظرية الكبت (Repression Theory): تنطلق هذه النظرية من نظرية فرويد (Freud) في التحليل النفسي على أن النّسيان طريقة لا شعورية في التعامل مع مشاعر الاحباط والقلق والألم وهو عبارة عن ميكانيزم دفاعي لا شعوري يحمي الفرد.

وقد اعتبر المحللون النفسانيون أن فقدان الذّاكرة (Amnésie) ناتج عن صدمات نفسية شديدة وهو نوع من التعبير عن الكبت ورفض للتعامل مع الأحداث الصادمة، وفي ذات السياق يؤكد المحللون النفسانيون أن الخبرات المكبوتة لا تعني أنها غير موجودة، بل هي مخزنة في منطقة اللاّشعور ويمكن استثارتها واسترجاعها من خلال الأحلام، زلاّت اللّسان و التنويم المغناطيسي.

نظرية الإمحاء (Obliteration Theory): تقترح هذه النظرية  أن ظروفا يؤدي توفرها بعد خبرة التعلم إلى منع تثبيت خبرات التعلم وبالتالي حدوث النّسيان ومن بينها :

أ/ منع تمثيل البروتين: إن نقص المواد التي تساعد على تمثيل البروتين وتحليله تعمل على منع تمثيل المعلومات في الذاكرة الطويلة بفعالية عالية مما ينعكس على زيادة مستويات النسيان للخبرات التي صاحبت منع تمثيل البروتين. ففي تجربة على الاسماك، تعلم السمك تجنب صدمة كهربائية في مكان ما من حوض السمك من خلال اشراطه بضوء معين، ثم تم حقن الأسماك بمادة Puromycin التي تؤثر على تركيب البروتين في الأسماك مما أدى إلى نسيان الأسماك للتعلّم السّابق ودخولها للمنطقة المحظورة  مما أدّى إلى تعرضها لصدمات كهربائية .

ب/ الحوادث والصدمات النفسية والجسدية: إن تعرض الانسان للحوادث والصدمات النفسية والجسدية الشديدة تعرضهم إلى إمحاء ( محو) الذاكرة وفقدانها الجزئي أو الكلي، فقد أفاد المرضى الذين تعرّضوا لصدمات كهربائية في العلاج أنهم لا يتذكرون الأحداث التي سبقت الصدمات الكهربائية، كما أشارت إحدى الدراسات أن تساقط قطع الأثاث وحدوث ضجة كبيرة في الغرفة أدى إلى نسيان قائمة من الكلمات التي حفظها المفحوصون قبل الحادثة.

ج/ الاصابات الدّماغية: إن إصابة بعض مناطق الدماغ أو الادمان على الكحول والمخدرات يؤدي إلى إمحاء الذّاكرة أو فقدانها الجزئي أو الكلّي.

   ومن المناطق الذي يؤدي تأثرها أو إصابتها إلى إمحاء الذاكرة بعض أجزاء القشرة الدماغية (Cortex) وقرن أمون (Hippocampus) والجهاز اللّمفاوي بشكل عام.

استراتيجيات لتحسين وتنشيط الذاكرة:

 النسيان مشكلة يعاني منها عامة الناس تختلف حدّتها وتأثيرها من شخص إلى آخر باختلاف الأسباب المؤدية لها، وتشكل مشكله تعيق الفرد في مجالات حياته المختلفة سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، أو المهني، أو التعليمي وغيرها، لذا حاول علماء النفس تطوير استراتيجيات تمكن الأفراد على التذكر مستندين في ذلك على مفاهيم الذاكرة ونظرياتها.

  لقد أكدت العديد من الدراسات أن آلية عمل استراتيجيات التذكر تقوم أساسا على فكرة تعميق الروابط بين المعلومات(المثيرات) الجديدة مع البنى المعرفية والخبرات السابقة للفرد، بحيث يستغل هذا الأخير البنى المعرفية القديمة الرّاسخة لتساعده على تذكّر مثيرات ومواقف جديدة فيحدث الربط بين التعلم القديم والتعلم الجديد.

ومن بين هذه الاستراتيجيات ما يلي:

1 - استراتيجية الحروف الأولى (First- Letter Technique):

    تتمثل في أخذ الحرف الأول من كل كلمة في قائمة من المفردات أو الجمل المراد تذكرها ومحاولة بناء كلمة أو جملة لها معنى أو دلالة لدى الفرد .

مثال: لو كان لديك أربع زملاء( طلاب ) في الفوج الذي تدرس فيه وكانت أسماؤهم: أحمد - ياسر - مروان- نسيم.

فالحروف الأولى تشكل كلمة " أيمن" التي تذكرك بصديقك الوفي في مرحلة الطفولة .

2 - استراتيجية إحلال الأماكن ( Method of Loci):

   وتقوم على أساس ربط قائمة من المواد المراد تعلمها مع الأماكن أو المواقف المعروفة لدى الفرد بطريقة متسلسلة وذلك من خلال إيجاد أقران كل مفردة أو معلومة يريد الفرد تعلمها مع موقف معروف لديه شريطة تسلسل هذه المواقع في ذهن المتدرّب.

مثال: فلو أردت أن تتذكر ما طُلب منك كمشتريات من أجل طهو فطور رمضان فما عليك إلا أن تتذكر ما هي قائمة المأكولات التي سوف تتناولها وربطها بالمحلات التي سوف تتوجه إليها  فالخضار من طماطم، جزر، بطاطا، كسبرة، تمر( محل الخضر والفواكه )، الحليب وبعض مشتقاته ( محل الألبان ) ، الماء والعصير ( محل المواد الغذائية)، الزلابية ( محل الحلويات) .  

3- استراتيجية الكلمة المفتاحية (Key word Technique):

   يمكن قراءة نص ما واختيار كلمة تعتبر بمثابة مفتاح يدلل على الفقرة أو الجملة كاملة. وقد تكون هذه الاستراتيجية مفيدة في تعلم مفردات من لغة أجنبية ( مثلا الانجليزية أو الاسبانية أو غيرها) وذلك بوضع مفتاح من خلال كلمة أخرى في اللغة العربية أو الفرنسية تشبهها في اللّفظ وتدلل عليها أو ربط الكلمتين معا بشكل ذهني وقد يكون حتى بطريقة مضحكة .

مثال فإذا أردت تذكر كلمة Amigo من اللغة الاسبانية والتي تعني الصديق فيمكن ربطها مع الكلمة الانجليزية Go لأن الصديق يأتي ويذهب معك، وإذا أردت تذكر إسم صديق لك إسمه أسعد فيمكن أن تربط إسمه باسم صديق مثلا سعيد .

4 - استراتيجية التأمل أو التصور العقلي (Meditation technique):

     تقوم على أساس ربط كلمتين نريد تذكرهما بكلمة ثالثة جديدة أو فكرة أو هيئة تربطهما معا ليكون لها القدرة على توجيه تذكر الكلمتين الأصليتين في المستقبل.

تتطلب هذه الاستراتيجية التأمل والتفكير واستخدام خيالك العقلي قبل الوصول إلى الكلمة الرابطة للكلمتين.

فإذا أردت تذكر كلمتي: تمر- حليب فيمكن ربطها بكلمة ثالثة آذان .

5 - استراتيجيات ما وراء الذّاكرة (Meta-Memory Technique):

   تتمحور هذه الاستراتيجية حول التفكير بذاكرتك وقدراتك في التذكر بحثا عن نقاط القوة لتعزيزها ونقاط الضعف لتجاوزها والتغلب عليها.

   وفي هذا الصدد أشار موني (Money) إلى استراتيجية لتقوية ذاكرة الأطفال تعتمد على فكرة تركيز عقل الطفل وانتباهه نحو حواسه المختلفة خلال المذاكرة أو الدراسة لضمان انتقال المعلومات بشكل جيد بين الذّاكرة القصيرة والطويلة وذلك بالتركيز على ما يلي:

- التركيز على الألوان كاستخدام بطاقات وأقلام ملونة وربطها بمفاهيم أو مفردات معينة.

- إعطاء للطفل فرصة لتمثيل المعلومات وذلك من خلال مسحها بصريا ووضع دوائر أو إشارات حول المعلومات المهمة .

- منح للطفل فرصة للحديث والتعبير بلغته الخاصة حول مفاهيم وموضوعات أثناء عملية التعلم ما من شأنه يعمل على تثبيت المعلومات في الذّاكرة الطويلة .

- ترك الطفل يستخدم حاسة اللّمس خلال عملية التعلم من خلال لمس مواد التعليم وتحريكها واستخدام بعضها أثناء عملية الشرح وتشجيعه على استخدام حركات يديه أو جسمه للتعبير عن الأفكار التي وردت في الحصة التدريسية ولعب الأدوار.

مبادئ أخرى لها دور في تحسين الذّاكرة أو تقدم مؤشرات لتحسينها ويمن إيجازها فيما يلي:

1 - إعادة التعلم  فتكرار ما تعلمه الفرد في السابق يعزّز من قيمة الاحتفاظ ويسهل التذكّر.

2 - استخدام خرائط أو رسومات أو مخططات مفاهيمية فيمكن للمتعلم تحويل درس أو نص إلى خارطة مفاهيمية يُسهل عملية التذكّر.

3 - طرح التساؤل فإعطاء الطلبة فرصة لطرح تساؤلاتهم والإجابة عليها تعد استراتيجية فعالة لاستثارة الذّاكرة وما يدور من مناقشات وتفسيرات وغيرها.

4 - بناء قواعد منظمة للمعرفة تنطلق من فكرة قواعد البيانات وذلك من خلال ربط معلومات جديدة بمعلومات قديمة.

5 - تدوين وتسجيل الملاحظات بصورة مستمرة سواء من خلال إعادة كتابة موضوع أو نص ولكن بشكل موجز مما يُشكل دلالات للتذكّر لاسيما مع توفر الأجهزة الذكية .

6- التوليف القصصي وذلك من خلال بناء قصة ذات معنى ودلالة بالنسبة للفرد المتدرب .

7- تؤثّر البيئة الخارجية بما توفره من ظروف على عملية التذكر فعلى المتدرب إيجاد الظروف البيئية المناسبة بعيدا عن المشتتات، واختيار المكان المناسب ، والجو الهادئ...


محاضرات علم النفس المعرفي

السنة الثالثة أرطفونيا

قسم علم النفس والأرطفونيا

أ د: طالب سوسن

البريد الالكتروني : talebsaoussane53@gmail.com

 

الذّاكرة

 

تمهيد:

  خلق الله تعالى وميزّه بالعقل عن باقي الكائنات الحية فبه ينتبه، يفكر، يتخيل، يتذكر فهذه النعمة الجليلة تمكنه من فهم ذاته وفهم المحيط الذي يعيش فيه، كما تمكنه من التكيّف والتوافق النفسي والاجتماعي .

  وتعد الذاكرة إحدى العمليات العقلية التي لا يمكن أن يستغني عنها الانسان فلو فقد الانسان ذاكرته تضطرب ذاته وسلوكياته ويصبح شخصا آخر، وتعد الذاكرة وسيلة من وسائل التعلم فنحن نقيس تعلم الطالب بالرجوع إلى الذاكرة وما تم تسجيله وتخزينه واسترجاعه،هذا ما سوف نعرضه في هذه المحاضرة .

   ويعود الفضل إلى جهود ابنكهاوس(Ebbinghauss) البحثية مع نهاية القرن 19 حول الذاكرة حيث كتب كتابا عن الذاكرة (On Memory) حيث اهتم بنموها وقياسها ، كما كان لجهود جيمس (James) مع بداية القرن 20 أثر واضح في التمييز بين الذاكرة القصيرة والذاكرة الطويلة.

 

 

أولا :تعاريف الذاكرة :

تعريف أندرسون (Anderson)(1995): دراسة عمليات استقبال المعلومات والاحتفاظ بها واستدعائها عند الحاجة .

تعريف هابرلاندت (Haberlandet)(1994): الذاكرة على أنها القدرة على تذكر ما تعلمه الفرد سابقا.

تعريف ستينبرغ (Sternberg)(2003): أنها العملية التي يتم من خلالها استدعاء معلومات الماضي لاستخدامها في الحاضر.

ثانيا: مراحل الذاكرة:

مرحلة الترميز: يتم إعطاء المعاني للمثيرات الحسية الجديدة من خلال عمليات التسميع والتكرار والتنظيم والتلخيص ...

مرحلة التخزين (الاحتفاظ): هناك نظامين للتخزين نظام التخزين المؤقت في الذاكرة القصيرة ونظام التخزين الدائم في الذاكرة الطويلة مما يجعل المعلومات منظمة وجاهزة للاستخدام وقت الحاجة.

مرحلة الاسترجاع (التذكر): تتمثل في استرجاع أو استدعاء المعلومات والخبرات السّابقة التي تم ترميزها وتخزينها في الذاكرة الدّائمة .

  لقد ارتبطت دراسة الذاكرة مع نظام معالجة المعلومات ولذا سوف يتم عرض وبإيجاز نماذج معالجة المعلومات .

نماذج معالجة المعلومات:

  لقد ساد لسنوات عديدة نموذج معالجة المعلومات، وانتشر في هذا النموذج شكل متزامن مع انتشار الكمبيوتر ونتيجة زيادة فهمنا الذي تشكل من مجالات علمية متعددة: العلوم العصبية، وعلم النفس المعرفي، وعلم النفس التطوري.

 

 

أنظمة التخزين:

   اهتمت نظرية معالجة المعلومات بالذاكرة لاسيما عندما توّج أتكنسون(Atkinson) وشيفرن(Shiffrin)(1968) النظرية بنموذج التخزين المتعدد Multi store للذاكرة واعتبرت الذاكرة من خلال هذا النموذج مشاركة في انسياب المعلومات بين عدة أنظمة تخزين تتمثل في:

• الذاكرة الحسية

• الذاكرة قصيرة المدى

• الذاكرة طويلة المدى

• والتي تتطلب عدة أنواع من المعالجة :

• الانتباه  

 •التكرار

• الاسترجاع

   وبعد ثلاث سنوات من نموذج أتكنسون وشيفرن قام بادلي(Baddeley) وهيتش (Hitch) بإدخال فكرة الذّاكرة العاملة والتي هي مفصولة عن الذاكرة القصيرة STM .

  أما النماذج التي جاءت بعد أتكنسون وشيفرين فهي:

  التوجه نحو مستوى المعالجة التي قدمها كريك(Craick) والقائم على خصائص فيزيائية أو حسية وعلى المعنى .

نموذج تولفينج (Tulving) (1972) الذي يقسم فيه الذاكرة طويلة المدى إلى ذاكرة الأحداث، وذاكرة المعاني، والذاكرة الإجرائية.

نموذج معالجة التوزيع الموازي: ويقترح أن نشاط عمل الذاكرة موزع عبر شبكات من الترابطات تتصل ببعضها البعض عن طريق النيرونات العصبية.

 

قياس الذاكرة :

   يعد قياس الذاكرة من أكثر المواضيع تعقيدا وفي هذا الصدد فقد تحدث علماء النفس عن تباين مدخلات الذاكرة (المثيرات) والمخرجات (الاستجابة) وأن سبب ذلك يعود إلى عمليات معرفية وخصائص شخصية وعوامل ترتبط بالمثيرات نفسها مما يؤثّر على الاستجابة .

ويتأثّر قياس الذاكرة من حيث كمالها ودقتها بعدد من العوامل يمكن تلخيصها كالآتي:

1 -  تؤثّر الحالة الانفعالية والنفسية للفرد على عملية استقبال المثيرات أو استرجاعها فحالة القلق أو التوتر تؤدّي إلى انخفاض في درجة كمال ودقة الذاكرة.

2 - تقييم الفرد لمادة الذاكرة من حيث أهميتها الشخصية أو انسجامها وتناغمها مع أفكاره، اتجاهاته وقيمه.

3 - درجة الثقة بالمادة المراد استرجاعها فكلما زادت درجة الثقة كلما زادت الدقة والكمال في التذكر.

4 - مدى فعالية آليات واستراتيجيات المعالجة المعرفية أثناء الترميز والتحليل والتفسير، فكلما كانت هذه الاستراتيجيات أكثر فعالية كلما زاد كمال الذاكرة ودقتها.

 

   ولقد كان لتجارب ابنكهاوس في تذكر مقاطع من الكلمات عديمة المعنى في النصف الثاني من القرن 19 أكبر الأثر في توجيه الاهتمام إلى قياس الذاكرة بمختلف أشكالها .

لقد اهتم ابنكهاوس بقياس القدرة على تذكر أكبر عدد من المقاطع عديمة المعنى وتكرارها بدون أخطاء (قياس الاسترجاع) ، كما اهتم بقياس قدرة الأفراد على تذكر مجموعة من المقاطع بعد مرور فترات زمنية (قياس الاحتفاظ).

أشكال الذاكرة:

1 - الاسترجاع (Recall): يتمثل في تذكر الأحداث والخبرات التي تعلمها الفرد في السابق، يتم ذلك دون الحاجة إلى وجود المثيرات أو المواقف التي أدت إلى حدوث التعلّم والتّخزين.

والاسترجاع هو بحث في خزانات الذاكرة واستعادتها على شكل استجابة ظاهرية؛ لذلك فإن البحث عن المعلومات في الذاكرة الحسية أو القصيرة غالبا ما يكون أسهل من الذاكرة الطويلة لأن المعلومات في الأولى تكون أقل عددا وتُخزن لفترة زمنية محدودة.

أما في الذاكرة الطويلة، فإن المعلومات كثيرة وتبقى إلى أمد غير محدد مما يُشكل صعوبة أكبر في الاستدعاء لأنه يتطلب التحقق من كم هائل من المعلومات والتأكد من وجودها أولا ، ثم فحص المعلومات المتوفرة من أجل إعادة تفسيرها والتحقق من خصائصها من حيث المحتوى والزمان والمكان والحجم.

2 - التعرف (Recognition): هو أحد أشكال الذاكرة أسهل من الاسترجاع حيث تعتمد قدرة التعرف على وجود المثير الذي تم تعلمه في الماضي من بين مثيرات. يصفه علماء النفس على أنه شعور بأن ما يراه الفرد أو يسمعه في الحاضر هو جزء من خبرة سابقة تكونت في الماضي .

مثال: ففي الامتحانات مثلا بعض الأساتذة تكون أسئلتهم من نوع اختبار الاختيار من متعدد كأن يقدم الأستاذ سؤالا أو عبارة ما ويضع أمامها ثلاث اختيارات ( بدائل ) وهنا يحدث التعرف عندما يقارن الطالب بدائل المثير مع ما هو مخزن في الذاكرة لمطابقته مع أحد هذه البدائل.

ويمكن قياس التعرف من خلال المعادلة التالية:

علامة التعرف= عدد الاجابات الصحيحة - عدد الاجابات الخاطئة / العدد الكلي للمثيرات × 100

 

3 - الاحتفاظ (Retention): يُسمى كذلك درجة الوفر أو إعادة التعلم ويشير إلى أن المعلومات التي تعلمها الفرد في الماضي تصبح قابلة للنّسيان بعد فترة من الزّمن وخصوصا مع غياب التدريب والتعزيز، ومع ذلك فإن هذا الانخفاض على مستوى الذاكرة لا يعني نسيانها أو فقدانها بأكملها، لذلك فإن إعادة التعلم بعد فترة من الزمن تستغرق وقتا وجهدا أقل مما استغرقه الفرد في المرة الأولى.

ويمكن قياس علامة الوفر من خلال المعادلة التالية :

علامة الوفر= الزمن الأول للتعلم الأول- الزمن اللّازم للتعلم الثاني/ الزمن اللّازم للتعلم الأول × 100

 

أنماط الذّاكرة:

   تحدث علماء النفس المعرفيون عن ثلاثة أنماط للذّاكرة تتمثل في : الذّاكرة الحسّية، الذّاكرة القصيرة والذّاكرة الطويلة .

اعتبر أتكنسون وشيفرن أن هذه الأنماط منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض، حيث تدخل المعلومات الحواس ثم تخزّن للمرّة الأولى في الذّاكرة الحسية لأقل من الثّانية ثمّ تنتقل إلى الذّاكرة القصيرة حيث تتم المعالجة المعرفية للمعلومات لمدة قصيرة ثمّ تصل إلى الذّاكرة الطويلة لتخزينها وقت الحاجة.                           

أولا: الذّاكرة الحسّية (Sensory Memory):

    يقوم العالم من حولنا بتزويدنا بآلاف من المثيرات الصوتية والبصرية واللّمسية والشّمية والذّوقية التي تعبر الحواس التي تقوم  بنقل هذه المعلومات إلى المرحلة القادمة من التخزين وهي الذّاكرة القصيرة، وبفعل الانتباه فبعض المعلومات يصل إلى الذّاكرة القصيرة بينما يتم نسيان بقية المعلومات التي لا يتم تركيز الانتباه عليها.

  ويمكن تعريف الذّاكرة الحسية على أنها المخزن أو المسجل الحسّي، ويتمثل دورها في أخد المعلومات الواردة إلى الدّماغ من خلال المستقبلات الحسية وتُبقيها جزء من الثانية إلى حين اتخاذ القرار بشأن ما يمكن عمله إزاءها .

مميزات الذّاكرة الحسّية:

1 - تنظيم عملية تمرير المعلومات بين الحواس والذّاكرة القصيرة حيث تسمح بنقل حوالي 4-5 وحدات معرفية في الوقت الواحد . ( الوحدة المعرفية قد تكون حرفا، رقما، جملة، صورة )

2 - تخزّن الذّاكرة الحسية المعلومات لمدة قصيرة من الزّمن لا تتجاوز الثانية بعد زوال المثير.

3 - تنقل الذّاكرة الحسّية صور حقيقية عن العالم الخارجي بدرجة من الدقة عن طريق الحواس الخمسة.

4 - لا تقوم الذّاكرة الحسّية بأية معالجات معرفية للمعلومات بل تترك ذلك للذّاكرة القصيرة .

 

  الذّاكرة الحسية البصرية (Visual Memory):

    يعد نيسر (Neisser)  أول من أشار إلى هذه الذّاكرة وأطلق عليها الذّاكرة التصويرية  Iconic Memory  ليدلل على الانطباعات البصرية التي تنقلها هذه الذّاكرة إلى المعالجة المعرفة اللّاحقة.

   وقد كان لدراسات سيبرلينج (Sperling) في السّتينات من القرن العشرين الأثر الأكبر في الاهتمام بهذا النمط من الذاكرة، وكان سبيرلينج يعرض في تجاربه قائمة من (12) حرفا على شاشة لمدة 50 ملثانية ويطلب من الطلبة تذكّر هذه الحروف كما هو موضح في الشكل الموالي:

  X     M      R       G

                                       G     N      K        P

                                       V      F      L        B

                           

                              قائمة الحروف في تجارب سبيرلينج

   وكان العرض بطريقتين إما بعرض القائمة كاملة أو عن طريق عرض أربعة أحرف من سطر واحد، ولقد أظهرت النتائج أن تقديم المثير على مراحل من أربعة أحرف فقط تسمح بتسجيل المعلومات وتذكّرها بشكل أفضل، كما توصل سبيرلينج إلى أنه كلما طالت المدة الزمنية بين إخفاء المثير(الحروف) عن الشاشة وتذكرها، كلّما قلت القدرة على التذكّر.

ومن جملة الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تجارب سبيرلينج حول الذاكرة الحسية البصرية:

1 - تخزّن المعلومات في الذاكرة الحسية البصرية لفترة لا تزيد عن الثانية .

2 - يمكن  استدعاء المعلومات البصرية من الذّاكرة الحسية البصرية مباشرة.

3 - دخول معلومات حسية جديدة إلى الذّاكرة الحسّية البصرية يمحي المعلومات القديمة.

4 - كلما بقيت المعلومات في الذاكرة الحسية البصرية فترة أطول كلّما سهل تذكرها.

5 - تمرر الذّاكرة الحسية البصرية حوالي 9-10 وحدات من المعلومات إلى الذّاكرة القصيرة من أجل معالجتها.

6 - لا تحدث أي معالجات معرفية للمعلومات في الذّاكرة الحسية البصرية. بل في الذاكرة القصيرة.

 

الذّاكرة الحسّية السّمعية(Auditory Memory):

  بعد توقف المثير السّمعي، تبقى المعلومات في الذّاكرة الحسّية لبعض الوقت قبل تمريرها للذّاكرة القصيرة؛ هذا ما أسماه نيسر (Neisser)(1967) بالذّاكرة السمعية (Echoic Memory).

تعمل الذّاكرة الحسّية البصرية على استقبال المعلومات السمعية والاحتفاظ بها لفترة قصيرة من الوقت ثم تمررها إلى الذّاكرة القصيرة للمعالجة وفق آلية الانتباه.

   وبشأن الذّاكرة السمعية أجريت العديد من الدراسات لإخبار فعاليتها ومن بينها دراسة داوين (Darwin) وتيرفيه (Turvey)، كرودر(Crowder)(1972)، حيث صمموا تجارب لاختبار الذاكرة السمعية من خلال سماعات ثلاثة تسمح بسماع المفحوصين لثلاث رسائل صوتية بنفس الوقت وذلك من خلال الأذن اليمنى واليسرى ومنتصف الرأس العلوي، وقد سمح لبعض المفحوصين سماع رسالة صوتية واحدة فقط مع تلميحات بصرية حول تحديد مصدر الرسالة مقابل سماع ثلاثة رسائل صوتية في نفس الوقت.

  وقد توصلت نتائج دراساتهم إلى إستراتيجية العرض من خلال المصادر الصوتية الثلاثة أدت إلى قدرات أقل في التذكّر من استراتيجية التقديم المقتصر على مصدر صوتي واحد.

 

ومن جملة الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تجارب دارون وزملائه حول الذاكرة الحسية السمعية ما يلي :

1 - تخزّن المعلومات في الذّاكرة الحسّية السمعية لفترة من 2-3 ثواني .

2 - إن دخول معلومات حسية جديدة إلى الذّاكرة الحسية السمعية يمحي المعلومات القديمة أو يحلّ محلّها.

3 - تمرر الذّاكرة الحسية السمعية حوالي ( 4-5 ) وحدات من المعلومات السمعية إلى الذّاكرة القصيرة من أجل معالجتها .

4 - لا تحدث أيّة معالجات معرفية للمعلومات في الذّاكرة الحسّية السمعية .

 

ثانيا: الذاكرة القصيرة المدى (Short-Term Memory):

   تتوسط الذاكرة القصيرة كل من الذاكرة الحسية والذاكرة الطويلة حيث تستقبل معلوماتها إما من الذاكرة الحسية في طريقها عبر فلاتر( مصفاة ) الانتباه إلى الذاكرة القصيرة، أو من خلال الذاكرة الطويلة عندما تحتاج إلى المعلومات الاضافية والخبرات السابقة من أجل ممارسة عمليات الترميز والتحليل للمعلومات الجديدة.

تحتفظ الذاكرة القصيرة بالمعلومات لفترة قصيرة لا تتجاوز 18 ثانية قبل استبدالها بمعلومات أخرى أو بعد انقطاع المعالجة وتعرف بتسميات أخرى كالذاكرة العاملة أو الفاعلة وتعد الذّاكرة الوحيدة التي تقوم بمعالجات معرفية بصورة مستمرة من ترميز وتحليل وتفسير إلى أن تصبح المعلومات بشكل يسمح تخزينها في الذاكرة الطويلة، أو للاستجابة الفورية على ضوئها.

  ومن أهم المميزات التي تتميز بها الذاكرة القصيرة المدى:

 1 - مدة الاحتفاظ بالمعلومات محدودة تتراوح ما بين 15-18 ثانية ما لم يتم تكرارها أو معالجتها .

2 - الطاقة التخزينية للذاكرة قصيرة المدى محدودة ما بين 5-9 وحدات حسب ميلر (Miller).

3 - إذا مرّت الفترة الزمنية (18 ثانية)  على وصول مثير للذاكرة القصيرة، ولم تتم معالجته أو تكراره أو التدريب عليه فسوف يتم نسيانه.

4 - في حالة حدوث مشتتات للانتباه خلال معالجة المعلومات في الذاكرة القصيرة يؤدي إلى إضعاف احتمالية معالجة المعلومات في الذاكرة الطويلة .

5 - إن سرعة توالي دخول معلومات جديدة إلى الذّاكرة القصيرة يُجبر المعلومات القديمة على الخروج   ( مفهوم الاستبدال ) .

كيف يتم ترميز المعلومات في الذّاكرة القصيرة؟

يتم ترميز المعلومات في الذاكرة القصيرة بثلاث طرق وهي :

1 - الترميز الصوتي (Acoustic Coding): يتمثل في ترميز المثيرات- حتى البصرية منها بطريقة صوتية وفقا لمنطوق الكلمات أو الأعداد أو الرموز أو الأصوات الناتجة عنها كأن نتذكر القطة بما تصدره من صوت .

2 - الترميز البصري (ٍVisual Coding): يتمثل في ترميز المعلومات وفقا لشكلها إذ تمثّل المعلومات بسلاسل من الصور التي تحدد المثير، وهذا ما يُعرف بالذّاكرة الفوتوغرافية ونجده عند الأشخاص الذين يتميزون بدقة الملاحظة كالعلماء ورجال الأمن ..

3 - ترميز المعنى (Semantic coding): ويتم ترميز جميع أنواع المثيرات حسب معانيها وليس بالضرورة صوتها أو صورتها، وهذا الترميز يختصر الوقت والجهد يتأثر بقدرات الفرد .

ومن أمثلة ترميز المعنى تصنيف الحيوانات إلى حيوانات أليفة وأخرى مفترسة .

 

ثالثا: الذاكرة الطويلة (Long-Term Memory):

     الذّاكرة الطويلة خزّان يضم كمًّا هائلا من المعلومات والخبرات التي اكتسبها الفرد عبر مراحل حياته المختلفة، ففيها ما يتعلق بالصور والأصوات، والأفكار والمشاعر، وفيها ما يتعلق بالمعارف والحقائق والأحدات ، والتواريخ والأسماء وغيرها من الأمور.

وسعة الذاكرة الطويلة  غير محددة بكم معيّن من المعلومات، وغير محددة بزمن معين في التخزين حيث تبقى المعلومات مخزّنة فيها مادام الانسان على قيد الحياة.

تستمد الذاكرة الطويلة معلوماتها من الذاكرة القصيرة ، ومن المهتمين بوظيفة الذاكرة من رأى أن وظيفتها تتمثل في حفظ المعلومات لوقت الحاجة، ولكن الجشتالتيون أشاروا إلى أن المعلومات المخزنة في الذاكرة

الطويلة تتغير طبقا لنموذج كيفي مع مرور الوقت فتصبح المعلومات غير الواضحة أو غير الكاملة أكثر وضوحا وتنظيما مما يعني القدرة على استدعائها في وقت أقصر .

وتأكيدا وتأييدا لذلك فقد عرض رايلي (Riley) (1975)مجموعة من الأشكال الغامضة وغير المتناسقة ثم طلب من الفحوصين إعادة رسمها بعد رؤيتها بثلاثين ثانية أو يوم أو أسبوع، وقد أشارت نتائج دراسته أن هناك تغيرا تقدميا نحو الشكل الأفضل والأوضح مع زيادة الزمن.

 

طبيعة الذّاكرة:

   تنقسم محتويات الذّاكرة الطويلة إلى نوعين : الذاكرة الاجرائية والذاكرة التقريرية .

1 - الذاكرة الاجرائية (Procedural Memory): تتمحور معلومات هذه الذّاكرة حول المهارات الأدائية التي تعلمها الفرد من خلال الممارسة والخبرة، ومثال عن ذلك مهارات الفحص الطبي التي تعلمها الطبيب العام كجس النبض، قياس الحرارة، قياس ضغط الدم وغيرها فهي مهارات تعلمها خلال مراحل تعلمه  وممارساته بكلية الطب إلى جانب الخبرة السابقة .

2 - الذّاكرة التقريرية (Declarative Memory): تتمحور معلومات هذه الذّاكرة حول الحقائق والمعارف التي تعلمها الفرد خلال مراحل حياته المختلفة، وتتميز بأنها سهلة التعلم وسهلة النسيان لكثرة معلوماتها وتشعباتها وتأثرها بالممارسة، وتنقسم بدورها إلى نوعين:

أ/ الذّاكرة العرضية (Episodic Memory): تحتوي على المعلومات ذات الصلة بالسيرة الذّاتية للفرد وخبراته الماضية وفق تسلسل زمني ومكاني محدّد. كذكريات الطالب الجامعي عندما يناقش شهادة اللّيسانس أو الماستر أو الدكتوراه وما يتم إعلانه من نتائج .

ب/ ذاكرة المعاني (Semantic Memory): تمثّل خلاصة معاني المعارف والحقائق والمعلومات عن العالم المحيط بنا كمعلوماتنا عن حيوانات، جمادات، أشياء، نظريات، قوانين...

مراحل الاسترجاع من خلال الذاكرة الطويلة :

   حسب سترنبرغ (Sternberg) يمر الاسترجاع بثلاث مراحل:

1 - مرحلة البحث عن المعلومات: يبدأ الفرد في البحث عن المعلومات في الذاكرة الطويلة من خلال التحقق من وجودها فيها، ثم فحص المعلومات المتوفرة من حيث حجمها، زمانها، مكانها وعناصرها

فتحديد المعلومات المطلوب استرجاعها.

2 - مرحلة تجميع المعلومات المطلوبة وتنظيمها: إعادة تجميع المعلومات وترتيبها بشكل يسهل التعامل معها وفهمها لتصبح بصورة منطقية ومعقولة، وقد يواجه الناس بعض الصعوبات في ذلك فيظهر ما يعرف بــــظاهرة على رأس اللّسان.

3 - مرحلة الأداء أو الاستجابة: وتظهر هنا الاستجابة الظاهرة أو الضمنية كالضغط على  زر تشغيل الكبيوتر ، أو سلوك القفز أو قراءة سورة قرآنية ...

أشكال الاسترجاع:

1- الاسترجاع التلقائي: هو شبه آلي لا يحتاج إلى جهد وزمن طويل كالتعرف على إيقاع موسيقي أو أداء رياضي معين.

2- الاسترجاع المقصود: يحتاج إلى جهد ووقت كتذكر الأستاذ لاسم طالب درّسه منذ مدة ، استرجاع قوانين تتعلق بمادة الرياضيات .

 

مميزات الذاكرة الطويلة: يمكن ايجازها فيما يلي:

1-  لا توجد حدود لكمية المعلومات التي يمكن استيعابها في الذّاكرة الطويلة.

2-  لا توجد حدود على الزمن الذي يمكن للذاكرة الطويلة أن تحتفظ بالمعلومات لمدة زمنية ثابتة.

3-  جميع المعلومات التي تصل إلى الذّاكرة الطويلة يتم تخزينها حتى لو فشلنا في استدعائها لاحقا.

4-  تتأثر عملية استرجاع المعلومات من الذّاكرة الطويلة بعدة عوامل منها فعالية الترميز في الذاكرة القصيرة، الحالة المزاجية والانفعالية للشخص عند الترميز أو الاسترجاع، درجة أهميتها..

5-   الترميز الجيد للمعلومات في الذّاكرة القصيرة يوفّر تلميحات ودلالات تساعد على تذكّرها لاحقا في الذّاكرة الطويلة.


محاضرات علم النفس المعرفي

السنة الثالثة أرطفونيا

أد: طالب سوسن

 

البنية المعرفية

 

تمهيد:

   قد يتساءل الشخص ماذا يُقصد بالبنية المعرفية لدى الانسان ؟ وفي هذا الصدد بحث علماء النفس واعتبروها خلاصة لخبرات وتجارب الفرد عبر مختلف مراحل حياته والتي تنبثق من تفاعله مع عوامل داخلية وراثية بيولوجية وعوامل خارجية بيئية.

ومما لاشك فيه أن هذه البنية المعرفية تتطور وتنمو بتطور ونمو العمليات والوظائف المعرفية مما يشير إلى تعقدها وتشابكها وتنعكس صداها على الفرد وتعاملاته وتفاعلاته في بيئته.

    ويعد بياجه  Piaget أحد الرواد في مجال علم النفس النمو ولاسيما النمو المعرفي واعتبر البنية المعرفية مفهوما جوهريا ينمو بشكل هرمي تراكمي وبذلك ينتقل الفرد من مرحلة نمو إلى مرحلة أرقى فأرقى  (مرحلة حس-حركية، مرحلة ما قبل العمليات، مرحلة التفكير، مرحلة التفكير المجرد) .

أولا: تعاريف البنية:

تعريف المعرفية بياجيه (Piaget) للبنية: تعبير عن ما تمكن الفرد من استيعابه وتمثله داخليا.

تمثل الأبنية العقلية تمثيلات داخلية لفئة من الأفعال أو أنماط الأداء المشابهة، فهي تسمح للفرد أن يفعل شيئا ( داخل الذّهن) أي تجربة عقلية دون أن يُلزم نفسه بالقيام بنشاط ظاهر أو صريح، ويمكن اعتبارها تنظيمات تظهر خلال أداء العقل لوظائفه تتغير أثناء نمو الفرد.

 

تعريف بياجيه للموائمة: هي العملية التي تتم من خلالها تعديل وتغيير البنية المعرفية (ملائمة أو مواءمة الأبنية العقلية للخبرات الجديدة ).

إذ تعني تعديلا في بنية العقل ومعارفه عن العالم حيث يمكنه أن يستوعب الخبرات الجديدة.

تعريف جانيه لبنية التعلم : أن بنية التعلم تنمو وتتطور وتنظم هرميا كمكونات فرعية تنطلق من البسيط إلى المركب مثلما هو الأمر بالنسبة للبنية المعرفية.

تعريف أوزبل (Ausubel) للبنية المعرفية: أنها مجموعة منظمة من الخصائص والمفاهيم والحقائق الادراكية التي تتوافر لدى المتعلم في لحظة ما خلال تفاعله مع البيئة محاولا دمجها مع خبراته السابقة بأسلوب منظم وهرمي.

ثانيا: مميزات البنية المعرفية  وفقا لفلافل (Flavel):

1 - مميزات وخصائص تتعلق بالفرد تشمل معرفته ووعيه بخصائصه الذّاتية وإمكاناته وقدراته ودوافعه وحاجاته الفيزيولوجية .

2- مميزات تتعلق بالمهمة وتعني أن الفرد قد نظّم بناءه المعرفي وفقا لطبيعة المهمات وخصائصها، وتتطلب البنية المعرفية معرفة الفرد أن تعلم مهمّات معينة يرتبط بممارسة أنواع من المعالجة( فمهمة تذكر اسم شخص، ليس كمهمة حل مشكلة .

3- مميزات تتعلق بالإستراتيجية المتبعة في المعالجة فالاستراتيجيات المعرفية التي يستخدمها الفرد تساعده للوصول إلى هدف واضح ومحدد، أما الاستراتيجيات ما وراء المعرفية فتمكنه من التوجيه الذّاتي..

   ويعد مفهوم البنية المعرفية مفهوم افتراضي ليس له أساس بيولوجي واضح، رغم محاولات العلماء العديدة من تحديد ذلك فسيولوجيا، لذا فهناك صعوبات جمة فيما يتعلق بقياس البنية المعرفية بشكل عام، لذا فإذا أردنا قياس البنية المعرفية في مجال قواعد اللغة أو الرياضيات فيعد ذلك ممكنا، لكن قياسها خارج إطار المعرفة الأكاديمية فيعد أمراً صعباً.

 

 

ثالثا: نموذج الزيات المقترح لقياس بعض مكونات البنية المعرفية:

   اقترح الزيات ثلاث خطوات لقياس بعض جوانب البنية المعرفية وتتمثل فيما يلي:

1- استثارة المعرفة: قصد قياس فهم الفرد للعلاقات القائمة بين المفاهيم كتقدير العلاقات بين المفاهيم، ترتيب المفاهيم، التقدير العددي أو الكمي لدرجة الارتباط بين المفاهيم.

2- تمثيل المعرفة المستثارة: تتمثل في تحديد بعض التمثيلات الداخلية لمجال معرفي محدد القياس متعدد الأبعاد، نماذج الشبكات في تمثيل المعلومات.

3- تقويم تمثيل المعرفة لدى الفرد: يستلزم مقارنة معرفة مجال معرفي معين مع معيار أو محك خارجي محدد للحكم عليها مثل مقارنة معرفة شخص مع مهنة الخبير أو مع بنية معيارية مثالية.

رابعا: تمثيل المعلومات في النظام المعرفي :

   تتمثل في تحويل المثيرات والخبرات المختلفة إلى معاني وأفكار يمكن استيعابها وترميزها وتسكينها بطريقة منظمة لتصبح جزءًا من البنية المعرفية للفرد.

وفي هذا الصدد يؤكد الزّيات (1998) أن تمثيل المعرفة هو محاولة استخال واستيعاب وتسكين المعاني والأفكار والتصورات الذهنية لتصبح جزءًا من البنية المعرفية للفرد؛ فعندما تدخل المعلومات في أول مراحل التخزين في الذّاكرة الحسية وتبقى لأقل من الثانية، تتابع مسيرتها وفق آليات الانتباه والفلترة إلى الذّاكرة القصيرة فتتم عملية الترميز والتسميع والتكرار للمعلومات حتى تصبح جاهزة لتتابع مسيرتها نحو الذّاكرة الطويلة لتخزن هناك، مما يعني أن تمثيل المعلومات لا يتم في الذّاكرة القصيرة لأن مهمتها هي معالجة المعلومات فقط فطاقتها التخزينية لا تسمح لها بثمثيل كم هائل من المعلومات، لأن الذاكرة الطويلة هي من يتولى إعادة تنظيم المعلومات وتمثيلها بطريقة ما حتى تصبح تلك المعلومات جاهزة للاسترجاع وقت الحاجة.

ولقد اعتمد العلماء على مصدرين من المعلومات محاولين التوصل إلى تفسير عملية تمثيل المعلومات حسب سترنبرغ وهما:

1-  نتائج الدراسات التجريبية التي تتطلب التعامل مع مهمات معرفية والتعرف على أسلوب الفاحصين في التعامل معها.

2-   الدراسات الفسيولوجية والعصبية من خلال ملاحظة ردود فعل الدماغ نحو مهمات عقلية ومعرفة العلاقة بين جوانب القصور في تمثيل المعلومات وإصابات دماغية مختلفة.

خامسا: أهم طرق تمثيل المعلومات:

1- تمثيل المعلومات كما تم إدراكها أي تمثيل المعلومات كما تم إدراكها بصريا أي كما وردت من حاسة الابصار.

2- تمثيل المعلومات على أساس المعنى أي تمثيل معاني المثيرات المختلفة سواء أكانت بصرية، سمعية، ذوقية أو غيرها، وقد انبثق عن تمثيل المعاني طريقتان هما:

أ/ تمثيل المعلومات وفق نماذج شبكات الترابطات وهو شكل آخر لتمثيل المعاني من خلال تخزين المعلومات وفق شبكة ترابطية من المعلومات وفق مفاهيمها الأساسية وتحديد العلاقة بين هذه المفاهيم.

ب/ تمثيل المعلومات من خلال نماذج المخططات العقلية ( السيكما) (Shemas Representation Models) وهو نموذج آخر لتمثيل المعاني وفق مخطط عقلي افتراضي تنظم من خلاله معاني المعلومات بطريقة مجردة.

تمثيل المعلومات ذات الأساس الادراكي:

  أشار أندرسون (Anderson) إلى احتمال وجدود طريقتين لتمثيل المعلومات وفق الأساس الادراكي للمعلومات البصرية واللّفظية وهما:

1- التمثيل الفراغي للمعلوماتSpatial Representation  حيث يتم تمثيل الصور البصرية كما تم إدراكها من بيئتها الأصلية وبنفس التوجه الأصلي للمثيرات البصرية.

2- التمثيل الخطّي أو الأفقي للمعلومات Linear Representation حيث يتم تمثيل المعلومات اللّفظية على شكل خطّي أفقي كمصفوفة من المفردات.

ويمكن في هذا الصدد عرض تجربة سانتا (Santa) (1977)لإثبات هاتين الطريقتين في تمثيل المعلومات وتأثيرها على التعرف:

  طلب سانتا من مجموعة من المفحوصين دراسة النموذج الهندسي ( الأشكال الهندسية ) في أعلى الشكل، ثم عرض أربعة نماذج أحدها مطابق للعناصر وثلاثة مختلف العناصر، ونصفها عرض بتمثيل فراغي والنصف الآخر بتمثيل خطّي للتعرّف على الفروق في قدراتهم التعرفية على النماذج الأصلية.

تشير نتائج سانتا إلى أن أقل وقت للتعرف كان للشكل الثّاني عندما كان الشكل الهندسي مطابق لنفس العناصر وبنفس التوجه أي بتمثيل فراغي، كرر سانتا تجربته هذه مستبدلا الأشكال الهندسية بكلمات تصفها.

  وكانت النتيجة أن تعرف المفحوصين على الشكل الأول أسرع من الأشكال الثلاثة الأخرى عندما كانت نفس العناصر متمثلة بتمثل خطّي وليس فراغيا. وبناءً على ذلك اتخذ سانتا قرارين من نتائج تجربته:

1-  أن تمثل الأشكال الهندسية يكون بشكل فراغي وأن تذكرها يكون أفضل ما يمكن في حالة التمثيل الفراغي للمعلومات عندما تكون بنفس توجه المثيرات الأصلية.

2-  أن تمثّل المثيرات اللّفظية يكون بشكل خطّي أو أفقي وأن أفضل تذكر لها يكون في حالة توفر النماذج الأصلية في حالة التمثيل الخطّي أو الفراغي.

الصور العقلية والذّهنية:

  لقد ميّز العلماء بين تمثيل الصور والرموز والكلمات حيث أكد سترنبرغ (Sternberg) (2003) أن تمثيل الصور أسهل من تمثيل الكلمات والرموز. فلو سألتك عن شكل الموزة أو كرة القدم فسوف تميل إلى رسمها أكثر من استخدامك لكلمات لتوضيح ذلك هذا ينطبق على مثيرات مادية ولكن هناك مثيرات مجردة يصعب رسم صورة لتوضيحها كشرح معنى النزاهة.

أهم خصائص تمثيل الصور:

1-  الصور العقلية تظهر أقرب إلى مثيرات العالم المادي الواقعي.

2-  تُبرز الصور العقلية صفات مادية للمثيرات كالشكل، الحجم وبدرجة جدّ واضحة.

3-  إن ظهور أجزاء الصورة العقلية يعد كافيا لممارسة الإدراك وفق قدرة الفرد على تكملة الفراغات

( قانون الاغلاق) .

 

أهم خصائص تمثيل المثيرات من خلال الكلمات والرّموز:

1-  تعبر الكلمات عن تمثيل رمزي للمثيرات لأن العلاقة بين الكلمة وما تمثلها من معاني قد يختلف من آخر.

2-  إن ظهور أجزاء الكلمة أو الرمز في عمليات التمثيل غير كافية لحدوث الادراك.

3-  الكلمات والرموز أكثر فعالية من الصور في شرح المفاهيم المجردة بينما تعد الصور أكثر فعالية من الكلمات أو الرموز في شرح المفاهيم المادية عند تمثيلها.

4-   إن استخدام الكلمات والجمل يجب أن يخضع لمجموعة من القواعد اللّغوية والاجتماعية. 

  

خصائص ومميزات التمثيل الادراكي للصور العقلية (Anderson) (1995) ، (Sternberg) (2003):

1- القدرة على دوران الصورة العقلية (Mental Rotation):

يستطيع الفرد أن يأخذ أي صورة عقلية ويمارس عملية دورانها في ذهنه إلى غاية 360 درجة. فلتتخيل أي شكل شجرة ، طاولة، حقيبة وحاول تدويره بمختلف الاتجاهات فهذا أمر سهل كما هو موضح في الشكل الموالي في الحرف A   . ( المرفق ) دوران الصور العقلي



2- القدرة على مسح الصور العقلية (Picture Scanning) :

يستطيع الإنسان من خلال تمثيل الصور العقلية أن يقوم بمسح هذه الصور ذهنيا ويبحث عن أجزائها بسهولة، فلو طلبت منك مثلا تخيل خريطة الجزائر وقلت لك أن تضع سبابتك( بصورة ذهنية ) على مدينة وهران مثلا لكان سهلا أو قلت لك تخيل خريطة المغرب العربي تم انقل سبابتك على الجزائر لكان الأمر سهلا للغاية . 

 المبادئ الخمسة التي تحكم عملية التمثيل الادراكي للصور حسب سترنبرغ (Sternberg):

1-  إن عملية ضبط وتوجيه الصور العقلية يشبه كثيرا طريقة ضبط وتوجيه الأشياء المادية.

2-  كلما زادت المدة المطلوبة لتنفيذ جهد على مثير مادي، كلما زادت المدة اللاّزمة لتنفيذ نفس الجهد على الصور العقلية في ذهن الانسان.

3-  العلاقة الفراغية بين عناصر الصورة العقلية تشبه العلاقة بين عناصر المثير المادي.

4-  تُستخدم الصور العقلية لتوليد معلومات جديدة لم تكن متوفرة وقت معالجة المعلومات في الذاكرة القصيرة.

5-  تعد وظائف الصور العقلية مماثلة لوظائف المثيرات البصرية من خلال العمليات التي تقوم بها لتحقيق الإدراك.

 

فوائد استخدام الصور الذّهنية البصرية حسب كوسلين (Kosslin) وروبين (Robin)(1999):

1-  يُساعد على حل المشكلات والإجابة على الأسئلة المعقدة والمركبة فإذا طرح عليك سؤالا كم  هم عدد أصدقائك أو عدد رفاق الدراسة فسوف تتخيل صورة ذهنية لهم تم تجيب .

2-  يُساعد في التغلب على مشكلات غير معرفية كضبط الألم والتغلب على بعض المشكلات النفسية في العصاب كالرهابات ( المخاوف المرضية )، القلق بتوظيف تمارين ورحلات عقلية وكذلك الاسترخاء والتأمل.

3-  يُساعد علماء العلوم والطب والهندسة على تصور تراكيب، مخططات، والتعرف على سلبياتها أو إيجابياتها قبل الشروع بأبحاث أو مشاريع بحثية ميدانية.

 

ملاحظة: إن بناء صورة ذهنية مركبة أو معقدة يختلف عن تكوين صورة ذهنية بسيطة لأن الأولى أكثر تعقيد من حيث خصائصها فهي مجردة مصادرها داخلية ، حدودها غير واضحة، صعب التحكم فيها لتعدد وتعقد مكوناتها ولكنها ممكنة، تتأثر بخبرات سابقة وبقدرة الفرد على التركيز ودافعيته.

أما الصورة الذهنية البسيطة فهي مادية، مصادرها غالبا تكون خارجية نتيجة تفاعل مع البيئة، حدودها واضحة، سهلة الضبط والتحكم، يكون تركيز الانتباه عليها سهلا، ويكون استدعاؤها سهلا كذلك.

 

تمثيل المعلومات على أساس المعنى:

  يُشير الزّيات (1998) إلى وجود علاقة دائرية بين المعرفة وذاكرة المعاني إذ يرى أن ذاكرة المعاني تمد البنى المعرفية بالمعلومات اللاّزمة لكي تتطور وتنمو، وإن ضعف تمثيل المعاني يعني عدم قدرة النظّام المعرفي على تسكين واستيعاب الخبرات الجديدة، وإذا انخفض مستوى تمثيل ذاكرة المعاني،فإن البناء المعرفي يُصبح ضعيفا مما يؤثر في قدرة الفرد على الاستيعاب والتمثيل اللّاحق للخبرات.

وتلعب ذاكرة المعاني دورا مهما في تنظيم علاقتنا بالعالم الخارجي وذلك من خلال اختزان المعرفة وتوظيفها بصورة مختصرة للتصرف والاستجابة عندما تقتضي الحاجة دون العودة إلى تذكر التفاصيل.

تمثيل معاني المعلومات اللّفظية:

  لقد أكدت دراسات سابقة أن ذاكرة المعاني أفضل من ذاكرة التراكيب اللّغوية،ومن بينها دراسة وارنر (Warner) (1968) حيث طلب من أفراد المجموعة الأولى أن تسمع رسالة صوتية مع تعليمات تُحذّرهم  (تُنبِّههم) بضرورة الانتباه والتركيز على المادة لأنهم سوف يتعرضون لاختبار فيها.

بينما طُلب من المجموعة الثانية أن تسمع رسالة صوتية ولكن بدون تحذير(تنبيه)، وعقب الانتهاء من التجربة تعرض أفراد كلتا المجموعتين إلى اختبار تعرّف حيث طُلب منهم تحديد الجمل الواردة في الرسالة الصوتية سواء من حيث المعنى أو التركيب.

وخَلُصت دراسة وارنر أن ذاكرة المعاني كانت أفضل من ذاكرة التركيب بشكل عام ، وأن التّحذير قبل التجربة قد ساعد على تحسين درجات التعرّف لذاكرة التركيب أكثر من التّحذير لذاكرة المعاني.

تمثيل معاني المعلومات البصرية:

  تميل الذاكرة البصرية إلى تمثيل المعلومات غير اللّفظية أو البصرية عن طريق نمذجة مكوناتها وخصائصها الخارجية، وتشير الأبحاث أن ذاكرة المعاني للمعلومات اللّفظية أفضل منها لمعاني المعلومات البصرية، وأن الأفراد لا يتذكّرون التفاصيل الدقيقة في الصور، بل يتذكرون تمثيل مجرد للصور من خلال الفهم العام لها ولمعناها.

في هذا الصدد أجرى شِبارد (Shepard)(1967) دراسة عرض من خلالها أمام مجموعة من الأفراد صور من المجلات أو مجموعة صور مع تعليق وصف لفظي تحت كل واحدة منها،ثم طلب من المفحوصين التعرف على الصور المعروضة من خلال عرض زوج من الصور أحدهما جديدة والأخرى تم مشاهدتها.

فكانت نتائج الدراسة أن نسبة الخطأ في التعرف على الصور كانت 1.5% بينما بلغت نسبة الخطأ في التعرف على الصور و الجمل معا 11.8% مما يُشير إلى أن التعرف على الصور فقط كانت أفضل من التعرف على الصور والوصف اللّفظي معا.

ومن جملة ما يمكن استخلاصه بشأن تمثيل المعلومات على أساس المعنى ما يلي:

- أن الأفراد لديهم ذاكرة جيدة لمعاني المعلومات والخبرات مما يعني تذكرها بفعالية لاسيما إذا كان لديهم تركيز على تلك المعاني خلال عمليتي المعالجة والترميز.

- تحتوي المعلومات المخزنة في الذّاكرة الطويلة على معاني الخبرات وليس بالضرورة التفاصيل الجزئية.

- ذاكرة المعلومات البصرية ( الصور) أفضل من ذاكرة المعلومات اللّفظية.

تمثيل المعلومات وفق نماذج شبكات الترابطات (Propositional Representation Models):

   يُشير سترنبرغ (Sternberg) (2003) أن هذه الطريقة تُستند إلى محاولة تمثيل معاني الصور والجمل في نظام مفاهيمي يمتاز بدرجة عالية من الترابط حيث يُشكل هذا الترابط بنية أو تركيب محدد وواضح بعد زوال المثيرات الأصلية .

وتمثل نماذج الشبكة تنظيما افتراضيا بين المفاهيم المختلفة في الذّاكرة حيث ترتبط هذه المفاهيم مع بعضا البعض من خلال عدد من الوصلات التي تفصل بين هذه المفاهيم .

مثال: لنفترض أنك طالب لعلم النفس العيادي بصدد تحضير مقياس يدرس ويقيس اضطراب وسواسي قهري حول النظافة فهذا الاضطراب يتميز بأعراض على المستوى الفكري كإلحاح فكرة الاتساخ وأن أي شيء يلمسه أو يجلس عليه أو يحمله في قمة الاتساخ وأعراض أخرى على المستوى السلوكي تكرار سلوك الغسل والتنظيف وأعراض انفعالية وجدانية كالحزن، القلق ...

فالوسواس القهري يُشكل وحدة معرفية ترتبط بثلاث خصائص أو أعراض: خصائص عقلية، خصائص سلوكية، خصائص انفعالية، فالأسهم تمثل الوصلات التي تشير إلى الارتباط بين كل مفهومين كما هو موضح فيما يلي :  

نموذج توضيحي لتمثيل المعلومات من خلال نظام الشبكات

الوسواس القهري: سلوك طقوسي متكرر: غسل اليدين بصورة مبالغ فيها

الأعراض العقلية: إلحاح فكرة: الاتساخ - إلحاح فكرة: ضرورة الغسل المتكرر

الأعراض الانفعالية: أعرض انفعالية : القلق - الحزن

نماذج شبكة الترابطات:

1- نموذج شبكة المعاني(Semantic Network Model) :

اقترح هذا النموذج كولينز(Collins) وكوليان (Collian)  يشير إلى أن الناس يُخزنون المعلومات حول الأشياء كالأشجار والأسماك والطيور في تركيب شبكي يصل عناصر هذا التركيب من خلال وصلات تربط بين المفاهيم الخاصة إلى المفاهيم العامة، وفق ما يعرف بشبكة المعرفة المفاهيمية (Conceptual Knowledge).

فعندما نقول أن الحمامة طير والطير حيوان والحيوان كائن حي فهذا التعبير تخزين لأربعة فئات من المعلومات ( الحمام- الطيور- الحيوانات- الكائنات الحية ) والتي ترتبط بوصلات تربط المفاهيم الخاصة بالمفاهيم العامة ، وفي كل مفهوم أو فئة يمكن أن تمثل بعدد من المميزات أو الخصائص التي ترتبط معها فمثلا طائر الكناري يطير ، النعامة طائر وكلاهما له جناحين وريش ولكن هناك طيورا  قادرة على الطيران وأخرى لا.

عندما يقوم الفرد بمحاولة استرجاع معلومة أو التعرف على مثير فإنه يقوم بعملية تنشيط استثاري لشبكة المفاهيم ذات العلاقة الكاملة لتنتقل من العام إلى الخاص كما هو موضح في المثال الموالي:

 

الكائن الحي  : له بشرة ( جلد ) - له القدرة على التحرك - يتنفس.

الطائر: له جانحين - قادر على الطيران - له ريش.

·        طائر الكناري: يمكنه الغناء (صوته جميل) - لونه أصفر.

·        النعامة: لها ساقين نحيلتين - طويلة - لا يمكنها الطيران.                        

2- نموذج انتشار الاستثارة في الشبكات الترابطية (Activation Network Model):

يؤكد صاحب هذا النموذج وهو أندرسون (Anderson)(1995) إلى أن الفرد عندما يسمع مثلا كلمة برق فإنه يحدث انتشار حول هذه الكلمة وكل ما يتعلق بها كأن يستعيد " رعد" ، ويستعيد كلمات أخرى ترتبط بمثل هذه المفاهيم كـــ: مطر، ريح، برد.

ويرى أندرسون انتشار الاستثارة أمر لا شعوري لا يتحكم فيه الشخص وهو شبيه بعمليات الاشتراط ،ويكون أسرع عند تذكر المعلومات المترابطة فيمكنني أن أتذكر وبسهولة كلمة : رعد- برق من تذكر كلمة : رعد - كأس.

ووفقا لأندرسون كلما زادت سرعة الانتشار كلما زادت سرعة الاسترجاع، وتعتمد سرعة الانتشار كذلك على قوة الذاكرة من حيث فعالية المعالجة والتدريب والتخزين في الذّاكرة القصيرة.

تمثيل المعلومات من خلال نماذج المخططات العقلية (السكيما):

     تشير الأبحاث في هذا الصدد أن نماذج الشبكات الارتباطية لا يمكنها تمثيل كم هائل من المعلومات وفق فئات أو مخططات معينة ضمن النظام المعرفي، ولهذا فهي تعجز عن تفسير امتلاك الناس لكم هائل من المعرفة والخبرات في موضوع ما واسترجاعه في وقت قصير.

ويعد مفهوم الخطط العقلية (Schemas) من المفاهيم الجوهرية في نظرية بياجيه واعتبرها مكونا أساسيا في البنية المعرفية للفرد يستطيع من خلالها تحديد استجاباته في البيئة الخارجية وأن يحقق التكيف.

يرى بياجيه أن المخطط العقلي هو تمثيل عقلي يُمكن الفرد التعرف والاستجابة للمثيرات الحسّية من خلال إضفاء قالب معين عليها، ومن جهته أندرسون فهو يرى أن الخطط المعرفية تمثيل للمعرفة التصنيفية حول الأحداث والأشياء تُساعدنا في التعرف على المثيرات وعناصرها وطبيعتها.

مميزات وخصائص المخططات العقلية:

1 - تساعدنا على التعامل مع كم هائل من المعلومات عند التعرض لمثير أو موقف أو وضعية ما يدور حوله المخطط.

2 -  توليد وتجريد المعرفة بصورة منتظمة ومختصرة مما يُساعد على تحديد الخصائص الجانبية التي يُستدل عليها من خلال النوع، الصنف ..

3 - تمنحنا القدرة على إعطاء أحكام سريعة نحو موضوع المخطط العقلي، كما تزودنا بمعلومات ومضامين تساعدنا على تفسير الأحداث والمواقف.

4 - أنها تعكس توقعات واحتمالات الناس حول حدوث موقف أو سلوك ما .

5 - أنها تدفع السلوك بطريقة لا تتطلب الكثير من الوعي لدى الفرد أثناء مرحلة الاستجابة.

6 - تُكتسب المخططات المعرفية من الخبرة وقد يُشارك أكثر من فرد نتيجة تشابه الخبرات.

7 - تتميز المخططات بدرجة من الثبات النسبي ولكنها ديناميكية وقابلة للتطور والتغيير مع مرور الوقت وبفعل الخبرة.

أنواع المخططات العقلية:

1- مخططات شخصية: مهارات شخصية قيم  واتجاهات فردية تنظم  سلوكه الشخصي ( اللباس، أسلوب الحوار).

2- مخططات سيكما الواقع: مخططات تنظم تعامل وتفاعل الفرد مع الأحداث الحياتية.

3-مخططات الدّور: وضع تصورات حول الأدوار التي يُفترض القيام بها،التعرف على أدوار الآخرين.

                                            

دور المخططات المعرفية في المعالجة المعرفية: هناك أربعة أوجه للمعالجة المعرفية للخطط العقلية وهي:

1- الاختيار: فمن خلال المخطط يتم اختيار السلوكيات التي تنسجم مع الخطط العقلي وفق آلية الانتباه الانتقائي القصدي.

2- التجريد:  تساعدنا المخططات على ترميز معاني المثيرات والسلوكيات التي تم اختيارها.

3- التفسير: تساعدنا على تفسير المعلومات الجديدة وفهمها بما يتناسب مع طبيعة المخطط المتوفر لدى الفرد.

4- التكامل: تخضع المخططات العقلية لمبدأ التكامل بين خبرات الفرد ومعارفه المختلفة، ويعد التكامل سمة من سمات معالجة المعلومات في البناء المعرفي، وعلى هذا الأساس يحدث تمثيل تكاملي يعتمد على الاختيار السليم، والتجريد( المعنى)، والتفسير لتتحقق الصورة التكاملية للمخطط العقلي.

  

 

  

 

 

 

  


المقياس : مخاطر المخدرات

السداســــــي: الســــــــــادس

التخصـــص: أرطـــوفونـــــيا

من إعدادالأستاذة: حمري
hhasarah@gmail.com 

محاضرات مقياس علم النفس المعرفي/ السنة الثالثة أرطفونيا 

جامعة وهران2 محمد بن أحمد

قسم علم النفس والأرطفونيا

أ د :  طالب سوسن

 

محاضرة الانتباه

 

تمهيد :

     يعد الانتباه أول عملية نمارسها عند تعاملنا مع مثيرات البيئة الحسية قبل الادراك ويصبح الهدف من وراء ذلك هو التعرف على طبيعة المثيرات المتواجدة في النظام الحسي للفرد من أجل تحديد أي منها سوف يتم الاهتمام بها ومعالجتها وإدراكها .

والإنسان لا يستطيع أن يتعامل مع كم هائل من المثيرات الحسية عبر الحواس الخمسة، ولكن عملية الانتباه تساعده على انتقاء المثيرات التي يريدها ويعزل الأخرى مما يسمح لها بدخول نظام المعالجة فتصبح عملية الادراك ممكنة .

العلاقة بين الاحساس والانتباه والإدراك :

الاحساس: يحدث الاحساس عندما يستقبل أي عضو من أعضاء الحس كالعين أو الأذن أو الأنف أوغيرها مثيرا منبّها مشيرا إلى حدوث شيء ما في البيئة المحيطة بالإنسان كأن يسمع صوت طرق على الباب.

هذه  الأصوات تنتقل على شكل موجات في الفضاء فترتطم بصوان الأذن فتعبر القناة السمعية عبر الطبلة إلى الأذن الوسطى فالداخلية .

الانتباه : يبدأ الانتباه دوره عند وصول كم هائل من المثيرات إلى الدماغ ليقرر أي المثيرات يهتم بها وأيها يهملها .

الادراك : ينطلق عمله بعد الانتباه حيث يتم تحليل المثيرات القادمة وترميزها وتفسيرها في نظام المعالجة المعرفي إلى غاية ظهور الاستجابة 


تعريف الانتباه :

تعريف عالم النفس الأمريكي وليم جيمس William James: عملية تركيز الوعي أو الشعور على الاحساسات الناتجة عن بفعل المثيرات الخارجية، أو تلك الصادرة من داخل الفرد.

تعريف تتشنر Tichner : عملية اختيارية تعتمد على تركيز الوعي أو الشعور بمثير أو حدث معين دون غيره من المثيرات الأخرى .

تعريف ستنربرغ Sternberg  2003: أن الانتباه هو القدرة على التعامل مع كميات محدودة من المعلومات منتقاة من كم هائل من المعلومات التي تزودنا بها الحواس أو الذاكرة .

أنواع الانتباه :

1- الانتباه الارادي الانتقائي : يكون هذا النوع إراديا حيث يحاول الفرد تركيز انتباهه على مثير واحد من بين عدة مثيرات ويكون انتقائيا؛ بسبب محدودية الطاقة العقلية ومحدودية سعة التخزين وسرعة معالجة المعلومات، كما يتطلب جهدا وطاقة .  

مثال على ذلك : كأن يستمع طالب علم النفس العيادي السنة الثالثة إلى المحاضرة الأولى في مقياس جديد كمقياس الاضطرابات السيكوسوماتية فإن ذلك يتطلب جهدا عقليا وتركيزا جيدين .

2- الانتباه الارادي القسري: يكون هذا النوع لا إراديا وقسريا حيث يركز الفرد انتباهه على مثير يفرض نفسه عليه ودون بذل جهد عالٍ للاختيار بين المثيرات إلى درجة يصبح فيها الانتباه وكأنه لا شعوري وقسري .

مثال على ذلك : الانتباه لصوت بكاء رضيع  ليلا .

3-  الانتباه الانتقائي التلقائي : هو الانتباه لمثير يُشبع حاجات الفرد ودوافعه، حيث يركز الفرد انتباهه على مثير واحد من بين عدة مثيرات بسهولة تامة .

     مثال على ذلك : مشاهدة تشاهد برنامجها التلفزيوني المفضل حول فن الطبخ وتنتظره كل نهاية أسبوع وعلى ساعة محددة .

طبيعة عملية الانتباه :

   لقد تعددت وجهات النظر حول طبيعة الانتباه وخصائصه ويمكن ذكر أبرزها :

1-  يُنظر للانتباه على أنه عملية اختيار تنفيذية لحدث أو مثير والتركيز فيه من أجل معالجته في نظام معالجة المعلومات .

2-  يُنظر إليه أنه عملية شعورية تتمثل في تركيز الوعي أو الشعور في مثير معين دون غيره، والانتباه إليه على نحو انتقائي إلى غاية معالجته، كما يمكن أن تصبح عملية لا شعورية أو أوتوماتيكية في حالة الممارسة المكثفة لبعض المثيرات.

3-  هناك من يرى أن الانتباه مجهودأو حالة استثارة تحدث عندما تصل الانطباعات الحسية عبر الحواس إلى الذاكرة الحسية كأن يقوم الفرد بعمليات حسابية أو أثناء مناقشة موضوع ما؛ فغالبا ما يبذل هؤلاء جهدا عقليا يترافق بتغيرات فسيولوجية وهذا ما دلت عليه المقاييس الخاصة كقياس قطر بؤبؤ العين للدلالة على الانتباه أثناء الانشغال العقلي من خلال التجارب الشهيرة لكل من كاهنمان Kahneman 1973  وبيتي وواجنرBeatty&Wagoner 1978 .

4-  يُنظر إلى الانتباه على أنه طاقة محدودة " Limmited Energy " أو مصدر محدود السعة لا يمكن تشتيتها لتنفيذ أكثر من مهمة بنفس الوقت.

مثال: لا يستطيع الفرد التحدث إلى شخصين في آن واحد أو حل مسألة جبرية وإجراء مكالمة هاتفية معا .

يقترح سولسو Solso (1991،1998) أنه نظرا لكثرة المثيرات الحسية التي يواجهها الفرد وبالرغم من الوعي والإحساس بها إلا أن قدرة الدماغ لا تسمح بمعالجتها جميعا لمحدودية طاقة نظام معالجتها.

 

تجارب الاستماع الموزع Dichotic Listening Procedure:

 في دراسة تشيري Cherry سنة 1953 طُلب من مفحوصين وضع سماعة على كل أذن والاستماع إلى رسالتين صوتيتين مختلفتين مع ضرورة التركيز على إحدى الرسالتين، وكانت النتيجة أن المفحوصين تمكنوا من الاجابة بدرجة جيدة على المعلومات التي سمعت في الأذن التي طُلب منهم التركيز عليها، في حين لم يتذكرو من الرسالة الأخرى سوى معلومات سطحية كنوع الصوت ( صوت امرأة أو رجل) أو طبيعة الصوت ( انسان أو ضجيج ) .

تجارب تكنيك Shadowing technique  :

  أشار إليس Eliss وهنت Hunt إلى دراسات أجريت في السبعينات من القرن العشرين استخدمت نفس الاجراءات السابقة لدراسة تشيري ولكن طُلب من المفحوصين التركيز على رسالة عديمة المعنى مقابل رسالة أخرى ذات معنى في الأذن الأخرى .

فكانت النتيجة عدم تمكن المفحوصين من الاجابة على محتوى الرسالة عديمة المعنى رغم تركيزهم عليها لكنهم استطاعوا الاجابة على أسئلة من الرسالة الأخرى ذات المعنى رغم عدم تركيزهم عليها.

   تؤكد هذه التجارب التي أجريت في الخمسينات والسبعينات أن هناك نموذجان للانتباه :

- النموذج القديم الذي يؤكد أن الانتباه يحدث في الحواس أن الفرد يمارس الاختيار على المعلومات الحسية ليتم التعرف عليها وتحليلها والاستجابة لها .

-النموذج الحديث الذي يؤكد أن الانتباه يحدث في الدماغ وأن الفرد يُمارس نوعاً من التعرف والتحليل قبل عملية الانتباه للمثيرات المرغوبة ( شعوريا أو لا شعوريا ) لتتم عملية الادراك فالاستجابة .

نظريات الانتباه:

1 - نظرية القدرة غير المحددة Unlimited Capacity Theory :

     أكد جاردنر Gardner أن الأفراد لديهم القدرة على المعالجة من خلال القنوات المتوازية وأن هذه القدرة غير محدودة، كما تشير هذه النظرية إلى أن الدماغ لديه القدرة على الانتباه لعدد كبير من المثيرات وإجراء المعالجة اللاّزمة في الذاكرة العاملة .

2- نظرية القدرة المحدودة Limited Capacity Theory :

    أكد كانمان Kahnman أن أي عملية معرفية تتطلب كمية من الطاقة العقلية والقدرة على المعالجة ، كما أكدت النظرية على أن بعض الأنشطة المعرفية المعروفة والمألوفة تحتاج كميات محدودة من الطاقة وبعض الأنشطة الصعبة تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة من أجل المعالجة .

3- نظرية تخصيص المواردResources Allocation Theory  :

اتفق نورمان وبوبرو Norman&Bobrow  وكانمان في محدودية القدرات والطاقة المتوفرة للانتباه والمعالجة المعرفية، وأكد أن هذه المحدودية تنشأ عن القيام بمهام محدودة المعلومات أو مهام محدودة الموارد.

فإذا كانت المهمة محدودة المعلومات فإنه يتم تخصيص الموارد المتاحة لأداء أكثر من مهمة دون أن يتأثر الأداء في المهمة الرئيسية، أما إذا كانت المهمة محدودة المعلومات فسوف يتم استخدام جميع الموارد المتاحة مما يعني انخفاضا على مستوى الأداء لا سيما إن وجدت مهمات أخرى .

4- نظرية المدخلات المتعددة Multi Mode Theory:

أكد صاحبا النظرية جونستون Johnston وهاينزHeinz على دور الوعي والذاكرة الفاعلة كعناصر هامة في توجيه الانتباه الانتقائي، وقد أكدت هذه النظرية على أن المدخلات الحسية يتم معالجتها وتخزينها في الذاكرة الفاعلة وفق أولويات يفرضها نظام معالجة المعلومات الأمر الذي يوفر لهذه المعلومات فرصة للدخول في الوعي والخبرة مقارنة بتلك التي لا يتوفر لها أي أولويات في حالة الانتباه غير الانتقائي .

 

5-  نظرية المعالجة عديدة القنوات Multi chain Processing Theory:

  اقترح ألبرت Allportأن محدودية الانتباه تعود إلى أن المهام المطلوبة تتنافس عليها آليات آليات عديدة، فإذا كانت لدينا قناة مخصصة للتعامل مع معلومة ما فإنها لن تتمكن من التعامل مع معلومة أخرى في نفس الوقت كأن أسمع لشخصين في آن واحد، بينما يمكن أن يتم الانتباه والمعالجة لمثيرين على حاستين مختلفتين كالسمع والبصر.

وظائف الانتباه: يمكن تلخيص وظائف الانتباه كالآتي:

- توجيه عمليات التعلم والتذكر والإدراك من خلال التركيز على المثيرات التي تساهم في زيادة فعالية التعلم والإدراك .

- تعلم عزل المثيرات التي تعيق عمليات التعلم والتذكر والإدراك ( مشتتات الانتباه ) من خلال التركيز عليها .

- توجيه الحواس نحو المثيرات التي تخدم عملية الانتباه من خلال  حركة الرأس والعينين والأذنين والأطراف إلى مصادر المثيرات البيئية .

- يعمل الانتباه على تنظيم البيئة المحيطة للإنسان فالانتباه لا يسمح بتراكم المثيرات الحسية على حاسة واحدة فقط .

وفي هذا الصدد فقد أشار ستنبرغ Sternberg (2003) إلى ثلاثة وظائف للانتباه وهي:

أ/ الانتباه الموجه Signal Attention: ويتمثل في محاولة الفرد البحث عن حدوث مثير حسي في البيئة التي تحيط به كأن يبحث عن مصدر صوت انفجار.

ب/ الانتباه الانتقائي Selective Attention: ويتمثل في اختيار المثير الذي نرغب في الانتباه له والمثيرات التي نريد إهمالها كأن نختار مشاهدة فيلم وثائقي بدلا من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي .

ج/ الانتباه المقسم (Divided Attention): يتجلى ذلك عندما يُقرر الفرد الانتباه لأكثر من مهمة في نفس الوقت من خلال متابعة أكثر من مهمة ولكن بطريقة تتابعية .

 

مراحل الانتباه :

 تتضمن عملية الانتباه ثلاث مراحل تتمثل في مرحلة الكشف أو الاحساس فمرحلة التعرف فمرحلة الاستجابة للمثير الحسي .

أولا : مرحلة الكشف أو الاحساس:  

في هذه المرحلة يحاول الفرد أن يكشف عن وجود أي مثيرات حسية في البيئة المحيطة به من خلال حواسه الخمسة، وتعرف هذه المرحلة بالانتباه الموجه .

      ثانيا : مرحلة التعرف:

يُحاول الفرد التعرف على طبيعة المثيرات من حيث شدتها ونوعها وحجمها أو عددها وأهميتها

بالنسبة إليه؛ ويعد نشاطا معرفيا أوليا يتطلب تفحص ومعالجة بدائية للمثيرات لتحديد مدى الحاجة إليها أو الاستمرار في استقبالها.

ثالثا : مرحلة الاستجابة للمثير الحسّي:

 وتتمثل في اختيار الفرد لمثير معين من بين عدّة مثيرات حسّية على نفس القناة الحسية وتهيئة هذا المثير للمعالجة المعرفية الموسعة التي غالبا ما تحدث في الذاكرة القصيرة أو الفاعلة ضمن عملية الإدراك.

العوامل المؤثرة في عملية الادراك :   

  هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على عملية الانتباه يمكن تقسيمها إلى نوعين عوامل خارجية وأخرى داخلية .

العوامل الخارجية :

1 - شدة المثير من حيث القوة واللون والرائحة والصوت أو الضوء أو الحركة التي تعمل على جذب الانتباه كأن تنتبه لرائحة عطر زكي .

2- حداثة المثير فالمثير الجديد أو الشّاذ أو غير المألوف يجذب انتباه الانسان ( سيارة جديدة ) .

3 - تغير المثير فالمثيرات المتغيرة من حيث لونها أو شكلها أو شدتها أو سرعتها تعمل على جذب الانتباه أكثر من المثيرات الثابتة .

4 - المثيرات الشرطية التي تكونت بفعل الاشتراط تثير انتباهنا أكثر من غيرها كأن تسمع اسمك في وسط حشد من الناس .

العوامل الداخلية :

1 - الاهتمامات والميول والقيم فاهتمامات الفرد وميوله تحدد نوع المثيرات التي تجذب انتباهه فقد يثير اهتمام الطالب المقبل على اجتياز امتحان البكالويا حصة تلفزيونية يُبث فيها دروس الفصل الثالث ؛ كذلك قد يهتم شخص آخر بمواضيع سياسية أو علمية .

2 - يؤثر الحرمان النفسي والجسدي على قدرة الانسان على الانتباه فإذا كان متعبا مرهقا أو في حالة حزن فإن قدرته على الانتباه والتركيز تصبح منخفضة جدا .

3 - إن مستوى الدافعية الداخلية والاعتدال في الاستثارة يضمنان مستوى جيد من الانتباه الذي يؤثر بدوره على عملية التعلم وغيابهما يحدّان من القدرة على الانتباه .

4 - تؤثّر السمات الشخصية على الانتباه وقد أشارت نتائج الدراسات أن الشخص المنبسط الاجتماعي والذي يشعر بالاطمئنان والذّكي ذو النمط - ب - أكثر قدرة على تركيز الانتباه من المنطوي والقلق والأقل ذكاء ذي النمط - أ- .

 

الانتباه والتعرف على العناصر ( آلية حدوث الانتباه ) :

  تساءل علماء النفس المعرفي حول آلية حدوث الانتباه فانبثقت نظريتين : نظرية النماذج المتقابلة و نظرية تحليل العناصر .

نظرية النماذج المتقابلة Template Matching Theory : تؤكد هذه النظرية أن كل ما يدخل الحواس يصل الدماغ ويجب مقابلته مع معلومات أو نماذج مشابهة لهذه المثيرات في ذاكرة الانسان وتعرف باسم مرحلة التعرف، فإذا حدث تطابق بين نموذج المثير ونموذج آخر في الذاكرة يحدث التعرف وتتم الاستجابة له، أما إذا لم يحدث التطابق فلا يحدث الادراك ويتشتت الانتباه دون حدوث الاستجابة .

وعليه فقد افترضت هذه النظرية ثلات افتراضات لحدوث التطابق وهي :

1 - أن يكون لكل مثير في البيئة نموذجا مماثلا في الدماغ أو ذاكرة الانسان .

2 - أن يكون المثير والنموذج بنفس التوجه لحدوث التطابق .

3 - أن تكون المثيرات بنفس الأحجام والأشكال لحدوث التطابق .

والشكلين المواليين سوف يوضحان حالتي التطابق وعدم التطابق .                                                                     

نظرية تحليل العناصر (Feature Analysis Theory): تؤكد هذه النظرية على أن لكل مثير في البيئة مجموعة من العناصر الأولية، وأن ما تتم مطابقته مع نماذج الذاكرة هو العناصر الأولية للمثير وليس المثير كاملا ، وعند وصول عناصر المثير كاملة يتم تجميعها ومطابقتها مع المثير الأصلي الوارد في البيئة .   

في هذا الصدد يذكر بسكيست Buskist وغيربينك Gerbing 1990 أن هناك أربع خطوات عند تحليل المثير إلى عناصره الأولية وهي :

1 - تحديد المثير الذي تم استقباله من البيئة .

2 - تحليل المثير إلى عناصره الأولية .

3 - البحث عن عناصر مشابهة لعناصر المثير البيئي في الذاكرة .

4 - تقويم عملية البحث ليتوصل الفرد إلى حالة التطابق أو عدم التطابق .

 

التعرف على العناصر والسياق :

   يتأثر التعرف لدى الفرد على العناصر بالسياق الذي يرد فيه المثير وذلك لأن الفرد بحكم الخبرة السابقة قد يضيف  مكونات جديدة على المثير ليست منه أصلا أو قد يكمل بعض العناصر الناقصة على المثير ما يُظهر أثر التعرف على الذاكرة والإدراك .

ففي الشكل الموالي تقرأ السطر الأول  العمودي على أنه الأرقام : 12 - 13 - 14 بينما تقرأ في السطر الثاني الأفقي الرقم 13 على أنه الحرف B  بفعل السياق الذي وردت فيه وهو ثلاثة حروف: A B C .

 تأثير السياق على الانتباه والإدراك

نماذج الفلترة ( الانتباه الانتقائي ) :

 السؤال الذي يمكن طرحه قبل عرض هذه النماذج هو كالآتي ما الذي يقوم به الانتباه قبل معالجة المعلومات وترميزها وتحليلها خلال عملية الادراك ؟

إن فكرة محدودية نظم معالجة المعلومات ومحدودية سعة الذاكرة أدى إلى التسليم بوجود نوع من الانتباه الانتقائي وعليه ظهرت نماذج أطلق عليها اسم نماذج الفلترة ( المصفاة ) أهمها :

1- نموذج برودبنت  Broadbent سنة 1958  للفلترة(المصفاة) المبكرة : أساس هذه النظرية هو انتباه الانسان للمثيرات القادمة عبر القنوات الحسية محدود وانتقائي حيث توجد مصفاة داخل الانسان تحذف أو تبعد المثيرات التي لا ينتبه إليها؛ وقد صمم نموذجه على افتراضين تمثلا فيما يلي :

أ/ أن هناك عدد من المحددات على عدد من المثيرات التي يستطيع الجهاز العصبي نقلها في وقت محدد بسبب حساسية الألياف العصبية الناقلة للمعلومات .

ب/ أن الأجزاء السفلية من الدماغ تستقبل العديد من المثيرات ولكن عددا محددا منها يستطيع الوصول إلى المناطق العليا من الدماغ تمهيدا لمعالجتها .

  ومن خلال هذين الافتراضين يتبين أن هناك بعض المعلومات يتم فقدانها أو نسيانها في المراحل الأولية من الفلترة ( التصفية ) ولا تتم معالجتها في المراحل اللاّحقة من المعالجة ، وقد شبه برودبنت هذه العملية بــــ : عنق الزجاجة Bottleneck Approach  أو فلترة الاضعاف .

   ويقصد بالمصفاة وجود شيء يشبه الغربال يتوسط بين ذاكرة الأثر وهي الذاكرة التي لا تبقى فيها المنبهات التي يستقبلها الكائن الانساني أكثر من ثانيتين، وبين الذاكرة القصيرة المدى وهي الذاكرة التي لا تبقى فيها المنبهات أكثر من 20 دقيقة تقريبا، وهذه المصفاة تسمح بدخول بعض المعلومات من الأثر إلى الذاكرة قصيرة المدى، وعادة ما تكون المعلومات ذات أهمية بالنسبة للإنسان.

 

2 - نموذج الاضعاف لتريزمان  Treisman سنة 1960: إن الأساس الذي استندت إليه تريزمان في تفسير نظريتها هو أنه من الممكن أن تمر بعض المعلومات غير المنتبه إليها من المصفاة عبر القناة، وتعتمد هذه النظرية على الأسس التالية :

 - إن المصفاة ( الفلتر ) الانتقائية لا تعمل بطريقة الكل أو اللاّشيء بل هناك احتمال قائم في أن بعض المعلومات غير المنتبه لها يمكن أن تعبر هذه القناة .

- إن مفهوم المصفاة يكون فيه نوع من الاحتمال أي احتمال نسبة عالية من المعلومات في القناة المنتبه لها سوف يتم الانتباه إليها والتعرف عليها، ونسبة قليلة من المعلومات في القناة غير المنتبه لها سوف يتم الانتباه إليها والتعرف عليها أيضا .

وقد صنفت الانتباه إلى مستويين الأول يعتمد على وجود القنوات الحسية المحددة للمعلومات، والمستوى الثاني يعتمد على تعرف معاني هذه المعلومات قبل رفضها أو قبولها ومعنى ذلك أن الجزء المهم من المعلومة يكون باتصال مباشر مع الذاكرة، أما المعلومة غير المهمة فييتم إضعافها أو تخفيفها .

3 - نموذج دتش- نورمان Deutch - Norman  في الفلترة المتأخرة (1968): ترى هذه النظرية بأن المعلومات يتم التعرف عليها قبل حدوث عملية الانتباه إذ تتلقى معالجة إدراكية  (تحليل) من خلال إثارة دلائلها وتمثيلاتها في الذاكرة ، وأن عملية الانتباه تتم من خلال انتقاء المعلومات التي يتم التعرف عليها والتي تلقت معالجة تحليلية في الذاكرة، فالمدخلات التي تستقبل ترسل حيث تحصل عملية التعرف من خلال تحليل وتأويل دلالاتها وتمثيلاتها، وبعد أن تتم عملية التعرف يحدث الانتباه للمعلومات المنتقاة .

 

الانتباه والتعلم :

من أجل حدوث تعلم جيّد لابد من انتباه جيّد لأنه شرط ضروري لحدوث الادراك الفعّال وفي هذا الصدد أشار علماء النفس المعاصرون والمختصون في مجال التعلم والتعليم أن الفرد لا يمكنه أن يتعلم ما لم ينتبه، فلكي يحدث التعلم يستلزم توافر الانتباه أولا والمحافظة عليه ثانيا .

يُمكن الانتباه الانسان من التذكر كما يساعده على التفكير والتخيل ولكن الأشخاص الذين يعانون

من مشاكل في الانتباه كأن يكون لديهم ضعفا على مستوى التركيز أو تشتتا للانتباه فغالبا ما يعانون من صعوبات في التعلم لعدم تمكنهم من الاستفادة من مواقف ومثيرات التعلم مقارنة بأقرانهم ذوي الانتباه الجيد ويشكلون عائقا أمام عملية التدريس والمدرس .

ولهذا نجد المعلمون والأساتذة يحاولون جذب انتباه تلامذتهم وطلابهم لمواكبة مستوى التعلم الجيد                                               

بحثا عما يؤثّر على نفسيتهم ويؤثّر على انتباههم وتركيزهم واستمراره أثناء الحصة التدريسية هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى فعلى هؤلاء المربون والمدرسون اتقان فنيات ومهارات استثارة وجذب انتباه تلامذتهم وطلابهم نحو المواد التعليمية كاستخدام لغة الجسد ، توظيف الألوان ، تقديم رسومات ومخططات ، استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم وغيرها ...

 

تشتت الانتباه وفرط الحركة  Attention Deficit-Hyperactivity Didorder   (ADHD):

   يتميز الأطفال الذين يعانون من اضطراب الانتباه وفرط الحركة بمجموعة من الأعراض فإذا توفرت ثماني من هذه الخصائص ولمدة ستة أشهر على الأقل فيمكن تشخيص الطفل بهذا الاضطراب .

ومن هذه الخصائص أو الأعراض ما يلي :

1 - يمكن تشتيت انتباهه بسهولة .

2 - يجد صعوبة في انتظار دوره في لعبة جماعية .

3 - يجد صعوبة للبقاء جالسا على مقعده لفترة من الزمن .

4 - لديه صعوبة في اتباع التعليمات .

5 - يتنقل بين مهمة وأخرى دون أن يكمل أيًّا منهما .

6 - يجد صعوبة في اللعب بهدوء .

7 - الاجابة على الأسئلة قبل الانتهاء من سماعها .

8 - كثير الكلام .

9 - يجد صعوبة في الاستماع ( الانصات ) .

10 - يفقد أغراضه الضرورية للدراسة أو اللعب .

11 - كثير الحركة على مقعده .

 12 - تتحرك أطرافه بشكل ملحوظ أثناء نشاط ما .

    إن مثل هؤلاء الأطفال بحاجة إلى عناية خاصة مع ضرورة توفير أقسام خاصة لتحقيق أهداف التعلم والتعليم ، ومن الجدير بالذكر أن هذا الاضطراب لا يمكن اعتباره مقياسا دالا على

 انخفاض الذكاء بل هناك حالات تمتاز بذكاء مرتفع ؛ كما تشير بعض الدراسات إلى ارتباطه ببعض المشكلات النفسية ، ودراسات أخرى تشير إلى ارتباطه باضطرابات دماغية .

ملاحظة : من أجل توسيع المفاهيم والمعلومات بشأن موضوع الانتباه  وصور ومخططات بشأنه وبشأن موضوعات علم النفس المعرفي عموما يمكن العودة إلى المراجع التالية:

- رافع النصير الزغلول ، عماد عبد الرحيم الزغلول،(2011).علم النفس المعرفي. ط1 .

   دار الشروق للنشر والتوزيع. الأردن .

- شذى عبد الباقي محمد ، مصطفى محمد عيسى، (2011).إتجاهات حديثة في علم النفس المعرفي. ط1 . دار المسيرة للنشر والتوزيع .عمان، الأردن.

- عدنان يوسف العتوم،(2012).علم النفس المعرفي النظرية والتطبيق. ط3 . دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة. عمان، الأردن .  

 

 

 

 

         

               

                                                                                                      

 


محاضرات في مقياس علم النفس المعرفي

السنة الثالثة أرطفونيا ( ليسانس )

قسم علم النفس والأرطفونيا

أ د: طالب سوسن

 

الادراك La perception

تمهيد:

 نال موضوع الادراك اهتمام علماء النفس عامة وعلماء النفس المعرفيون بصورة خاصة، لارتباطه بحياة الناس فالإنسان يتعامل يوميا كم هائل من المثيرات تستوجب منه الفهم والتفسير والتحليل وأحيانا أخرى الاستجابة، وهي عملية معرفية لا تقل أهمية عن الانتباه تساعد الفرد على فهم محيطه الخارجي والتكيّف معه، ويعد جزءً مهما من نظام معالجة المعلومات إذ ينطوي على عمليات الاحساس بمثيرات البيئة الخارجية ثم الانتباه لها فإدراكها .

الاحساس والإدراك:

   لا يمكن فصل الادراك عن الاحساس فلا يمكن حدوث الادراك دون أن تتم عملية الاحساس فالإحساس عملية فيزيولوجية تتمثل في استقبال الإثارة الحسّية من العالم الخارجي وتحويلها إلى نبضات كهروعصبية في الجملة العصبية ،أما الادراك فيتمثل في تفسير هذه النبضات وإعطائها المعاني الخاصة بها وهو عملية حسية ترتبط بالإحساس من جهة وبالتفكير والتذكر من جهة أخرى، فالانطباعات الحسية ترتكز على ما تم تخزينه في الذاكرة من خبرات ومعاني وغيرها .

فقولي أن هذا الحساء ساخن هو أنني شعرت أو أحسست من خلال حاسة الذوق بالحرارة فقدمت معنى وتفسير لهذا  فقلت إنه ساخن بالعودة إلى خبرة سابقة .

تعريف الادراك:

يكاد يتفق علماء النفس على مفهوم واحد للإدراك وهو أنه محاولة فهم العالم من حولنا من خلال تفسير المعلومات القادمة من الحواس إلى الدماغ الانساني .

تعريف سولسو (Solso) (1988): أنه فرع يرتبط بفهم المثيرات الحسية والتّنبؤ بها .

تعريف أندرسون ( Anderson) (1995): أنه محاولة تفسير المعلومات التي تصل إلى الدّماغ .

تعريف ستيرنبرغ (Stenberg) (2003): أنه العملية التي من خلالها يتم التعرف على المثيرات الحسية القادمة من الحواس وتنظيمها وفهمها .

 نظريات الإدراك :

تختلف النظرة إلى طبيعة الإدراك من حيث اعتباره عملية مباشرة، أو عملية معالجة داخلية ، إذ توجد و نظريتين مختلفتين وهما :

النظرية البيئية  (Direct or Ecological Perspective):

   من روادها جبسن (Gibson)(1979)  وتورفي وريد وميس(Turvey، Reed ،Mace)؛ ينظر هؤلاء إلى أن الادراك عملية مباشرة لاشعورية آلية تعتمد بالدرجة الأولى على خصائص الأشياء الموجودة في العالم الخارجي والتي تزودنا بها الطاقة المنبعثة عنها،فالإثارة الحسية التي تحدثها الطاقة المنبعثة عن الأشياء فيها من الخصائص ما يكفي لتمييزها والتعرف عليها دون تدخل النظام الإدراكي لإجراء عمليات داخلية وسيطة، فالضوء المنعكس عن الشّيء الخارجي مثلا يتضمن مجموعة من الخصائص والمعلومات ما يكفي لتمييزه والتعرف عليه .

ووفقا لهذه النظرية فإن النظام الإدراكي لدينا " سلبي " Passive تتجلى مهمته في التقاط خصائص الأشياء والحوادث الخارجية وتجميعها كما يتم التزود بها من خلال المجسمات الحسية دون أن يُجري عليها أي تحويلات أو معالجات، وتؤكد وجهة النظر هذه أن الخطأ في الادراك يعود بالدرجة الأولى إلى عوامل عدّة منها ما يرتبط بخصائص الأشياء كأن تكون غامضة أو لنقص في المعلومات حولها، وبعضها الآخر يرتبط بخصائص الفرد كالشعور بالتعب والتوتر .

النظرية البنائية (Constructed Perspective) :

    من روادها  هلمهولتز (Helmholtz)(1962-1866) ومار(MARR) (1982) وألمان(Ulman) (1980) وبست (Best) (1995)؛ تؤكد هذه النظرية على الطبيعة البنائية للإدراك حيث تفترض أن الادراك عملية تقدير تخمينية للأشياء وليست مجرد عملية مباشرة تقوم على التقاط الخصائص التي تزودنا بها الطاقة المنبعثة على الأشياء؛ فالانطباع الحسي يخضع إلى عملية معالجة داخلية تعتمد على استخدام مصادر إضافية من المعلومات يتم التزود بها من خلال النظام الإدراكي اعتمادا على طبيعة العمليات المعرفية المستخدمة في المعالجة والخبرات السابقة المخزنة في الذاكرة.

فالإدراك يعتمد على مجموعة واسعة من المعلومات بعضها يقع في مجال الاحساس وبعضها الآخر يقع خارج مجاله إذ لابد من وجود آلية معرفية تتضمن إضافة بعض المعلومات إلى المنبهات الخارجية لتسهيل فهمها أو إدراكها .

خصائص الإدراك :

- يعتمد الادراك على المعرفة والخبرات السابقة إذ تشكل الاطار المرجعي الذي يرجع إليه الفرد في إدراكه وتمييزه للأشياء التي يتفاعل معها .

- الادراك هو بمثابة عملية استدلال ففي كثير من الأحيان تكون المعلومات الحسية المتعلقة بالأشياء ناقصة أو غير واضحة الأمر الذي يدفع نظامنا الادراكي إلى استخدام ما هو متوفر كمعلومات للاستدلال والاستنتاج .

- الادراك عملية تصنيفية فعادة ما يلجأ الأفراد إلى تجميع الاحساسات المختلفة في فئة معينة اعتمادا على خصائص مشتركة بينها الأمر الذي يُسهّل إدراكها، فمن لم ير من قبل الببغاء فمن السهل عليه إدراكه كطائر لوجود خصائص مشتركة بينه وبين طيور أخرى .

- الادراك عملية علائقية ( ارتباطية ) لأن مجرد توفر خصائص معينة في الأشياء غير كافٍ لإدراكها، إذ يتطلب الأمر تحديد طبيعة العلاقات بين هذه الخصائص، فارتباط الخصائص على نحو متناغم ومتماسك يسهل عملية إدراكها.

- الادراك أوتوماتيكية تتم على نحو لا شعوري ولكن نتائجها شعورية فلا يمكن ملاحظتها أثناء حدوثها ولكن يمكن ملاحظة نتائجها .

- الادراك عملية تكيفية، فنظامنا المعرفي يمتاز بالمرونة والقدرة على توجيه الانتباه والتركيز على المعلومات الأكثر أهمية لمعالجة موقف معين، أو التركيز على جوانب أو خصائص من ذلك الموقف ، إن هذه الخاصية تتح لنا إمكانية الاستجابة السريعة لأي تهديد محتمل .  

أبعاد الادراك:

  الادراك عملية نفسية معقدة تتألف من ثلاثة أبعاد مترابطة فيما بينها وهي كالآتي:

• العمليات الحسية: تتمثل في استثارة الخلايا الحسية التي تستقبل المنبهات الخارجية وتعتمد في ذلك على شدة الطاقة المنبعثة عن المثيرات الخارجية، فإذا كانت هذه الطاقة أقل من مستوى عتبة الاحساس فمن الصعب حدوث الاستثارة لعضو الحس المستقبل.

 • العمليات الرمزية: تتمثل في المعاني والصور الذهنية التي يتم تشكيلها للمنبهات الخارجية في ضوء ما تثيره العمليات الحسية فينا، فالإحساسات عادة لا يتم التعامل معها بصورتها الأولية وإنما يتم تحويلها إلى معاني أو رموز أو صور .

العمليات الانفعالية: يترافق الاحساس عادة بحالة انفعالية تتمثل في طبيعة الشعور نحو الأشياء اعتمادا على خبرات سابقة، فعند رؤيتنا مشهد أو منظر معين فقد يثير مشاعر وجدانية معينة ( فرح ، حزن، غضب ) أو يثير لدين ذكريات سعيدة أو تعيسة.

الادراك البصري والسمعي :

الادراك البصري(Visual Perception): يعتمد الطفل حديث الولادة في ادراكه على حواس الذّوق والشّم واللّمس كونها الأكثر تطورا إلا أنه بعد بضعة أسابيع يبدأ باستخدام جميع حواسه سواءً منفردة أو بتفاعل أكثر من حاسة .

 يستطيع الأطفال في عمر عشرة (10) أسابيع إطالة النظر إلى المثيرات ذات الثلاثة أبعاد فقد أشارت تجربة الجرف البصري (Visual cliff) أن الأطفال قادرون على إدراك العمق حيث أطفال الستة أشهر تجنبا للحبو أو الحركة فوق اللّوح الزّجاجي رغم اغراءات الأم لطفلها من أجل الحركة .

   يتم الاحساس البصري من خلال انعكاس الأشعة عن الأجسام إلى عدسة العين ثم إلى الشبكية التي تحتوي على العديد من الخلايا التي تستجيب للضوء، حيث تعمل هذه الخلايا على نقل الصور المنعكسة إلى طاقة عصبية بواسطة الخلايا العصوية والمخروطية، تنتقل هذه الطاقة عبر العصب البصري في الدماغ .

ويساعد الادراك البصري عدد من المفاتيح منها: حركة الرأس التي تسمح بمتابعة المثيرات البصرية وتغطية أوسع للمجال البصري ، كما أن وجود العينين معا يسمح بإدراك الأجسام بأكثر من بعدين أو ما يعرف بإدراك العمق فالصور تنطبع على الشبكية ثنائية الأبعاد وعند وصول الاشارات العصبية من العينين إلى الدماغ، يستطيع الدماغ بفضل المعلومات المتوفرة عن الضّوء، والظلال وتقدير حجم المثير إدراك البعد الثالث ، كما يُساعد وجود العينين معا على زيادة حجم المجال البصري بحوالي 20 - 30 درجة .

الادراك السمعي (Auditory Perception): يحتل السمع مكانة هامة في إدراك الانسان خلال أحداث حياته، وبفضل السمع يستطيع الانسان التميز بين الأفراد وتجنب الأخطار كما يلعب دورا جوهريا في عملية تلقي واكتساب المعرفة .

  يتم الاحساس السمعي عندما ينتقل الصوت على شكل أمواج ميكانيكية تنتقل في الفضاء، ونتيجة للضغط والتخلخل تتحرك هذه الأمواج فيقوم صوان الأذن بتجميع أكبر قدر منها وتمريرها من خلال طبلة الأذن إلى الأذن الوسطى فالأذن الداخلية إلى أن تصل إلى القوقعة التي تحتوي خلايا حسية مستقبلة للموجات الصوتية فتستقبلها وتقوم بتحويلها إلى طاقة عصبية عبر العصب السمعي حتى تصل إلى دماغ الانسان.  

العوامل المؤثرة في الادراك:

1 - العوامل الخارجية : انبثقت معظم هذه العوامل من نظرية الجشتلت  التي ظهرت على يد ماكس فريتماير في بداية القرن 20 في ألمانيا وتعد ثورة علمية على النظريات السلوكية والمدرسة البنائية التي تؤكد على ضرورة تحليل الظاهرة النفسية إلى أجزاء من أجل فهمها وإدراكها، فهي ترى أن مجموعة العناصر تشكل كلا متكاملا ومتناسقا يشمل معنى معين أو يؤدي وظيفة معينة، فهي تؤكد على ضرورة دراسة الخبرة النفسية ضمن السياق الكلي الذي توجد فيه.

أ / الصورة والخلفية (Figure and Ground):

   يعتبر المثير البصري وحدة منظمة تتكون من صورة (شكل) وخلفية (حواف)، فالصورة مزيج لتفاعل عناصر الصورة والخلفية معا، وغالبا ما تتميز حدود الخلفية عن الصورة ولكن هناك الكثير من من المواقف التي تختلط على الفرد حدود الصورة والخلفية فتبدو الصورة على درجة من عدم الوضوح أو التداخل مع الخلفية مما يؤدي إلى حدوث إدراك خاطئ أو ناقص . ( أنظر الشكل رقم 4-4 ص 126 من كتاب علم النفس المعرفي لـــ: رافع النصير الزغلول و عماد عبد الرحيم الزغلول ) .

 ب/ قانون التشابه (Law of similarity):

    ينص هذا القانون على أن الفرد يدرك المثيرات التي تبدو متشابهة من حيث اللون أو الشكل أو الحجم أو السرعة أو الشدة على أنها وحدة واحدة ، وفي الشكل الموالي يدرك معظم الناس أن هناك أسطرا أفقية من  اشارات الزّائد و الناقص وليست أعمدة . (كما هو موضح في الصور المرفقة)

ج- قانون التقارب ( التنميط ) (Law of Proximity):

      يشير هذا القانون إلى أن المثيرات المتقاربة أو المتتالية مكانيا أو زمانيا تدرك كوحدة واحدة كما هو موضح في الشكل الموالي : (كما هو موضح في الصور المرفقة)

 د- قانون الاستمرار (Law of continuation):

    يشير هذا القانون إلى أننا ندرك المثيرات التي تبدوا وكأنها استمرار لمثيرات سبقتها على أنها وحدة واحدة .

ومثال ذلك أنه يصعب على البعض تذكر آية قرآنية من سورة من سور القرآن أو تذكر بيت شعري من دون قراءة السورة أو القصيرة من أولها . (كما هو موضح في الصور المرفقة)

ه- قانون الاغلاق (Law of closure):

  يشير هذا القانون إلى ميل الأفراد إلى إكمال المثيرات الناقصة، فمعظم الناس يستطيع قراءة خط الآخرين مع أن هناك حروف ناقصة في كتابتهم ، أو يرى الشكل أو المثلث أو المربع كاملا مع أن النقص موجود كما موضح في الشكل الموالي : (كما هو موضح في الصور المرفقة)

2- العوامل الذاتية: هي مجموعة العوامل التي ترتبط بالفرد وشخصيته وتنعكس على عملية الادراك بتفاعلها مع عومل خارجية ويمكن ذكر أهمها :

أ/ درجة الخبرة والألفة بالمثيرات:    فكلما زادت خبرة الفرد المدرك بالمثيرات الحسية التي يتعرض إليها، كلما زادت قدرته على التعامل معها وتحليلها وفهمها .

ب/ الحاجات الفيزيولوجية والنفسية: إن عدم إشباع الحاجات الفيزيولوجية للإنسان كالأكل والشرب أو الحاجات النفسية كالأمن والانجاز قد يؤثّر سابا على قدر الفرد على تحقيق إدراك جيد للمثيرات الحسية.

فالطالب الجامعي وبعد مرور حصتين دراستين ولمدة ثلاث ساعات فعادة الحصة الثالثة وبسبب الجوع فيتأثر إدراكه للمحاضرة مقارنة بالأولى والثانية .

ج/ مستوى الدافعية: يسعى غالبية الأفراد إلى تفسير الكثير من الحوادث أو المثيرات اعتمادا على مدى وجود دافع أو حاجة لديهم .

د/ التوقع : التوقع العقلي بمثابة موجهات للبنى العقلية التي تُشارك في فهم المثيرات القادمة من البيئة ، إذ يغلب على إدراكنا للكثير من المواقف طبيعة التوقعات المسبقة والمرتبطة بحدوث تلك المواقف .

ه/ الحالة المزاجية والانفعالية للفرد: تؤثّر الحالة المزاجية والانفعالية للفرد على إدراكه حيث توجه الانفعالات الإدراك ليصبح منسجما مع حالته الانفعالية فرحا، حزنا ، غضبا ، اطمئنانا .

فحالة الحزن أو القلق أو الغضب حالات انفعالية تصرف انتباه الفرد عن المثيرات والمواقف وتقلل من مستوى تركيزه مما يؤدي إلى تفسيرها تفسيرا غير موضوعي .

و/ درجة الانتباه: يرتكز الادراك على درجة الانتباه التي يوليها الفرد للمثيرات فكلما كانت درة انتابهه كبيرة كلما كان إدراكه لها جيدا .

ز/ الاتجاهات والقيم : تؤثر اتجاهات الفرد وقيمه على عملية الإدراك فمن يكون اتجاهه مادي يفكّر ويحلل ما يدور حوله من مواقف ومثيرات وفقا أسس مادية كالربح والخسارة ومن يكون اتجاهه ديني يفكر ويفسر المثيرات والمواقف وفقا معايير دينية .

ح/ طبيعة المهنة أو التخصص: يتأثّر إدراك الفرد للمثيرات والمواقف الحياتية بطبيعة التخصص أو المهنة التي يمتهنا فإدراك طالب الطب للمرض ومسبباته يختلف عن إدراك شخص يعيش في البادية.

الادراك والتعلم :

  الادراك والتعلم أمران متلازمان فلا يمكن أن يحدث تعلم فعال لدى المتعلم ما يكن هناك إدراك فعال لمثيرات البيئة المحيطة وإعطائها قيمة ودلالة حتى تسهل عملية استرجاعها لاحقا في المستقبل، و تكمن أهمية الادراك في تفسير معطيات وتغيرات البيئة ودمجها مع خبرات الفرد السابقة بطريقة تساعده على تنمية البنية المعرفية لديه .

ومن أجل حدوث إدراك فعّال ينعكس أثره على عملية التعلم يستوجب توفر شروط معينة تتمثل فيما يلي :

- سلامة أعضاء الحس المختلفة إذ تعد نوافذ تُنقل من خلالها المعلومات إلى الدماغ ليتم إدراكها .

- سلامة الجهاز العصبي ولاسيما الدماغ الذي يستقبل المعلومات الحسية ويعمل على توجيه الانتباه وتحليل المعطيات وتفسيرها والاستفادة من الخبرة السابقة خلال عملية الادراك.

- سلامة أجهزة الحركة التي تتيح للفرد التنقل والحركة ما من شأنه أن يزيد من عدد المثيرات التي يستقبلها .

- توفير بيئة غنية بالمثيرات الحسية وذات صلة بمختلف مهارات الحياة وبذلك تتسع آفاق الادراك والبنية المعرفية لديه .

- إن ثراء البيئة بمثيرات حسية من شأنها الرفع من مستوى الدافعية لدى الفرد من أجل الفهم الصحيح والسليم للمواقف البيئية التي يتعرض لها .

- ضرورة تدريب الأطفال على تعلم مهارات الادراك فالعمليات العقلية يمكن تنميتها كذلك الأمر بالنسبة للإدراك الذي يعد أحدها وعليه فالمنظومة التربوية والتعليمية بما فيها من طاقم تربوي تعليمي أن يركز على الأمور التي تستقطب انتباه المتعلم أولا ومنحه وقتا وفرصا وطرقا من أجل فهم ما يتلقاه في بيئته التعليمية

- التغذية الراجعة Feed back تساعد المتعلم على تطوير مهارات التفكير والتفسير والتحليل وترفع من مستوى دافعية المتعلم  للفهم وتعلم المزيد والذي ينعكس آثاره على عملية التعلم بصورة خاصة، وعلى التكيف و التوافق بصورة عامة . 

ملاحظة : طلبتي الأعزاء يمكنكم المزيد من الاطلاع بشأن موضوع الادراك من خلال العودة إلى كتب  ومواقع ذات صله بمقياس علم النفس المعرفي وبموضوع الادراك ومن بينها:

- شذى عبد الباقي، مصطفى محمد عيسى.(2011). اتجاهات حديثة في علم النفس المعرفي.ط1 . دار المسيرة للنشر والتوزيع . عمان . الأردن .

- رافع النصير الزغلول، عماد عبد الرحيم الزغلول. (2011).علم النفس المعرفي .ط1 . دار الشروق للنشر والتوزيع . عمان . الأردن .

- عدنان يوسف العتوم.(2012). علم النفس المعرفي . ط3 . دار المسيرة للنشر والتوزيع . عمان. الأردن .

 - A. Naceur . Psychologie cognitive

 PF.mh.uvt.rnu.tn/60/psychologie-cognitive.pdf

- Introduction à la psychologie cognitive .

 bayasebiane.Fr/wp-content/uploads/2015/06/stern_ch1.pdf