إثبات الملكية العقارية الخاصة في المناطق التي شملتها عملية المسح
حسب المادة 23 من قانون التوجيه العقاري صنفت الملكية العقارية الى ملكية وطنية وخاصة واخرى وقفية، و لتحديد كل ملكية و حصر مساحة كل مالك، استوجب الأمر اتخاذ جملة من الإجراءات تهدف إلى إحصاء شامل للملكيات بغرض الإحاطة المادية و الواقعية بالكم العقاري والإحاطة البشرية بذوي الحقوق العينية العقارية، وذلك عن طريق معرفة مساحة كل ملكية بدقة و التأكد من سندات المالك و مطابقة الوثائق بالمسح والحسابات الميدانية ،وهذه العمليات هي التي تشكل ما يعرف في التشريع الجزائري بمسح الأراضي العام، فالمسح اذن عملية فنية و قانونية تهدف إلى تعيين جميع البيانات التي تتطلبها المعرفة الكاملة و الواضحة لهوية العقار، و المتعلقة بموقعه و حدوده و قوامه و نوعه القانوني واسم مالكه و اسباب تملكه و الحقوق العينية المترتبة له أو عليه بما يؤدي الى تثبيت الملكية العقارية و الحقوق العينية المتعلقة به نهائيا (9).[1]
و بمجرد انهاء عملية المسح العقاري وايداع الوثائق المساحية لدى المحافظة العقارية ،فان المحافظ العقاري يقوم بإعداد البطاقات العقارية والتأشير عليها ويسلم المالك سواء كان شخصا طبيعيا او معنويا دفترا عقاريا (10)[2] وهو السند الوحيد لإثبات الملكية العقارية في الأماكن الممسوحة،هذا الاخير محدد بنموذج خاص وفقا لقرار وزير المالية الصادر بتاريخ 27 ماي 1977 يعبر عن الوضعية القانونية للعقارات الممسوحة.
قبل الخوض في تعريف الدفتر العقاري يجدر بنا ان نشير الى ان المشرع الجزائري استعمل اول مرة مصطلح الدفتر العقاري بمقتضى المادة 32 من المرسوم 73-32 المؤرخ في 5 يناير1973 المتعلق بإثبات حق الملكية الخاصة الذي جاء تنفيذا لأحكام الأمر رقم 71/73 المتضمن الثورة الزراعية الذي نصت على انه بعد الانتهاء من عملية المسح العام للأراضي كما هو منصوص عليه في المادة 25 من الأمر رقم 71-73 يسلم للمالكين دفترا عقاريا بدلا من شهادات الملكية يشكل السند الوحيد لإقامة الدليل في شان الملكية العقارية.
وعليه يتعين أولا تعريف الدفتر العقاري باعتباره السند الوحيد المثبت للملكية العقارية في التشريع الجزائري ثم تبيان طبيعته القانونية.
تعريف الدفتر العقاري
بادئ ذي بدأ عند إنتهاء الأعمال الميدانية للمسح و تحديد حدود البلديات و الملكيات داخل كل بلدية و إبراز أصحاب الحقوق و الملاك، يتم الإيداع القانوني لوثائق المسح و يتولى المحافظ العقاري تفحص هذه الوثائق فإذا كانت كاملة يتم قبولها و يثبت هذا الإيداع عن طريق محضر تسليم يقوم بتحريره المحافظ العقاري و يكون هذا المحضر محل إشهار واسع في أجل ثمانية (08) أيام من تاريخ إيداع وثائق المسح ثم يقوم المحافظ بمباشرة عملية ترقيم العقار أي إجراءات القيد الأول في السجل العقاري حسب ما نصت عليه المادة 08 من المرسوم رقم 76- 63 المتضمن تأسيس السجل العقاري المعدل و المتمم و يباشر المحافظ العقاري إثر ذلك عمليات الترقيم العقاري فإما يرقم العقار ترقيما مؤقتا أو نهائيا بحسب السندات المثبتة للملكية أو الحيازة المقدمة من المالك أو الحائز، فالترقيم المؤقت قد يكون لمدة أربعة (04) أشهر و يكون بالنسبة للعقارات التي يحوزها المالك الظاهر حيازة قانونية مستوفية لجميع الشروط القانونية التي تسمح له بتملكها عن طريق التقادم المكتسب دون أن يكون له سند قانوني، في حين يتم الترقيم المؤقت لمدة عامين للعقارات التي لا يحوز مالكوها أي سند و يتحول الترقيم المؤقت إلى نهائي بعد إستنفاذ المهل القانونية و تسوية الإعتراضات و النزاعات إن وجدت، كما يتم ترقيم العقارات التي تبين خلال عمليات المسح عدم وجود مالك لها أو لم يوجد من يدعي حيازتها بإسم الدولة، أما الترقيم النهائي فهو ما نصت عليه المادة 12 من المرسوم 76- 63 المتضمن تأسيس السجل العقاري المعدل و المتمم فهو يكون بالنسبة للعقارات التي يحوز مالكوها سندات أو عقود أو كل الوثائق الأخرى المقبولة طبقا للتشريع المعمول به لإثبات الملكية العقارية (11).[3]
وينتهي المحافظ العقاري الى تسليم الدفتر العقاري للمالك باعتباره السند الوحيد لإثبات الملكية العقارية.
حسب نصت عليه المادة 18 من الأمر رقم 75- 74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري يقدم لمالك العقار بمناسبة الإجراء الأول دفتر عقاري تنسخ فيه البيانات الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية، وقد حدد نموذج للدفتر العقاري بموجب قرار صادر عن وزير المالية (12).[4]
و المشرع الجزائري لم يعرف الدفتر العقاري إلا أن الفقه (13)[5] عرفه بأنه عبارة عن سند إداري يمنحه المحافظ العقاري و يكون الغرض منه إثبات حقوق عينية واردة على العقار و يسلم للمالك سواء كان شخص طبيعي أو معنوي عند إنشاء بطاقة عقارية مطابقة و إذا و حدث و إن تصرف صاحب الدفتر تصرفا ناقلا للملكية يؤشر فيه على هذا التصرف بشكل واضح و يسلم الدفتر للمتصرف إليه بإعتباره المالك الجديد، وبهذا يشكل الدفتر العقاري الحالة المدنية الفعلية للملكية العقارية.
هذا وان بيانات الدفتر العقاري يتم ضبطها ومراجعتها كلما وقع تعديل- حيث ان عدم تطابق الدفتر العقاري ميدانيا مع العقار محل هذا السند الرسمي يجعل من حجيته ناقصة مما يؤدي الى تعديله – (14)[6] ا و نقل للحقوق المشهرة او ترتيب حق عيني على العقار ما لم يؤدي ذلك الى انشاء بطاقة عقارية جديدة لأنه في هذه الحالة يتم احداث دفتر عقاري جديد، كما ان كل نقل للحقوق المدونة بالدفتر العقاري يؤدي الى ايداع الدفتر العقاري لدى المحافظة العقارية وتسليمه بعد ضبطه للمالك الجديد كما تنص المادة 46 من المرسوم 76-63.
أما بخصوص كيفيات التأشير فقد تشدد المشرع بشأن ذلك حيث ألزمت المادة 45 من المرسوم رقم 76-63 أن تكون عمليات التأشير بكيفية واضحة ومقروءة بالحبر الأسود الذي لا يمحى والبياض يشطب عليه بخط، وفي حالة وجود أخطاء مادية يمنع التحشير والكشط وتصحح تلك الأغلاط أو السهوات عن طريق الإحالات، هذا وان الكلمات والأرقام المشطوب عليها وكذلك الإحالات تكون مرقمة ومسجلة بعد التأشير الذي يعاينه ويشهد بصحته المحافظ العقاري.
وحتى تكون عملية التأشير واضحة ألزم المشرع أن تكون كتابة الأسماء العائلية للأطراف بالأحرف الكبيرة، أما الأسماء الشخصية فتكون بالأحرف الصغيرة، وللتأكد من الجداول المقيدة عليها المعلومات سواء تعلق الأمر بتعيين الأطراف أو العقارات لا بد أن تكون مرقمة وموقعة، مع ضرورة وضع خط بالحبر بعد كل عملية إجراء، ذلك لتفادي عمليات التزوير، كما انه يتعين على المحافظ العقاري أن يضع تاريخ التسليم بعد كل عملية تأشير والنص الذي بمقتضاه تم هذا التسليم.
أما عن كيفية تسليم الدفتر العقاري، فان الأمر يختلف باختلاف عدد أشخاص أصحاب الحقوق، فان كان شخصا واحدا فان عملية التسليم تتم له شخصيا، أما إذا كان هناك شخصان أو أكثر من أصحاب الحقوق في الشيوع فانه حسب المادة 47 من المرسوم رقم 76-63 عليهم تعيين وكيل من بينهم بموجب وكالة قانونية لتسليم الدفتر العقاري مع إلزام المحافظ العقاري الإشارة على البطاقة العقارية التي تخص نفس العقار الجهة التي آل إليها الدفتر العقاري.
وحسب المادة 49 من المرسوم رقم 76-63 فعلى المحافظ العقاري في حالة التأشير على دفتر عقاري جديد بالرغم من وجود دفاتر عقارية سابقة تم التأشير عليها، العمل على إتلاف الدفاتر العقارية السابقة والإشارة بذلك على البطاقات العقارية.
ونظرا لأهمية الدفتر العقاري ألزم المشرع تقديمه في كل عملية إيداع تحت طائلة رفض الإجراء، عملا بنص المادة 50 من المرسوم رقم 76-63 غير أن لهذه القاعدة استثناءات هي:
العقود المشار إليها في المادة 13 من المرسوم 75-74 المؤرخ في12 نوفمبر1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري (15).[7]
العقود المحررة أو القرارات القضائية التي صدرت بدون مساعدة المالك أو ضده.
تسجيل امتياز أو رهن قانوني أو قضائي.
وتجدر الإشارة إلى أنه في هاته الحالات على المحافظ أن يبلغ الإشهار إلى حائز الدفتر بموجب رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام يتضمن إنذارا بأن يودع الدفتر لدى المحافظة في أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ إشعار استلام الرسالة الموصى عليها قصد ضبط الدفتر.
وفي حالة بقاء الإنذار دون نتيجة وكان هناك نقل الملكية فان المالك الجديد يمكنه أن يحصل على دفتر آخر ويشار في البطاقة العقارية الخاصة بهذا العقار لمراجع الدفتر المسلم.
وإذا وقع نزاع حول عملية التسليم يجوز للأطراف المتنازعة الحصول على دفتر عقاري يثبت حقوقهم.
وحسب المادة 52 من المرسوم رقم 76-63 يستطيع المالك في حالة ضياع الدفتر أو إتلافه وبموجب طلب مكتوب ومسبب وبناء على إثبات هويته، أن يحصل على دفتر آخر ويؤشر في البطاقة على الحصول على هذا الدفتر.
الطبيعة القانونية للدفتر العقاري
يشكل الدفتر العقاري سندا قويا مثبتا للملكية ولا يمكن ان يسجل أي اجراء في السجل العقاري دونه وكل تأشير في البطاقة العقارية العينية ينبغي ان ينقل على الدفتر العقاري حتى يرسم الوضعية القانونية للعقار،
هذا وقد تباينت اراء الفقهاء حول الطبيعة القانونية لهدا السند فمنهم من إعتبره قرار إداري وآخرون إعتبروه مجرد سند تحرره الإدارة (16).[8]
الدفتر العقاري هو قرار اداري هذا الراي يعتبر الدفتر العقاري تنطبق عليه عناصر القرار الإداري المتمثلة في انه تصرف اداري يخضع في تحريره للشكل المحدد قانونا، وانه صادر عن هيئة إدارية وبإرادتها المنفردة كما تترتب عليه اثار قانونية وبالتالي فهو قرار اداري.
الدفتر العقاري سند اداري هذا الراي يعتبر الدفتر العقاري سند اداري على أساس انه لا تنطبق عليه عناصر القرار الإداري ولا يحدث اثرا قانونيا انما دوره كاشف للمراكز القانونية فقط وبالتالي فهو مجرد شهادة إدارية او عقد ملكية يخضع لتوقيع المحافظ العقاري الذي يقتصر دوره على اشهاد بمطابقة هذا السند للبطاقات العقارية والسجل العقاري (17).[9]
تعرض هذا الرأي للانتقاد على أساس ان البطاقات العقارية الممسوكة اعتمادا على وثائق المسح ينتج عنها ان الحائز له الحق في الحصول على دفتر عقاري يمكنه من اثبات ملكيته وبالتالي فان دور الدفتر العقاري هنا منشأ وذلك بتحويل الحائز الى مالك ومنه نشوء حق الملكية الذي لم يكن موجودا قبل عمليات المسح (18).[10]
من خلال الرأيين يتبن لنا ان الدفتر العقاري هو قرار اداري لأنه تصرف صادر عن المحافظة العقارية ويحمل في طياته عناصر القرار الاداري.
فالدفتر العقاري يعتبر من أهم القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري، وهو السند الوحيد لإثبات الملكية العقارية بشأن الأراضي الممسوحة، لذلك أحاطه المشرع بجملة من الإجراءات القبلية المعقدة بغية تحصينه قدر الإمكان من الدعوى القضائية الرامية إلى إلغاءه، غير أنه إذا ثبت أن الدفتر بني على أسس غير قانونية من الناحية الإجرائية أو الموضوعية فإن مآله الإلغاء وبالتالي الرجوع إلى الحالة القانونية التي كان عليها العقار من قبل.
و بهذا فتح المشرع الجزائري لكل ذي مصلحة للمطالبة بإلغاء الدفتر العقاري ضاربا بذلك مبادئ الشهر العيني و بخاصة مبدأ القوة الثبوتية للشهر و هذا ما يؤثر سلبا على الأمن العقاري.