Public International Law is a subject that belongs to the Dicovery Unit, it is directed to the 2nd year students of Law. Its main objective is to introduce the content of the legal rules that govern the international relations, especially between the States, the States and the other subjects like the international organizations.
This course (besides the other subjects) will help the students to acquire the knowledge that is necessary to make methodological analyses to several problematic issues that are witnessed on the international scale such as Treaties, disputes and wars.
Through a series of lectures, the student will understand the function of the Public International Law as well as its limitations, the fact that enables them to make critical analyses.
- Trainer/in: HANANE BRAHMI
- Trainer/in: Amine Mohamed ADDA BOUHADDA
- Trainer/in: abdelkader khadouma
- Manager/in: LAHOUARIA ANSEUR
دروس في قانون العقوبات ( لطلبة السنة الثانية ليسانس ل.م.د الفرع الثالث)
النّظرية العامة للجريمة
L.M.D.
من إعداد الأستاذة مروان نسيمة
السنة الجامعية 2021/2022
تشتمل هذه المقدمة على دراسة قانون العقوبات والتي سوف نحاول من خلالها
التعريف به كفرع من فروع القانون وتوضيح أهميته ومكانته في النّظام القانوني، ثم
التعرض إلى علاقته بالقوانين والعلوم الأخرى متبعين في ذلك التقسيم التالي:
التّعريف بقانون العقوبات وأهميته ومكانته في النّظام القانوني
في المبحث الأول ثم نتعرض في المبحث الثاني إلى علاقة قانون العقوبات بالقوانين
والعلوم الأخرى.
الفصل الأول: تعريف قانون العقوبات
المبحث الأول: التّعريف بقانون العقوبات وأهميته ومكانته في النّظام القانوني
يعرف قانون العقوبات أو القانون الجنائي بأنّه ذلك الفرع من فروع القانون الذي يحدد الأفعال التي تعتبر جرائم، ويبين العقوبات المقررة لها. ويهدف هذا القانون إلى تلافي ارتكاب الجرائم عن طريق التّهديد بتوقيع العقوبة المقررة لكل جريمة، كما يهدف أيضا إلى قمع الأفعال التي ترتكب فعلا والتي تهدد سلام المجتمع وأمنه سواء كانت هذه الأفعال إيجابية أو مجرد امتناع.
وقد أطلق على هذا القانون تعبير أو مصطلح قانون العقوبات، لأنّ العنصر الأساسي الذي تحمله نصوصه لمنع وقوع الجريمة وقمعها، هو العقوبة التي توقع على مرتكبيها ويطلق عليها أحيانا أخرى القانون الجنائي، وذلك لأنّه من بين الأفعال التي تهدد أمن المجتمع وسلامته، الجنايات والتي تعتبر أشد وأخطر أنواع الجرائم في التّقسيم القانوني لها[1].
وقد أخذ البعض على أنّ تعبير قانون العقوبات يوحي بأنّ
موضوعه يقتصر فقط على بيان العقوبة دونّما بيان أو تحديد الجريمة، زد على ذلك أنّ
التّشريعات الحديثة لم تعد تقصر آثار الجريمة على مجرد توقيع العقوبة، حيث أنّها
تقرر أيضا ما يعرف بتدابير الأمن التدابير الاحترازية، وهو ما أخد به المشرع
الجزائري اذ أنّه أقرّ الباب الثاني من الجزء الأول لتدابير الأمن، وهذه التدابير
ليست لها صفة الجزاء
أو صفة العقوبة، ذلك أنّها لا تستهدف عقاب الجاني بقدر ما تستهدف وقاية المجتمع من
الخطورة الكامنة فيه[2].
ومن تم فقد قيل بأنّ إطلاق تعبير قانون العقوبات لا يصدق على تدابير الأمن، ويرى جانب أخر من الفقهاء أنّ تعبير القانون الجنائي هو أكثر دلالة على موضوع أحكام هذا القانون، فلفظ جنائي مشتق من الجناية وهي كما سبق ذكره أكثر الجرائم خطورة، كما يصدق على تدابير الأمن باعتبارها نظام خاص ليس له طابع العقوبة أو الجزاء.
ولكن رغم هذه الانتقادات الموجهة إلى تعبير قانون العقوبات، فإن هذه التسمية قد رسخت واكتسبت مدلولا محددا لمجموعة القواعد التي تحدد الجرائم وتبين العقوبات المقررة لها، واستعمل التعبير الثاني وهو القانون الجنائي، بمعنى أوسع بالإضافة إلى الجرائم والعقوبات المقررة لها، قواعد الإجراءات الجنائية.
المطلب الأول : أهمية قانون العقوبات
يحتل قانون العقوبات أهمية كبيرة كبرى في النّظام القانوني كله سواء من الناحية التاريخية أو من الناحية العملية:
فإنّ القوانين البدائية كانت في مجموعها قواعد جنائية، فالقوانين القديمة كانت تحمل في نصوصها أنواعا من العقوبات توقع على كل من خالفها، لذلك فإنّ تاريخ قانون العقوبات يعتبر حقيقة بمثابة مرآة تعكس تاريخ الحضارة الإنسانية[3].
إنّ أحكام قانون العقوبات تتقلص وتقل كلما تطورت المجتمعات، فالكثير من العقوبات القديمة قد ألغي في المجتمعات الحديثة، حيث ذهب "اهرنج" إلى القول أن: "تاريخ العقوبة هو تاريخ الغائها المستمر"[4].
إلا أنّ التّاريخ المعاصر
أثبت أهمية الدور الذي يلعبه قانون العقوبات سواء في زمن السّلم
أو في زمن الحرب. وفي عصورنا الحديثة يمتد نفوذ قانون العقوبات ويتسع نطاقه وبصفة
خاصة نتيجة التّغيرات الاجتماعية والثورات المستمرة التي تعطي لأحكام هذا القانون
أهمية متزايدة.
وتزداد هذه الأهمية بزيادة مهام الدولة وتدخلها في مختلف نشاط الأفراد والجماعات حيث لجأت الدولة إلى قانون العقوبات في نطاق نشاط الإدارة[5]، والاقتصاد[6]، التّجارة[7]، والأسرة[8]، فقد جرم المشرع أفعال كثيرة تتصل بالتّشريع الضريبي وممارسة التّجارة والتّشريعات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فإنّه من الناحية العملية أيضا تبدو الأهمية الكبرى لأحكام قانون العقوبات إذا أخذنا في الاعتبار خطورة المصلحة محل الدعوى الجنائية. فالدعوى المدنية أو التجارية تتعلق بمصالح مالية بين طرفين أو أكثر، ولا تتجاوز خطورتها فقدان أحد الطرفين المبالغ المطالب بها أمام القضاء، أمّا الدعوى الجنائية فإنّ هذه المصلحة ليست مبلغا من المال قد يفقده أحد المتخاصمين بل عن مصلحة تمس شرفه وحريته وحياته أيضا، اذ أنّ فقدان الدعوى يعني الحكم عليه بأحكام تسلبه حريته كعقوبة السّجن أو تسلبه حياته كعقوبة.
المطلب الثاني : مكان قانون العقوبات في النّظام القانوني
يقصد بالنّظام القانوني مجموعة القواعد القانونية السّارية فعلا في لحظة معينة وفي دولة معينة بالذات. فعندما يقال مثلا النّظام القانوني الجزائري، يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم وعلاقاتهم بالسّلطات العامة، والقواعد التي تنظم هذه السّلطات.
أولهما: هل يعتبر القانون الجنائي فرعا من فروع القانون العام أم فرعا من فروع القانون الخاص.
ثانيهما: ما هي علاقة القانون الجنائي بسائر القوانين الأخرى التي يشتمل عليها النظام القانوني، والتي سوف نتطرق لها في المبحث الثاني.
أولا: القانون الجنائي فرع من فروع القانون العام
يعرف القانون العام عادة بأنه ذلك الفرع الذي يقوم بتنظيم الدولة والجماعات العامة الأخرى وعلاقاتها مع الأفراد، تلك العلاقات التي تبدو فيها الدولة وسائر هذه المجموعات العامة كممثلة للسّلطة العامة، فالقانون العام ينظم المصالح المشتركة لكل المواطنين أو لكل أعضاء الجماعة العامة.
وقانون العقوبات هو ذلك الفرع من القانون الذي يشتمل على القواعد التي تنظم ممارسة الدولة لسلطة الزجر ضد الاعتداء على أي حق يحميه المجتمع، وقد يكون هذا الحق للمجتمع في مجموعة كحق الدولة في الأمن الخارجي أو الداخلي وحقها في المحافظة على الأموال العامة، فاذا ارتكبت الجريمة اعتداء على حق المجتمع فلا جدال في أن العلاقة التي تنشأ بارتكابها يختص بها القانون العام، ولكن المشكلة التي تثور عن الاعتداء الواقع على حق فردي، فهل يعتبر هذا الاعتداء اعتداء ينشأ علاقة عامة أي يختص بها القانون العام؟ علاقة تضع الجاني في مواجهة الدولة التي تمثل المجتمع[9].
لا شك أنّه على حق يحميه القانون يضع الجاني في مواجهة المجتمع ذلك لأنّ قانون العقوبات لا يحمي حقا لفرد إلا إذا قدر أهميته للمجتمع ويعني ذلك أنّ الحماية الجنائية للحق هو حق المجتمع بجانب كونه حقا للفرد.
فجريمة الاعتداء على شخص تقتضي تدخل المجتمع لتأمين
الأفراد على حقوقهم الأساسية
في الحياة وفي سلامة الجسم حتى يتاح للمواطنين المساهمة في نشاط المجتمع ومن ثم
كان تأمين هذه الحقوق حقا للمجتمع.
ونخلص من ذلك إلى القول بأنّ القانون الجنائي بجميع فروعه يعتبر فرعا من فروع القانون العام.
ويترتب على ذلك نتائج متعددة:
1- لا يملك الفرد اباحة جريمة ما ولو كان هو المعتدى عليه، فرضا المجني عليه ليس سببا عاما للإباحة.
2- أن الدولة عن طريق النيابة العامة هي صاحبة الدعوى الجنائية حتى ولو عفى المجني عليه على الجاني
3- ليس للمجني عليه أو المضرور من الجريمة أي سلطة على الدعوى الجنائية بعد تحريكها وليس له شأن بتنفيذ العقوبة.
وقد يقال: أنّ هناك بعض الجرائم التي يعلق فيها المشرع تحريك الدعوى الجنائية على شكوى المجني عليه مثل جرائم الزّنا[10] والقذف[11] والسب[12] .....، ولكن خضوع الدعوى الجنائية في هذه الجرائم لشكوى المجني عليه لا تنفى عن قواعد القانون الجنائي المتعلقة بهذه الجرائم صفة قواعد القانون العام لا تنتفي القيمة الاجتماعية للحدود المعتدى عليها والتي يضع لها المشرع جزاء جنائيا ولكن إذا كان المشرع قد علق تحريك الدعوى الجنائية على موقف المجني عليه لذلك لأنه لاعتبارات خاصة به، بشخصية الجاني وبنوع الفعل المعاقب عليه قدر المشرع أن المجني عليه هو الذي يستطيع دون غيره تحديد ملائمة اتخاذ الإجراءات الجنائية وتوقيع العقوبة على الجاني من عدمه.
المبحث الثاني: علاقة قانون العقوبات بالقوانين والعلوم الأخرى
لعلّ ما يميز القاعدة القانونية عن غيرها من قواعد السّلوك الاجتماعي أنها قاعدة ملزمة أي أنّها مصحوبة بجزاء، فالقاعدة القانونية تحدد الحقوق وترسم حدود هذه الحقوق ويضع جزاء لكل اعتداء عليه فتتدخل السّلطة العامة ضد كل من يخرق قواعد القانون.
لذلك فإنّ القانون الجنائي يحمي حقوقا تعترف بها وتقرها
قوانين أخرى، فهو يحمي حق الدولة
في الاحتفاظ بشكل الحكم الذي يقرره القانون الدستوري والقانون الإداري، فيعاقب على
الجرائم المخلة بأمن الدولة كما يحمي الملكية العامة التي تقررها القوانين
واللّوائح العامة.
وهو يحمي الملكية الخاصة التي يقررها القانون المدني فيعاقب على السّرقة والنّصب وخيانة الأمانة والحريق والإتلاف وكلها من جرائم الأموال، كما يحمي حقوق تقرها قوانين الأحوال الشّخصية مثل حماية الحقوق الزوجية بفرض عقوبة على جريمة الزّنى وحمايته حق الحضانة بعقابه على التّخلي عن الطفل.
نخلص من ذلك إلى القول بأنّ القانون الجنائي يقدم الجزاء القوي الرادع للحقوق التي تقررها القوانين الأخرى، الجزاء الذي يكفل احترام أحكام هذه القوانين.
ولذلك ذهب البعض إلى القول بأنّ للقانون الجنائي دورا ثانويا في النظام
القانوني لأنّ دوره يقتصر
إلى حماية الحقوق التي تقررها القوانين الأخرى، فهو دور جزائيDROIT SANCTIONNATEUR .[13]
نخلص من ذلك إلى القول بأنّ القانون الجنائي قد يحمي حقوقا لا تقررها قوانين أخرى كما أنّه يعطى أحيانا مدلولا مختلفا لهذا الحق أو ذاك وهو عندما يتدخل ليحمي حتى الحقوق المقررة بالقوانين الأخرى فذلك نتيجة العجز في الجزاء المقرر بهذه القوانين[14].
وعلى ضوء ما تقدم نستطيع أن نحدد الروابط المتعددة بين قانون العقوبات والقوانين الأخرى على النحو التالي:
المطلب الأول: علاقة قانون العقوبات بفروع القانون العام
أولا: قانون العقوبات والقانون الدستوري
قد تحتوي نصوص الدساتير المعاصرة على بعض الأحكام الجنائية، فتنص على تشكيل محكمة عليا لمحاكمة رئيس الدولة والوزراء[15]، كما ان النظام السياسي والاقتصادي الذي ينشئه الدستور غالبا ما يترتب عليه تعديل في التشريع الجنائي يتفق والأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يحددها الدستور للدولة، كما يحمي قانون العقوبات حق الدولة في الاحتفاظ بشكل الحكم الذي يحدده دستورها[16].
ثانيا: قانون العقوبات والقانون الإداري:
يهدف القانون الإداري إلى ضمان اشباع حاجيات الدولة وإلى تنظيم ممارستها لوظائفها العديدة، ويرى الاتجاه الحديث في التّشريع الجنائي ضرورة تنظيم أحكام وقائية تمنع من ارتكاب الجريمة، والقانون الإداري يلعب دورا هاما في تنظيم هذه الأحكام، خصوصا فيما يتعلق برعاية الصّحة العامة، وخلق المساعدات الاجتماعية في حالات العود والبطالة مما يساعد على خلق ظروف اجتماعية تحد من انتشار الجريمة.
كما يتدخل قانون العقوبات من أجل حماية الملكية العامة التي تقرها أحكام القانون الإداري، ويتدخل أيضا لحماية حق الدولة في نزاهة الوظيفة العامة بعقابه على الرشوة3 مثلا، وعلى اختلاس المال العام، كما يتدخل لحماية حق الدولة في أن يتمتع موظفوها بالاستقلال والطمأنينة[17].
المطلب الثاني: علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاص
يرتبط قانون العقوبات بالقانونين المدني والتجاري
ارتباطا وثيقا، فالقانون الخاص هو الذي ينظم علاقات الأفراد في المجتمع، فهو يحدد
حقوق كل فرد ويضع جزاء ضد كل اعتداء على هذه الحقوق لضمان احترامها، فالجزاء الذي
يضعه القانون الخاص ليس جزائيا أي أنّه لا يتضمن عقوبة، بل يكون
في صورة تعويض أي أنّه في هذه الحالة يمكن جبر الضرر وإعادة الحال إلى ما كان عليه
قبل وقوع الفعل الضار، وهذا ما لا يمكن تصوره في قانون العقوبات لأنّ الضرر هنا هو
الجريمة.
لذلك قد يترتب على الإكراه أو عيب من عيوب الإرادة في ابرام عقد ما البطلان كجزاء، ففي جريمة السرقة والتي هي الاعتداء على ملك الغير بطريقة غير مشروعة، فالجزاء هنا هو التعويض ورد المسروقات، إلا أنّ هذا الجزاء لا يعتبر كافيا أمام جسامة الفعل المرتكب، لذلك يتدخل قانون العقوبات ويعاقب على جنحة السرقة[18].
المطلب الثالث: علاقة قانون العقوبات بقواعد الأخلاق
كان الفلاسفة والمهتمون بدراسة العلوم الجنائية يؤكدون على وجود علاقة وثيقة بين قانون العقوبات وقواعد الأخلاق، وقد أسس هؤلاء الفلاسفة تأكديهم بوجود هذه العلاقة على ما يبدو من ارتباط بين الفعل الذي يجرمه قانون العقوبات وقواعد الأخلاق، فقد لاحظوا أنّ الأفعال التي يجرمها قانون العقوبات كالسرقة والقتل والنّصب وخيانة الأمانة والتحريض عل الغش وكذلك الغالبية العظمى من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات هي في نفس الوقت أفعال تجرمها قواعد الأخلاق.
لذلك يمكننا القول بأنّ قانون العقوبات له طابع أخلاقي بحت، إلا أنّ هذا القول في اطلاقه قد يتنافى مع الحقيقة، فالغالبية العظمى من الفعال التي تتعارض مع قواعد الأخلاق لا يجرمها قانون العقوبات وليس لها أي جزاء جزائيا، فالكذب مثلا تفرضه قواعد الأخلاق، ولكن مخالفتها لا تعرض صاحبها لجزاء جنائي لخروجها من دائرة الأفعال التي يجرمها قانون العقوبات.
إنّ قانون العقوبات لا يجرم إلا الأفعال التي من شانها الإضرار بأمن المجتمع وتعكير السلم الاجتماعي بغض النظر عن مخالفة الأفعال لقواعد الأخلاق أو عدم مخالفتها، أمّا فيما بتعلق بتعارض كثير من الأفعال التي يجرمها قانون العقوبات مع قواعد الأخلاق، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة إضفاء الصّفة الأخلاقية على قواعد قانون العقوبات، وإنّما يعني أنّ لكل من الأخلاق وقواعد قانون العقوبات دائرة نفوذ مستقبلة.
المطلب الرابع: علاقة قانون العقوبات بالعلوم الاجتماعية
يرتبط قانون العقوبات بالعلوم الاجتماعية بصفة خاصة بالاقتصاد السياسي، فإنّ شكل ملكية وسائل الإنتاج والاستهلاك من ناحية أخرى يمثلان الأساس الذي يبنى عليه شكل المجتمع كما يحددان طبيعة القاعدة القانونية بصفة عامة (قانون الجنائي أو الإداري أو المدني...)[19].
ولتوضيح ذلك أي طبيعة الارتباط بين القانون وبين شكل الإنتاج نقول إنّ الإنسان يسعى مدفوعا بغريزته الطّبيعية إلى اشباع حاجاته للبقاء، وذلك ضرورة من ضروريات الحياة، ولما كان هذا العمل لا يمكن أن يؤدى إلا في المجتمع فإنّ الإنسان يدخل علاقات اجتماعية مع غيره من الأفراد أثناء عملية الإنتاج.
المبحث الثالث: تعريف قانون العقوبات
يشمل قانون العقوبات من ناحية قانون العقوبات بالمعنى الصّحيح الذي يضم القواعد الموضوعية للجريمة، ومن ناحية أخرى قانون الإجراءات الجزائية، وهو التّقييم القديم الذي أنشأه قانون نابليون بصدور مجموعتين: مجموعة قانون العقوبات ومجموعة الإجراءات الجنائية
المطلب الأول: قانون العقوبات: ويقسم إلى:
قانون
العقوبات بمعناه الصّحيح هو الذي يحتوي الأحكام العامة التي تحكم الجرائم
والعقوبة، فيحدد الأركان الأساسية للجريمة وأحكام المسؤولية الجنائية وأنواع
العقوبات وأسباب تشديدها وظروف تخفيفها
أو إلغائها أو وقفها أو انقضائها، كما يحتوي القسم العام على المبادئ الأساسية
التي يقوم عليها القانون الجنائي الحديث.
ويشتمل
على تعريف كل جريمة على حدى وعلى الظروف الخاصة لكل جريمة والتي قد تؤدي
إلى تخفيف أو تشديد العقوبة، كما يبين الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة المقررة
لكل جريمة.
وقد أخذ المشرع الجزائري بهذا التّقسيم فقد أفرد قانون العقوبات الصادر بالأمر 66-156 بتاريخ 08 يونيو سنة 1966، الجزء الأول[20] (الكتاب الأول والثاني)، الأحكام العامة التي تخضع لها العقوبات ومن العقوبات المختلفة وبين الأفعال المعاقب عليها وفرق بينها بحسب درجة خطورتها، كما يبين الأشخاص الذين تنطبق عليهم العقوبة، وفي الجزء الثاني والثالث والرّابع بين القانون كل الجرائم كل على حدى وحدد أركانها والعقوبة المقررة لها وبالتالي فإنّ القسم العام، قد احتوى في الواقع على أغلب الأحكام المشتركة لكل الجرائم والعقوبات ثم ركز الدّراسة عن تكرار الأحكام المشتركة عند دراسة كل جريمة على حدى.
المطلب الثاني: قانون الإجراءات الجزائية:
إنّ قواعد قانون العقوبات ليست صالحة لتطبيق بدون قواعد تحدد إجراءات تطبيقها وتبدأ هذه الإجراءات منذ لحظة وقوع الفعل المعاقب عليه أو اكتشاف السّلطات له.
ويطلق على هذه الإجراءات: قانون الإجراءات الجنائية الذي يقوم بتنظيم نشاط اسّلطة العامة لتحقيق الجريمة ومحاكمة مرتكبيها وتنفيذ العقوبة فيه.
كذلك ينقسم قانون الإجراءات الجزائية إلى قسمين:
يشمل القسم الأول على أحكام تنظيم القضاء الجزائي واختصاصات السّلطات القضائية الجنائية، ويشتمل القسم الثاني على قواعد الإجراءات التي تحكم عمل هذه السّلطات عند وقوع الجريمة من بحث ومتابعة وتحقيق.
وهو يهدف إلى هدفين أساسيين:
الهدف الأول: حماية المجتمع بضمان ألا يفر الجاني من العقاب.
الهدف الثاني: هو حماية حقوق الفرد بضمان ألا يدان، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.
الفصل الثاني: النّظرية العامة للجريمة
إنّ
الجريمة هي كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر القانون لهذا الفعل عقوبة
أو تدبير من تدابير الأمن، كما أنّ للجريمة في القانون معان متعددة بتعدد أفرع
القانون التي تتناول الجريمة بالدّراسة، فهناك الجريمة الجنائية التي يحددها
القانون الجزائي ولها عقوبة جنائية، في حين هناك جريمة مدنية التي ينص عليها
القانون المدني والتي تكون عقوبتها مدنية، بالإضافة إلى الجريمة الإدارية أو
التأديبية التي يعاقب عليها القانون الإداري واللّوائح الإدارية ولها جزاء إداري.
ولكن إنّ الذي يهمنا هو الجريمة الجنائية والتي سوف تكون دراستنا حول النّظرية العامة لها محددين أولا تعريف الجريمة وعناصرها في مبحث أول وأركانها في مبحث ثان.
تعرّف الجريمة على أنّها كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية ويقرر القانون لهذا الفعل عقوبة أو تدبير ومن هذا التعريف تتضح عناصر الجريمة.
وهو الفعل، فلا جريمة إذا لم يرتكب فعل ويقصد بالفعل السّلوك الإجرامي سواء كان فعلا إيجابيا كتحريك يد السّارق لسرقة مال المجني عليه للإعتداء عليه أو كان امتناعا عن فعل كامتناع القاضي عن الحكم في دعوى طرحت عليه أو امتناع الأم عن إرضاع طفلها حتى يهلك.
والأصل
أن يترتب على الفعل النتيجة التي تعتبر اعتداء على حق، فتحريك الجاني يده لسرقة
مال المجني عليه يجب أن تنتهي إلى نتيجة هذا الفعل وهي نقل المال بطريق غير مشروع
من المجني عليه إلى الجاني، ممّا يميز اعتداء على حق الملكية أي الحيازة والذي
يحميه القانون، كما أنّ الفعل المادي
في جريمة القتل يجب أن تنتهي إلى إحداث وفاة المجني عليه، ممّا يعتبر اعتداء على
حق الفرد
في الحياة وهو أيضا حق يحميه القانون.
ولكن النتيجة ليست عنصرا من عناصر الجريمة إذ أنّ القانون يعاقب أحيانا على الفعل الذي لم تترتب عليه النتيجة المقصودة وهو ما يسمى بالشروع.
وهو كون هذا الفعل غير مشروع أي يجرمه قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، فالاعتداء على الحياة فعل غير مشروع لأنّ قانون العقوبات يجرمه[21] (المادة 254 إلى 263 من قانون العقوبات الجزائري)، كما يشترط أن يقرر القانون عقوبة أو تدبير أمن لهذا الفعل غير المشروع (المادة 01 من قانون العقوبات الجزائري).
ثالثا: أمّا عن الجانب المعنوي:
يشترط توافر إرادة جنائية صدر عنها الفعل غير المشروع ويقصد بالإرادة الجنائية، إرادة الإنسان المدرك المميز واختياره الحر للقيام بالفعل غير المشروع، لذلك يتعين أن تكون إرادة الجاني معتبرة قانونا حتى تعدّ عنصرا في الجريمة.
فإذا انتفت هذه الإرادة فلا تقوم المسؤولية الجنائية ويطلق على الأسباب التي تجرد الإرادة من قيمتها القانونية، بمواقع المسؤولية الجنائية.
وهي
الأسباب التي تجرد الإرادة من القيمة القانونية، فقد حصر المشرع موانع المسؤولية
في الجنون بنص المادة 47 من قانون العقوبات والتي تنص على أنّه: "لا عقوبة
على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة..."، والإكراه: تنص المادة 48 من
قانون العقوبات على ما يلي: "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة
لا قبل له بدفعها".
وصغر السّن والذي تنص عليه المادة 49 (القانون رقم 14-01، المؤرخ في 04 فبراير سنة 2014) لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (10) سنوات، بما يلي: "لا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من13 سنة إلا تدابير الحماية أوالتّهذيب.
ومع ذلك فإنّه في مواد المخالفة لا يكون محلا إلا للتّوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إمّا لتدابير الحماية أو التّهذيب أو لعقوبات مخففة".
فإذا اثبت أن الإرادة كانت معتبرة قانونا فهي توصف بأنّها إرادة جنائية، أمّا صور الإرادة الجنائية فهي القصد الجنائي أو الخطأ الغير العمدي والقصد الجنائي يقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل ونتيجته.
أمّا الخطأ غير العمدي فيقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل دون النتيجة على الرّغم من أنّه في وسع الجاني ومن واجبه أن يتوقع النتيجة وأن يحول دون حدوثها، أو أنّ الجاني توقع النتيجة وأراد أن يحول دون حدوثها ولكن اعتمد على احتياط غير كاف فحدثت على الرّغم من ذلك.
الفرق بين الجرائم الجنائية والجرائم الأخرى
- الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
ينص القانون المدني على أنّ كل من تسبب بخطئه في إحداث ضرر بالغير يلزم بدفع تعويض، ويوصف الفعل الذي سبب ضرر للغير بالجريمة المدنية "Délit civil" على أنّ هذه الجريمة تختلف عن الجريمة الجنائية من حيث:
تحددت صفتها غير المشروعة طبقا لنصوص القانون المدني، أمّا الجريمة الجنائية فقد تحددت صفتها غير المشروعة طبقا لنصوص قانون العقوبات، ولا يحدد بالتّفصيل الأفعال التي يعتبرها غير مشروعة وإنّما يكتفي بوضع قاعدة عامة تلزم المتسبب بخطئه في إحداث ضرر بالغير بدفع تعويض، بينما يحدد قانون العقوبات بالتّفصيل الأفعال غير المشروعة في نصوص عديدة منه.
الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية أو الإدارية:
الجريمة
التأديبية هي إخلال شخص ينتمي إلى هيئة بالواجبات التي يلقبها على عاتقه انتمائه
إليها، مثال ذلك إخلال الموظف العام بواجبات وظيفته المنصوص عليها في قوانين
التّوظيف ومصدر هذه الجرائم هي القوانين العامة واللّوائح التّنظيمية والأنظمة
الخاصة بالهيئة، كما أنّ أركان الجريمة تختلف عن أركان الجريمة الجنائية ولا يشترط
في معظم الأحيان توافر القصد الجنائي في الجريمة التأديبية، كما أنّ العقوبة
الإدارية تختلف عن العقوبة الجنائية فهي تقتصر على الفصل أو الخصم من المرتب
أو الوقف عن العمل أو التنزيل من الوظيفة...
وأحيانا قد يتسبب الفعل الواحد قيام الجريمتين مثل اختلاس الموظف العام، فالاختلاس جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، كما أنّها مخالفة إدارية تستوجب المساءلة التأديبية ومن هنا يتضح أنّ ما يميز الجريمة الجنائية عن غيرها من الجرائم هو العقوبة أو التدبير الإحترازي.
للجريمة أركان ثلاثة: الرّكن الشرعي، الرّكن المادي والرّكن المعنوي.
ونعني به الصّفة غير المشروعة للفعل ويشترط لذلك شرطان:
أ. خضوع الفعل لنص التّجريم يقرر له القانون عقوبة.
ب.عدم توافر سبب من أسباب الإباحة التي تضفي على الفعل المجرم صفة الشرعية.
ونعني به المظهر الخارجي للفعل غير المشروع ويشمل على عناصر ثلاث:
أ.الفعل: وهو النّشاط الإجرامي للجاني إيجابيا كان أو سلبيا.
ب. النتيجة: وهو الأثر المترتب على الفعل والذي يعتبر اعتداء على حق يحميه القانون.
ت. علاقة السّببية: وهي الرّابطة التي تربط بين الفعل والنتيجة وتثبت أنّ وقوع النتيجة كان بسبب ارتكاب الفعل.
ونعني به الإرادة التي اقترنت بالفعل سواء اتخذت صورة القصد الجنائي، حيث توصف الجريمة بأنّها عمدية أو اثبتت صورة الخطأ غير العمدي، حيث توصف هنا الجريمة أنّها غير عمدية.
إنّ الأركان الثلاثة التي سبق شرحها يجب أن تتوافر في كل جريمة فإذا انتفى أحدها انتفت معه صفة الجريمة على الإطلاق.
ولكن هناك بعض الأركان الأخرى الواجب توافرها في كل جريمة على حدى، تميزها عن غيرها فمثلا في جريمة القتل يشترط كون المجني عليه أن يكون حيا "Vivant" وقت ارتكاب الجريمة، وقد اختلف الفقهاء فمنهم من اعتبر هذا الرّكن خاصا بجريمة القتل العمد ومنهم من اعتبره تطبيقا للرّكن الشرعي للجريمة بصفة عامة، إذ أنّه يشترط لتطبيق العقوبة ولتطبيق النّص الاعتداء على حياة المجني عليه، الأمر الذي يفترض وجوده على قيد الحياة، مثل ارتكاب جريمة القتل فهي واقعة الرّكن الشرعي أي بدونه لا يتوافر الرّكن الشّرعي لجريمة القتل الذي يتطلب بداهة وجود المجني عليه حيا قبل ارتكاب الجريمة حتى يؤدي الفعل المعاقب عليه وهو وفاة المجني عليه.
هناك نوعان من الظروف: الظروف التي تغير من وصف الجريمة والظروف التي تغير من العقوبة.
الظروف التي تغير من وصف الجريمة:
هناك جرائم تحمل اسما واحدا وتشترك في نفس الأركان الخاصة ولكن يحمل كل منها وصفا قانونيا محدد أو يطلق على العنصر الذي يحدد الوصف القانوني للجريمة "بالظروف التي تغير من وصفها".
ومثال على ذلك فإنّ قانون العقوبات يعاقب على مجموعة من الجرائم تحمل اسم السّرقة[22] (المواد 350 إلى 362 من قانون العقوبات) وتشترك هذه الجرائم التي تحمل اسما واحدا في أركانها الخاصة، ولكن هناك ظروف تغير من وصف كل جريمة وبالتالي من العقوبة المقررة لها.
1. الظروف التي تغير من العقوبة:
هذه
الظروف لا تغير من وصف الجريمة بل تبعا على وصفها الأصلي وتخضع لنفس النّص
القانوني، فهي ظروف لا شأن لها بعناصر الجريمة وإنّما تتصل بالجاني وبمقدار
الخطورة الكامنة
في شخصه كحالة العود مثلا التي يترتب عليها تشديد العقوبة دون أن يتغير وصف
الجريمة.
وهناك أيضا الأعذار القانونية التي تكوّن أعذار معفية تماما من العقوبة أو تخفف منها، ولقد وردت في القانون الجزائري على سبيل الحصر وبالتالي ملزمة للقاضي[23].
وهناك أيضا الظروف التي تخفف من العقوبة والتي تختلف عن الأعذار بأنّها جوازية حيث يجوز للقاضي أن يأخذ بها أو أن يتركها، كما أنّها أيضا لم ترد على سبيل الحصر.
وعلى ضوء ذلك يمكننا تقسيم الظروف التي تغير من العقوبة سواء بالتشديد أو التّخفيف إلى:
1. الظروف المشددة للعقاب: كحالات العود والتي تخضع بشأنها جميع الجرائم في قانون العقوبات الجزائري لأحكام المواد (54 مكرر إلى 54 مكرر 10) أو المخالفات[24] (المادة 465 من قانون العقوبات).
2. الأعذار القانونية: هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر والتي يترتب عليها الإعفاء نهائيا من العقوبة أو التّخفيف منها (المادة 52).
3. الظروف المخففة للعقوبة: ووهي ظروف يترتب على توافرها تخفيف العقوبة على الجاني، كما أنّها لم ترد على سبيل الحصر وبناءًا على ذلك فإنّها تترك للسّلطة التقديرة للقاضي.
تنص المادة 27 من قانون العقوبات الجزائري على أنّ الجرائم تقسم إلى جنايات، جنح ومخالفات ولكل نوع من هذه الجرائم عقوبته الخاصة مست ما ورد في نص المادة 5 من قانون العقوبات ما يلي: (قانون رقم 14-01 مؤرخ في 04 فبراير سنة 2014) "العقوبات الأصلية في مادة الجنايات هي:
1) الإعدام؛
2) السّجن المؤبد؛
3) السّجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس (05) سنوات وعشرين (20) سنة، ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى قصوى.
العقوبات الأصلية في مادة الجنح هي:
1) الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى؛
2) الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج؛
العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي:
1) الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر؛
2) الغرامة من 2.000 إلى 20.000 دج."
معيار التّقسيم:
حقيقة أنّه لا يوجد أي صعوبة في التّمييز بين عقوبة الجناية وعقوبة الجنحة أو المخالفة، أمّا التّفرقة بينى عقوبة الجنحة وعقوبة المخالفة فتقاس بالرّجوع إلى حدها الأقصى، والعبرة في تطبيق هذا المعيار تكون بالعقوبة التي ينطق بها القاضي، حيث تنص المادة 28 من قانون العقوبات أنّ فئة الجريمة لا تتغير إذا استعمل القاضي سلطته التقديرية في حالة الظروف المخففة أو في حالة العود وقضي بعقوبة تدخل في فئة أخرى للجرائم.
ولكنها وعلى العكس من ذلك تختلف إذا نص القانون نتيجة للظروف المشددة على عقوبة تزيد على العقوبة المقررة لنفس الفئة.
فالعبرة إذن هي بالعقوبة التي يقررها القانون وليس بالعقوبة التي يقررها القاضي[25].
وتتضح أهمية التّقسيم في:
1. من ناحية سريان القانون من حيث المكان:
يختلف الحكم طبقا لنوع الجريمة فتسري أحكام قانون العقوبات الجزائري على الجنايات التي يرتكبها جزائري خارج أقليم الجزائر نظرا لخطورة هذه الجريمة[26].
2. أحكام الشروع تقتصر على الجنايات والجنح بناءًا على نص خاص ولا شروع في المخالفات.
3. الاتفاق الجنائي يعاقب عليه في الجنايات فقط دون الجنح والمخالفات[27]...(المواد 176، 177، 178 و179 من قانون العقوبات).
4. أحكام العود فإنّها تشمل الجنايات، الجنح وكذلك المخالفات بشروط خاصة[28].
5. الظروف المخففة[29] (المادة 53 من قانون العقوبات) والحكم بالمصادرة[30]، تختلف أحكامها بحسب نوع الجريمة.
قانون العقوبات هو الذي يحدد الجرائم أي الأفعال غير المشروعة ويضع لها عقابا، فلا وجود لجريمة بدون نص تشريعي المادة 1 من قانون العقوبات الجزائري ويقصد بالرّكن الشّرعي للجريمة الصّفة الغير مشروعة للفعل بشرط ألا يكون هناك سبب من أسباب الإباحة.
المبحث الأول: خضوع الفعل لنص التّجريم
ويقصد بنص التّجريم النّص القانوني الوارد في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، ومن البديهي أنّ القانون يتضمن نص تجريم عام تخضع له كل الأفعال المحظورة، وإنّما يتضمن عددا من نصوص التّجريم بقدر عدد الأفعال التي يحظرها، كما يحدد المشرع الشروط التي يتطلبها الفعل حتى يخضع لهذا النّص ويصبح فعلا مشروعا.
واشتراط خضوع الفعل لنص التّجريم يعني حصر مصادر التّجريم والعقاب في النّصوص التّشريعية وبهذا الحصر ينشأ مبدأ أساسي والذي يطلق عليه " مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" وهو المبدأ المرادف لتعبير "لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بغير نص قانوني" المادة 1 من قانون العقوبات[31].
المطلب الأول: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
نعني به كما سبق وأن ذكرنا حصر الجرائم والعقوبات فنصوص القانون بتحديد الأفعال التي تعتبر جرائم وبيان أركانها وفرض العقوبات على هذه الأفعال، فعلى القاضي تطبيق ما يضعه المشرع من قواعد في هذا الشأن وعليه فلا يستطيع تجريم فعل ما لم ينص القانون على تجريمه.
وتتضح أهمية المبدأ من خلال:
1. هو ضمان أكيد لحقوق المواطنين وحرياتهم فلا يمكن أن يساءل أحد المواطنين عن فعل لم يصدر تجريمه قانونا.
2. يضع المبدأ حدا بين الأفعال المشروعة وغير المشروعة.
3. يعطي المبدأ أساسا قانونيا للعقوبة ويجعلها مقبولة لدى الرّأي العام باعتبارها توقع لمصلحة المجتمع إذ أنّها توقع باسم القانون[32].
المطلب الثاني: نتائج مبدأ الشرعية
أ. إنّ حصر مصادر التّجريم والعقاب في النّصوص التّشريعية يعني استبعاد سائر المصادر الأخرى في فروع القانون كالعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وبالرّغم من ذلك فقد يقتضي تحديد عناصر بعض الجرائم تطبيق قواعد غير جنائية كالسّرقة مثلا التي تقتضي ثبوت ملكية الشيء إلى المجني عليه.
ومن أهم ما يثيره مبدأ الشرعية لدينا:
ب. قاعدة أو مبدأ تفسير الشك لصالح المتهم:
فمتى كان النّص الجنائي شديد الغموض واستحال على القاضي تحديده فإنّ عليه أن يرفع التّفسير الذي يحثث مصلحة المتهم وهي قاعدة اتفق عليها أنّ الشك يجب أن يفسر لمصلحة المتهم وذلك أنّ الأصل في الأفعال الإباحة، فإن لم يستطع القاضي الجزم بما يخالف ذلك تعين اعتبار الفعل مباحا[33].
المطلب الثالث: نطاق سريان النّص الجنائي
إنّ النّصوص التّشريعية ليست أبدية بل قابلة للتغيير بل يجب أن تكون متغيرة لمجابهة التّطور الذي يحدث في العلاقات الاجتماعية، لذلك فإنّ النّص الجنائي شأنه في ذلك شأن النّصوص الأخرى ينشأ في لحظة معينة ويسري ابتداءً من هذه اللّحظة ثم ينقضي في زمن معين عند إلغائه.
والدستور هو الذي يحدد لحظة العمل بالقانون فيشترط النشر بعد الإصدار وبعد النشر يصبح القانون نافذ المفعول ويكتسب سلطانه حتى لحظة إلغائه.
قاعدة عدم رجعية النّصوص القانونية:
الأصل هو أنّ النّصوص الموضوعية ليست لها أثرا رجعي فإنّ نصوص التّجريم لا تسري على الأفعال التي ارتكبت بعد لحظة نفاذه ولا يسري على الأفعال التي ارتكبت قبل هذه اللّحظة.
فالنّص الواجب التّطبيق على الجريمة هو النّص المعمول به لحظة ارتكابها وليس النّص المعمول به وقت المحاكمة وتستند هذه القاعدة لنص المادة 2 من قانون العقوبات الجزائري.
ويستتبع لذلك القول بأنّه لا يجوز أن يطبق نص التّجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان مباحا في ذلك الوقت، كما أنّه لا يجوز أن يطبق نص التّجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان معاقبا عليه بعقوبة أشد ممّا يقضي به النّص الجديد.
وهذه القاعدة مستمدة من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ذلك لأنّ هذا المبدأ لا يتطلب نصا يجرم الفعل المرتكب، فإذا طبق على الفعل نص لم يكن ساريا وقت ارتكاب الفعل فمعنى ذلك تقرير عقاب على فعل بمقتضى نص لم يكن ساريا وقت ارتكابه وهو إخلال بمبدأ شرعية الجرائم.على أنّ قاعدة عدم رجعية النّصوص القانونية ليست مطلقة فالنّصوص الأصلح للمتهم لا تخضع لها كما أنّ النّصوص التّفسيرية لتّشريع لا تخضع لها أيضا، والنّصوص التّفسيرية للتشريع هي النّصوص التي لا يستهدف بها المشرع إضافة لأحكام جديدة أو تعديل أحكام قائمة وإنّما يستهدف بها مجرد توضيح نصوص سابقة والنصوص التّفسيرية تلحق بالنّصوص السابقة التي صدر تفسيرا لها وتندمج فيها، ويترتب على ذلك سريانها على كل ما تسري عليه هذه النّصوص.
ولا يحول ذلك كون النّصوص التّفسيرية تقرر تفسيرا أشد على المتهم ممّا كان يذهب إليه القضاء ولو كان من نتائج التّفسير الجديد أن يتسع نطاق النّص إلى ما لم يكن يتسع له طبقا للتّفسير القديم، ولا يعتبر ذلك استثناءًا طالما أنّ القانون التّفسيري لا يضيف قواعد تجريم ولا يشدد العقاب الذي كانت تقرره القواعد السابقة[34].
إنّ تطبيق القاعدة يقتضي تحديد وقت العمل بالقانون وتحديد وقت ارتكاب الجريمة، فبالنّسبة لتحديد وقت العمل بالقانون فإنّه لا يثير أي مشكلة لأنّه كما سبق وأن أشرنا فإنّ الدستور هو الذي يحدده، أمّا وقت ارتكاب الجريمة، فهو وقت ارتكاب الفعل المكون لها وليس وقت تحقيق النتيجة.
مثال: لو أعطى شخص لآخر سما بطيئا بم يؤدي إلى الوفاة إلا بعد وقت طويل، فالعبرة هنا بوقت إعطاء السّم وليس بوقت الوفاة، إذ أنّ القانون يعاقب على الفعل الذي يمثل نشاطا إجراميا والذي يجرمه القانون وتحديد وقت ارتكاب الجريمة يثير صعوبات في بعض أنواع الجرائم، كالجرائم المستمرة والمتتابعة وجرائم الاعتداء[35].
الاستثناء من قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي:
ونقصد بها رجعية النّص الأصلح للمتهم واستثناء من قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي فقد نصت المادة 2 من قانون العقوبات الجزائري على أنّه: "لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدّة".
"لا يسري قانون العقوبات على الما إلا ما كان منه أقل شدة وبذلك فإنّ قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي يقتصر تطبيقها على النّص الذي يجعل من فعل مباحا جريمة أو الذي يشدد من عقاب فعل كان معاقبا عليه من قبل بعقوبة أخف.
وتطبيقا لذلك فإذا ارتكب شخصا فعلا يعاقب عليه وقت ارتكابه ثم صدر قانون أخر نفى الصّفة الإجر...... الفعل أو قرر عقوبة أخف طبق القانون الجديد على المتهم.
وإذا كان أساس قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي يكمن في مبدأ الشرعية باعتبار أنّ الفعل يعتبر جريمة أو غير جريمة طبقا للقانون النافذ وقت ارتكابه وعلى ذلك فإنّ نصوص التّجريم لا تسري إلا على الأفعال التي وقعت بعد نفاذها.
أ.شروط تطبيق مبدأ رجعية القانون الأصلح للمتهم:
1. التّحقق من صلاحية القانون الجديد للمتهم.
2. ألا يصدر القانون الجديد قبل صدور حكم نهائي على المتهم.
3. ألا يكون القانون القديم من القوانين المحددة الفترة.
ثانيا: تطبيق النّص القانوني من حيث المكان
ترتكز مبادئ تطبيق النّص الجنائي من حيث المكان على أربعة قواعد أساسية:
1. إقليمية النّص الجنائي:
ونعني بالإقليمية أن يطبق النّص الجنائي الجزائري مثلا على كل جريمة ترتكب في الإقليم الخاضع لسيادة الدولة الجزائرية أيا كانت جنسية مرتكبها.
2. شخصية النّص الجنائي:
ونعني بها تطبيق النّص الجنائي الجزائري على كل جريمة يرتكبها جزائري أيا كان إقليم الدولة الذي ارتكب فيه جريمته.
3. عينية النّص الجنائي:
ويقصد بها تطبيق النّص الجنائي الجزائري على كل جريمة تمس الحقوق الأساسية للدولة الجزائرية أيا كان إقليم الدولة الذي ارتكبت فيه جريمته.
4. عالمية النّص الجنائي:
ونعني بذلك أن يطبق النّص على كل جريمة يقبض على مرتكبها في إقليم الدولة الجزائرية أيا كانت جنسية ومكان الجريمة.
على أنّ التّشريع الجزائري لا يلجأ إلى مبدأ واحد من هذه المبادئ وإنّما يستعين بمعظم هذه المبادئ على أنّ المبدأ الرّاجح والذي يعتبر بحق هو المبدأ الأساسي في تطبيق النّص الجنائي من حيث المكان هو مبدأ إقليمية النّص.
المبحث الثاني: عدم خضوع الفعل لسبب من أسباب الإباحة
أسباب الإباحة أو الأفعال المبررة Faits justificatifs
لا يوصف الفعل بأنّه غير مشروع إذا ثبت أنّه لا يخضع لسبب من أسباب الإباحة أنّ انتهاء أسباب الإباحة يعتبر إذن عنصرا يقوم عليه الرّكن الشرعي للجريمة.
ويفترض سبب الإباحة في الأصل خضوع الفعل لنص تجريم واكتسابه ابتداءً صفة غير مشروعة ولكن يترتب على هذا السّبب إفراج الفعل من نطاق التّجريم، فيتحول الفعل عندئذ إلى فعل مشروع وتنتفي عنه الصّفة الغير مشروعة، لذلك فإنّ علّة التّجريم وعلّة الإباحة مرتبطتان.
علّة التّجريم: هي حماية حق أو مصلحة.
علّة
تجريم الفعل هي حماية الحق في الحياة، علّة تجريم الضرب أو الجرح هي حماية الحق
في سلامة الجسم، علّة تجريم السّرعة هي حماية الملكية.
علّة الإباحة: هي انتفاء علّة التّجريم، أي كون الفعل لا ينال حقا بالاعتداء سواء الحق في الحياة أو الحق في سلامة الجسم أو الحق في الملكية.
المطلب الأول: الفرق بين أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
موانع المسؤولية هي أسباب التعرض لمرتكب الفعل فتجعل إرادته غير معتبرة قانونا بأن تجردها من التّميز أو حرية الإختيار، فموانع المسؤولية ذات طبيعة شخصية ومجالا هو إرادة الجاني، كصغر السّن والجنون... وبالتالي فإنّ تأثير موانع المسؤولية يتصرف إلى الرّكن المعنوي للجريمة كما سنرى، وبذلك لا تقوم المسؤولية الجنائية أي أنّها تنحصر في إرادة الجاني والرّكن المعنوي للجريمة يقتصر أثرها على من توفرت فيه.
أمّا أسباب الإباحة وهي موضوعية تزيل التّكييف الغير مشروع للفعل فتهدم بذلك الرّكن الشّرعي للجريمة ويمتد أثرها تبعا لذلك إلى كل من ساهم في الجريمة.
المبحث الثالث: أسباب الإباحة في قانون العقوبات الجزائري
تنص المادة 39 من قانون العقوبات على أنّه: "لا جريمة:
1. إذا كان الفعل قد أمر أو إذن به القانون.
2. إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدّفاع المشروع عن النّفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشّخص أو للغير بشرط أن يكون الدّفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء"
المطلب الأول: ما يأمر أو يأذن به القانون
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنّه: "لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون، ولم يحدد النّص الأفعال التي تدخل في نطاق الإباحة لذلك فإنّ النّص له مدلول عام ومطلق على جميع الأفعال سواء كانت هذه الأفعال من قبيل القتل أو الضرب أو غيرها من الأفعال.
إذ أنّ المشرع الجزائري لم يحدد الأفعال التي يبيحها أمر القانون ولم يحصرها في أفعال معينة طبقا
ويبدو من ظاهر النّص أنّ الشرط الوحيد لاعتبار الفعل مباحا أن يأمر أو يأذن به القانون ولكن تحت هذا الشرط تندرج شروط وتطبيقات متعددة.
أولا: أمر القانون:
تنفيذ أمر القانون يتخذ بشكل التّنفيذ المباشر لأمر القانون، كما يتخذ شكل استعمال سلطة شرعية لاختصاصها الذي حدده القانون، وتعتبر الأفعال التي أمر بها القانون سواء مباشرة أو تنفيذ لأوامر السّلطة أفعالا مباحة لا يعاقب عليها، فأمر القانون يكفي بمفرده عندما يوجه هذا الأمر إلى فرد معين سواء أكان هذا الفرد موظفا أو شخصا عاديا.
كما هو الحال في حالة قيام شخص بالقبض على الجاني في حالة تلبس بجناية أو جنحة أو اقتياده إلى أقرب مركز للشرطة وهو ما تنص عليه المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يمكن أن يندرج تحت أمر القانون قيام الطّبيب تطبيقا لقوانين الصّحة العامة بالتّبليغ عن حالة مرض معدي يجب الإبلاغ عنه، ولا يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة إفشاء السّر المهني المعاقب عليها بنص المادة 301 من قانون العقوبات، ففي هذه الحالة هناك أمر مبرر صدر عن قاعدة قانونية ويجب على الكافة احترام هذا الأمر وتنفيذه وتعتبر الأفعال التي تقع لهذا الأمر أفعالا مباحة.
ثانيا: إذن القانون:
استعمل
المشرع لفظ إذن القانون ويقصد من هذا التّعبير أنّ بإذن القانون لصاحب الحق
في استعمال حق، فلاشك إذا قرّر القانون حقا اقتضى ذلك بالضرورة إبادة الوسيلة إلى
استعمال هذا الحق، أي إباحة الأفعال التي تستهدف الاستعمال المشروع للحق، سواء
للحصول على ما يتضمنه من مزايا أو لمباشرة ما يخوله من سلطات وأساس اعتبار استعمال
الحق مسببا للإباحة وجود تحقيق الإنسان بين قواعد القانون، إذ أنّه من غير المعقول
أن يقدر القانون حقا ثم يعاقب على الأفعال التي تستهدف استعمال هذا الحق.
ومثال على ذلك العقاب التأديبي الذي يكون للأب والوصي والأم وهو كذلك للولي عند عدم وجود الأب والذي يقصد التّهذيب والتأديب، فإذا خرج من مضمونه استوجب الفعل المساءلة وأن يكون من حيث وسيلته محدودا أي ان يكون خفيفا بغير تعب.
1- حق مباشرة الأعمال الطّيبة:
فالعمل الطّبي هو نشاط يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطّبيب ويهدف إلى شفاء المريض وعلاجه وتخليصه من آلامه أو التّحقيق من حدّتها وحتى يأذن به القانون يجب أن يقوم بالعمل شخص رخص له القانون بمزاولة هذا العمل، وأن يكون أيضا رضاء المريض، فالقانون يرخص للطّبيب علاج المريض إذا دعاه إلى ذلك فرضاء المريض لسبب الإباحة، وإنّما سبب الإباحة إذن القانون للطّبيب بمباشرة مهنة الطّب.
2- حق ممارسة الألعاب الرّياضية:
والتي
تفترض ممارسة العنف والمساس بسلامة جسم اللاعب كما هو عليه الحال في الملاكمة
أو المصارعة ولا تعتبر الأفعال التي تمس بسلامة جسم اللاعب في ممارسة الرّياضة
أفعال غير مشروعة ولا يسأل مرتكبها مسؤولية جنائية وإباحة هذه الألعاب يجب توافر
شروط وهي:
- أن تكون اللّعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرّياضي؛
- أن يكون العنف أو الأفعال التي أفضت بسلامة الجسم قد ارتكبت أثناء المباراة الرّياضية؛
- أن يكون هناك اتساق بين الفعل الذي مس بسلامة جسم اللاعب وبين قواعد اللّعبة المتعارف عليها فإذا خرج اللاعب عن هذه القواعد متعمد إيذاء اللاعب الآخر كان مسؤولا عن جريمة عمدية، وإن كان خروجه عليها نتيجة خطأ غير عمدي فهو مسؤول عما يترتب على فعله مسؤولية غير عمدية.
المطلب الثاني: الدّفاع الشّرعي
الدّفاع الشّرعي هو استعمال القوة اللازمة لصد خطر اعتداء حال وغير مشروع، وهو يعتبر حقا عاما تقرره القوانين في مواجهة الكافة ويقابله التزام النّاس باحترامه وعدم مقاومة استعماله، لذلك يعدّ غير مشروع كل فعل يفوق استعمال الدّفاع الشّرعي، بل أنّ المعتدي لو قاوم أفعال الدّفاع تعتبر مقاومته غير مشروعة لأنّها مقاومة لاستعمال حق مشروع قرّره القانون.
ولقد
اقتبس المشرع الجزائري نصوص المواد 327 و328 من قانون العقوبات الفرنسي القديم[36]
في المادة المادة 39 -2 والمادة 40 من قانون
العقوبات الجزائري، ولكي يتحقق الدّفاع الشّرعي لابد من توافر شروط والتي تتمثل
في:
أولا: الشروط الواجب توفرها في الخطر:
الخطر هو اعتداء محتمل أي أنّه اعتداء لم يقع بعد ويستهدف الدّفاع الحيلولة دون تحققه بتحويل الخطر ويستوي ألا يتحقق الاعتداء على الإطلاق أو أنّ يتحقق في جزء منه، فالخطر قائم في حالتين والدّفاع المتصور، أمّا إذا تحقق الاعتداء كله فلا محل للدّفاع كما أنّه إذا لم يكن ثمة خطر على الإطلاق، لأنّه لم يرتكب فعل أو ارتكب فعله ولكنه لا يهدد بخطر فلا محل للدّفاع، وقد اشترط القضاء الفقه في فرنسا شروطا معينة في الخطر وهي شروط يتضمنها أيضا نص قانون العقوبات الجزائري وهذه الشروط:
الشرط الأول: أن يهدد الخطر النّفس أو المال
توسع المشرع الجزائري في تحديد الخطر الذي يقوم به الدّفاع الشّرعي فنص على أنّ الدّفاع قد يكون عن النّفس أو عن نفس الغير كما قد يكون عن المال، سواء مال المدافع أو مال الغير ولم يتطلب أية صلّة تربط بين صاحب الحق المعتدى عليه.
الشرط الثاني: أن يكون الخطر حالا
وهو ما يعبر عنه النّص بلفظ "الضرورة الحالة" للدّفاع المشروع، فإذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فلا محل للدّفاع ويسأل المعتدى عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد المعتدي بعد وقوع الاعتداء، لأنّ القانون يعتبر استعمال العنف في هذه الحالة من قبيل الانتقام الفردي والذي يعاقب عليه ومع ذلك فإنّ المعتدى عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة بسبب الاعتداء الذي وقع عليه.
كذلك إذا كان الخطر ليس إلا محتملا أو مستقبلا أو كان لدى المعتدى عليه فسحة من الوقت الكافي لإبلاغ السّلطات العامة ووضع نفسه تحت حمايتها فلا محل للدّفاع لأنّ الخطر ليس حالا.
الخطر الوهمي: على أنّ الخطر قد يكون وهميا أو تصوريا، فقد يعتقد شخص أنّه مهدد بخطر حال فيقوم بأعمال الدّفاع ثم تبين أنّ هذا الخطر لم يكن له وجود إلا في مخيلته، فهل يجوز الاحتجاج بالدّفاع الشّرعي في هذه الحالة؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى:
حالة ما إذا كان الاعتقاد بوجود خطر حقيقي يستند إلى أسباب معقولة أي أنّ الاعتقاد يمكن أن يقع فيه الشّخص المعتاد فليس هناك وجه لمساءلة من قام بالدّفاع عن نفسه.
الحالة الثانية:
وهي حالة ما إذا كان الاعتقاد بوجود خطر لا يستند إلى أسباب معقولة، أي أنّ الشّخص المعتاد لا يقع في مثل هذا الغلط ففي هذه الحالة يسأل من قام بالدّفاع مسؤولية جنائية غير عمدية، إذ أنّ الغلط ينفي القصد الجنائي ولكن يبقى الخطأ غير العمدي متوافرا.
الشرط الثالث: أن يكون الخطر غير مشروع
يعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد باعتداء على حق يحميه القانون الجنائي، بمعنى يهدد بتحقق نتيجة إجرامية معينة، فمن يهدد شخص بسلاح في يده ينشأ بفعله هذا خطرا يهدد حق المعتدى عليه في الحياة، وهو حق يحميه القانون الجنائي يتحقق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي، ولذلك يعدّ الخطر الذي بنشاط هذا الفعل خطرا غير مشروع.
ويترتب على اعتبار الصّفة غير المشروعة للخطر شرطا من شروط الدّفاع نتيجتان:
النّتيجة الأولى:
أنّ لا محل لقيام الدّفاع الشّرعي إذا كان الخطر الذي يهدد الشّخص هو خطر مشروع ويترتب على هذه النتيجة أنّه لا محل للدّفاع الشرعي إذا كان الفعل المنشأ خاضعا لسبب إباحة فالخطر يكون مشروعا في هذه الحالة.
الحالة الثانية: أنّ الدّفاع الشّرعي جائز ضد كل خطر غير مشروع ويترتب على إساءة استعمال السّلطة ضد الأفراد
1. الشروط المتطلبة في فعل الدّفاع:
يفترض الدّفاع الشرعي قيام المعتدى عليه بأفعال من شأنها صد عدوان المعتدي ودرء الخطر الذي يتهدده من هذا الاعتداء.
الشرط الأول: أن يكون فعل الدّفاع لازما لدرء الخطر
يشترط في فعل الدّفاع أن يكون لازما لدرء الخطر فإذا كان المدافع يستطيع التّخلص من الخطر الذي يهدده عن طريق فعل لا يعد جريمة ولا يستطيع الاحتجاج بالدّفاع الشّرعي إلا إذا توفر شرطين:
الشرط الأول: أن يثبت المدافع أنّه لم يكن يستطيع التّخلص من الخطر بغير الفعل الذي ارتكبه.
الشرط الثاني: ثبوت عدم إمكان تخلص المدافع من الخطر بغير فعل الدّفاع ولكن هذا الشرط يثير مشكلين:
1. هل استطاع المدافع الالتجاء إلى السّلطات العامة تحول دون احتجاجه بالدّفاع الشّرعي؟
2. هل استطاع المدافع الهروب من المعتدي تحول دون إباحة فعل الدّفاع؟.
بالنّسبة للمشكلة الأولى فإنّ نص المادة 39-2 من قانون العقوبات يقضي بأن تكون هناك حالة ضرورة الدّفاع الشّرعي.
أمّا بالنّسبة للمشكلة الثانية فالقاعدة أنّ للمهدد بلا خطر الصمود ومواجهة الخطر بأفعال الدّفاع الملائمة، فالدفاع حق والهرب مشين ولا يجبر صاحب الحق على النزول عن حقه والالتجاء إلى مسلك يشينه.
الشرط الثاني: من شروط لزوم فعل الدّفاع فهو أن يثبت اتجاه فعل الدّفاع إلى مصدر الخطر
فلا محل لإباحة الدّفاع إذا وجه إلى غير مصدر الخطر، فإذا نزل المعتدى عليه مصدر خطر يهدده ووجه فعله إلى شخص آخر لا يصدر عنه خطر، فلا محل لاحتجاجه بالدّفاع الشرعي، فمن يهاجمه شخص لا يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره، ومن يهاجمه حيوان فلا يجوز له أن يترك الحيوان ويطلق النار على مالكه.
الشرط الثالث: أن يتناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطر
لقد أباح القانون الدّفاع الشّرعي ولكن في القدر الضروري لدرء الخطر، أمّا إذا تجاوز فعل الدّفاع القدر الضروري أصبح الدّفاع غير ضروري ولا مبرر لإباحته.
وشرط تناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطر هو الشرط الوحيد الذي جاء بنص المادة 39-2 والتي تنص على ما يلي: "بشرط أن يكون الدّفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء".
والصّعوبة التي تثار هنا تتعلق بتحديد معيار هذا التناسب، إذ أنّ تحديده يحتاج إلى دقة بالغة نظرا لتنوع الاعتبارات والظروف التي قد تحيط بكل حالة.
فمثلا:
- قد لا تكون تحت تصرف المعتدى عليه أداة تماثل ما يستعمله المعتدي.
- قد يتفاوت المعتدي والمعتدى عليه في القوة البدنية تفاوتا كبيرا.
- قد يسبب الاعتداء فزعا للمعتدى عليه فلا يحسن التّصرف ويخطئ في تقدير جسامة الفعل الذي يقوم به لدرء الخطر.
ووضع معيار التناسب بين فعل الدّفاع والخطر يقتضي منا توضيح الاعتبارات التي قد تساعد على وصفه.
3. معيار التّناسب:
يعد فعل الدّفاع متناسبا مع جسامة الخطر إذا انطوى على استخدام قدر من العنف لا يجاوز القدر الذي كان يستخدمه شخص معتاد أحاطت به نفس الظروف التي أحاطت بالمدافع.
المطلب الثالث: الحالات الممتازة للدّفاع الشّرعي
لقد
أَضاف المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري حالات خاصة
للدّفاع الشرعي اتفق على تسميتها بالحالات الممتازة، ذلك أنّ المشرع نص صراحة على
أفعال الدّفاع التي يمكن أن يلجأ إليها المدافع فأباح القتل والجرح والضرب بدون
شروط، بينما لم يسمح المشرع مثلا بالقتل
في المادة 39-2 من قانون العقوبات إلا بعد توافر جميع الشروط التي سبق ذكرها.
أمّا في الحالات الممتازة فقد أباح فيها المشرع القتل وهو أشد أفعال الدّفاع جسامة بدون اشتراط ضرورة توافر شروط خاصة بالنّسبة للخطر، فقد وضع المشرع بالنّسبة لهذه الحالات الخاصة قرينة قانونية على توافر شروط الدّفاع.
أولا: القرينة القانونية بتوافر شروط الدّفاع:
لقد
أنشأت المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري قرينة قانونية على توافر شروط الدّفاع
في بعض الحالات، فمثلا أن يحتج بالدّفاع الشرعي عليه أن يثبت أمام سلطات التّحقيق
توافر شروط الدّفاع في الأفعال المنسوبة إليه، وإذا لم تقتنع سلطات التّحقيق
وأقامت الدعوى الجنائية ضده فعليه أن يقنع الجهة القضائية التي تنظر الدعوى بتوافر
هذه الشروط، فعليه أن يثبت أنّ فعله كان متناسبا مع الاعتداء، فإذا اقتنعت الجهة
القضائية بتوافر هذه الشروط قضت ببراءة المدافع وإن لم تقتنع بإدانته.
أمّا
الحالات الممتازة التي نظّمها المشرع في نص المادة 40 من قانون العقوبات فمن شأنها
إنشاء قرينة قانونية على توافر الدّفاع الشرعي، فليس على المدافع أن يثبت توافر
شروط الدّفاع الشّرعي، فليس على المدافع أن يثبت توافر شروط الدّفاع في فعله،
فهناك قرينة على ذلك ولكن عليه فقط أن يثبت أنّه قام بفعل الدّفاع في حالة من
الحالات المنصوص عليها في المادة 40، لذلك سميت هذه الحالات بالحالات الممتازة لأنّها
تضح المدافع في موقف أقوى من موقفه في الحالات العامة المنصوص عليه
في المادة 39-2.
ثانيا: الحالات الممتازة للدّفاع الشّرعي:
تنص المادة 40 من قانون العقوبات على ما يلي: "يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدّفاع المشروع:
1- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب
لدفع اعتداء على حياة الشّخص أو سلامة جسمه
أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها
أو كسر شيء منها أثناء اللّيل.
2- الفعل الذي يرتكب للدّفاع عن النّفس أو عن الغير ضد مرتكبي السّرقات أو النّهب بالقوة."
يحتوي نص المادة المذكورة على ثلاث حالات:
الحالة الأولى: القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشّخص وسلامة جسمه أثناء اللّيل ويشترط لهذه الحالة توافر عنصر اللّيل.
الحالة الثانية: "القتل أو الجرح أو الضرب...." ويشترط لهذه الحالة الشروط التالية:
- يشترط لإباحة أفعال الدّفاع أن يحدث
القتل أو الجرح أو الضرب أثناء التّسلق أو الكسر وبديهي أنّ الدّفاع مباح أيضا إذا
تم التّسلق أو الكسر ودخل المعتدي إلى مسكن المعتدى عليه
أو توابعه.
- أنّ الأماكن أو المنازل المسكونة أو توابعها تشتمل على الحديقة المحيطة بالمسكن مهما بلغ اتساعها ما دام يدخل في نطاقها المنزل المسكون ويقصد بالمنزل المسكون المكا الذي يقيم فيه شخص أو أكثر بالفعل.
- يشترط لقيام الدّفاع الشّرعي أن يحدث الاعتداء ليلا ويقصد باللّيل الفترة ما بين غروب الشّمس وشروقها، كما أن المشرع لم يعطينا معيارا لفترة الليل ويمكن اعتبارها حالة السكون والهدوء التي تخيم على منطقة معينة في زمن محدد , وتبقى السلطة التقديرية للقاضي في تقدير توافر عنصر أو شرط الليل الذي ورد في نص المادة 40 من قانون العقوبات ـ أمّا إذا وقع الاعتداء نهارًا فإنّه يفقد الامتياز الممنوح بالمادة 40 التي تقيم قرينة قانونية على توافر شروط الدّفاع ويخضع الاعتداء لنص المادة 39-2.
التي توجب توافر الشروط الخاصة لقيام الدّفاع الشّرعي.
الحالة الثالثة: المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 40 وتنص على أنّه: "يدخل ضمن حالات الضرورة للدّفاع المشروع...." ولا يشترط في هذه الحالة أن يرتكب الاعتداء ليلا تقوم حالة الدّفاع الشّرعي في أية لحظة متى تعرض الشّخص لاعتداء يقع باستعمال العنف بقصد السّرقة أو النّهب.
المطلب الثالث: الآثار المترتبة عن الدّفاع الشرعي
أولا: أثر الدّفاع الشرعي على فعل الدّفاع:
يبيح الدّفاع الشرعي متى توافرت شروطه القانونية فعل الدّفاع وبهذه الإباحة يصير الفعل مشروعا، فلا تقوم من أجله مسؤولية ولا يوقع على مرتكبه عقاب، كما يستفيد من الإباحة كل من ساهم في هذا الفعل استنادا إلى إباحة القانون الدّفاع عن الغير، فإن وسّع المدافع عن غيره الاحتجاج بسبب الإباحة التي منحه له القانون في حق الدّفاع غن الغير.
ثانيا: سلطة القضاء في التحقق من توافر شروط الدّفاع:
لمحكمة الموضوع سلطة التّحقق من توافر شروط الدّفاع والالتزام بقيوده والقول بتوافره أو انتفائه وذلك بعد تحليل وقائع الدعوى ودراسة ظروفها، وليست المحكمة ملزمة بالبحث في حالة الدّفاع الشرعي والنّطق في حكمها بما إذا كانت شروطه قد توافرت أو غير متوافرة إلا إذا تمسك المتهم بحالة الدّفاع الشّرعي.
وتعتبر
سلطة محكمة الموضوع غير مطلقة للفصل في قيام حالة الدّفاع أو انتفائها، بل تخضع
لرقابة محكمة النقض، ولهذه الأخيرة مراقبة الحكم من حيث تسبيبه، فمحكمة الموضوع
ملزمة بالفصل
في الدّفاع الشرعي إذا تمسك به المتهم أو إذا كانت الدعوى تثبت قيامه، فيعيب على
المحكمة أن تعرف به حتى ولو لم يتمسك به المتهم.
ثالثا: حكم تجاوز الدّفاع الشرعي:
عندما لا تتوافر الشروط السابق ذكرها فلا مجال للتحدث عن الدّفاع الشّرعي.
فطبقا للأحكام العامة إذا تجاوز المدافع حدود الدّفاع الشرعي يكون قد ارتكب فعل عمدي يقصد به إبداء المهاجم، ويسأل جنائيا مسؤولية عمدية كاملة عن فعله.
أمّا إذا تجاوز حدود الدّفاع نتيجة خطأ غير عمدي كخطئه في تقدير جسامة الخطر مثلا: فإنّه ولاشك يجب أن يسأل عن فعل تجاوزه مسؤولية غير عمدية، إذ أنّ التّجاوز هنا لم يكن بسوء نية.
وممّا لاشك فيه أنّ حالة الضرورة طبقا لتّشريع الجزائري تعتبر سببا من أسباب الإباحة وينبئ على ذلك عدم قيام الجريمة التي ترتكب في حالة الضرورة.
غير أنّها تختلف عن حالة الدّفاع الشرعي عن النّفس فيما يتعلق بلا مسؤولية المدنية، ذلكّ المجني عليه في الدّفاع الشّرعي لا يستطيع المطالبة بالتّعويض المدني ضد المدافع عن نفسه لأنّه إن كان قد أصيب، ذلك يرجع إلى خطئه هو وليس خطأ المدافع عن نفسه، بينما المجني عليه في حالة الضرورة لم يرتكب أي خطأ ولم يدخل كعنصر من عناصر نشوء حالة الضرورة.
المبحث الرّابع: تقسيمات الجرائم التي تعتمد على الرّكن الشّرعي
تقسم الجرائم من حيث الرّكن الشّرعي إلى قسمين:
المطلب الأول: الجرائم العسكرية والجرائم العادية
الجريمة العسكرية: هي فعل صادر عن شخص خاضع لقانون الأحكام العسكرية إخلالا بالنّظام العسكري الذي يفرضه القانون، فيشترط في الجريمة العسكرية:
- أن يكون مرتكب الجريمة خاضعا لأحكام العسكرية.
- أن يخضع الفعل الذي ارتكبه لنص تجريم بقانون الأحكام العسكرية.
الجريمة العادية:
هي الجريمة التي يرتكبها أي شخص وتقوم بفعل نص على تجريمه العقوبات
أو القوانين المكملة له.
وترجع أهمية التّمييز بينهما إلى:
اختلاف نصوص التّجريم فبينها الجرائم العسكرية تخضع لنصوص تجريم واردة بقانون الأحكام العسكرية تخضع لجرائم العادية نصوص تجريم واردة في قانون العقوبات والقوانين المكملة له.
تختلف الإجراءات العسكرية لتحقيق الجريمة العسكرية عن الإجراءات الجنائية لتحقيق الجريمة العادية، فالأول ينظمها قانون الإجراءات الجزائية العسكرية والثانية ينظمها قانون الإجراءات الجزائية.
- تختلف جهة القضاء في كلا الجريمتين، فالجرائم العسكرية تنظرها مجالس عسكرية خاصة والجرائم العادية تنظرها المحاكم الجنائية.
- تختلف العقوبة في الجرائم العسكرية عن العقوبة في الجرائم العادية، كما تختلف أيضا طرق الطعن في الأحكام[37].
تحتل الجريمة الاقتصادية مكانا بارزا في التّشريعات المعاصرة وأن اختلف صداها تبعا لنظام الاقتصادي والاجتماعي لدولة، ولتحديد نطاق الجريمة الاقتصادية يجب أولا بيان الحق أو المصلحة التي يحميها نص التّجريم الاقتصادي وهذه المصلحة تختلف في مدى ما تستحقه من حماية وفق النّظام الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتهجه المشرع أي باختلاف الأنظمة الاقتصادية لدى الدول.
أمّا بالنّسبة لقانون العقوبات الجزائري فقد جرم الجريمة الاقتصادية منذ البداية في عدّة مواد وفي أبواب مختلفة نذكر منها مثلا: جرائم التّعدي على حق العمال في تشكيل وتشغيل أجهزة التّسيير الذّاتي[38]، جرائم التّعدي على أموال المؤسسات واستغلالات التّسيير الذّاتي وعلى سير العمل[39]، وهذه ألغيت فيما بعد.
الفصل الثالث: الرّكن المادي للجريمة
الرّكن المادي للجريمة هو الفعل أو الامتناع الذي بواسطته تنكشف الجريمة ويكتمل جسمها، ولا توجد جريمة بدون ركن مادي إذ يغير ماديتها لا تصاب حقوق الأفراد أو الجماعة بأي اعتداء.
المبحث الأول: عناصر الرّكن المادي
تنقسم عناصر الرّكن المادي إلى ثلاثة:
الفعل، النتيجة والعلاقة السياسية منها وسوف نخصص لكل من هذه العناصر مطلبان.
يشمل الفعل السّلوك الإيجابي أو الحركة العضوية الصادرة من عضو في جسم الجاني، كمل يشمل الفعل أيضا الامتناع باعتباره صورة من السّلوك السّلبي والذي يطلق عليه الفعل السّلبي، والفعل عنصر من عناصر الرّكن المادي سواء كانت الجريمة عمدية أم كانت غير عمدية، والفعل له قيمة قانونية ذاتية فهو الذي يرسم حدود سلطات المشرع الجنائي وهو الذي يوصف بأنّه غير مشروع ويقرر له القانون عقوبة حالة ارتكابه، وتقتضي الدّراسة التّمييز بين الفعل الإيجابي والفعل السّلبي أو الامتناع.
يعرف الفعل الإيجابي بأنّه حركة عضوية إرادية[40].
فالفعل الإيجابي كيان مادي يتمثل فيما يصدر عن مرتكبه من حركات انتفاء تحقيق آثار مادية معينة، فالجاني يريد إحداث وفاة إنسان ويتصور الوسيلة إلى ذلك في إطلاق عيار ناري فيحرك يده للضغط على السّلاح.
ويترتب على اعتبار الحركة العضوية عنصرا في الفعل الإيجابي نتائج هامة، فالفعل الإيجابي لا يقوم بفكرة حيسية في نفس صاحبها، ولا يقوم حتى بالعزم أو التّصميم إذ تنقصه الحركة العضوية.
والحركة العضوية لا تعني دائما الحركة اليدوية، ففي جرائم القذف أو السّب بعد القول هو الفعل، وبذلك فإنّ الحركة العضوية هي حركة اللّسان بالنّطق بألفاظ القذف أو السّب...
ويشترط في الحركة العضوية أن تكون إرادية بمعنى أنّ تصدر عن إرادة، وأهمية الصّفة الإرادية في كيان الفعل الإيجابي واضحة، إذ تؤدي إلى استبعاد كل حركة غير إرادية، فمثلا من يصاب بإغماء مفاجئ أثناء سيرة فيقع على طفل ويصيبه بجراح لا يعد مرتكبا لفعل إصابة تماما.
إنّ المكرة لا يرتكب فعلا في اصطلاح القانون وإنّما يعد الفعل صادرا عن الشّخص الذي سيطر على حركات المكرة واتخذه أداة لا إرادة لها.
وفي هذا تكمن التّفرقة بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي الذي سبق أن تعرضنا لها في دراسة حالة الضرورة، فالإكراه المادي يعدم الإرادة فيسلب الحركة العضوية صفتها الإرادية فينهار به الرّكن المادي للجريمة ولكن الإكراه المعنوي يفترض مخاطبه الإرادة والتأثير عليها وتوجيهها إلى الغاية التي يريدها من صور الإكراه المعنوي عنه، فالإرادة لا تنعدم ولكن حريتها في الاختيار تضعف، لذلك فإنّ الإكراه المعنوي لا يسلب الحركة صفتها الإرادية ولا تأثير للإكراه المعنوي على الرّكن المادي وإنّما يعدّ مانع من موانع المسؤولية ويقتصر تأثيره على الرّكن المعنوي[41].
الامتناع هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره في ظروف معينة وذلك بشرط وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ويشترط أن يكون في استطاعة الممتنع القيام به، ومن هذا التّعريف نستخلص العناصر الآتية:
1. الإحجام عن فعل إيجابي معين:
الامتناع ليس إحجاما
مجردًا وإنّما هو موقف سلبي بالقياس إلى فعل إيجابي معين، ومن هذا الفعل الإيجابي
يستمد الامتناع كيانه والقانون هو الذي يحدد هذا الفعل، فجريمة امتناع القاضي عن
الحكم
في الدعوى تفترض إحجامه عن القيام بالإجراءات التي يحددها القانون للنظر في الدعوى
والفصل فيها، وجريمة امتناع الأم عن إرضاع طفلها تفترض احجامها عن القيام بفعل
الإرضاع ذاته.
2. الواجب القانوني:
يستمد الامتناع أهميته القانونية من الأهمية التي يسبقها القانون على الفعل الإيجابي، فلا وجود للامتناع إلا إذا كان الفعل الإيجابي قد فرض فرضا قانونيا على من امتنع عنه.
3. الصّفة الإرادية للامتناع:
يقتضي ذلك أن تكون الإرادة مصدر الامتناع، فإذا انعدمت الإرادة لا يمكن أن ينسب إليه فعل الامتناع، فمن أصيب بإغماء أو تعرض لإكراه مادي بينه وبين القيام بالفعل الإيجابي (أي الواجب القانوني) لا ينسب إليه خلال فترة الإغماء أو الإكراه أي امتناع.
النّتيجة هي التّغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي، ففي جريمة القتل كان المجني عليه حيا قبل أن يرتكب الجاني فعله ثم أصبح ميتا على أثر هذا الفعل، فالوفاة هي النّتيجة في القتل وفي السّرقة كان المال في حيازة المجني عليه قبل أن يرتكب الجاني فعله، ثم أصبح في حيازة أخرى بعد ارتكاب الفعل، ومن ثم كان انتقال الحيازة هو النّتيجة في السّرقة وبالتالي فإنّ التغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي يطلق عليه المدلول المادي للنّتيجة.
وهذا المدلول المادي لنتيجة له تكييف قانوني، فإنّ الآثار المادية التي أنتجها السّلوك الإجرامي تفسر قانونيا على أنّها تشكل في النّهاية اعتداء على حق يحميه القانون.
فالاعتداء على الحق الذي يضع له القانون حماية هو التّكييف القانوني للنتيجة المادية التي خلقها السّلوك الإجرامي، فجريمة القتل أو نتيجتها وهي وفاة المجني عليه ترتب عليها آثار متعددة منها تشويه الجثة أو دفنها أو حرمان عائلة المجني عليه من مورد رزقها.
كل هذه الآثار ليست موضوع اهتمام القانون بالنّسبة لجريمة القتل، وإنّما موضع اهتمام القانون هو الاعتداء على الحق الذي يحميه وهو الحق في الحياة وهذا الاعتداء والذي نجم عنه وفاة المجني عليه.
النتيجة عنصر في الرّكن المادي لكل جريمة:
إنّ النّتيجة بمدلولها القانوني أي تحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون هي شرط ضروري لتوفر الرّكن المادي في كل جريمة، ولكن إذا نظرنا إلى النّتيجة في مدلولها المادي وهو التّغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسّلوك الإجرامي، فإنّنا نجد أنّ هناك بعض الجرائم لا يتوفر فيها التّغيير الذي يحدث كسلوك إجرامي، فمثلا جرائم الامتناع لا تحدث النّتيجة فيها أي تغيير فامتناع القاضي عن الحكم في الدعوى مطروحة عليه سلوك إجرامي ولكنه لم يحدث أي تغيير في العالم الخارجي وذلك بعكس جرائم القتل والجرح والضرب مثلا التي تحدث تغييرا في العالم الخارجي.
وللتّغلب على هذه الصّعوبة فقد فرّق الفقه بين نوعين من الجرائم وبالرّغم من وجوب توفر النتيجة في كلا النّوعين، إلا أنّ صور هذه النّتيجة قد تختلف من نوع إلى آخر وهذان النّوعان هما جرائم الخطر وجرائم الضرر.
ونخلص من ذلك إلى القول بأنّ تحقق النّتيجة شرط ضروري لتوافر الرّكن المادي، فإذا كانت الجريمة عمدية وتخلفت النّتيجة فالمسؤولية تقتصر على الشروع، أمّا إذا كانت الجريمة غير عمدية فلا قيام لها ما لم تتحقق نتيجتها إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية.
المطلب الثالث: علاقة السّببية[42]
علاقة
السّببية هي الصّلة التي تربط بين الفعل والنتيجة وتثبت أنّ ارتكاب الفعل هو الذي
أدى
إلى حدوث النتيجة، وعلاقة السّببية ليست فكرة قاصرة على علم القانون، وإنّما يتسع
نطاقها لكافة فروع العلم فكل علم يجتهد في تحديد الصّلات السّببية بين الظواهر
التي يدرسها.
والأهمية القانونية لعلاقة السّببية في غنى عن البيان فهي التي تربط الرّكن المادي وكيانه فعلاقة السّببية تسند النّتيجة إلى الفعل فتقرر بذلك توافر شرط أساسي لمسؤولية مرتكب الفعل عن النتيجة وهي بذلك تساهم في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية باستبعاد هذه المسؤولية إذا لم ترتبط النتيجة بالفعل ارتباطا سببيا، فمثلا من أعطى لأخر سما وتعاطه الآخر فمات بتأثير هذا السّم، فلا جدال في أنّ النتيجة وهي الوفاة ترتبط ارتباطا سببيا بالفعل أي أنّ الفعل هو إعطاء السّم هو السّبب المباشر للنتيجة وهي الوفاة.
أمّا إذا تعاطى الشّخص السّم ولكنه قبل أن يبدأ مفعوله انتابته نوبة قلبية قضت عليه فلا جدال في أنّ النتيجة لا علاقة لها بالفعل، ولم يكن للفعل أي تأثير على حدوث النتيجة.
لذلك انتفت علاقة السّببية فإنّ مسؤولية مرتكب الفعل تقتصر على الشروع إذا كانت جريمته عمدية، فإذا كانت غير عمدية فلا مسؤولية عنها، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية وعلى هذا النّحو كانت علاقة السّببية عنصرا من عناصر الرّكن المادي وشرطا لقيام المسؤولية الجنائية.
أولا: معيار علاقة السّببية:
قلنا
أنّ علاقة السّببية هي صلة بين ظاهرتين ماديتين الفعل والنتيجة، ودورها هو بيان
أثر الفعل في إحداث النتيجة، ويتحديد علاقة السّببية لا يثير صعوبة إذا لم تشترك
عوامل أخرى مع فعل الجاني
في إحداث النتيجة.
فمثلا أطلق شخص على آخر عيارا ناريا أرداه قتيلا، فلا جدال في أنّ فعل الجاني هو السّبب الوحيد لحدوث النتيجة فعلاقة السّببية قائمة وواضحة، ولكن الصّعوبة تثور في حالة ما إذا فعل الجاني واحد من عوامل متعددة ساهمت في إحداث النتيجة أم هل يجب أن يكون للفعل أهمية خاصة.
وقد يصعب أحيانا تحديد علاقة الفعل بالنتيجة بعد تدخل عوامل متعددة أدت إلى حدوث النتيجة.
1. نظرية التعادل بين الأسباب (Equivalence des conditions)
تقرر هذه النّظرية المساواة بين جميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ويقتضي ذلك القول بأنّ علاقة السّببية تقوم بين فعل الجاني والنتيجة إذا ثبت أنّ أحد الأفعال ساهم في إحداث النتيجة بالرّغم من أنّ العوامل الأخرى التي ساهمت في إحداث النتيجة تفوقه أهمية.
تقود هذه النّظرية إلى القول بقيام علاقة السّببية بين الفعل والنتيجة إذا ساهمت مع فعل الجاني عوامل طبيعية أو ضعف صحي أو مرض سابقا
كذلك تقوم علاقة السّببية إذا ساهم مع فعل الجاني عوامل غير طبيعية.
وحجة أنصار هذه النّظرية بأنّه إذا كانت النّتيجة قد حدثت على أثر تعاقب مجموعة من العوامل ساهمت في إحداثها وكان فعل الجاني واحدًا من هذه العوامل وبدون هذا الفعل، فإنّ العوامل الأخرى كانت عاجزة عن إحداث النتيجة فمعنى ذلك أنّ فعل الجاني هو الذي أعطى هذه العوامل الأخر الصلاحية لإحداث النتيجة وهو الذي أمدها بقوة السّببية.
لذلك فمعيار السّببية لدى أنصار هذه المدرسة "يعد الفعل سببا للنتيجة إذا كان يترتب على تخلفه انتفاء هذه النتيجة"، أسس "فون بوري" (Von Buri) هذه النّظرية وأخذ بها القضاء الجنائي في ألمانيا[43].
نقد النّظرية:
تبدو عيوب هذه النّظرية إذا افترضنا أنّ فعل الجاني وإن كان لا يحول دون تحقق النتيجة، إنّما يؤدي إلى حدوثها في وقت آخر فالمجني عليه في هذه الأمثلة كان ميتا في جميع الأحوال أي أن تخلف فعل الجاني ما كان يؤثر في النتيجة التي كانت ولا محال ولكنّه عجل بهذه النتيجة، وتطبيقا لهذه النّظرية فإنّ علاقة السّببية لا تتوافر في هذه الأمثلة، وهو قول يؤدي إلى انتفاء مسؤولية الجناة وهو ما لا يمكن قبوله.
ولكن
بالرّغم من هذا التعديل فإنّ نظرية تبادل الأسباب تعتمد على المنطق المجرد وتنظر
إلى النتيجة الإجرامية باعتبارها مجرد ظاهرة مادية وإنّ حدوثها كان ثمرة مجموعة من
العوامل التي لا تنتج أثرها ما لم تتضافر من أجل ذلك مجموعة عديدة من العوامل.
يعني أنّ هذه النّظرية تضع في اعتبارها جميع العوامل التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة وبذلك يتسع نطاق المسؤولية الجنائية للجاني بتحقق علاقة السّببية بين فعله وبين النتيجة ولو كانت بعيدة. في حين أنّه من العدالة الاقتصار على العوامل ذات الأهمية القانونية التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة واستبعاد العوامل الأخرى وبذلك يمكن حصر آثار فعل الجاني في نطاق محدود والبحث عن علاقة السّببية في المجال القانوني.
2. نظرية السّببية الكافية:(السبب المباشر) (Causalité adéquate)
تذهب
هذه النّظرية إلى التّفرقة بين العوامل المختلفة التي تعاقبت حتى حدوث النتيجة
والاعتداد ببعضها دون البعض، فهناك عوامل تتضمن اتجاها إلى النّتيجة وميلا نحوها
وتكمن في هذه العوامل الإمكانيات الموضوعية التي من شأنها إحداثها، إنّ علاقة
السّببية تقوم –في نظر أصحاب هذه النّظرية- بين هذه العوامل والنتيجة وعلى ذلك يجب
استبعاد بعض العوامل في التّسلسل السّببي الذي قاد
إلى النّتيجة، فطبقا لهذه النّظرية يتم هذه الاستبعاد على مرحلتين[44]:
المرحلة الأولى: استبعاد العوامل الشاذة غير المألوفة فيجب الاقتصار على العوامل المألوفة.
المرحلة الثانية: استبعاد بعض الظروف من النتيجة واعتبار النتيجة سببا للعوامل المألوفة التي قادت إليها، ومثال ذلك: أصاب شخص آخر بجراح ونقل المصاب إلى المستشفى حيث نشب حريق فمات المصاب محترقا.
فطبقا لمذهب السّببية الكافية يجب استبعاد حريق المستشفى من التّسلسل السّببي الذي ابتداءً من فعل الجاني وقاد إلى وفاة المصاب.
كما أنّه يجب استبعاد فعل الجاني من النتيجة التي حدثت، فتعتبر النتيجة أنّها "وفاة إنسان عن طريق الحريق".
وعلى ذلك يمكن إيجاز خصائص نظرية السّببية الكافية على النّحو التالي:
- تنظر نظرية السّببية الكافية إلى النّتيجة باعتبارها نوعا معينا من النّتائج الإجرامية بعد تجريد التّسلسل السّببي من تفاصليه واستبعاد بعض العوامل التي ساهمت فعلا في إحداثها.
- تحصر هذه النّظرية نطاق علاقة السّببية في أضيق نطاق لأنّها لا تضيف إلى الفعل غير محدود من العوامل فتنحصر آثاره في نطاق ضيق، بعكس نظرية التّعادل بين الأسباب إلى تضخم من آثار الفعل إلى مدى بعيد، كما في مثل احتراق المستشفى ووفاة المجني عليه المصاب.
- تتصف هذه النّظرية بالموضوعية، فهي لا
تعتمد على توقع الجاني للنّتيجة ولا تبحث عن ظروف الجاني لمعرفة عما إذا كان في
استطاعته توقيع النتيجة من عدمه، فهي تعتمد على ما يكمن
في الفعل من إمكانيات موضوعية تقود إلى النتيجة سواء كان الجاني في وسعه العلم
بالعوامل أم لم يكن في وسعه ذلك ما دام الشّخص الذي يتمتع بأوسع الإمكانيات
الذّهنية كان في وسعه العلم بها، كما في حالة وفاة المجني عليه المصاب بعد تلوث
جراحه أو بسبب ضعفه الصّحي أو لإصابته بمرض سابق... إلى آخره.
- لا تعتمد هذه النّظرية في بحثها عن علاقة السّببية في التّحقق من التّسلسل السّببي الذي قاد من الفعل إلى النتيجة، ولكنّها تتناول الفعل في ذاته ويقدر الإمكانيات التي تنطوي عليها ويكون من شأنها إحداث النّتيجة التي وقعت مثلا في حالة من أشعل النّار في منزله وجاء أحد وأضاف كمية من الوقود فازدادت النيران اشتعالا وتسببت في هلاك صاحب المنزل.
فإنّ هذا المثل طبقا لنظرية التبادل بين الأسباب لا تقوم علاقة السّببية بين فعل كل من الشّخصين والنتيجة التي وقعت، ولكن طبقا لنظرية السّببية الكافية فإنّنا إذا تناولنا أي من الفعلين في ذاته سواء إشعال النّار أو إضافة كمية من الوقود لوجدنا أنّ الإمكانيات الموضوعية لأي من الفعلين كان من شأنها إحداث النتيجة وهي وفاة صاحب المنزل محترقا وبذلك تقوم علاقة السّببية بين النتيجة وأي الفعلين.
عيوب نظرية السّببية الكافية:
يؤخذ على هذه النّظرية أنّها ركزت على الإمكانيات الموضوعية للفعل وجعلت منها جوهر النّظرية باعتبار هذه الإمكانيات من عناصر السّببية أي العناصر التي قادت من الفعل إلى النّتيجة فهذه الإمكانيات تربطها بين الفعل والنّتيجة على أنّ الإمكانيات الموضوعية للفعل هي من خصائص الفعل وصفاته، فربّما تتوفر الإمكانيات الموضوعية لقتل شخص في فعل إطلاق النّار ولكنّه قد لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث الوفاة.
3. نظرية السّبب الأقوى[45]:
قال بهذه النّظرية "بيركميير" "Birkmeyer" وتتلخص في أنّه إذا كانت العوامل التي ساهمت مع الفعل تتفاوت من حيث قوتها ومقدار مساهمتها في إحداث النتيجة، فإنّه لاشك أنّ هناك عملا أقوى من غيره من العوامل ويجب اعتبار هذا العامل سببا للنتيجة، أمّا إذا ساهمت في إحداث النتيجة مجموعة من الأفعال، فكل منها على حده سبب لها طالما أنّ مساهمته أقوى من مساهمة العوامل الأخرى، وقد انتهت هذه النّظرية بذلك إلى أنّ جميع العوامل الهامة تصبح أسبابا للنّتيجة فيما عدا أقلها شأنا وبذلك لم يعد هناك سبب أقوى من غيره.
وهذه النّظرية غير صالحة للتّطبيق على القانون إذ أنّها لم تضع مقياسا يحدد مقدار مساهمة كل عامل في إحداث النتيجة ويبين أقواها مساهمة، كما أنكرت هذه النّظرية على فعل الإنسان صفته الإرادية فجمعت بينه وبين العوامل الطبيعية التي تساهم في إحداث النتيجة وأغفلت أنّ الفعل الإنساني ليست له طبيعة محادية فحسب ولكن له أيضا طبيعته الإرادية الواعية التي تتيح له أن يسيطر على العوامل الأخرى، لقد أغفلت هذه النّظرية طبيعة الفعل الإنساني من بين العوامل التي تساهم في النتيجة وطبقت عليه معيارا لا يصلح لغير القوى الطّبيعية.
[1] - راجع في ذلك الدكتور محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات القسم العام 1960 رقم 1 ص 3، والدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام 1963، ص 2.
[2]- نص المادة الرابعة من قانون العقوبات الجزائري التي تنص على أن تدابير الأمن يعتبر هدفها وقائيا.
[3]- رضا فرج: "شرح قانون العقوبات الجزائري" الأحكام العامة للجريمة، 1976، ص03،
المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع SNED.
[4]- IHERING : « De la faute en droit privé », paris, 1880, p.4. نقلا عن رضا فرج، المرجع السابق، ص. 05
[5]- أنظر قانون العقوبات الجزائري الفصلين الثالث والرابع من الباب الأول من الكتاب الثالث ( المواد من 107 إلى 143).
[6]- أنظر القانون السابق في الباب الثالث من الكتاب الثالث( المواد من 418 إلى439).
[7]- أنظر المرجع السابق الفصل الخامس من الكتاب الثالث ( المواد من 144 إلى 175).
[8]- أنظر المرجع السابق الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الثالث ( المواد من 304 إلى 349).
[9] - محمود نجيب حسني: "شرح قانون العقوبات، القسم العام".
دار النّهضة العربية للنشر والتّوزيع، 1963، ص. 12 وما يليها.
[10]- راجع المادة 339 من قانون العقوبات الجزائري.
[11]- راجع المواد 298 و298 مكرر من قانون العقوبات
[12]- راجع المادة 299 من قانون العقوبات.
[13]- Vidal et Magnol : «Cours de droit criminel et de sciences pénitentiaires»,
1947, P. 66.نقلا عن محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص.70.
[14]- R. GARRAUD : « Précis de droit criminel »
Paris, 1962, P.203.
نقلا عن رضا فرج، المرجع السابق، ص. 09..
[15] - راجع نصوص قانون العقوبات الجزائري المواد من 61 إلى 111.
[16] - راجع محاضرات أ.د/ عربي شحط لطلبة السنة الثالثة ل.م.د.
- راجع نصوص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، قانون رقم 06-01، الصادر في 20فبراير2006.
[17] - نصوص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المذكور أعلاه.
[18] - أحمد فتحي سرور: "الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام".
دار النّهضة العربية، مصر، 1966، ص. 66.
[19] - الدكتور رضا فرج: محاضرات في النظرية العامة للقانون في الفقه الاشتراكي، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، البرنامج التدريبي لسادة وكلاء النائب العام، القاهرة 1966-1967، ص. 73 وما بعدها.
[20]- راجع فهرس قانون العقوبات الصادر في08 جوان 1966، المعدل والمتمم.
[21]- المواد من 254 إلى 263 من قانون العقوبات الجزائري.
[22]- راجع المواد من 350 إلى 362 من ق.ع.ج.
[23]- راجع المادة 52 منق.ع.ج.
[24]- راجع المواد من 54 مكرر إلى 54 مكرر 10 ثم المادة 465 من ق.ع.
[25]- لذلك نصت م5 من ق.ع.ج. في عقوبة الجنح على ما يلي: "العقوبات الأصلية في مادة الجنايات هي:
1) الإعدام؛
2) السّجن المؤبد؛
3) السّجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس (05) سنوات وعشرين (20) سنة، ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى قصوى.
العقوبات الأصلية في مادة الجنح هي:
1) الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى؛
2) الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج؛
العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي:
1) الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر؛
الغرامة من 2.000 إلى 20.000 دج.".
[26]- مادة 3 من ق.ع.ج. والمادة 582 وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية.
[27]- راجع المواد من 176 إلى 179 من ق.ع.
[28]- راجع المواد من 54 مكرر إلى المادة 54 مكرر 10 من ق.ع.
[29]- راجع المواد من 53 إلى 53 مكرر 8 من ق.ع.
[30]- أنظر المادة 9 من ق.ع. فيما يتعلق بالعقوبة التّكميلية.
[31]- بهنام رمسيس: "النّظرية العامة للقانون الجنائي"، منشأة المعارف.
الإسكندرية، 1997، ص. 74 وما بعدها.
[32] - رضا فرج: "شرح قانون العقوبات....."، مرجع سابق، ص. 80 إلى 84.
[33] - أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص. 86 وما بعدها.
[34]- رضا فرج، المرجع السابق، ص. 85 وما بعدها.
- عبد الله أوهايبية: "شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام".
موفم للنشر، 2009، ص. 98.
[35]- P. Bouzat : « Traité théorique et pratique de droit pénal ».
1951, page 208. نقلا عن محاضرات الأستاذ مروان محمد لطلبة السنة الثانية.
[36] - مادة 122-5 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد، الصادر في 1994.
[37] - أصبح من الممكن الآن الطعن بالاستئناف في أحكام المحاكم العسكرية الابتدائية وذلك منذ التعديل الأخير للإجراءات الجزائية (2020).
[38]- رؤوف عبيد: "السّببية الجنائية بين الفقه والقضاء".
دار الجيل للطباعة، القاهرة، 1984.
[39]- رضا فرج، المرجع السابق، وقد ألغيت هذه الجرائم فيما بعد.
[40]- أنظر: د. محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص. 194.
د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص. 303.
[41] - عدو عبد القادر، المرجع السابق، ص. 98 والمرجع المذكور: Garraud, Op. cit., p. 241.
[42] - رؤوف عبيد: "السّببيّة الجنائية بين الفقه والقضاء".
الطبعة الرّابعة، 1984، دار الجيل للطباعة، القاهرة.
[43]- رضا فرج، المرجع السابق، ص. 173 وما يليها.
[44]- عبد الله سليمان: "شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام".
المرجع السابق، ص. 261 وما يليها.
[45]- أنظر: د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص. 331.
لقد تبين أنّ المنهجية كعلم للبحث، تمثل الأداة الفضلى لذلك وبناء عليه لابد للمنهجية العلمية من موضوع وهو البحث العلمي الذي يتم وفقا لطرق معينة يشار إليها بمناهج البحث العلمي ولكليهما لابد من باحث تتوفر فيه الشروط الذاتية الشّخصية والفكرية اللازمة لإنجاز البحث المطلوب وفق عناصر معينة من بينها تحديد أهداف البحث بدقة، ذلك أنه من مزايا المنهجية العلمية أنّها تساعدنا على تحديد الأهداف أو الأغراض التي نتوخاها من الشروع في إنجاز بحث علمي، فإذا تحدد الهدف أو المقصود من بحث معين، يمكننا تحديد الطرق والإجراءات التي توصلنا إلى ذلك.
إنّ تحديد الأهداف في البحث العلمي النّظري أو أي عمل ميداني، يجعلنا قادرين على تصنيف أفكارنا وضبطها وتنسيقها، فضلا عن القدرة على تحديد الإجراءات والخطوات الواجب إتباعها والمنهج الذي نعمل به لاستثمار المعلومات المتاحة للوصول إلى الأهداف أو المقاصد المحددة.
وعليه، فإنّنا نجد ترابطا
وثيقا بين تحديد الأهداف والوسائل التي من شأنها أن تنظم أفكارنا للوصول
إلى الهدف المقصود أو المحدد، ومن المؤكد أنّ هذا التنظيم والضبط نتيجة منطقية
لعمل منهجي تنظيمي تنسيقي نظري عقلي يتجسد في الميدان بتسلسل خطوات البحث وتناسق
الفكر والعمل وتحديد الوسائل والمناهج الموصلة إلى الأهداف المحددة.
- Manager/in: Asma HARIZ