الفرع الثاني) الطبيعة القانونية للمسؤولية العشرية
أولا) المسؤولية العشرية هي المسؤولية العقدية
من البديهي في مجال المسؤولية العقدية ضرورة وجود عقد صحيح أطرافه المهندس والمقاول من جهة ورب العمل المضرور كون الضرر ناشئا عن الإخلال بالالتزامات العقدية المنصوص عليها في متن العقد.
وهذه المسؤولية تقوم في حال عدم تنفيذ المدين لالتزاماته العقدية وهذه الالتزامات هي الالتزامات الرئيسية الناتجة عن العقد وهو ما يعرف بالخطأ العقدي ويستوي في ذلك أن يكون عدم قيام المدين بالالتزام ناشئا عن عمده أو عن إهماله أو عن فعله بدون عمد أو إهمال .
والمدين في المسؤولية العقدية هو الذي يقع عليه عبء الإثبات لأنه ملتزم بتحقيق غاية حيث يتطلب دوما تحقيق تلك الغاية ولا ترتفع مسؤولية المدين إلا في حالة السبب الأجنبي.
يقول البعض أن دعوى الضمان تقوم على المسؤولية العقدية بين رب العمل من جهة والمهندس أو المقاول من جهة أخرى وبذلك فإذا أنهدم البناء أو ظهر فيه عيب تتحقق المسؤولية العقدية على المهندس أو المقاول هذا ما يذهب إليه بعض الفقهاء.
وإذا ما توفر الخطأ لا بد من أن يكون لهذا الخطأ أثر يتمثل في الضرر الناجم عنه بحيث لا مسؤولية بلا ضرر، وهذا الضرر قد يكون ماديا أو معنويا بحيث يتخذ شكل فوات الفرصة . وأخيرا ً فلا بد من وجود علاقة سببية بين الضرر والخطأ بمعنى أن خطأ المهندس أو المقاول هو سبب ضرر المضرور.
وبوجود جميع هذه الأركان من خطأ وضرر وعلاقة سببية تقوم مسؤولية المهندس أو المقاول ولا سبيل لدفعها إلا بقطع هذه العلاقة اما بإثبات القوة القاهرة أو فعل الغير أو خطأ المضرور (صاحب العمل) كما سنرى لأحقا ً.
ثانيا) المسؤولية العشرية هي المسؤولية التقصيرية
وهو رأي الفقه التقليدي، وتأييد من بعض الشراح المحدثين، في أن دعوى الضمان العشري ذات طبيعة تقصيرية تقوم على أساس الخطأ، لأنها لا تستند على الإخلال بالتزام تعاقدي ناشئ عن عقد المقاولة بين رب العمل والمهندس أو المقاول، والذي يكون قد انتهى بعد تسليم البناء، وإنما يستند إلى الإخلال بواجب قانوني وهو عدم الإضرار بالآخرين.
ثم تم تعديل هذا الرأي واعتبرت مسؤولية المقاول والمهندس مسؤولية قانونية بحتة أو استثنائية بنص غير مألوف في القواعد العامة، نظرا لصعوبة اكتشاف عيوب المباني والمنشآت بالنسبة لغير المختص، كما أن خطرها لا يقتصر على المالك، وإنما يعرض حتى سلامة العامة للخطر أيضا.
ثالثا) الضمان العشري هو إحدى التطبيقات الخاصة للنظرية العامة للالتزام
حيث يرى أنصار هذا الاتجاه من خلال التعريف للالتزام بالضمان من خلال النظرية العامة للالتزام بأنه التزام يضاف إلى جملة الالتزامات التي تنتج عن العقد، وذلك لضمان النتائج العملية للدائن بهدف التنفيذ العادي للاتفاق، ويكفل له في نفس الوقت تعويضا يتناسب مع حجم الضرر الذي يصيبه في حالة إذا لم تتحقق النتائج المترتبة عن العمل.
وبالتالي نتج عن هذا الضمان تأينا على المخاطر التي تتعرض لها البيانات، وهو ما يقتضي استمرار الالتزام بالتسليم، لأن في ذلك ضمان بمتانة البناء خلال فترة معينة.
نخلص في تحديد الطبيعة القانونية لهذا الضمان العشري بأنها لا تخرج عن اعتبارها إحدى تطبيقات المسؤولية العقدية، فهي لا تنفك عن العقد، ولا يمكن أن تقوم بدونه، حيث قرر لها القانون أحكاما خاصة من خلال قواعد آمرة، حماية لمصلحة عامة التي تحتاج للرعاية.
الفرع الثالث) خصائص المسؤولية العشرية
ثالثا) هل تتميز المسؤولية العشرية بكونها المسؤولية قانونية أم من النظام العام ؟
أن القانون قد يكون مصدراً مباشراً لبعض الالتزامات التي يتكفل بتعيينها وتحديد نظامها ورسم مداها وترتيب أحكامها، لذلك لا تسري على هذه الالتزامات إلا أحكام النصوص القانونية التي أنشأتها.
وعندما ينشئ القانون التزامات يكون هو مصدرها المباشر فعادة يكون مدفوعاً بعدة اعتبارات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفنية مستهدفاً من وراءها مصلحة عامة أو خاصة جديرة بالرعاية أو الحماية.
ولذلك نجد بازدياد التقدم العمراني وانتشار الحضارة يزداد تغلغل الهندسة بالقانون ويغدو اعتمادها عليه أمر بالغ الأهمية.
لقد قرر القانون مبدأ هاما لحماية الأعمال وأصحابها والصالح العام بأن جعل المهندس والمقاول مسؤولين مسؤولية تامة بالتضامن عن كل خطأ أو خلل يصيب المنشآت والإعمال التي يقومون بها ولعدة سنوات بعد انتهاء التنفيذ ليجعلهما حريصين كل الحرص على مراعاة الدقة والالتزام بالقواعد الفنية للعمل، وهذا ما أكدت عليه المادة 554 من القانون المدني الجزائري.
كما قررت المادة 45 من القانون 11/04 بتضامن المرقي العقاري مع المقاولين الفرعيين، واستبعاد كل اتفاق يهدف إلى إقصاء أو حصر التضامن بينهما، أو الضمانات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون، وهو بحد ذاته تطبيق للأحكام الواردة في القانون المدني.
وبالنظر إلى المادة 46 من القانون 11/04 فإن مكاتب الدراسات والمقاولين والمتدخلين الآخرين الذين لهم صلة بصاحب المشروع من خلال عقد تقع على عاتقهم المسؤولية العشرية.
ويتضح أن نص المادة 46 المذكورة أعلاه قد اشترط ارتباط كل مكاتب الدراسات والمقاولين والمتدخلين مع المرقي العقاري برابطة عقدية، من غير تحديد لطبيعة ذلك العقد باستثناء عقد المقاولة الذي يربط المرقي العقاري بالمقاول. ولذلك قررت الفقر ة الثانية من المادة 30 من المرسوم التنفيذي رقم 12/85 بأنه: “يتحمل المرقي العقاري خلال مدة عشر(10)سنوات مسؤوليته المتضامنة مع مكاتب الدراسات والمقاولين والشركاء والمقاولين الفرعيين وأي متدخل آخر في حالة سقوط البناية كليا أو جزئيا بسبب عيوب في البناء بما في ذلك رداءة الأرض”.
إن التضامن في المسؤولية العشرية قرره القانون بنص خاص وصريح، لم يكن الهدف منه حماية صاحب المشروع فقط، وإنما بالنظر لما تنشأ عن البنايات والمنشآت الثابتة من مخاطر كبيرة، وأيضا لاعتبارات اجتماعية واقتصادية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن تضامن مرقي العقاري مع غيره من المتدخلين في المشروع العقاري إنما تتقرر بعد التسليم النهائي للأشغال، أمّا قبل التسليم فجميع الأضرار تتقرر بشأنها القواعد العامة للمسؤولية العقدية. إذا يقع باطلا كل اتفاق يجمع كل من المرقي العقاري والمقاولين الفرعيين متى انصب على استبعاد أو حصر التضامن بينهما إعمالا بالمادة 54 من القانون رقم 11/04. وهذا الحكم يتماشى مع نص المادة 556 من القانون المدني الجزائري: " يكون باطلا كل شرط يقصد به الإعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحد منه".
حيث يعكس هذا النص بأن أحكام مسؤولية العشرية في القانون الجزائري عن مقاولات البناء والمنشآت الثابتة بعد التنفيذ تعتبر من النظام العام حماية لطبقة غير ملمة بمسائل البناء وأن هذه الحماية مقررة للمصلحة العامة كي لا يؤدي تهدم الأبنية إلى الأضرار بالمجتمع وتبقى متينة محتفظة بخواصها للصالح العام.
- Gestionnaire: FATIMA MAHMOUDI