مقدمة
إن النظرية العامة للقانون الدستوري تتناول في الدراسة مواضيع عديدة تتفرع عن المحاور الكبرى التي سنختار أهمها وهي "الدولة" و"دستور الديمقراطية"، والقانون الدستوري هو قبل كل شيء فرع من فروع القانون العام، يشمل بالدراسة كل القواعد التي تنشئ نظاما قانونيا للدولة، وتأطير الظواهر السياسية، وتوضح بدقة قواعد ما يسمى باللعبة السياسية، وتوزع الأدوار بين مختلف الهيئات، وأهم هذه القواعد هي تلك التي يتضمنها الدستور الذي يعد حافزا منيعا ضد الاستبداد والحكم المطلق، وما يلاحظ في الدساتير المعاصرة أنها تتجه نحو تكريس المزيد من الحماية للمواطنين، بدليل أن معظم الدول تأخذ بالرقابة على دستورية القوانين وإن اختلفت في أساليبها، وذلك بهدف الحرص على احترام المشرع للحقوق الأساسية المكفولة بالدستور، غير أنه في بعض الأحيان قد نكتشف أن هناك فجوة بين النص والممارسة، فعلى سبيل المثال دستور فرنسا 1958 (دستور الجمهورية الخامسة) أقام نظاما برلمانيا، إلا أن الممارسة أفضت إلى إقامة نظام شبه رئاسي، وعليه فإن الدستور نفسه لو طبق في دولتين لكانت نتائج تطبيقه مختلفة، بل إن الدستور نفسه تكون له تطبيقا متنوعة في الدولة الواحدة بسبب تعاقب الحكام عليها، بل وأحيانا دون تغير الحكام، وهذا ما دفع ببعض الحكام إلى القول بوجود دستورين في كل دولة: دستور نظري وشكلي يتمثل في القواعد المسنونة في وثيقة الدستور، ودستور عملي وهو ما درج عليه العمل في واقع الحياة السياسية من قبل الحكام، والدول في حد ذاتها وإن قامت كل أركانها مجتمعة فإنها تحتاج إلى منهاج تسير عليه يحدد سلطاتها ووظائفها، ومن هذا المنطلق تتجلى خصائصها التي يمكن استخلاصها والتي تجتمع في كل دولة نشات وفق معايير وأحكام القانون الدولي.
