Options d’inscription

محاضرات علم النفس المعرفي

السنة الثالثة أرطفونيا            

أد: طالب سوسن

البريد الالكتروني: talebsaoussane@gmail.com

 

النّسيـــــــــــــــــــــــــــان

 

تمهيد:

   الذاكرة ملكة عقلية وتعد قدرة لا يُستهان بها وذات أهمية بالنسبة للإنسان في حياته وتعاملاته وتعلمه، وفقدانها يولد اضطرابات سلوكية لديه، ولكن هناك مفهوم يرتبط بالذّاكرة ولا يعني فقدانها تماما ألا وهو النسيان الذي له دور في اكتساب المعلومات والتعلم .

والتساؤل الذي يُمكن طرحه ما مفهوم النسيان؟ ما علاقته بالذاكرة؟ ما هي النظريات التفسيرية بشأنه؟

1 - تعريف النسيان:

   النسيان ظاهرة معقدة وهي في آن واحد ظاهرة بيولوجية ونفسية وقد يكون النسيان طبيعيا كما قد يكون باثولوجيا ( مثلما هو الحال في الحبسة ) والذي يُترجم في فقدان تدريجي أو فوري، وقتي أو دائم للذكرى .

  بالنسبة للإنسان السليم فالنسيان يتعلق بتظليل للمعلومات المدركة أو المتعلمة، قد يتعلق الأمر بصعوبات تذكر ما اختفى أو توارى في مكان ما من الذّاكرة.  

ولتوضيح النسيان أكثر سوف نقدم مفهوما يشرح ذلك أكثر.

 

2 - مفهوم النسيان:

   لقد فسّر علماء النفس تقليديا النّسيان على أنه اختفاء للمعلومات عن الذّاكرة بحيث نصبح عاجزين عن التذكّر، أما من الوجهة الحديثة فتشير إلى أن المعلومات لا تختفي من الذّاكرة إلا أننا نفشل في استرجاعها أو التعرف عليها.

إن الأبحاث الفيزيولوجية المعاصرة تؤيد ذلك فمن خلال استثارة مناطق من الذّاكرة في الدّماغ كهربائيا أدى إلى تذكّر معلومات عجز الأفراد عن تذكّرها قبل الاستثارة الكهربائية.

ويعود الفضل إلى ابنكهاوس في دراسة الذاكرة عمليا وكشف عن مميزاتها كالعلاقة بين نوعية الذكرى ومحتواها، وأثر قِدم أو حداثة المعلومات على عملية التذكّر.

أعماله وأعمال باحثين آخرين أوضحوا تأثير عامل الزمن على بقاء المعلومات وتذكرها فالذّاكرة تتجزأ تدريجيا وتفقد تباثها وحدّتها مع الزّمن، إذن يرتبط مفهوم النسيان مع مفهوم الزمن، فكلما زادت المدة الزمنية بعد التعلم كلما زادت احتمالية النّسيان، وهذا ما أكده ابنكهاوس سنة (1885) في منحنى النّسيان

الذي هو موضح في الشكل.

     وفي هذا الصدد تشير دراسات ويكلقرين (Wickelgren) (1975) أن تكليف المفحوصين بدراسة سلسلة من المفردات ومن تم التعرّف عليها بعد تأخير عملية التذكّر لدقائق محدودة أو أيام، أظهر أن كمية الاحتفاظ من خلال التعرف يتناقص بزيادة المدة الزمنية .

  يتميز النسيان بمميزات تتمثل في :

- انخفاض  على مستوى القدرات والاختفاء اللاإرادي للمعلومات المكتسبة، سواء بعد عملية التعلم، أو بصورة عرضية من خلال سيرورات آلية .

- فقدان المعلومة مرتبط بعملية الترميز غير التام أو السطحي .

- و مع ذلك يظل النسيان ظاهرة طبيعية فيزيولوجية أساسية بالنسبة لتوازن الدماغ حتى لا يحدث إرهاق على مستوى المسارات العصبية.

- النسيان يختلف عن الحبسة في كونه ظاهرة طبيعية غير مرضية ، فالحبسة ناتجة عن إصابة دماغية  على مستوى الوظائف المعرفية .

 

3 - النظريات المفسرة للنّسيان:

نظرية الضمور(Decay Théory): تشير هذه النظرية إلى أن المعلومات في الذّاكرة الطويلة تبدأ تتلاشى وتضمحل مع مرور الزمن، وتتناغم فكرة هذه النظرية مع التفسيرات الفيزيولوجية فالوصلات العصبية تبدأ في التمزق والتلف مع تقدم العمر أو مع عدم الاستخدام ( قانون الاستعمال والإهمال ) لتصبح هذه المعلومات التي ترتبط بهذه الوصلات العصبية غير قابلة للتّذكّر.

  وينتقد البعض هذه النظرية من أن الزمن لوحده غير كاف لتلف الوصلات العصبية أو المعلومات إذا لم يقترن مع عوامل أخرى كضعف المعالجة المعرفية ، إصابات الجهاز العصبي وغيرها .

 

نظرية التّداخل أو التزاحم (Interference Theory): تشير هذه النظرية إلى أن كثرة تداخل أو تزاحم المعلومات في الذّاكرة القصيرة أثناء المعالجة أو في الذّاكرة الطويلة خلال التّخزين ، وكثره المهمّات التعلمية والأنشطة التي يقوم بها الفرد خلال النهار تعمل على تشتت المعلومات المخزّنة في الذّاكرة فتسهل عملية النّسيان.

  ولهذا فالطالب الذي يتعلم معلومة ما أو محاضرة ما ثم ينام لمدة ثماني ساعات متواصلة فلديه فرصة جيدة للتذكّر مقارنة بزميله الذي لم ينال قسطا كافيا من النوم وقام بمهمات عديدة.

وهناك نوعين من التداخل أو التزاحم هما :

أ/ الكف القبلي (Proactive Inhibition): في هذه الحالة فالتداخل ينتج عن أثر تعلم الفعاليات السّابقة على تذكّر الفعاليات اللاّحقة .

ب/ الكف الرجعي أو البعدي (Retroactive Inhibition): وفي هذه الحالة يُشير إلى أثر تعلم الفعاليات اللاّحقة على الفعاليات السّابقة .

 

 • نظرية الكبت (Repression Theory): تنطلق هذه النظرية من نظرية فرويد (Freud) في التحليل النفسي على أن النّسيان طريقة لا شعورية في التعامل مع مشاعر الاحباط والقلق والألم وهو عبارة عن ميكانيزم دفاعي لا شعوري يحمي الفرد.

وقد اعتبر المحللون النفسانيون أن فقدان الذّاكرة (Amnésie) ناتج عن صدمات نفسية شديدة وهو نوع من التعبير عن الكبت ورفض للتعامل مع الأحداث الصادمة، وفي ذات السياق يؤكد المحللون النفسانيون أن الخبرات المكبوتة لا تعني أنها غير موجودة، بل هي مخزنة في منطقة اللاّشعور ويمكن استثارتها واسترجاعها من خلال الأحلام، زلاّت اللّسان و التنويم المغناطيسي.

نظرية الإمحاء (Obliteration Theory): تقترح هذه النظرية  أن ظروفا يؤدي توفرها بعد خبرة التعلم إلى منع تثبيت خبرات التعلم وبالتالي حدوث النّسيان ومن بينها :

أ/ منع تمثيل البروتين: إن نقص المواد التي تساعد على تمثيل البروتين وتحليله تعمل على منع تمثيل المعلومات في الذاكرة الطويلة بفعالية عالية مما ينعكس على زيادة مستويات النسيان للخبرات التي صاحبت منع تمثيل البروتين. ففي تجربة على الاسماك، تعلم السمك تجنب صدمة كهربائية في مكان ما من حوض السمك من خلال اشراطه بضوء معين، ثم تم حقن الأسماك بمادة Puromycin التي تؤثر على تركيب البروتين في الأسماك مما أدى إلى نسيان الأسماك للتعلّم السّابق ودخولها للمنطقة المحظورة  مما أدّى إلى تعرضها لصدمات كهربائية .

ب/ الحوادث والصدمات النفسية والجسدية: إن تعرض الانسان للحوادث والصدمات النفسية والجسدية الشديدة تعرضهم إلى إمحاء ( محو) الذاكرة وفقدانها الجزئي أو الكلي، فقد أفاد المرضى الذين تعرّضوا لصدمات كهربائية في العلاج أنهم لا يتذكرون الأحداث التي سبقت الصدمات الكهربائية، كما أشارت إحدى الدراسات أن تساقط قطع الأثاث وحدوث ضجة كبيرة في الغرفة أدى إلى نسيان قائمة من الكلمات التي حفظها المفحوصون قبل الحادثة.

ج/ الاصابات الدّماغية: إن إصابة بعض مناطق الدماغ أو الادمان على الكحول والمخدرات يؤدي إلى إمحاء الذّاكرة أو فقدانها الجزئي أو الكلّي.

   ومن المناطق الذي يؤدي تأثرها أو إصابتها إلى إمحاء الذاكرة بعض أجزاء القشرة الدماغية (Cortex) وقرن أمون (Hippocampus) والجهاز اللّمفاوي بشكل عام.

استراتيجيات لتحسين وتنشيط الذاكرة:

 النسيان مشكلة يعاني منها عامة الناس تختلف حدّتها وتأثيرها من شخص إلى آخر باختلاف الأسباب المؤدية لها، وتشكل مشكله تعيق الفرد في مجالات حياته المختلفة سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، أو المهني، أو التعليمي وغيرها، لذا حاول علماء النفس تطوير استراتيجيات تمكن الأفراد على التذكر مستندين في ذلك على مفاهيم الذاكرة ونظرياتها.

  لقد أكدت العديد من الدراسات أن آلية عمل استراتيجيات التذكر تقوم أساسا على فكرة تعميق الروابط بين المعلومات(المثيرات) الجديدة مع البنى المعرفية والخبرات السابقة للفرد، بحيث يستغل هذا الأخير البنى المعرفية القديمة الرّاسخة لتساعده على تذكّر مثيرات ومواقف جديدة فيحدث الربط بين التعلم القديم والتعلم الجديد.

ومن بين هذه الاستراتيجيات ما يلي:

1 - استراتيجية الحروف الأولى (First- Letter Technique):

    تتمثل في أخذ الحرف الأول من كل كلمة في قائمة من المفردات أو الجمل المراد تذكرها ومحاولة بناء كلمة أو جملة لها معنى أو دلالة لدى الفرد .

مثال: لو كان لديك أربع زملاء( طلاب ) في الفوج الذي تدرس فيه وكانت أسماؤهم: أحمد - ياسر - مروان- نسيم.

فالحروف الأولى تشكل كلمة " أيمن" التي تذكرك بصديقك الوفي في مرحلة الطفولة .

2 - استراتيجية إحلال الأماكن ( Method of Loci):

   وتقوم على أساس ربط قائمة من المواد المراد تعلمها مع الأماكن أو المواقف المعروفة لدى الفرد بطريقة متسلسلة وذلك من خلال إيجاد أقران كل مفردة أو معلومة يريد الفرد تعلمها مع موقف معروف لديه شريطة تسلسل هذه المواقع في ذهن المتدرّب.

مثال: فلو أردت أن تتذكر ما طُلب منك كمشتريات من أجل طهو فطور رمضان فما عليك إلا أن تتذكر ما هي قائمة المأكولات التي سوف تتناولها وربطها بالمحلات التي سوف تتوجه إليها  فالخضار من طماطم، جزر، بطاطا، كسبرة، تمر( محل الخضر والفواكه )، الحليب وبعض مشتقاته ( محل الألبان ) ، الماء والعصير ( محل المواد الغذائية)، الزلابية ( محل الحلويات) .  

3- استراتيجية الكلمة المفتاحية (Key word Technique):

   يمكن قراءة نص ما واختيار كلمة تعتبر بمثابة مفتاح يدلل على الفقرة أو الجملة كاملة. وقد تكون هذه الاستراتيجية مفيدة في تعلم مفردات من لغة أجنبية ( مثلا الانجليزية أو الاسبانية أو غيرها) وذلك بوضع مفتاح من خلال كلمة أخرى في اللغة العربية أو الفرنسية تشبهها في اللّفظ وتدلل عليها أو ربط الكلمتين معا بشكل ذهني وقد يكون حتى بطريقة مضحكة .

مثال فإذا أردت تذكر كلمة Amigo من اللغة الاسبانية والتي تعني الصديق فيمكن ربطها مع الكلمة الانجليزية Go لأن الصديق يأتي ويذهب معك، وإذا أردت تذكر إسم صديق لك إسمه أسعد فيمكن أن تربط إسمه باسم صديق مثلا سعيد .

4 - استراتيجية التأمل أو التصور العقلي (Meditation technique):

     تقوم على أساس ربط كلمتين نريد تذكرهما بكلمة ثالثة جديدة أو فكرة أو هيئة تربطهما معا ليكون لها القدرة على توجيه تذكر الكلمتين الأصليتين في المستقبل.

تتطلب هذه الاستراتيجية التأمل والتفكير واستخدام خيالك العقلي قبل الوصول إلى الكلمة الرابطة للكلمتين.

فإذا أردت تذكر كلمتي: تمر- حليب فيمكن ربطها بكلمة ثالثة آذان .

5 - استراتيجيات ما وراء الذّاكرة (Meta-Memory Technique):

   تتمحور هذه الاستراتيجية حول التفكير بذاكرتك وقدراتك في التذكر بحثا عن نقاط القوة لتعزيزها ونقاط الضعف لتجاوزها والتغلب عليها.

   وفي هذا الصدد أشار موني (Money) إلى استراتيجية لتقوية ذاكرة الأطفال تعتمد على فكرة تركيز عقل الطفل وانتباهه نحو حواسه المختلفة خلال المذاكرة أو الدراسة لضمان انتقال المعلومات بشكل جيد بين الذّاكرة القصيرة والطويلة وذلك بالتركيز على ما يلي:

- التركيز على الألوان كاستخدام بطاقات وأقلام ملونة وربطها بمفاهيم أو مفردات معينة.

- إعطاء للطفل فرصة لتمثيل المعلومات وذلك من خلال مسحها بصريا ووضع دوائر أو إشارات حول المعلومات المهمة .

- منح للطفل فرصة للحديث والتعبير بلغته الخاصة حول مفاهيم وموضوعات أثناء عملية التعلم ما من شأنه يعمل على تثبيت المعلومات في الذّاكرة الطويلة .

- ترك الطفل يستخدم حاسة اللّمس خلال عملية التعلم من خلال لمس مواد التعليم وتحريكها واستخدام بعضها أثناء عملية الشرح وتشجيعه على استخدام حركات يديه أو جسمه للتعبير عن الأفكار التي وردت في الحصة التدريسية ولعب الأدوار.

مبادئ أخرى لها دور في تحسين الذّاكرة أو تقدم مؤشرات لتحسينها ويمن إيجازها فيما يلي:

1 - إعادة التعلم  فتكرار ما تعلمه الفرد في السابق يعزّز من قيمة الاحتفاظ ويسهل التذكّر.

2 - استخدام خرائط أو رسومات أو مخططات مفاهيمية فيمكن للمتعلم تحويل درس أو نص إلى خارطة مفاهيمية يُسهل عملية التذكّر.

3 - طرح التساؤل فإعطاء الطلبة فرصة لطرح تساؤلاتهم والإجابة عليها تعد استراتيجية فعالة لاستثارة الذّاكرة وما يدور من مناقشات وتفسيرات وغيرها.

4 - بناء قواعد منظمة للمعرفة تنطلق من فكرة قواعد البيانات وذلك من خلال ربط معلومات جديدة بمعلومات قديمة.

5 - تدوين وتسجيل الملاحظات بصورة مستمرة سواء من خلال إعادة كتابة موضوع أو نص ولكن بشكل موجز مما يُشكل دلالات للتذكّر لاسيما مع توفر الأجهزة الذكية .

6- التوليف القصصي وذلك من خلال بناء قصة ذات معنى ودلالة بالنسبة للفرد المتدرب .

7- تؤثّر البيئة الخارجية بما توفره من ظروف على عملية التذكر فعلى المتدرب إيجاد الظروف البيئية المناسبة بعيدا عن المشتتات، واختيار المكان المناسب ، والجو الهادئ...


Les visiteurs anonymes ne peuvent pas accéder à ce cours. Veuillez vous connecter.