تعريف الدولة وأركانها.
سنتطرق فيما يلي إلى مفهوم الدولة والعناصر المكونة لها.
تعريف الدولة.
إن تنظيم السلطة في شكلها الدولتي يعد بالنسبة لتاريخ البشرية ظاهرة حديثة، حيث إن هذا المصطلح بدأ في الانتشار ابتداء من القرن 16 م وهو القرن الذي حسب ما يقوله معظم فقهاء القانون العام الذي نشأت فيه أول دولة في قارة أوربا بمفهومها الحديث، فما هو المعنى الذي تحمله هذه اللفظة ؟
إن تاريخ الفكر السياسي يمدنا بتعريفات عديدة ومختلفة المعاني فعلى سبيل المثال إذا عدنا للمفكر الإيطالي ميكيافلي تيلسون نجده من الأوائل الذين استخدموا كلمة الدولة في مؤلفه الشهير "الأمير " منشور سنة 1532 وعرفها بأنها هيمنة بعض الأفراد أي الحكام على الآخرين أي المحكومين، وأن الدولة تتجسد في الجمهوريات والإمارات، أما الفيلسوف الفرنسي جون بودان في مؤلف "الكتب الست للجمهورية" الصادر سنة 1591 فقد عرف الدولة بأنها جمهورية أي حكم الأفراد حول ما هو مشترك بينهم بواسطة قوة سيدة، وإذا عدنا إلى القرن 19 نجد المفكر إنجلز زميل ماركس يعرف الدولة تعريفا مغايرا إذ يقول بأنها أداة أوجدتها الطبقة المالكة لحماية نفسها من الطبقة غير المالكة( 5[1]).
ملاحظة : انظر الرابط التالي
أركان الدولة
تتجسد الدولة في مظاهر مادية ملموسة تسمى بالعناصر المكونة للدولة أو شروط وجود الدولة وهي الإقليم والشعب وسلطة سيدة تبسط نفوذها على الإقليم والشعب، والحقيقة أن التمييز بين الإقليم والشعب هو أمر مصطنع قال به بعض الفقهاء بغرض الدراسة لأنه لا يمكن تصور الشعب بدون إقليم.
أولا : الإقليم.
يعتبر الإقليم القاعدة المادية للدولة ومصدر قوتها، ويتمثل في الإقليم البري[2]، البحري[3] والجوي[4]، ويخضع كله لسلطة الدولة وقوانينها، فلا يمكن تصور دولة دون إقليم، ولكن خلافا لذلك يمكن تصور إقليم بدون دولة مثل القارة المتجمدة، وعلى هذا الأساس فإن المنظمات الدولية رغم تمتعها بالشخصية المعنوية لا ينطبق عليها وصف دولة، كما أن الكنيسة الكاتوليكية لم يكن يعترف بها كدولة إلا بعد أن تم اقتطاع مدينة فاتيكان كإقليم لها بموجب معاهدة لاترو 1921.
1 خصائص الإقليم.
يتميز الإقليم بأربعة خصائص سنبرزها فيما يلي.
أ- الاستقرار.
يفترض في الإقليم أنه يظل مستقرا بمعنى لا تتغير مساحته بفصل جزء منه أو ضم جزء آخر إليه، وأحيانا يتم تقسيمه بين عدة دول وبالتالي يؤدي زوال الإقليم إلى زوال الدولة، وهذه التغييرات التي تلحق بالإقليم حدثت بكثرة في القرنين 19 و20، وغالبا ما تتم بطريقة لا سلمية، كأن تقدم دولة على غزو إقليم دولة أخرى واحتلالها عسكريا كما حدث بالجزائر سنة 1830، كما أن إقليم الدولة قد يتعرض للتقسيم والتفكك في حالة انفصال جزء منه وربطه بإقليم دولة أخرى أو أن يتحول هذا الجزء إلى دولة جديدة.
وقد يشمل التقسيم كل أجزاء الإقليم ونكون هنا أمام ظاهرة تسمى بتمزق الدولة، وهو ما حدث لدولة يوغسلافيا التي فنيت وقامت على أنقاضها دول جديدة هي سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة، الهرسك، كوسوفو هذه الأخيرة التي لم يعترف بها بعد، كما أن هذه التغييرات التي تطرأ على الإقليم يمكن أن تكون سلمية مثل ولاية لويزيان الأمريكية التي كانت سابقا خاضعة لسيادة فرنسا، ثم باعتها للو.م.أ سنة 1806، وكذلك الأمر بالنسبة لألاسكا التي باعتها روسيا للو.م.أ سنة 1867.
ب- الترابط والتواصل.
يمكن أن يتشكل إقليم الدولة من وحدة واحدة مثل إقليم دولة الجزائر وهو ما يساعد في تسهيل الاتصالات وممارسة السلطة وفرض القانون من قبل الدولة، غير أن هناك دول لا تملك أقاليم متواصلة جغرافيا وإنما تفصل بين أجزائها حواجز قد تكون مائية مثل اليابان، أو قد تتمثل في أقاليم برية تابعة لدولة أخرى، ومثل هذه المشكلة لا تنفي عنها صفة الدولة وإن كانت تسبب لها ضغوطات في بسط نفوذها، مثل باكستان التي تأسست سنة 1947بعد استقلالها عن الهند كان يفصل بين جزئيها الشرقي والغربي دولة الهند بمسافة 1000 كلم، إلى أن انفصل الجزء الشرقي عنها وأصبح يشكل دولة بنغلاديش سنة 1971.
ج- رسم الحدود.
تزامن ظهور الدولة الحديثة مع عملية رسم الحدود لإقليمها، لأنه بدون معرفة حدد الإقليم لا يمكن تحديد الفضاء الذي تمارس فيه الدولة سلطته، وبالتالي اندثرت الدول الرحل التي كانت سائدة قديما.والحدود هي تلك الخطوط الاصطناعية الفاصلة بين الدول، وأحيانا يتم فرضها عليها بطريقة جائرة.
د- وحدة الإقليم.
ونعني بها أن قوانين الدولة من حيث المبدأ تطبق على كل إقليمها بدون استثناء وهو ما يسمى بإقليمية القانون، أي أن سلطان القانون لا يجاوز حدود إقليم الدولة، وقد عبرت عنها المادة 01 من القانون المدني " تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية..."، ويلاحظ بأن المشرع أساء ترجمة مصطلح territoire إلى تراب فالأصح هو الإقليم، وعليه فإن كل دولة تحرص على تطبيق قوانينها في كل أرجاء إقليمها لتحقيق وحدته.
2- وظائف الإقليم.
يؤدي الإقليم ثلاثة وظائف أساسية :
أ – يساعد الإقليم على تحديد مفهوم الشعب ويساهم في ترسيخ فكرة القومية أو الأمة، وهو أداة لتحقيق التجانس بين أفراد الشعب، وحدود الإقليم هي التي توفر الأمن للشعب وتحميه من التدخلات الأجنبية.
ت- إن الإقليم هو الذي يحدد الإطار الذي تمارس فيه الدولة سلطتها واختصاصها، وهو الفضاء الذي يخضع لسيطرتها، وبالتالي لا يمكن للدولة أن تتصرف إلا داخل إقليمها، ولا تسمح لدولة أخرى أن تتصرف داخل إقليمها.
ج- إن حجم الإقليم وتضاريسه وإن كانا لا يؤثران في الشخصية القانونية للدولة إلا أن لهما دورا في تحديد الشكل القانون للدولة إن كانت موحدة أو مركبة، وفي تنظيمها الإداري، كما أن اتساع الإقليم قد يكون عاملا في تقوية الدولة، أما انكماشه فيؤدي في الغالب إلى تضاؤل أهمية الدولة وضعف تأثيرها على الصعيد الدولي.
ثانيا : الشعب.
الشعب هو العنصر البشري المكون للدولة،ونعني به مجموعة الأفراد الخاضعين لسلطة الدولة والذين تربطهم بالدولة رابطة قانونية تتمثل في حملهم لجنسية الدولة، وهذا التعريف يقره واقع الدولة الحديثة التي هجرت الروابط الانتمائية القديمة كالدين واللغة والعرق، وللدولة وحدها الحق في تحديد من هم مواطنوها، أو الحاملين لجنسيتها ولها كامل السيادة في تحديد طرق اكتساب جنسيتها بموجب قانون تضعه لهذا الغرض يسمى بقانون الجنسية ، ويترتب على اكتساب جنسية دولة ما ما يلي :
أ- صفة المواطنة.
ونعني بها تلك الصفة السياسية التي تربط أفراد الشعب بدولتهم، وتجعلهم سواسية أمام قوانينها وتمتعهم بجملة من الحقوق السياسية وتلقي على كواهلهم جملة من الواجبات، وعليه فإن الدولة كمجتمع سياسي منظم لا يتصور قيامها بدون شعب، وأن أي إقليم خال من عنصر الشعب لا يمكن أن يشكل دولة كما هو الحال بالنسبة للقار المتجمدة.
ب- المظهر الديموغرافي للشعب.
يجمع الفقه الحديث على عدم إخضاع الشعب لأية قاعدة حسابية عملا بمبدأ الحق لكل الشعب مهما كان عدد أفراده في تقرير مصيره في إقامة دولة مستقلة، وهذا ما يفسر تفاوت الدول في عدد مواطنيها، وإذا كان جانب من الفقه يرى بأن ضخامة العنصر البشري من شأنها تعزيز مكانة الدولة وتزيد في قوتها، إلا أن هذه الفكرة تناقضها حال دول العالم الثالث التي تعاني المجاعة رغم التكاثر الديموغرافي، مما دفع بعض الدول إلى انتهاج سياسة تحديد النسل.
ج – الشعب والسكان.
إن مصطلح السكان أعم من أن يشمل مواطني الدولة الحاملين لجنسيتها، ثم الأجانب الذين هم مواطنون لدول أخرى، ويفترض أنهم يتمتعون بحماية خاصة عملا بما تقتضيه المعاهدات الدولية في هذا الخصوص، ورغم أن كل المواثيق الدولية تحرم التمييز بين الأجانب والمواطنين وتجرمه، إلا أن الغرب لا زال يمارس سياسة التمييز خاصة مع الأجانب المنحدرين من الجنوب، وعلى عكس ذلك فإن الشركات متعددة الجنسيات لا زال لها وزن في اتخاذ القرارات في الدول المتخلفة.
د- الشعب السياسي والشعب الاجتماعي.
يميز الفقه بين المفهوم السياسي والمفهوم الاجتماعي للشعب، إذ ينصرف مفهوم هذا الأخير إلى كل الأفراد الحاملين لجنسية الدولة، في حين يقصد بالمفهوم السياسي للشعب أولئك الأفراد الذين تتوافر فيهم شروط معينة لممارس حقوقهم السياسية كالانتخاب .
ه- المظهر السوسيولوجي للشعب.
إن الإشكال المطروح في هذا الموضوع هو هل يشترط لقيام الدولة تجانس الشعب في الثقافة والدين والقابلية لضم واستقبال عناصر بشرية أخرى من أجناس مختلفة وديانات متعددة؟ إن هذا الطرح يؤدي بنا حتما إلى ضرورة التمييز بين الشعب والأمة، فعلى الرغم من استعمال المصطلحين كمرادفين لبعضهما إلا أن لكل منهما مدلوله الخاص، فالشعب يقوم على أساس الجنسية، في حين أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للأمة نظرا للعناصر والمقومات التي ينبغي توافرها في الجماعة البشرية كي تصبح أمة، فالنظرية الجرمانية جعلتها تقوم على معايير عرقية كما زعمت سمو الجنس الآري وهذه المقولة ليس لها أي أساس، إلا أنه لا يمكن تجاهل دور اللغة والدين والثقافة بالمعنى الواسع في بناء الهوية الوطنية .
ثالثا : السلطة .
إن وجود هيئة تمارس السلطة على الإقليم والشعب هو العنصر الثالث من العناصر المكونة للدولة، والسلطة بلغة الفقه هي السيطرة أو الهيمنة من قبل شخص أو عدة أشخاص على الآخرين، وهي لا تعني إمكانية التصرف فحسب، ولكن إملاء هذا التصرف على الآخرين عن طريق الأمر والنهي وإخضاعهم لها ولو باستخدام القوة، وغالبا ما تنعت السلطة في هذا المقام بأنها سياسية تفاديا للخلط بينها وبين السلطات الأخرى. وفي إطارها يبدو التمييز بين فئة الحكام وفئة المحكومين بغض النظر عن طبيعة العلاقة بينهما.فإذا كان الإقليم والشعب هما الركيزتان الماديتان للدولة، فإن السلطة هي الأداة التي من خلالها تتحول هاتان الركيزتان إلى كيان دولتي، فكل جماعة بشرية مستقرة فوق إقليم معين تحمل في ذاتها إمكانية التحول إلى دولة،لكن هذه الإمكانية لا تصبح واقعا عمليا إلا بظهور السلطة التي تجعل من الوحدة البشرية وحدة سياسية قانونية تسمى الدولة.
ولا يشترط في هذه الهيئة التي تمارس السلطة أن تتخذ شكلا سياسيا محددا، وإنما يجب أن يكون لديها القدرة على بسط نفوذها واتخاذ القرارات لتسيير الشأن العام وذلك على نحو لا يسمح بوجود سلطة أخرى موازية أو منافسة لها أو أعلى منها، وإلا أدى ذلك إلى قيام دولتين، ومن ثم فلا يمكن أن تتعايش سلطتين إلى الأبد فوق إقليم واحد، ولهذا يوصف العنصر الثالث بالسلطة الفعلية،وأنه لا وجود للدولة بدون سلطة فعلية تكون قادرة على الهيمنة بغض النظر عما إذا كانت شرعية أم لا( 6[5]) .
نص قانوني :
تطبق كل دولة قوانينها داخل إقليمها مثل ما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدني الجزائري بقولها :"تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية...'.
تعتبر الجزائر من بين أولى الدول التي يصعب اكتساب جنسيتها كونها تضع شروطا خاصة ومشددة لمن يريد الحصول على جنسيتها.