ضوابط و أهمية التمييز بين الأعمال التجارية و الأعمال المدنية
لقد أوجد الفقه عدة ضوابط للتمييز بين العمل التجاري و العمل المدني، كما بين أهمية هذه التفرقة و النتائج المترتبة عنها.
ضوابط التفرقة بين العمل التجاري و العمل المدني
وضع الفقهاء في هذا الشأن عدة نظريات أهمها:
- نظرية المضاربة: حسب أنصار هذه النظرية فان العنصر الجوهري في العمل التجاري هو المضاربة أي قصد تحقيق الربح، فكل عمل يقوم به الشخص بهذا القصد تثبت له الصفة التجارية.
غير أن ما يؤخذ على هذه النظرية أنها و إن تضمنت جانبا من الصحة إلا أنها لا تسري على إطلاقها، ذلك أن الأعمال التجارية ليست وحدها التي تهدف إلى تحقيق الربح فحتى المهن المدنية تهدف إلى هذا الغرض، كعمل الطبيب أو المهندس...، و في المقابل نجد انه قد يقوم تاجر بالبيع بالخسارة من اجل القضاء على منافس له و يظل هذا العمل محافظا على الصفة التجارية رغم تجرده من فكرة الربح .
- نظرية التداول: مفاد هذه النظرية أن الأعمال التجارية هي تلك الأعمال التي تتعلق بالوساطة في تداول الثروات، من وقت خروجها من المنتج إلى وقت وصولها إلى المستهلك، كما تنصرف العمليات التجارية حسب هذه النظرية إلى الأعمال التي تساعد على تنشيط حركة السلع و تداولها مثل العمليات الواردة على الأوراق التجارية، السمسرة....
ما يؤخذ على هذه النظرية أن الاعتماد على الحركة آو التداول وحده للتمييز بين العمل التجاري و العمل المدني غير كاف، حيث توجد العديد من عمليات التداول التي لا تستهدف الربح كالعمل الذي تقوم به الجمعيات الخيرية حيث لا يعتبر عملا تجاريا.
- نظرية المقاولة: يقصد بالمقاولة التكرار المهني للأعمال التجارية استنادا إلى تنظيم مهني مسبق، و يرى أنصار هذه النظرية أن المقاولة تستجيب أكثر لمتطلبات القانون التجاري فيما يتعلق بالسرعة و الائتمان و بساطة الإجراءات، و هذه النظرية تستمد أساسها من القانون ذلك أن المشرع اعتبر أن هناك طائفة من الأعمال التي لا تعد تجارية إلا إذا صدرت في شكل مقاولة.
غير أن ما يؤخذ على هذه النظرية أنها لا تفسر مضمون كل الأعمال التجارية التي عدده المشرع و التي لا يشترط فيها اتخاذ شكل المقاولة كالأعمال التجارية المنفردة و الأعمال التجارية بحسب الشكل.
- رأي توفيقي: الحقيقة انه لا يوجد ضابط ثابت يطبق على جميع الأعمال التي أعطاها المشرع الصفة التجارية، لذلك يتعين في العمل التجاري أن يتوفر فيه عنصرين و هما المضاربة و الوساطة في تداول الثروات إضافة إلى عنصر المقاولة بالنسبة لبعض الإعمال التي يشترط المشرع أن تكون في شكل مقاولة.
أهمية التمييز بين العمل التجاري و العمل المدني
تظهر أهمية التفرقة بين العمل التجاري و العمل المدني في نواحي عديدة و على الخصوص في:
- الاختصاص القضائي: طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية المعدل و المتمم بموجب القانون 22-13 المؤرخ في 12 جويلية 2022، الذي انشأ إلى جانب الأقسام التجارية المحاكم التجارية المتخصصة فأصبح هناك جهتين قضائيتين تختصان بنظر المنازعات التجارية، و هما المحكمة التجارية المتخصصة و القسم التجاري بالمحكمة العادية.
- الإثبات: في القانون المدني الإثبات لا يكون إلا بالكتابة إذا قدر مبلغ الالتزام ب 100 ألف دينار أو أكثر أو كان غير محدد القيمة حسب المادة 333 ق م ج و دون هذه القيمة يجوز الإثبات بالبينة، في حين انه في القانون التجاري فالمبدأ هو حرية الإثبات في المواد التجارية طبقا للمادة 30 ق ت ج إلا ما استثني صراحة كعقد الشركة الذي لا يثبت إلا بالكتابة. (4)[1]
- المهلة القضائية: طبقا للمادة 210 ق م ج فانه يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا معقولا ينفذ فيه التزامه شرط أن يكون المدين حسن النية، أما في المواد التجارية فانه لا يجوز منح المدين مهلة نظرا لما تتميز به المعاملات التجارية من سرعة و ائتمان.
- تضامن المدينين: قواعد التضامن في المسائل المدنية لا يمكن تقريرها إلا بنص أو باتفاق الأطراف طبقا لأحكام المادة 217 ق م ج( 5)[2]، غير انه في المسائل التجارية فقواعد التضامن مفترضة قانونا طبقا لأحكام المادة 551 ق ت ج غير انه يجوز نفيها في العقد.
- عدم مجانية العمل: الأصل مجانية العمل المدني ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، في حين انه يفترض عدم مجانية العمل التجاري و إذا لم يتم الاتفاق على ذلك فانه يعين من قبل القضاء وفقا قواعد المهنة.
