أسباب بروز الاهتمام بالمرحلة السابقة على التعاقد:

نفتتح هذا المحور من البرنامج بالتذكير بالأهمية البعد الاقتصادي للعقد، و نستذكر ما سبق الإشارة إليه في الفصل التمهيدي مما  كما بكتاب جون بيلي الذي رسم الابعاد الثلاثة   للعقد: بعد التبادل الاقتصادي و بعد الأحكام  التي تترأس تنظيم التبادل  و أخيرا بعد الفكر القانوني.  ليخلص إلى فكرة الرابط بين  نشأته و تطوره الديناميكي. إن تطوره الديناميكي هذا في تصورنا ليتحول اهتمام القانون من لحظة نشأته أي تقابل الإرادتين أو التراضي إلى ما يسبق هذه اللحظة أي "مرحلة التفكير فيه" كما عبر عنها الكاتب  نبيل اسماعيل الشبلاق و الذي جاء عنه ما يلي:"إن المتتبع للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي يشهدها العالم اليوم وما رافق ذلك من تطور موازٍ في أنماط التعامل وكيفياته على الصعيدين الداخلي والخارجي، لا بد أن يلحظ تحولاً جذرياً موازياً في منهج دراسة تكوين العقد، فبعد أن كان التركيز منصباً على اللحظة التي يتلاقى فيها الإيجاب والقبول، على اعتبار أنَّه عند هذه النقطة فقط ينبثق العقد ويولد ككائن قانوني، أصبحت الاتجاهات الحديثة في الفقه القانوني تنظر بعين الاهتمام إلى نقطة البداية الحقيقية في حياة العقد، وهي لحظة التفكير فيه وما يتبعها من سعي متواصل وحثيث من قبل الأطراف لتجسيد الفكرة واقعاً ملموساً."

فأصبحت المرحلة الأولية لبناء فكرة التعاقد في عقود نقل التكنولوجيا و  العقود المركبة و العقود الدولية تنشأ التزامات و حقوق، مما أثر في نمط التفكير القانوني على حسب تعبير نبيل اسماعيل الشبلاق:" لم يحدث هذا التغير المهم في نمط التفكير القانوني بشكل تلقائي، وإنما حدث جراء بروز عوامل عدة دفعت إليه دفعاً، ومن أهم هذه العوامل -دون شك- بروز ظاهرة العقود الكبيرة المركبة ذات القيمة الهائلة كعقود الأشغال الدولية وعقود نقل التكنولوجيا، ذلك أن هذه العقود بما تنطوي عليه من أهمية اقتصادية وتنموية تحتاج إلى مدة طويلة لتنفيذها قد تمتد سنوات، وهي من هذا الجانب لا يتصور أن تبرم بإيجاب وقبول لحظيين، فمثل هذه العقود التي تحفها المخاطر بالنظر إلى مدة تنفيذها الطويلة."

راجع: نبيل اسماعيل الشبلاق، الطبيعة القانونية لمسؤولية الأطراف في مرحلة ما قبل العقد (دراسة في العقود الدولية لنقل التكنولوجيا)،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية و القانونية. مجلد 29 . العدد الثاني، 2013.ص:300.   299-336.pdf                                                  

تعريف المرحلة السابقة عن التعاقد

عرفها بعض الفقه الفرنسي بأنَّها "تلك المرحلة التي تضم مجموعة من العمليات التمهيدية التي تتمثل في المباحثات والمساعي والمشاورات وتبادل وجهات النظر بهدف التوصل إلى اتفاق"، وقد عرفَت أيضاً بأنّها "تلك المرحلة التي يتم فيها تبادل الاقتراحات والمساومات والمكاتبات والتقارير والدراسات الفنية بل والاستشارات القانونية التي يتم تبادلها من قبل أطراف المرحلة السابقة على العقد ليكون كل منهم على بينة من أفضل الطرق القانونية التي تحقق مصلحة الأطراف وللتعرف على ما يسفر عنه الاتفاق من حقوق والتزامات على عاتق الأطراف.".

لأكثر معلومات راجع مقال: حسام كامل الاهوائي، المفاوضات في الفترة ما قبل التعاقدية ومراحل إعداد العقد الدولي، ورقة بحث قدمت أمام ندوة الأنظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية، القاهرة، 1993 ،ص 2. الطبيعة القانونية لمسؤولية الأطراف في مرحلة ما قبل العقد (دراسة في العقود الدولية لنقل التكنولوجيا)،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية و القانونية. مجلد 29 . العدد الثاني، 2013.ص:308.

عرف الأستاذ بلحاج العربي المرحلة السابقة إلى التعاقد بالعقود التمهيدية أو عقود ما قبل العقد النهائي و جاء عنه  ما يلي:"العقود التمهيدية ، أو عقود ما قبل العقد النهائي، هي العقود التحضيرية التي يبرمها الأطراف قبل العقد النهائي، فهي عقود مؤقتة سابقة على التعاقد يتطلع بها الأطراف نحو تحقيق عقد نهائي." غير أن  الكاتب  فرق بين مرحلة التفاوض السابقة على التعاقد و المرحلة التمهيدية السابقة على التعاقد فجاء عنه مايلي :"ان المشرع الجزائري رغم تعديلات القانون ..، التي مست القانون المدني في كثير من مواده، لم يهتم بمرحلة التفاوض. فقد أغفل تنظيم الالتزام قبل التعاقدي، كما انه سكت عن حماية المتعاقد في المرحلة السابقة على التعاقد، تاركا الأمر بيد القضاء الذي مازال يعتبر مرحلة التفاوض مجرد عمل مادي غير ملزم  لا يترتب عليه في ذاته أي أثر قانوني، و لا ينشئ على عاتق الطرفين أي التزام. و ليس أمام المتفاوض المضرور من جراء عملية التفاوض ، سوى اللجوء إلى طريق المسؤولية التقصيرية..." . ليخلص الكاتب الى أن المشرع الجزائري أشار إلى أبرز صور المرحلة التمهيدية السابقة إلى التعاقد، و ذكر منها خاصة: الاتفاق الابتدائي على المسائل الجوهرية أو الأساسية للعقد(م 65ق.م)، و الوعد بالتعاقد  (م72ق.م)، و العربون(م72 مكرر ق.م المضافة بالقانون رقم 05/10 المؤرخ في 20/06/2005). و هي الصور التي يعقبها غالبا إبرام العقد النهائي الذي يحل محلها."  و هي العقود التي ستكون محل دراستنا بهذا المبحث. 

لأكثر معلومات راجع: بلحاج العربي، مشكلات المرحلة السابقة على التعاقد في ضوء القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر. طبعة 2011، ص ص:13-14. ص:140. يمكنك الاستعانة بأرضية اقرأ المتوفرة على مستوى المكتبة المركزية للجامعة للحصول على نسخة من الكتاب.

تنبيه :
يميز فريق من الفقهاء بين الاتفاق و بين العقد معتبرا الأول اعم من الثاني بحيث يشكل الاتفاق نوعا أما العقد فهو جنسا منه ، إلا انه يلاحظ استعمال المشرع حينا للفظ الاتفاق، و أحيانا لفظ العقد و تارة اللفظين معا في مادة واحدة دون اختلاف في المدلول


Modifié le: mardi 15 décembre 2020, 23:13