السداسي 04: منهجية العلوم القانونية ( تقنيات البحث العلمي)
أهداف التعليم: ان دراسة المنهجية تساعد الطالب في إعداد البحوث العلمية ومعرفة مناهج البحث العلمي.
المعارف المسبقة المطلوبة: يجب على الطالب أن يكون ملما بمناهج البحث ولو بصورة عامة.
محتوى المادة:
المحور الأول: تقنيات تحليل نص والتعليق على القرارات، الأحكام القضائية وتقديم الاستشارة.
المحور الثاني: صياغة مذكرة استخلاصية.
المحور الثالث: التحرير الإداري.
طريقة التقييم: مراقبة مستمرة + امتحان
- معلم: SAMIRA FANDI
يعد مقياس قانون الإجراءات الجزائية من المقاييس المبرمجة لطلبة السنة الثانية ليسانس وهو يمثل الجانب للإجرائي بعدما تطرقنا في السداسي الثالث إلى قانون العقوبات لذلك فإن الدراسة ستركز على موضوع الدعوى العمومية من حيث ماهيتها وخصائصها وكذا الأشخاص القائمين عليها بإعتبارها الحلقة الأهم في هذا القانون ومن تم التطرق بنوع من التفصيل إلى قاضي التحقيق وضباط الشرطة القضائية وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
- معلم: TAHIR Fatima Zohra
محاضرات قانون الاجراءات المدنية و الادارية موجهة لطلبة الفرع الثالث سنة ثانية ليسانس
- معلم: Sabrina SLIMANI
- معلم: NABILA BELKADI
الأستاذة مروان نسيمة
محاضرات مادة قانون الإجراءات الجزائية السنة الثانية الفرع الث
التحقيق الإبتدائي (بمعرفة قاضي التحقيق)
من المتفق عليه أن التحقيق يعتبر إحدى الوظائف الثلاثة الأساسية التي تميز القضاء
الجنائي، (وظيفة المتابعة الجزائية وهذه مهمة النيابة العامة وحتى الطرف المدني في
حالات معينة، ثم وظيفة التحقيق الإبتدائي وهي مهمة قاضي التحقيق، وأخيرا وظيفة
المحاكمة وهذه مهمة قضاء الحكم).
ويمكن القول بداية أنه لا يمكن الفصل في أي دعوى جزائية من دون إجراء تحقيق.
إلا أن ما تجدر الإشارة إليه، هو ضرورة التفرقة بين التحقيق بمعناه الواسع، وهذا
يرتبط بكل القضايا الجزائية مهما كانت طبيعتها أو خطورتها وينصرف إلى جميع العمليات
التي تتعلق بجمع المعلومات والبيانات الخاصة بالجريمة المرتكبة والتي سوف تحال
إلى قاضي الحكم في شكل ملف حتى يتسنى له الفصل فيها.
إذن قاضي الحكم سوف يستند على محتويات هذا الملف ثم يقوم هو شخصيا بتحقيق شفوي
يسمى التحقيق في جلسة المحاكمة.
أما التحقيق بمعناه الضيق والذي يطلق عليه التحقيق الإبتدائي، فإنه ينصرف إلى تلك
الأعمال التي يتولاها خصيصا قاضي يسمى قاضي التحقيق وهي تهدف الى جمع أدلة
الإثبات لأجل إظهار الحقيقة وبطبيعة الحال فإن القانون زود هذا القاضي بجملة من
السلطات الخاصة من خلالها يمارس صلاحياته مع مراعاة الأشكال المقررة في هذا الشأن.
الخصوصيات العامة للتحقيق الإبتدائي
(قضاء التحقيق)
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إن التحقيق الإبتدائي العادي هو ذلك الذي تتولاه جهات
قضائية مختصة يطلق عليها قضاء التحقيق (تتكون من قاضي التحقيق على مستوى
المحكمة الإبتدائية ثم غرفة الإتهام على مستوى المجلس القضائي).
وأول ما ينبغي الإشارة إليه، هو أن قضاء التحقيق يكتسي بعض الخصوصيات بالنظر
إلى الهيآت القضائية الأخرى والتي يمكن تلخيصها كالتالي:
1_ إستقلالية قضاء التحقيق:
والمقصود هنا أن التحقيق الإبتدائي يشكل في حد ذاته وظيفة قضائية قائمة بذاتها
ومستقلة عن وظيفة المتابعة الجزائية التي هي مهمة النيابة العامة أساسا وعن
وظيفة المحاكمة الجزائية التي هي من نصيب قضاء الحكم.
ويترتب عن إستقلالية قضاء التحقيق هذه عدة نتائج:
أ – أن قاضي التحقيق لا يتلقى أوامر لا من طرف النيابة العامة ولا من طرف قضاء
الحكم.
ب-لا يمكن لقاضي التحقيق أن يفتح تحقيقا إلا بعد تلقيه طلبا رسميا من النيابة العامة
(على نحو ما سنرى) أو شكوى مصحوبة بإدعاء مدني من الضحية (مواد 67 و 72
من ق.إ.ج).
ج-عدم الجمع بين التحقيق في قضية والجلوس للحكم أو الفصل فيها،بينما يجوز له الحكم
في القضايا التي لم يسبق له التحقيق فيها.
ح-يكون قاضي التحقيق في وضعية حياد تجاه الخصوم وهو يسعى إلى الوصول إلى
الحقيقة سواء كانت في مصلحة المتهم أو في غير صالحه.
خ- الإجراءات تكون مكتوبة فكل إجراء أو عمل يباشره قاضي التحقيق وكل قرار يتخذه يجب تدوينه مع
إدراجه في ملف التحقيق.
ثم إن إجراءات التحقيق سرية، بمعنى أنه لا يسمح لا للجمهور ولا للصحافة حضور
جلسات التحقيق (انظر المادة 11 من ق.إ.ج). كما أن الشهود لا يخطرون بمحتوى
شهاداتهم أو التعرف على أقوالهم إن كانوا متعددين.
د-وأخيرا فإن إجراءات التحقيق ليست حضورية
ولكن بإمكان الأطراف تقديم بعض الطلبات وممارسة نوع من الرقابة على صحة الإجراءات أو الإطلاع عليها مع توسيع دور المحامين أمام قاضي التحقيق
ذ-إلا أن أهم خاصية تميز عمل قاضي التحقيق، هو أن هذا الأخير عند تعامله مع
الأشخاص في إطار التحقيق، فإنه يقوم بفرز مراكزهم القانونية.
وللإشارة هناك المركز القانوني للمتهم، المركز القانوني للشاهد، المركز القانوني
للمجني عليه وحتى المركز القانوني للخبير.
ولتبسيط دراسة التحقيق الإبتدائي من طرف قاضي التحقيق، فإنه يستحسن التعرض لها
من خلال النقاط التالية:
1 – النقطة الأولى: أعمال وسلطات قاضي التحقيق عند إتصاله بالدعوى.
2 –النقطة الثانية: أعمال وسلطات قاضي التحقيق بعد فتح التحقيق أو أثناء سير التحقيق.
3 –النقطة الثالثة: سلطات قاضي التحقيق عند إنهاء التحقيق.
أولا أعمال وسلطات قاضي التحقيق عند إتصاله بالدعوى
1 – كيفية أو طرق إتصال قاضي التحقيق بالدعوى
سبق وأن أشرنا إلى أن قاضي التحقيق يتصل بالدعوى بإحدى الطريقتين:
_ إما عن طريق الطلب الإفتتاحي لإجراء التحقيق الي يصدره وكيل الجمهورية
_ وإما بناء على شكوى مصحوبة بإدعاء مدني يقدمها المجني عليه.
هذا ولقد سبق وأن تكلمنا عن الطلب الإفتتاحي لإجراء التحقيق من حيث شكله
ومحتوياته.
ويكون وكيل الجمهورية ملزما بتحريك الدعوى العمومية بهذه الطريقة إذا تعلق
الأمر بجناية لأن التحقيق الإبتدائي إجباري في مواد الجنايات حتى ولو ارتكبت
في حالة تلبس. وقد نصت المادة 66 فقرة أولى من ق.إ.ج " التحقيق الإبتدائي
وجوبي في مواد الجنايات...." وتضيف المادة 67 أنه"لا يجوز لقاضي التحقيق
أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى ولو
كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها...."
ومن جهة أخرى يتحتم على قاضي التحقيق أن يتقيد بالوقائع أو التهمة المذكورة
في الطلب الافتتاحي. واذا اكتشف قاضي التحقيق وقائع او أفعال خلال إجرائه
التحقيق، فإنه يتعين عليه أن يعرض الأمر على وكيل الجمهورية فيقوم هذا
الأخير بإصدار ما يسمى بالطلب الإضافي للتحقيق في الوقائع الجديدة، وما هذا
إلا تطبيق لما رأيناه حول إستقلالية المتابعة عن التحقيق.
_ أما الطريقة الثانية والتي تتمثل في الشكوى المصحوبة بإدعاء مدني، فقد
أشارت إليها صراحة المادة 72 من ق.إ.ج حيث نصت:" يجوز لكل شخص
متضرر من جناية أوجنحة أن يدعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق
المختص".
كل ما هنالك، أن الشكوى المصحوبة بإدعاء مدني تنطوي على وظيفتين: الأولى
أنها تؤدي إلى تحريك الدعوى العمومية والثانية أنها إدعاء مدني على نحو ما
رأيناه سابقا.
ويتعين على قاضي التحقيق عرض الشكوى على وكيل الجمهورية لإبداء طلباته
حولها ويجوز أن توجه طلباته ضد شخص مسمى أو غير مسمى...(راجع المادة
73 من ق.إ.ج.
2-موقف قاضي التحقيق بعد إتصاله بالدعوى
مباشرة بعد تلقيه الدعوى بالطرق المشار إليها أعلاه يقوم قاضي التحقيق
ببحث المسائل التالية:
1) النظر في الإختصاص: والمقصود بالإختصاص هو بيان الحدود التي أقرها
القانون لقاضي التحقيق ليمارس فيها ولاية التحقيق في الدعاوى المعروضة
عليه، ولقد سبق أن ذكرنا أن هناك الإختصاص المحلي أو المكاني، ثم جرائم
الإختصاص النوعي وأخيرا هناك الإختصاص الشخصي.
فيما يتعلق بالإختصاص المحلي فقد حددته المادة 40 من ق.إ.ج (راجع
المادة).
وقد قام المشرع بتمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق في حالة بعض
الجرائم نظرا للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم حيث صدر القانون رقم 04-14
المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 وذلك في أنواع معينة من الجرائم حددها المشرع
على سبيل الحصر:الجرائم المتعلقة بالمتاجرة بالمخدرات والجرائم المنظمة
العابرة للحدود والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم
تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف وهذا
ما يتماشى مع إنشاء أقطاب قضائية متخصصة في هذا النوع من الجرائم.
أما فيما يتعلق بالاختصاص النوعي، فإن قاضي التحقيق مختص بالتحقيق
كقاعدة عامة في كل جريمة معاقب عليها وفقا لقانون العقوبات والقوانين
المكملة له.
أما إذا كانت الجريمة تتعلق بالنظام العسكري فإن الاختصاص فيها يؤول الى
قاضي التحقيق العسكري وحده (مادة 25 من قانون القضاء العسكري)
أما فيما يتعلق بالإختصاص الشخصي فالقاعدة أن قاضي التحقيق يكون مخولا
بالتحقيق مع كافة الأشخاص مهما كانت صفتهم أو وظيفتهم وسنهم.
إلا أن القانون استثنى من هذه القاعدة بعض الفئات إما بحكم وظيفتهم أو سنهم
حيث أخضع التحقيق معهم لإجراءات خاصة ويمكن ذكر هؤلاء بإختصار:
_ الأحداث: إن التحقيق مع المتهمين الأحداث في مواد الجنح لا يتم إلا من طرف
قاضي متخصص وهو قاضي الأحداث أما في الجنايات فيتم التحقيق معهم
من طرف قاضي التحقيق.
_ الأفراد العسكريون: العسكريون ومن هم في حكمهم الذين يرتكبون جرائم
عسكرية أو حتى مدنية ولكن داخل المؤسسة العسكرية يتم التحقيق مع هؤلاء
من طرف قاضي التحقيق العسكري وحده (مادة 25 من قانون القضاء العسكر)
_ ضباط الشرطة القضائية الذين حددتهم المادة 15 من ق.إ.ج. فهؤلاء يتم
التحقيق معهم حالة ثبوت ارتكابهم جريمة من طرف قاضي تحقيق من خارج
دائرة اختصاص الجهة التي يعمل بها الضابط (مادة 577 من ق.إ.ج).
_ قضاة الحكم: ما عدا وكيل الجمهورية ورئيس المحكمة، فإن متابعتهم تتم
بنفس الإجراءات المطبقة في مواجهة ضباط الشرطة القضائية، مادة 576
ق.إ.ج). ويشمل قضاة المحاكم قضاة الحكم وقضاة التحقيق ومساعدي وكيل
الجمهورية.
_ قضاة المجالس القضائية ورؤساء المحاكم ووكلاء الجمهورية:
فيما يتعلق بهؤلاء يحال ملف الدعوى الى النائب العام لدى المحكمة العليا
الذي يقرر إن كانت ثمة محلا للمتابعة، فيلتمس الرئيس الأول للمحكمة العليا
ويقوم هذا الأخير بإنتداب قاضي تحقيق من خارج دائرة اختصاص المجلس
القضائي الذي يعمل فيه القاضي المتابع (مادة 575 ق إ ج).
_ قضاة المحكمة العليا ورؤساء المجالس القضائية والنواب العامون: وهؤلاء
تتبع في شأنهم احكام المادة 573 حيث تتم متابعتهم بترخيص كتابي من وزير
العدل ويجرى التحقيق من طرف أحد قضاة المحكمة العليا يعين من طرف
الرئيس الأول للمحكمة العليا.
2-النظر في مدى شرعية مباشرة التحقيق:
والمقصود هنا هو معرفة ما إذا كان قاضي التحقيق ملزما في كل الحالات
بفتح وإجراء تحقيق لمجرد تلقيه طلبا إفتتاحيا بإجراء التحقيق من طرف وكيل
الجمهورية؟
والإجابة هي لا، ذلك أن القانون سمح لقاضي التحقيق بالإمتناع عن إجراء
التحقيق إذا تبين له وجود سبب من الأسباب القانونية التي تمنع إجراء تحقيق.
وفي هذه الحالات يقوم قاضي التحقيق بإصدار أمر يسمى أمر رفض أو
الإمتناع عن إجراء التحقيق.
وهذا الأمر يختلف تماما عن الأمر بألا وجه للمتابعة فهذا الأمر الأخير لا
يتم إصداره إلا بعد فتح ومباشرة التحقيق وله أسبابه بينما الأمر برفض التحقيق
يصدره قاضي التحقيق عند تلقيه الطلب من وكيل الجمهورية.
ويمكننا ذكر بعض الأسباب التي إذا توافرت فإنها تسمح لقاضي التحقيق أن
يمتنع عن فتح أو إجراء تحقيق وقد ذكرتها المادة 73/4 من ق.إ.ج:
1. إذا كانت الأفعال على افتراض ثبوتها لا تقبل أي وصف جزائي: أي أن
الأفعال المراد متابعة مرتكبها لا تحتمل تكييفا جزائيا (لا جريمة ولا عقوبة
إلا بنص).
2. إذا وجد قيد مؤقت لتحريك الدعوى العمومية مثل ضرورة تقديم شكوى مسبقة
من طرف المجني عليه (مواد 339 و330/4 من ق.ع مثلا) أو ضرورة
الحصول على إذن من طرف الهيأة المختصة (نواب البرلمان مثلا).
3.إذا وجد مانع يتمثل في صفة خاصة في الجاني أو ظرف خاص مثل صلة
القرابة (مادة 368 من ق.ع) مثلا السرقة بين الأصول والفروع أو بين الأزواج.
في كل هذه الحالات، يجوز لقاضي التحقيق أن يرفض إجراء تحقيق.
ثانيا مرحلة إجراء التحقيق
يفترض هنا أن قاضي التحقيق قرر فتح تحقيق رسمي وعندئذ سيدخل في
المرحلة الأساسية والحيوية لأنها تمثل صلب عمله وهو الإنطلاق في إجراء
التحقيق أي جمع أدلة الإثبات لأجل الوصول إلى إظهار الحقيقة.
وتجدر الإشارة إلى أن قاضي التحقيق يسعى إلى إبراز الحقيقة سواء كانت هذه
في صالح المتهم أو في غير صالحه.
ومن جهة أخرى، يتمتع قاضي التحقيق بحرية إختيار وسائل الإثبات التي يراها
مناسبة للوصول إلى الحقيقة، المهم أن يقوم بذلك وفق ما تمليه أحكام القانون التي
تقررت لهذا الشأن.
وفي هذا الصدد، أشارت المادة 68 من ق.إ.ج:" يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون،
بإتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة...."
ولأجل الاضطلاع بهذه المهمة، فإن القانون زود قاضي التحقيق بسلطات واسعة
يمارسها سواء تجاه الأشخاص الذين يحقق معهم أو فيما يتعلق بإجراءات التحقيق
نفسها.
1/ إستجواب المتهم:
إن الإستجواب يمثل وسيلة إثبات ضرورية للكشف عن الحقيقة والحقيقة أن قاضي التحقيق
يسعى من خلاله الى الحصول على إعتراف المتهم بالأفعال أو التهمة المسندة إليه.
ويتم إستجواب المتهم في سرية، بغير علنية وحتى في غياب الأشخاص الأخرين المعنيين
بالقضية.
إلا أن وكيل الجمهورية يمكنه الحضور في هذا الإستجواب (مادة 106 من ق.إ.ج) إذا
أبدى رغبته في الحضور.
كما أن الإستجواب يكون غير وجاهي بمعنى أن قاضي التحقيق يقوم بطرح الأسئلة التي
يرغب في طرحها وعلى المتهم الرد أو الإجابة عنها.
وليس هناك ما يمنع قاضي التحقيق من تلقي التصريحات التي يرغب المتهم بالإدلاء بها
تلقائيا كما أنه غير ملزم بتلقيها، كما يمكن لقاضي التحقيق الترخيص لوكيل الجمهورية بطرح أسئلة على المتهم.
وأخيرا لابد من تحرير محاضر بمناسبة إجراء الإستجواب من طرف كاتب الضبط وفق
الأوضاع القانونية وتوقع من طرف المتهم وقاضي التحقيق وكاتب الضبط.
- عدد الإستجوابات أثناء التحقيق الابتدائي. (انظر المادة 100 و101 من ق.إ.ج).
هناك قاعدة أساسية أقرها القضاء منذ القديم من شأنها أن قاضي التحقيق يلتزم
بإستجواب المتهم على الأقل مرة واحدة، ويعمل القضاء على إبطال الإجراءات التي
لم تتضمن ولا إستجوابا واحدا.
وتعتبر هذه القاعدة في غاية الأهمية حيث أنها تبين أن إستجواب المتهم لا يعتبر فقط
وسيلة إثبات ضده، بل هو كذلك وسيلة دفاع في صالحه لا ينبغي حرمانه منها.
ويبقى قاضي التحقيق حرا في إجراء استجوابات إضافية، فبإمكانه استجواب المتهم متى
رأى أن في ذلك فائدة في مجال إظهار الحقيقة، لاسيما إذا رغب في الحصول على
معلومات من المتهم على إثر إكتشاف عناصر جديدة.
وما يحدث عمليا، هو أن قاضي التحقيق يجري استجواب المتهم في الجنح البسيطة
مرتين، مرة الأولى عند مثوله لديه لأول مرة، ومرة ثانية عند إقدامه على إنهاء التحقيق
وإصداره ما يسمى أوامر التصرف. وهذا ما نتعرض له الأن
- سلطة قاضي التحقيق في تقييد حرية المتهم:
إذا إنتهى قاضي التحقيق من استجواب المتهم أو من تلقي أقواله وتدوين كل هذا في
المحضر كما سبق القول، فإنه، أي قاضي التحقيق، له أن يتخذ واحد من التدابير التالية:
أ: إبقاء المتهم في وضعية إفراج- أي يتركه حرا طليقا ومسرحا ، وفي هذه الحالة يطلب
منه إخطاره بكل تغيير قد يطرأ على عنوانه أن يلتزم بالبقاء تحت تصرفه طوال التحقيق
وبالمثول أمامه كلما استدعي لإكمال التحقيق معه.
ب: إخضاع المتهم لنظام الرقابة القضائية:
وهذا التدبير هو تدبير وسط بين الإفراج وسلب الحرية بمعنى أن المتهم لا يحبس ولا
تسلب حريته ولكنه في نفس الوقت ليس حرا مائة بالمائة لأنه سوف يخضع لإلتزامات
بالمادة 125 مكرر1 من ق.إ.ج والتي تنص:
"يمكن قاضي التحقيق أن يأمر بالرقابة القضائية إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد
تعرضه لعقوبة الحبس أو عقوبة أشد.
تلزم الرقابة القضائية المتهم أن يخضع، بقرار من قاضي التحقيق، إلى التزام أو عدة
التزامات، وهي كالتالي:
1 –عدم مغادرة الحدود الإقليمية التي حددها قاضي التحقيق إلا بإذن هذا الأخير،
2 – عدم الذهاب إلى بعض الأماكن المحددة من طرف قاضي التحقيق،
3 – المثول دوريا أمام المصالح والسلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق،
4 – تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب اوطني أو ممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى
ترخيص، ...
5 – عدم القيام ببعض النشاطات المهنية عندما ترتكب الجريمة إثر ممارسة أو بمناسبة
هذه النشاطات
6 – الإمتناع عن رؤية الأشخاص الذين يعينهم قاضي التحقيق أو الاجتماع ببعضهم
................. إلى آخر المادة ..."
للإشارة فقط، فإنه يجوز لقاضي التحقيق أن يخضع المتهم لبعض الإلتزامات فقط
من بين الإلتزامات الواردة بالمادة 125 مكرر1 المذكورة أعلاه، كما أنه بإمكانه فرض
إلتزامات جديدة عليه.
ج-وضع المتهم في الحبس المؤقت:
وهذا الإجراء هو إجراء خطير لأنه ستسلب حرية المتهم ويحرم من حقه في التنقل
وهو حق مضمون دستوريا، ولهذا السبب أحاط المشرع هذا التدبير بالعديد من الشروط
والضمانات موضحا أن الأصل هو الحرية والإستثناء هو الحبس.
لذلك لا يجوز لقاضي التحقيق إتخاذ قرار حبس المتهم احتياطيا إلا إذا توافرت الشروط
الواردة بمقتضى المادة 123 مكرر من ق.إ.ج (راجع نص المادة).
ومن جهة أخرى حدد المشرع المدة الزمنية التي يستغرقها الحبس المؤقت ويتعين على
قاضي التحقيق الحرص على تطبيقها تطبيقا صحيحا وإلا يعتبر الحبس تعسفيا في حق
المتهم، وهذه المدد الزمنية ذكرتها المواد من 124 إلى المادة 125 مكرر من ق.إ.ج (الرجاء
الإطلاع على هذه النصوص في تقنين الإجراءات الجزائية).
هذا مع ملاحظة أنه يجوز لقاضي التحقيق أن يحول الحبس المؤقت إلى رقابة قضائية بل
وحتى إلى إفراج مؤقت عن المتهم المحبوس مؤقتا.
هذا ويسمح القانون للمتهم المحبوس مؤقتا طلب الإفراج عنه مؤقتا وفقا لإجراءات حددتها
المواد 127 و128 من ق.إ.ج.
2 / السماع للشهود أثناء التحقيق:
إن الشاهد من الناحية القانونية ليس طرفا في الدعوى بل هو من الغير.
كل ما هنالك أن الشاهد تكون في حوزته معلومات متعلقة بالجريمة المرتكبة وتفيد
القضاء في سعيه إلى إظهار الحقيقة.
لذلك فإن قاضي التحقيق قد يلجأ أثناء إجراء التحقيق إلى الإستماع إلى الشهود ثم إن
أطراف الدعوى أنفسهم قد يلجؤون الى مطالبة قاضي التحقيق بالإستماع الى شهادة
بعض الأشخاص تكون لديهم معلومات في صالحهم.
ومن الناحية القانونية، يكون للشاهد مركزا قانونيا يتحمل من خلاله أربعة إلتزامات
أساسية:
1 – الإلتزام الأول: هو الإلتزام بالمثول لدى قاضي التحقيق بعد إستدعاءه وفي حالة
التخلف بغير مبرر يمكن إحضاره قسرا زيادة على إمكانية تعرضه لعقوبات حسب
ما ورد بالمادة 97 من ق.إ.ج.
2 – الإلتزام الثاني: الإلتزام بالنطق باليمين عند مثوله أمام قاضي التحقيق حسب ما ورد
بنص المادة 89 من ق.إ.ج ويكون أداء اليمين بالصيغة القانونية المذكورة بالمادة 93 من
ق.إ.ج.ويعفى من أداء اليمين الأشخاص القصر دون السادسة عشر ويستمع إليهم على
سبيل الإستئناس.
3 – الإلتزام الثالث: وهو أساسي ويتمثل في الإدلاء بالشهادة أي يلتزم الشاهد بالإدلاء بكل
ما يعرفه عن الجريمة أو عن مرتكبها وليس له الحق في الصمت، لأن الحق في
الصمت هو من حقوق المتهم وحده.
4 – الإلتزام الرابع: يتمثل في قول الحقيقة وعدم تحريفها أوالشهادة لصالح أحد الأطراف
لسبب أو آخر.
ومن الناحية الإجرائية يتلقى قاضي التحقيق شهادات الشهود على انفراد ويكونون
معزولين عن بعضهم البعض قبل الإدلاء بأقوالهم وفي غياب المتهم ويجب على قاضي
التحقيق تحرير محضر سماع الشاهد.
3 – سلطة قاضي التحقيق بإصدار الأوامر أو المذكرات القسرية.
قد يحدث منذ فتح التحقيق أو أثناء إجراء هذا التحقيق أن المتهم لا يستجيب للإستدعاء
الموجه له من طرف قاضي التحقيق أو يكون في حالة فرار من قبضة العدالة.
وبالنظر الى هذه الأوضاع، فإن القانون أقر لقاضي التحقيق سلطة إصدار ما يسمى
بالأوامر أو المذكرات القسرية.
وتتميز هذه المذكرات بأنها تطبق قسرا من طرف السلطات العمومية وأنها غير قابلة
للطعن لاسيما مذكرة الإحضار ومذكرة القبض أما مذكرة الإيداع والتي تتعلق بوضع
المتهم في الحبس الحبس المؤقت فإنها تكون قابلة للطعن فيها بالإستئناف.
كما أن هذه المذكرات تكون نافذة المفعول في كافة الإفليم الوطني وهو ما أدى بالمشرع
إلى تناولها في قسم خاص عنوانه:" أوامر القضاء وتنفيذها". ومن هذه المذكرات:
1 – مذكرة الإحضار أو أمر الإحضار:
وبحسب تسميته، فإن أمر الإحضار هو ذلك الأمرالذي يصدره قاضي التحقيق إلى
القوة العمومية لإقتياد المتهم ومثوله أمامه على الفور.
وبحسب المادة 110 من ق.ا.ج، فإن هذا الأمر يتخذ في مواجهة المتهم إذا توصل
بالإستدعاء للمثول للتحقيق ولم يستجب ولم يقدم عذرا منعه من الحضور.
والأمر بالإحضار يكون كتابيا ويجب أن يتضمن الهوية الكاملة للمتهم وصفة القاضي
الذي أصدره والتهمة المنسوبة إليه وتكييف الفعل المرتكب والمادة القانونية المعاقبة عليه
ويحمل توقيع القاضي الذي أصدره والتاريخ ثم يرسل إلى الشرطة أو الدرك حسب موطن
الشخص المطلوب بعد تأشير وكيل الجمهورية عليه ثم تقوم القوة العمومية بالبحث عنه
واقتياده فورا الى قاضي التحقيق الذي يقوم بإستجوابه فورا لحظة إحضاره.
2 – الأمر بالقبض على المتهم:
ويسمى كذلك أمر التوقيف mandat d’arrêt وهو ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية للبحث عن المتهم وعند العثور عليه إيقافه واقتياده إلى
المؤسسة العقابية المشار إليها في الأمر حيث يجرى تسليمه ثم حبسه (مادة 119 ق.إ.ج).
ويشترط لإصدار هذا الأمر أن تشكل الجريمة جنحة معاقب عليها بالحبس أو كانت تشكل
جناية.
وهو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق في الحالة التي يكون فيها المتهم هاربا أو رفض
الإمتثال للإستدعاء المجه إليه أما إذا كان هاربا أو مقيما بالخارج، فإنه يمكن لقاضي
التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهورية أن يصدر أمرا بالقبض عليه دوليا حسب الإتفاقيات
المبرمة بين الجزائر والدولة التي سينفذ فيها الأمر.
ويتضمن أمر القبض هوية المتهم ومقر سكناه والتهمة الموجهة إليه ويحمل التاريخ وتوقيع
القاضي الذي أصدره. وعند وصول الأمر الى القوة العمومية تقوم هذه بالبحث عنه وعند
ضبطه يلقى عليه القبض ويقتاد مباشرة الى المؤسسة العقابية ويتحتم على قاضي التحقيق أن يستجوبه في ظرف لا يتجاوز 48 ساعة. وتطبق زيادة على ذلك المواد 120 إلى 122 من ق.إ.ج.
3 – الأمر بالإيداع: هوذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس المؤسسة العقابية
لإستلام وحبس المتهم.
و على قاضي التحقيق أن لا يصدر هذا الأمر إلا بعد إستجواب المتهم وفقا للأوضاع
المقررة قانونا، ويجب على القاضي المحقق أن يراعي بصرامة الشروط التي وضعها
القانون والمكرسة بالمواد 123إلى 125-1 من ق.إ.ج.
3 / إجراءات جمع مستندات الإقناع:
إن مستندات الإقناع pièces à conviction سواء أكانت أشياء أم وثائق تلعب
دورا كبيرا في الكشف عن الحقيقة وفي إقناع القاضي.
هذه المستندات ينبغي البحث عنها في كل مراحل الدعوى الجنائية، وهناك قواعد وأحكام
بالنسبة لجمعها وتقديمها وكثيرا ما يتم العثور عليها بطريقة عفوية مثلا في مكان وقوع
الجريمة كالعثور على السلاح المستعمل في ارتكاب الجريمة أو أدوات تركها مرتكبها.
ولكن البحث عن مستندات الإقناع لا يمكن أن يترك للصدفة، بل يجب أن يكون مخططا
له ومنظما، فهذه الأشياء لا تكتشف ولا يتم الحصول عليها إلا عن طريق إجراء أبحاث
Investigations سواء في مكان وقوع الجريمة مما يستوجب الإنتقال للمعاينة وقد تجرى
حتى في منازل الأشخاص ونكون هنا بصدد التفتيش perquisition وهذه عملية منظمة
بدقة في إطار قانون الإجراءات الجنائية.
أ – الإنتقال أو المعاينة:
قد يعمد قاضي التحقيق إلى إجراء المعاينة إما لأن ضباط الشرطة القضائية لم يقوموا
بذلك منذ البداية وإما يكون مضطرا لإجرائها لتكميل المعاينات التي سبق القيام بها أو
لتأكيدها.
وفي كل الأحوال فإن قاضي التحقيق هو الذي تعود اليه السلطة التقديرية للقيام بإجراء
المعاينة من عدمها.
** الإجراءات المتبعة في مجال الإنتقال للمعاينة:
إذا قرر قاضي التحقيق الإنتقال الى مكان الجريمة فعليه إخطار وكيل الجمهورية الذي له
الحق في مرافقته (مادة 79 من ق.ا.ج) وعليه أن يكون مصحوبا بكاتب التحقيق.
وعند وصول قاضي التحقيق إلى عين المكان يبادر بجمع ما يمكن جمعه من آثار ودلائل
مادية.
وقد أوجبت المادة 79 ق.ا.ج على قاضي التحقيق تحرير محضر تدون فيه كل المعاينات التي
قام بها، أما الأثار المضبوطة فإنه يلتزم بوضعها وحفظها في أحراز.
- الإنتقال للتفتيش:
أقرالقانون لقاضي التحقيق (مواد 79 الى 81 ق.ا.ج) سلطة الإنتقال الى منازل
المتهمين أو المشتبه فيهم وحتى الى مقرات عملهم ومكاتبهم والذين قد تكون بحوزتهم
أشياء لها علاقة بالجريمة وذلك لإجراء تفتيش لها قصد الحصول على أشياء أو أدوات
يكون من شأنها إظهار الحقيقة.
المهم أنه يمكن أن تباشر عملية التفتيش في أي مكان يظهر أنه مناسب لذلك وقد عبر
القانون عن هذا: " يباشر التفتيش في جميع الأماكن التي يمكن العثور فيها على أشياء
يكون كشفها مفيدا لإظهار الحقيقة.."
وهنا أيضا لا بد على قاضي التحقيق من تحرير محضر التفتيش يدون فيه جميع ما تم القيام
به وما تم حجزه من وثائق او مستندات أخرى مع توقيعه.
- مدير: ABDELOUAHAB LOUNIS
- معلم: ABDELATIF FASLA
الأستاذة مروان نسيمة
محاضرات في قانون الإجراءات الجزائية
لطلبة السنة الثانية ليسانس الفرع الثالث
الأشخاص المكلفون بالدعوى العمومية:
إن الأشخاص الذين يتدخلون في اطار الدعوى الجزائية هم كما هو الحال عليه في الدعوى المدنية _ القضاة باعتبارهم أعضاء في الهيأة القضائية، والأطراف في الدعوى والممثلين في المدعي والمدعى عليه ، ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء تدخل المحامين وكتاب الضبط والشهود والخبراء.
ولكن الشيء الملاحظ هو أنه إذا كانت المحكمة المدنية في الدعوى المطروحة لديها ، لا تسعى هي بذاتها إلى البحث عن وسائل الإثبات، فدورها حيادي يقتصر على ما يطرحه الأطراف أثناء المحاكمة من بينات وأدلة ودفوع ، فإن المحكمة الجزائية تلتزم بالبحث عن وسائل الإثبات وتقديريها ، ولا يقتصر هذا البحث على مرحلة المحاكمة فحسب ، بل قد تسبق هذه العملية مرحلة الفصل النهائي في الدعوى ، لذلك وجدت في الدعوى الجزائية مرحلة تسمى بمرحلة التحقيق الإبتدائي يقوم بها أو يتولاها قضاء مختص يدعى بقضاء التحقيق وهذا الأخير لا وجود له في الدعوى المدنية.
وإلى جانب هؤلاء الأشخاص المنتمين إلى الهيأة القضائية، والأطراف في الدعوى الجزائية ( النيابة العامة والمجني عليه و الجاني) يمكن أن نقول أن هناك مكان حقيقي لأعضاء آخرين هم أعضاء الضبط القضائي ، وهؤلاء يتولون التحقق من وقوع الجريمة والكشف عن مرتكبيها، فالشرطة القضائية التي تتدخل عادة قبل فتح التحقيق يمكن أن تتدخل كذلك أثناء سير الدعوى الجزائية من اجل مساعدة قاضي التحقيق عن طريق الإنابة القضائية.
فعندما لا تستطيع الشرطة الإدارية أن تلعب دورا كاملا في غرس الطمأنينة لدى المواطنين وضمان حرياتهم ، وترتكب جرائم مخلة بالنظام العام ، فهنا لابد من البحث عن مرتكبي هذه الجرائم حتى يمكن أن تتحرك الدعوى العمومية ضدهم، فهذه الأخيرة ليست وظيفة ذات طابع وقائي وإنما هي وظيفة رادعة او قمعية تتكفل بها هيئة الشرطة القضائية التي يختلف دورها عن دور الشرطة الإدارية.
ويتمثل دور الشرطة القضائية في:
- البحث عن الجرائم ومرتكبيها والقيام بجمع الإستدلالات.
- إجراء كل التحريات اللازمة لتثبيت الوقائع الجنائية التي تبلغ إليهم والتي تصل إلى معرفتهم بأي طريقة كانت.
- اتخاذ جميع التدابير التحفظية للتمكن من ثبوت تلك الوقائع .
- تنفيذ كل المهام الموكلة إليهم من طرف الهيآت المختصة والهادفة إلى التحقق من وقوع الجرائم، وإلى جمع وسائل الإثبات والبحث عن المجرمين والحصول على كل الإيضاحات المتعلقة بارتكاب الجريمة.
ومن هنا يمكننا القول ان مهمة الشرطة القضائية لا تبدأ إلا بعد وقوع الجريمة، وأن ما تباشره من إجراءات إنما يتصل بجريمة وقعت فعلا ، لهذا فإن مهمة الشرطة القضائية تبدأ بعد أن تنتهي مهمة الشرطة الإدارية بالإخفاق في الحيلولة دون وقوع الجريمة .
فمرحلة جمع الإستدلالات تسبق دائما مرحلة التحقيق الإبتدائي وتعتبر بمثابة تمهيدا او استعدادا لها، فبمجرد البدء في التحقيق الإبتدائي من طرف قاضي التحقيق فإن الشرطة القضائية تكف عن الإستمرار في إجراءات جمع الإستدلالات.
ذلك أن المعلومات التي يتوصل إليها ضابط الشرطة القضائية لا تصل إلى مرتبة الدليل القانوني الذي يعتمد عليه القاضي في إدانته للمتهم، لأنها وليدة إجراءات لا تتوفر فيها الضمانات التي يستلزمها القانون في الدليل المقبول شرعا ، فهي تتم دون تحليف الشهود، وبدون قهر للشهود أو المتهم، فهي لا ترقى إذن إلى مرتبة الدليل القانوني إلا إذا تعرض لها التحقيق الإبتدائي وناقشتها المحاكم.
فالإجراءات الإستدلالية تتم بغير حضور المحامي رغم أن تعديل 2015 وطبقا لما ورد في المادة 51 مكرر 1 سمح لشخص الموقوف للنظر والذي تم تمديد مدة توقيفه بحق الإستعانة يمحامي مثل ما هو عليه الحال أيضا في الجرائم المنصوص عليها في المادة 51 مكرر1 في فقرتها الرابعة ، على أن تتم الزيارة في غرفة خاصة يضمن فيها الأمن وسرية المحادثة وان يكون ذلك على مرأى ضابط الشرطة القضائية وأن لا تتجوز مدة الزيارة ثلاثون دقيقة (30د) ، ويتم التنويه عن ذلك في محضر. ( المادة 51 مكرر 1 الفقرات 6_7و 8)
من هم ضباط الشرطة القضائية؟
إن ضباط الشرطة وأعوانهم ، هم موظفون عموميون يقومون بأعمال إدارية ذات طبيعة وقائية تهدف إلى منع وقوع الجرائم ، ولكنهم يكتسبون صفة الضبط القضائي بالإضافة إلى عملهم الأصلي الذي تكلمنا عنه لكي يتمكنوا من القيام بمهام التحضير للتحقيق الإبتدائي ، فهم لا يكتسبون هذه الصفة لمجرد أن عملهم في منع الجريمة متصل بردعها، وإنما تضفى عليهم تلك الصفة بناءا على القانون الذي يحدد كيفية إعطاءها حتى تكون الإجراءات التي يقومون بها في الضبط القضائي صحيحة ونافذة قانونا.
إذن لابد من الرجوع إلى القانون لمعرفة من هم ضباط الشرطة القضائية ، حيث نصت المادة 14 من ق.إ.ج على مايلي:
"يشمل الضبط القضائي :
1 . ضباط الشرطة القضائية.
2. أعوان الضبط القضائي.
3. الموظفون والأعوان المنوط بهم قانونا بعض مهام الضبط القضائي."
1- ضباط الشرطة القضائية: حددت المادة 15 من ق.إ.ج المعدلة والمتممة بموجب الأمر 19-10 ضباط الشرطة القضائية بقولها :" يتمتع بصفة ضباط الشرطة القضائية:
1) رؤساء المجالس الشعبية البلدية،
2) ضباط الدرك الوطني،
3) الموظفون التابعون للأسلاك الخاصة للمراقبين، ومحافظي وضباط الشرطة للأمن الوطني،
4) ضباط الصف الذين أمضوا في سلك الدرك الوطني ثلاث (3) سنوات ، على الأقل ، وتم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل حافظ الأختام ، ووزير الدفاع الوطني، بعد موافقة لجنة خاصة،
5) الموظفون التابعون للأسلاك الخاصة للمفتشين وحفاظ و أعوان الشرطة للأمن الوطني الذين امضوا ثلاث سنوات على القل بهذه الصفة والذين تم تعيينهم بموجب صادر عن وزير العدل ووزير الداخلية والجماعات المحلية، بعد موافقة لجنة خاصة.
6) ضباط وضباط الصف التابعين للصالح العسكرية للأمن الذين تم تعيينهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني ووزير العدل.
يحدد تكوين اللجنة المنصوص عليها في هذه المادة وتسييرها بموجب مرسوم."
ويبدو من هذا النص أن ضباط الدرك، ومحافظي الشرطة وضباط الشرطة يعتبرون بحكم وظائفهم من ضباط الشرطة القضائية بنص القانون، أما من عداهم من رجال الدرك أو الشرطة المشار إليهم وكذا الضباط وضباط الصف التابعين للأمن العسكري فيشترط فيهم شروط خاصة وموافقة لجنة خاصة وصدور القرار الوزاري المشترك فيما يخصهم ، وبهذه الصورة يكتسبون صفة ضابط الشرطة القضائية.
2- أعوان الضبط القضائي: حددت المادة 19 من ق.إ.ج أعوان الضبط القضائي كما يلي:
"يعد من أعوان الضبط القضائي موظفو مصالح الشرطة وذوو الرتب في الدرك الوطني ورجال الدرك ومستخدمو المن العسكري الذين ليست لهم صفة ضباط الشرطة القضائية"
ومن استقراء النص يتبين لنا أنه يعتبر معاونا لضابط الشرطة القضائية كل رجل شرطة ليست له صفة الضبطية القضائية.
3-الموظفون والأعوان ذوو الإختصاص الخاص: جاء في المادة 21 من ق.إ.ج مايلي:
" يقوم رؤوساء الأقسام والمهندسون والأعوان الفنيون والتقنيون المختصون في الغابات وحماية الأراضي واستصلاحها بالبحث والتحري ومعاينة جنح ومخالفات قانون العقوبات وتشريع الصيد ونظام السير وجميع الأنظمة التي عينوا فيها بصفة فيها بصفة خاصة وإثباتها في محاضر ضمن الشروط المحددة في النصوص الخاصة"
فنرى من قراءة هذا النص أن مجال عمل هذه الفئات المذكورة منحصر من الناحية الموضوعية في تلك الجنح والمخالفات المتعلقة بالغابات والأراضي المستصلحة فلا يمكن أن يمتد إلى الجرائم الأخرى ، إلى جانب ذلك فهؤلاء ليسوا ضباط شرطة قضائية بل مجرد أعوان لهم يلتزمون بتسليم المحاضر التي يحررونها إلى ضباط الشرطة القضائية، كما أنهم لا يدخلون المنازل إلى بحضور ضباط الشرطة القضائية.
إلى جانب هؤلاء الموظفين الذين خولتهم المادة 21 من ق.إ.ج صفة أعوان الضبط القضائي فيما يتعلق باختصاصاتهم، يمكن أن نقول بأن هناك فئات أخرى من الموظفين أضفى عليهم قانونهم المتعلق بسير عملهم والذي يحكم وظائفهم صفة ضباط الشرطة القضائية أو أعوان الشرطة القضائية ومن أمثلتها ما يوجد لدى بعض الموظفين العموميين من وزارة المالية كالضرائب والجمارك ...
إختصاصات الشرطة القضائية:
لقدى حصرت المادة 12 في فقرتها الأخيرة من ق.إ.ج الأعمال المفروضة على الشرطة القضائية بحسب الأصل بقولها: " ويناط بالضبط القضائي مهمة البحث والتحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها مادام لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي" وتضيف المادة 13 من نفس القانون: " إذا ما افتتح التحقيق فإن على الضبط القضائي تنفيذ تفويضات جهات التحقيق وتلبية طلباتها"
ونرى أن المشرع تعرض لهذه الإختصاصات في حالتين:
- الحالة الأولى: حالة ما إذا لم يكن قد فتح تحقيق إبتدائي من طرف قاضي التحقيق، وفي هذه الحالة، فإن الشرطة القضائية تبحث عن الجرائم وتجمع الأدلة وتكتشف مرتكبيها.
- الحالة الثانية : حالة إذا افتتح تحقيق، وهنا يقتصر دورها على تنفيذ تفويضات جهات التحقيق، وتلبية طلباتها.
كما أن المادة 17 من ق.إ.ج توضح إختصاصات ضباط الشرطة القضائية بقولها: " يباشر ضباط الشرطة القضائية السلطات الموضحة في المادتين 12 و 13 ويتلقون الشكاوى والبلاغات ويقومون بجمع الإستدلالات وإجراء التحقيقات الإبتدائية .
وفي حالة الجرم المشهود سواء أكان جناية أو جنحة فإنهم يمارسون السلطات المخولة لهم بمقتضى المادة 42 ومايليها..."
أما عن مجال اختصاصها الإقليمي أي المكاني الذي يمارس فيه نشاطه أو وظيفته العادية، فلقد نصت على ذلك المادة 16 من ق.إ.ج بقولها: " يكون لضباط الشرطة القضائية اختصاصاتهم في الحدود التي يباشرون ضمنها وظائفهم المعتادة...
ويجوز لهم في حالة الإستعجال أن يباشروا مهمتهم في كافة دائرة الإختصاص للمحكمة الملحقين بها. ويجوز لهم أيضا في حالة الإستعجال أن يباشروا مهمتهم في كافة نطاق أراضي الجمهورية..."
من أهم اختصاصاتهم:
تلقي الشكاوى والبلاغات:
أوجب القانون على ضباط الشرطة القضائية قبول البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم ، أيا كانت وسيلة علمهم بها مادامت أن هذه الوسيلة مشروعة ( أنظر المادة 17 من ق.إ.ج) .
ويقصد بالبلاغ بمعناه الواسع ذلك العمل أو الإجراء الذي يصدر عن الغير ويتضمن إحاطة الشرطة القضائية علما بوقوع جريمة ، ويعني بالغير ذلك الشخص الذي لم تصبه الجريمة هو شخصيا أي ليس المجني عليه من الجريمة الذي يبلغ عنها.
أولا: التّبليغ
كما أنّه لا يشترط في البلاغ شكل محدد، فقد يكون كتابة وقد يكون شفاهة، وهناك حالات أوجب فيها القانون على كل من علم بوقوع جريمة معينة أو يبلغ عنها السّلطات، كما أنّ القانون يعاقب على الانحراف بالتّبليغ كالبلاغ الكاذب.
أمّا الشكوى فيعرّفها الفقهاء بأنّها ذلك التّبليغ عن الجريمة الصادر عن المجني عليه نفسه، وبهذا تختلف عن التّبليغ العادي الذي تكلمنا عنه وقد توجه الشّكوى إمّا لضابط الشرطة القضائية (المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية)، وإمّا مباشرة إلى وكيل الجمهورية (المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية)، وقد توجه كذلك إلى قاضي التّحقيق وتسمّى عندئذ "بشكوى مصحوبة بإدعاء مدني" (المادة 72 من قانون الإجراءات الجنائية).
وتقوم الشرطة القضائية بإرسال كل الشّكاوى والتّبليغات التي تلقتها إلى وكيل الجمهورية (المادة 18 من قانون الإجراءات الجنائية).
ثانيا: الوقوف على وقوع الجرائم عن طريق تحرير محاضر بالإجراءات:
إنّ الواجب الأول للشّرطة القضائية هو الوقوف أو التّحقق من وقوع الجرائم والبحث عنها وكشفها وخاصة تلك الجرائم التي وقعت في الخفاء، أي التي لم يقم أحد بالتّبليغ عنها أو تقديم شكوى فيما يخصها (المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية)، كما أنّ من واجبهم التّعرف على كل الظروف التي أحاطت بارتكاب الجريمة وبكل الآثار التي تركتها.
ونستخلص من
المواد 18، 20، 21 و27 من قانون الإجراءات الجنائية أنّ ضابط الشرطة القضائية
وأعوان الشرطة القضائية وكذلك رؤساء الأقسام والمهندسون والفنيون والأعوان
التّقنيون
في مسائل الغابات واستصلاح الأراضي وكذا بعض الموظفين المخول لهم بممارسة صلاحيات
الشرطة القضائية، أنّ هؤلاء جميعا لهم سلطة تثبيت الجرائم والتّحقق من وقوعها عن طريق
تحرير محضر بذلك.
والمحضر معناه تقرير مكتوب من طرف شخص مختص بذلك يقرّ بواسطته أو من خلاله وقوع جريمة (ونلاحظ أنّ هذه المسألة تشكل موضوع دراسة مستقلة لاحقة).
ثالثا: التّحقيقات التي تقوم بها الشرطة القضائية:
1. التّحقيق في حالة الجريمة المتلبس بها:
خول المشرع للشرطة القضائية في حالة التّلبس سلطات واسعة أو استثنائية، ليس فقط للتّحقق من وقوع الجريمة ولكن تمتد هذه السّلطات إلى البحث السّريع عن كل المعلومات التي تفيد التّحقيق وباستعمال وسائل قهرية أو إجبارية كسلطة القبض على الأشخاص وتفتيشهم، وهذا الطابع لا نصادفه في العمل العادي الذي يدخل في اختصاص الشرطة القضائية.
ما هي حالات التّلبس؟
حدّد المشرع حالات التّلبس بمقتضى المادة 41 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقول: "توصف الجناية أو الجنحة بأنّها في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب ارتكابها.
كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشّخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدًا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصّياح أو وجدت في حيازته أشياء أو وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة.
وتتسم بصفة التّلبس كل جناية أو جنحة وقعت ولو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السّابقتين إذا كانت قد ارتكبت في منزل، وكشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها وبادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية".
ومن خلال دراستنا لهذا النّص، نرى أنّ التّلبس طابع مادي بمعنى أنّ التّلبس بالجريمة هو وصف يولده الرّكن المادي باعتباره يمثل المظهر الخارجي لهذه الجريمة، كما أنّه من الملاحظ أنّ التّلبس يعبر عن التّقارب الزّمني بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها فيتم ضبطها في وقت تكون فيه أدلتها ظاهرة، بحيث لا يكون هناك أي مجال لاحتمال الخطأ، ومعنى هذا من جهة أخرى أنّه لا مجال للتّخوف من التّسرع في توجيه التّهمة، لذلك أعطيت لضباط الشّرطة القضائية اختصاصات مباشرة ببعض أعمال التّحقيق خشية ضياع الأدلة أو إتلافها إذا تركت الإجراءات المتعلقة بالجريمة المتلبسة لصاحبها الأصيل وهو النيابة العامة.
فإنّ المشرع ذكر حالات التلبس على سبيل الحصر، فلا يجوز أبدًا القياس عليها لزيادة حالات أخرى، كما لا يملك القاضي خلق حالات تلبس جديدة غير تلك الحالات التي أقرّها القانون صراحة، والسّبب في ذلك أنّ حالات التّلبس تترتب عليها آثار قانونية فيها مساس بالحريات الفردية، فيجب أن تكون محصورة في نطاق ما تضّمنه النّص القانوني[1] وهذه الحالات هي على التّوالي:
الحالة الأولى: ارتكاب الجريمة في الحال.
الحالة الثانية: مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها.
الحالة الثالثة: تتبع الجاني بالصّياح إثر وقوع الجريمة.
الحالة الرّابعة: حيازة الجاني لأشياء تدل على مساهمته في الجريمة في وقت قريب جدًا من وقوعها،
ووجود آثار بالمشتبه فيه تدل على مساهمته في الجريمة.
الحالة الخامسة: المبادرة بالإبلاغ عن الجريمة عقب اكتشافها.
2. السّلطات الاستثنائية لضباط الشرطة القضائية في حالات التّلبس:
خوّل القانون لضباط الشرطة القضائية سلطات واسعة في حالة التّلبس بالجريمة، والحقيقة أنّه ليس هناك مجال لتضييع الوقت، فلابد من الإسراع في مباشرة إجراءات التّحقيق قصد إثبات الجريمة والاحتفاظ بالأدلة، وحالة التّلبس تبرر منح ضباط الشرطة القضائية سلطات تحقيق تخرج عن مجال اختصاصاتهم العادية ما كان من الجائز القيام بها في غير حالات التّلبس، ومن أهم هذه السّلطات:
أ. إخطار النيابة العامة والانتقال إلى مكان الجريمة فورًا:
بيّنت هذه الإجراءات أحكام المادة 42 من قانون الإجراءات الجزائية بنصها: "يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بجناية في حالة تلبس أن يخطر بها وكيل الجمهورية على الفور ثم ينتقل بدون تمهل إلى مكان الجناية ويتخذ جميع التّحريات اللازمة وعليه أن يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي .....".
والمقصود بهذه الأحكام أنّه بمجرد إبلاغ ضابط الشرطة القضائية بارتكاب جريمة في حالة تلبس، فإنّه يشمل فورًا إلى محل الواقعة ويعاني الآثار المادية لهذه الجريمة، ويحافظ عليها ويثبت كل ما من شأنه اكتشاف الحقيقة، فلا يسمح لأي شخص بتغيير معالم وقوع الجريمة.
ولكن الشّيء الذي يجب ملاحظته هو انّ هذه العمليات وإن كانت هي نفسها التي يتولاها ضباط الشرطة القضائية في الحالات العادية لوقوع أي جريمة (في غير حالات التّلبس)، إلا أنّها تفترق عن حالة التّلبس بكون عملية الانتقال والمعاينة وإخطار النيابة بالواقعة قد أقرّها المشرع على سبيل الوجوب ونص على إلزامية القيام بها فورًا وبطريقة عاجلة ولم يترك لضباط الشرطة القضائية أي اختيار كما كان يمكنهم ذلك في غير حالا ت التّلبس.
ب. سلطة ضباط الشرطة القضائية على الحاضرين (الشهود):
وقد منحت المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية لضباط الشرطة القضائية سلطة منح أي شخص من مبارحة مكان وقوع الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته، كما يمكنه استحضار كل من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الجريمة باعتباره كان من الحاضرين الذين شاهدوا وقائع الجريمة، وتضيف المادة 50 في فقرتها الأخيرة أنّ: "كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدّة لا تجاوز عشرة أيام وبغرامة 500 دينار".
ج. الاستماع إلى الشّهود وللمشبوه فيهم:
إنّ عملية منع الحاضرين من مبارحة مكان الواقعة أو الابتعاد عنه سوف تسهل البحث عن الشهود، وقد أعطي ضابط الشرطة القضائية سلطة الاستماع إلى هؤلاء، وهذا الاستماع يشكل في الحقيقة مرحلة هامة من مراحل التّحريات التي تقوم بها الشرطة إلى التّعرف على هوية الجاني من خلال الاستماع إلى الشهود أو لربّما يكون من بين هؤلاء، ولا يتسنى التّعرف على هويته إلا بعد التّقدم في التّحريات على ضوء المعلومات المتحصل عليها.
- السّلطات المتعلقة بالتّعرض لحرية الأشخاص:
1. احتجاز المتهم: La garde à vue التوقيف للنظر
يسمح لضباط الشرطة القضائية في حالات التّلبس بممارسة سلطة تتعلق بسلب الحرية للأشخاص وقد نصت على ذلك صراحة المادة 51 في فقرتها الأولى بما يلي: "إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التّحقيق أن يحتجز تحت المراقبة شخصا أو أكثر، فمن أشير إليهم في المادة 50 فلا يجوز أن تجاوز مدّة الحجز ثمانية وأربعين ساعة".
وقد رأينا أنّ لضابط الشرطة القضائية حتى استدعاء المشبوه فيه وله أن يستمع إلى كل شخص يبدو له ضروريا في مجرى تحرياته التّعرف على هويته، وإذا صادف في هذه الأثناء الشّخص المشبوه فيه سواء أكان حاضرا وقت المعاينة والتّحريات أو أنّ الضّابط استدعاه وحضر فإنّه يجوز لهذا الأخير احتجازه لمدّة 48 ساعة.
وقد أجاز القانون مدّة هذه المّدة إلى أجل جديد لا يجوز أن يتجاوز 48 ساعة وذلك بتصريح كتابي من وكيل الجمهورية وبعد أن يقوم هذا الأخير بتدقيق الملف (المادة 51 فقرة ثالثة)، كما أنّ المادة 51 في فقرتها الرّابعة أجازت مضاعفة تلك المدّة في حالة الاتهام في جرائم أمن الدولة.
وباعتبار أنّ هذه السّلطات المتعلقة بالتّعرض لحريات
الأشخاص هي سلطات خطيرة قد تؤدي
في بعض الأحيان إلى تعسف من طرف ضباط الشرطة القضائية، فيكون هناك مساس بحرية
الانتقال التي هي حق من حقوق الإنسان، لذلك اشترط المشرع توافر الدّلائل الكافية
والقوية للاتهام حتى يمكن التّعرض لحريته
واحتجازه، كما اشترط المشرع من جهة أخرى أنّه لابد من إجراء فحص طبي للشّخص
المحتجز إذا ما طلب ذلك، ويجب إخباره عن إمكانية ذلك وقد أورد التّشريع ضمانات
أخرى جاءت بها المادة 52: "يجب على كل ضابط شرطة قضائية أن يضمّن محضر
استجواب كل شخص محتجز تحت المراقبة مدّة استجوابه وفترات الرّاحة التي تخللت ذلك
واليوم والسّاعة اللّذين أطلق صراحة فيهما أو قدّم إلى القاضي المختص.
ويجب أن يدوّن على هامش هذا المحضر إمّا توقيع صاحب الشأن أو يشار فيه إلى امتناعه كما يجب أن تذكر في هذا البيان الأسباب التي استدعت حجز الشخص تحت المراقبة، ويجب أن يذكر مثل هذا البيان في سجل خاص ترقّم صفحاته ويوقع عليه من وكيل الجمهورية وينبغي أن يخصص لهذا الغرض سجل خاص في كل مركز الشرطة أو الدرك التي يحتمل أن تتلقى شخصا محجوزا تحت المراقبة....".
2. سلطة ضباط الشرطة القضائية في تفتيش المنازل:
يقصد بالتّفتيش البحث عن أدلة تفيد إثبات الجريمة أو نسبتها إلى شخص معين، وذلك في أماكن حددها المشرع كالمسكن أو ما يقوم مقامه كمحل العمل وتمتد كذلك إلى توابع المنزل المسكون كالحدائق والمخازن وغيرها (أنظر المادة 355 من قانون العقوبات الجزائري).
ولا يجوز التّفتيش إلا بعد اكتشاف الجريمة ونسبتها إلى فاعل معين، لذلك هناك فرق بين دخول المحلات العامة المفتوحة للجمهور وبين تفتيش المنازل، فدخول المحلات يكون من حق رجال البوليس وضباط الشرطة القضائية لمراقبة تنفيذ القوانين واللّوائح، أمّا تفتيش المنازل فهو عمل من أعمال التّحقيق لا يلجأ إليه إلا إذا كانت هناك جريمة أو تهمة موجهة إلى شخص مقيم في المنزل المراد تفتيشه أو على الأقل يكون قد ساهم في الجريمة أو يحوز أشياء متعلقة بها (المادة 44).
وقد منح المشرع سلطة القيام بالتّفتيش لضباط الشرطة
القضائية سواء تعلق الأمر بحالة تلبس
أو ما عداها، وقد نصت المادة 44 من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: "لا
يجوز لضباط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يكونوا قد ساهموا في
الجناية أو يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية ويجري تفتيشا إلا بعد
إذن مكتوب صادر عن وكيل الجمهورية أو عن قاضي التّحقيق مع وجوب استظهاره قبل
الدخول إلى المسكن للقيام بالتّفتيش".
- مشكلة حماية الحريات الفردية:
هناك عدّ أحكام فرضها المشرع قصد حماية الحريات الفردية
ضد التّعسفات التي قد يرتكبها ضابط الشرطة القضائية عند قيامه بالتّفتيش، فقد
رأينا أنّ المادة 44 أعلاه قد استوجبت ضرورة الحصول على إذن مكتوب صادر عن وكيل
الجمهورية أو قاضي التّحقيق مع وجوب إظهاره عند القيام بإجراء التّفتيش، وقد أضافت
المادة 45 من نفس القانون على أنّ التّفتيش يجب أن يتم بحضور المتهم أو من يمثله
أو بحضور شاهدين ويثبت ذلك في المحضر، كما لا يجوز أبدا البدء في تفتيش المساكن أو
معاينتها قبل السّاعة الخامسة صباحا ولا بعد السّاعة الثامنة مساء، إلا إذا كان
ذلك لمد المساعدة لمن في داخل المنزل من أجل إنقاذه أو إذا تعلق الأمر بحالات
استثنائية مقرّرة قانونا (أنظر المواد 325 إلى 348 من قانون العقوبات).
كما لا يجوز التّفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري التّحقيق بشأنها، لذلك تضّمنت المادة 46 النّص على عقوبة الجنحة بالنّسبة لكل من يفشي سرّاً من أسرار المسكن من الأشخاص الذين خافوا من التّفتيش.
كما نلاحظ بأنّ التّفتيش إذا أجري في مسكن أو في محل يشغله شخص ملزم قانونا "بالسّر المهني" فيجب على ضابط الشرطة القضائية اتخاذ التّدابير اللازمة لضمان صيانة تلك الأسرار، فلا يجوز إجراء تفتيش مكتب محامي في غير حضور نقيب المحامين أو ممثله أو بعد إخطارهما بصورة قانونية وإلا كان الإجراء باطلا.
أمّا فيما يتعلق بالأشياء التي تضبط عن طريق التّفتيش فإنّه يلزم تغليفها والختم عليها بما لا يعرضها للعبث أو للتلف (المادة 45/5) وحرصا من المشرع على رعاية حقوق الأفراد وحرياتهم، فقد نصت المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية على أنّه: "يترتب على عدم مراعاة أحكام المواد من 45 إلى 47 السابق ذكرها، بطلان إجراء التّفتيش وبالتالي إهدار الدليل المستمد منه".
3. سلطة ضباط الشرطة القضائية بالنّسبة للاستعانة بالخبراء:
سمح المشرع الجزائري في حالة التّلبس لضابط الشرطة القضائية أن يعين خبيرا للاستعانة بمعرفته، ذلك أنّ بعض التّحريات التي يجريها ضابط الشرطة تستدعي اللّجوء إلى أهل الخبرة أو إلى الأشخاص المؤهلين لذلك، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 49 بقولها: "إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك.
وعلى هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم لهذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشّرف والضّمير".
1) اختصاصات ضباط الشرطة القضائية في حالة الإنابة القضائية:
أجاز القانون لقاضي التّحقيق أن ينتدب ضابط الشرطة القضائية للقيام ببعض إجراءات التّحقيق ومعنى هذا أن يقوم قاضي التّحقيق بتكليف أحد ضباط الشّرطة القضائية بالقيام بإجراء من إجراءات التّحقيق الابتدائي ، وهنا لا يعتبر جمع الاستدلالات التي تكلمنا عنها سابقا، بل من قبيل إجراءات التّحقيق الابتدائي ويكتب صفة الدليل القانوني، وقد نصت المادة 13 من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: "إذا ما افتتح التّحقيق، فإنّ على الضّبط القضائي تنفيذ تفويضات جهات التّحقيق وتلبية طلباتها".
كما نصت المادة 138 من قانون الإجراءات الجنائية أنّه: "يجوز لقاضي التّحقيق أن يكلف بطريق الإنابة القضائية أي قاض من قضاة محكمته أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية المختص بالعمل في تلك الدّائرة بالقيام بما يراه لازمًا من إجراءات التّحقيق...".
ويظهر في النّص أنّ الإجراء المطلوب القيام به يدخل أصلا في اختصاص قاضي التّحقيق ويقوم به ضابط الشّرطة القضائية بمقتضى التّكليف أو التّفويض أو الإنابة الصادر عن هذا القاضي، وقد تكلم المشرع الجزائري عن حالات الإنابة هذه في المواد الآتية من قانون الإجراءات الجنائية: (المادة 13، م16، م3، 56، م60 وم68/8).
2) نطاق الإنابة وحدودها:
إذا كان من الجائز أن ينيب قاضي التّحقيق أحد ضباط الشرطة القضائية للقيام بإجراء من إجراءات التّحقيق، فإنّه لا يجوز إنابته للقيام بالتّحقيق في قضية بمجملها (أنظر نص المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية)، ومن جهة أخرى لا يجوز إنابة ضابط الشرطة القضائية لاستجواب المتهم Interrogatoire نظرا لخطورة الاستجواب، كما لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيا Détention préventive لأنّ هذا يعتبر إجراء خطير أحاطه المشرع ببعض الضّمانات، لذلك فهو في اختصاص قاضي التّحقيق وحده في الحالات العادية.
3) شروط صحة الإنابة:
اشترط القانون لكي تكون الإنابة صحيحة توافر بعض الشروط نذكر منها:
1) أن تصدر الإنابة من هو مختص بإصدارها:
لابد أن تصدر الإنابة حسب الشروط والكيفيات التي تكلم عنها المشرع في المادة 138 من قانون الإجراءات الجنائية، لذلك فلا يجوز لضابط شرطة قضائية أن يصدر إنابة لضابط شرطة قضائية آخر لمباشرة عمل من أعمال التّحقيق.
2) أن تصدر الإنابة إلى أحد ضباط الشرطة القضائية الذي يكون مختصا اختصاصا محليا ونوعيا على حسب ما ارتأته المادة 138 السابقة الذكر.
3) أن تنصب الإنابة على إجراء معين أو أعمال معينة من أعمال التّحقيق:
وقد رأينا أنّ المادة 139 تمنع إصدار إنابة عامة للتّحقيق في جناية بمجملها، فلابد أن ينصب أمر الإنابة على عمل معين ومحدد كإجراء التّفتيش مثلا أو سماع الشهود.
4) لا يعتد بالإنابة الغير صريحة والغير مكتوبة:
لا يعتد بالإنابة إذا ما صدرت بطريقة شفوية أي غير مكتوبة، كما يجب من جهة أخرى أن تكون صريحة أي صادرة بأمر واضح يدل عليها.
5) أن تتضمن الإنابة البيانات التالية:
- اسم من أصدر الأمر ووظيفته.
- اسم المتهم المقصود بالإجراء.
- نوع الإجراء المطلوب والغرض منها.
- تاريخ صدور الإنابة.
تنفيذ الإنابة والآثار المترتبة عنها:
1. يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم حدود الإنابة:
بمعنى أن يتقيد هذا الأخير بنطاق العمل المطلوب منه القيام به، فإذا تعلق الأمر بالقيام مثلا بالسّماع إلى أقوال شاهد كان للضّابط أن يحلفه اليمين وأن يحرر المحضر بمعرفة كاتب ولا يتجاوز ذلك إلى تفتيش هذا الشاهد أو التّعرض لحريته، وإذا تعلقت الإنابة بإحضار المتهم فلا يجوز تفتيشه.
وإذا تعلقت الإنابة بتفتيش مسكن المتهم وجب على ضابط الشرطة القضائية أن يتقيد بالأحكام القانونية التي تنظم التّفتيش (المادتين 44 و45) فإن جاوز ذلك كان تصرفه باطلا ويبطل ما نجم عنه من دليل.
2. إذا حدّد أمر الإنابة مدّة لتنفيذها وجب على ضابط الشرطة القضائية التّقي دبها وإلا بطل الإجراء الذي يباشر بعد انقضاءها.
آثار الإنابة:
يكون للمنتدب سلطة من أنابه بمعنى أن تكون لضابط الشرطة القضائية في حدود الإجراءات التي انتدب لها سلطة قاضي التّحقيق نفسه، لذا فإنّ محضره يكتسي طبيعة محضر تحقيق لا محضر استدلال أولي.
النيابة العامة:
تنص المادة الأولى مكرر من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: "الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها ويباشرها رجال القضاء أو ....".
رجال القضاء الذين أوكل لهم القانون هذه المهمة هم أعضاء النيابة العامة، وهي هيأة عامة تختص بممارسة حق الاتهام نيابة عن المجتمع وقد قام المشرع الجزائري بتنظيم هذه الهيأة، ويحكم نظامها قانون التّنظيم القضائي (الأمر رقم 66-56) والقانون الأساسي للقضاء الذي صدر بالأمر رقم 69/27 لسنة 1969 وقد تم تعديله عدّة مرات خاصة في سنة 1971 و1175 و 1989.
وقد نص القانون الأساسي للقضاء في مادته الأولى صراحة على ما يلي: "يتضمن سلك القضاء: قضاة الحكم والنيابة العامة، والمجلس الأعلى ولامجالس القضائية والمحاكم)، ونرى من هذا النّص أنّ المشرع الجزائري اعتبر أعضاء النيابة أعضاء في الهيأة القضائية وأدمجهم في الشّكل القضائي.".
تشكيل النيابة العامة:
ويقصد بذلك بيان شكل الجهاز التّنظيمي وكيفية تكوين هذه الهيأة من النّاحية الهيكلية والعضوية، ويتكون أعضاء الجهاز النيابي بحسب الترتيب كما يلي:
1. النائب العام لدى المجلس الأعلى (المحكمة العليا):
يعتبر النائب العام ممثل النيابة أمام أكبر وأسمى هيئة قضائية في الدولة، ويعمل بمساعدة عدد كبير من أعضاء النيابة التي توجد أمام هذه المحكمة (Les avocats généraux).
2. النّواب العامون لدى المجالس القضائية:
ويمثل النيابة العامة في المجلس القضائي نائب عام وفي جميع المحاكم الواقعة بدائرة المجلس (على مستوى الولاية).
3. النائب العام المساعد الأول:
استحدثت هذه الوظيفة في القانون الجزائري بمقتضى الأمر رقم 71/34، الصادر بتاريخ 03 جوان1971 والذي عدّل المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية، فأصبحت كالتالي: "يساعد النائب العام نائب مساعد أول وعدّة نواب مساعدين".
إذن يقوم النائب العام المساعد الأول بعمل النائب العام أثناء غيابه.
4. مساعدو النائب العام:
يتولى مساعد النّائب العام بتمثيل النيابة العامة أمام المحكمة وكان يطلق عليه قبل التّعديلات الأخيرة وكيل الدولة والذي يسمى الآن بعد تعديل 1985 بوكيل الجمهورية.
5. المساعدون:
يوجد المساعدون على مستوى كل محكمة من المحاكم الواقعة بدائرة المجلس وهم يقومون بمساعدة النائب العام في أعمال النيابة ويطلق عليها "وكلاء الجمهورية المساعدون".
خصائص النيابة العامة:
1. التبعية التدريجية:
نصت المادة السادسة من القانون الأساسي للقضاء على ما يلي: "يوضع قضاة النيابة العامة تحت إدارة ومراقبة رؤسائهم السّلميين وتحت سلطة وزير العدل حامل الأختام".
ويتبيّن من هذا، أنّ المشرع الجزائري قد أوجب على أعضاء النيابة العامة الخضوع لرؤسائهم تبعا لوضعهم في درجات السّلم الوظيفي، بمعنى آخر أنّه خلافا لوضع قضاة الحكم، فإنّ قضاة النيابة العامة يخضعون لنظام التّبعية التّدريجية فتكون للرئيس على المرؤوس سلطة كافية في الإشراف والرّقابة، ويخضع الجهاز ككل لإشراف وزير العدل على الرّغم من أنّه ليس عضوا فيها، ويملك هذا الأخير حسب ما نصت عليه المادة 30 إجراءات توجيه أعضاء النيابة لتحريك الدّعاوى العمومية ومباشرتها، كما نصت المادة 31/1 من الإجراءات على أنّ: "يلزم ممثلو النيابة بتقديم طلبات مكتوبة طبقا للتّعليمات التي ترد لهم عن الطريق التّدريجي".
وفي نفس الاتجاه تنص المادة 33 من الإجراءات: "يمثل النائب العام النيابة العامة أمام المجلس القضائي ومجموعة المحاكم، ويباشر أعضاء النيابة الدعوى العمومية تحت إشرافه".
والحقيقة أنّ هذا الخضوع التّدريجي ما هو إلا خضوع إداري فقط، ذلك أنّه لا توجد علاقة عملية أو فنية فيما بين النائب العام لدى المجلس الأعلى للقضاء وبين النّواب العامين لدى المجالس القضائية، فهؤلاء لا يخضعون لرقابته ولا لإشرافه الفني.
- عدم القابلية للتّجزئة"
إلى جانب خاصية الخضوع التّبعي التدرجي بالنّسبة للنيابة العامة هناك خاصية أخرى هي عدم قابليتها للتّجزئة ويقصد بذلك أنّ أعضائها يعتبرون وحدة واحدة لا تتجزأ، ومؤدى ذلك أنّه يمكن من النّاحية القانونية أن يحل أي عضو من الأعضاء محل الاخر في تمثيل النيابة في أي مرحلة أو حالة كانت عليها الدعوى.
وهذا خلافا بما هو معمول به بالنّسبة للقضاء الجالس، حيث أنّه لا يمكن لقاضي الحكم أن يستبدل بقاضي آخر أثناء الجلسة.
- الاستقلالية:
إذا كانت النيابة العامة تمثل السّلطة التّنفيذية، فإنّها تكون مستقلة عن قضاة التّحقيق أو المحاكمة وكذلك عن المجني عليه، فالنيابة تتمتع بحرية التّصرف في رفع الدعوى ومباشرتها وتقديم ما يبدو لها من طلبات فلا يستطيع القاضي أن يوجه لوما Blâme أو يعطي أمرًا لممثل النيابة بالتّنازل عن الدعوى، كما لا يجوز للجهات القضائية أن تنطلق في إجراءات المحاكمة أو التّحقيق قبل أن يباشر ممثل النيابة الدعوى العمومية.
كما أنّ استقلالية النيابة عن المجني عليه تؤدي إلى أنّ
النيابة لا ترتبط ولا تلتزم بموقف المجني عليه في الدعوى، كما أنّ تنازل هذا
الأخير قد لا يعنيه فيستمر في مباشرة الدعوى العمومية (إلا
في حالات خاصة).
1. عدم قابلية النيابة للرّد:
إنّ أعضاء النيابة العامة غير قابلين للرّد، والسّبب في ذلك أنّ النّيابة طرف أو خصم في الدعوى العمومية ولا يجوز للخصم أن يرد خصمه، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 555 من قانون الإجراءات: "لا يجوز رد رجال القضاء أعضاء النيابة العامة"، وكذلك المادة 2/669 إجراءات فرنسي.
2. عدم مسؤولية النيابة:
لا يجوز للمتهم الذي قضي له بالبراءة في الدعوى الجنائية
أن يرجح على النيابة بالتّعويضات
أو المصاريف وهذا خلافا لما قد يحدث تجاه الطرف المدني الذي يمكن محاكمته في حالة تبرئة
المتهم (المادة 78 إجراءات جزائري)، النيابة لا تساءل عن تصرفاتها في الدعوى
العمومية والتي تعتبر من قبيل ممارستها لوظيفتها، اللّهم إلا إذا تعلق الأمر
بارتكاب جريمة أو أي خطأ شخصي من قبيل عضو النيابة وفي هذه الحالة فإنّه يساءل.
3. دور ووضعية النيابة العامة في الدعوى الجنائية:
سواء أكانت النيابة هي التي بادرت إلى تحريك الدعوى العمومية أم أنّ الطرف المدني هو الذي قام بذلك، فإنّ النيابة العامة هي التي تباشر هذه الدعوى باعتبارها طرفا مدعيا فيها.
وبصفتها مدعية، فإنّ النيابة تتمتع أثناء سير التّحقيق الابتدائي بكل الحقوق والضّمانات المعترف بها للطرف في الدعوى أي للشّخص أو الجهة التي تكون طرفا في الدعوى.
فالنيابة العامة هي التي تلتمس قضاء التّحقيق بمقتضى طلبات افتتاحية (المادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية) أمّا إذا كان الطرف المدني هو الذي قدّم شكوى مصحوبة بإدعاء مدني، فإنّ قاضي التّحقيق يبعث بهذه الشّكوى للنيابة من أجل إبداء طلباتها (المادة 73 إجراءات).
كما يمكن للنيابة من جهة أخرى أن تعطي رأيها أو تقدم طلباتها حول كل طلب يتقدم به الجاني ويتعلق بالإفراج المؤقت، كما تطلع على كل الأوامر Mondats التي تصدر عن قاضي التّحقيق.
كما يجوز للنيابة أن تلتمس من قاضي التّحقيق في أي حالة كان عليها التّحقيق بمقتضى طلبات إضافية أن يقوم بأي عمل يراه صالحا لإبراز الحقيقة 'المادة 69 إجراءات).
ومن هنا يظهر بأنّه للنيابة العامة سلطة حقيقية في إدارة
التّحقيق وكذلك سلطة رقابة، فتستطيع
في أي وقت أن تطلب إرسال ملف التّحقيق إليها، كما يمكنها الحضور لجلسات
الاستجوابات والاستماع إلى الطرف المدني وكذا الانتقال للمعاينة والتّفتيش.
وبصفتها طرفا مدعيا، فإنّ النّيابة العامة لها الحق في أن تطعن بالاستئناف في كل أوامر قاضي التّحقيق (المادة 170 إجراءات)، كما أنّ لها وحدها تقدير ما إذا كان ثمّة محل لطلب إعادة التّحقيق بناءًا على الأدلة الجديدة (مادة 175).
أمّا عند المحاكمة، فإنّ للنيابة العامة بصفتها طرفًا مدعيا الحق في إبداء ملاحظاتها أثناء الجلسة، فتستطيع توجيه أسئلة بنفسها للشهود، كما أنّها وبمقتضى طلبات شفوية تشتمل على ملخص للوقائع تقوم بإقامة الدليل على ارتكاب الجريمة وتطلب عادة تطبيق العقوبة التي يقرّها القانون لها (353)، وليس معنى هذا أنّ النّيابة تطلب دائما تطبيق العقوبة فقد تطلب تبرئة المتهم كما تستطيع أن تطلب إبطال الإجراءات التي التمست بها الجهة القضائية.