بطاقة رقم 1: تطور قانون العقود
تنبيه: تعد دراسة القانون و الفقه الرومانيين من الأولويات التي لا يستوي فهم القوانين المدنية دونها و خاصة ما تعلق منه بنظرية الالتزام و مصادرها. فدراسة قانون العقود يستدعي الوقوف عند القانون الروماني باعتباره مصدر تاريخي و منبع أغلب القوانين المدنية التي تأثرت بها التشريعات العربية الحديثة لا سيما التشريع المدني الجزائري. بحيث يعد القانون و الفقه الرومانيين، روح أول تشريع مدني فرنسي "قانون نابيليون" الصادر سنة 1804 و القانون المدني الألماني الصادر سنة 1900 و قانون الالتزامات و العقود السوسري الصادر سنة 1912. و لهذا السبب و قبل الخوض في دراسة عقد البيع و عقد الإيجار في القانون المدني الجزائري، يستوجب علينا التذكير ببعض المحطات الأساسية التي كان لها أثر في تطور قانون العقود:
العقود عند الرومان: لم يعرف الرومان في العصريين الأوليين من حضارتهم سوى نوعين من العقود: العقود العينية، و العقود الشكلية، أما فيما يخص العقود العينية، فهي التي لا تنعقد إلا بتسليم الشيء. في حين تشمل العقود الشكلية العقود الشفوية أو أللفضية و العقود الكتابية و لم تظهر أنواع أخرى من العقود الى غاية عهد جستنيان. اعترف القانون الروماني في عهده بعقود تتم بمجرد التراضي و سميت بالعقود الرضائية أي لا تحتاج الى شكل معين و هي أربعة أنواع: البيع و الايجار و الشركة و الوكالة.
نظرة القانون الفرنسي القديم : قسم الفقيه الفرنسي بوتييه - POTHIER ، مصادر الالتزام إلى خمسة، متأثرا في ذلك بالقانون الروماني، وهذه المصادر هي: العقد وشبه العقد، والجريمة أو الجنحة، وشبه الجريمة، والقانون. التقسيم الذي انتشر تبنيه في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، و هو نفس التقسيم الذي أخد به التقنين المدني الفرنسي1804. غير أن الفقيه الفرنسي 'بلانيول'، انتقده بشدة و اعتبره ناقص، لعدم ذكره للإرادة المنفردة والإثراء بلا سبب، أكثر من ذلك أعاب على اصطلاح "شبه العقد"، باعتباره تعبير مظلل، لأنه يوحي بأنه عمل إرادي مشروع، والحقيقة عكس ذلك تماما .
قانون نابليون الصادر سنة 1804 : خصص القانون المدني الفرنسي عند صدوره عام 1804 حوالي 500 مادة لتنظيم العقود الخاصة و على وجه الخصوص ما جاء باثني عشرة فصل على التولي: من الكتاب الثالث منه تحت عنوان" الطرق المختلفة لاكتساب الملكية " و شملت أحكام البيع، و المقايضة ، و الإيجار و عقود أخرى مثل القرض، و الوديعة ، و الوكالة و قمار و رهان، و الكفالة. مع الإشارة إلى أن الفصل الرابع خصص بكاملة لتنظيم عقد البيع.
كما تعرض المشرع الفرنسي لبعض التقسيمات كتقسيمها الى: عقود تبادلية أو غير تبادلية ، عقود محددة أو عقود غرر، عقود معاوضة و عقود تبرع.
لأكثر معلومات راجع : وليد غمرة، التقنين المدني الفرنسي، تاريخه وأثره، أعمال الندوة التي عقدت بكلية الحقوق لجامعة بيروت العربية بمناسبة: مائتي عام على إصدار التقنين المدني الفرنسي 1804-20
التشريعات الحديثة: حصرت التشريعات الحديثة، مصادر الالتزام في خمسة أنواع و هي: العقد، الإرادة المنفردة، العمل الغير مشروع، الإثراء بلا سبب، والقانون. و قسمها الفقه إلى طائفتين اثنتين: مصادر إرادية للالتزام: تضم العقد والإرادة المنفردة. و مصادر غير إرادية: تضم العمل غير المشروع، والإثراء بلا سبب، والقانون. كما أطلق الفقه الحديث على الطائفة الأولى، اصطلاح " التصرف القانوني"،أما الطائفة الثانية مصطلح" الواقعة القانونية" .
مهم: لأكثر معلومات يستوجب الرجوع الى المرجع التالي:
Cf. PLANIOL Marcel et RIPERT Georges, Traité prati - que de droit civil français, Obligations, Tome VI, Première partie, par ESMEIN Paul, 2e édition, Librairie générale de droit et de jurisprudence, Paris, 1952, pp 7.
العقود في نظر الفقه الاسلامي: جعل الفقه الإسلاميللحق مصدران : أحدهما ا: الالتزام أو العقد بمعناه العام، كالبيع والهبة والوقف والإباحة...وغيرها، وثانيهما: إحداث واقعة وصفات قائمة جعلها الشارع أسباب الحقوق تترتب عليها وذلك كالاستيلاء، والولادة، والوفاة، والجوار، والبلوغ...وغيرها .
لأكثر معلومات راجع : - عبد الرزاق أحمد السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة بالفقه الغربي ،الجزء1 ،الطبعة الثانية الجديدة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ،لبنان، 1998 ،ص. 69.
- علي علي سليمان، الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون، طبقا للقانون المدني الجزائري، مجلة الفكر القانوني، العدد الأول، 1984 ،ص. 121
- مميزات وخصائص الشريعة الإسلامية، بلحاج العربي، أسس التشريع الإسلامي، سلسلة المعرفة، أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1996 ،ص. 545-562
- بلحاج العربي، أصالة الفقه الإسلامي وقابليته للتطور، سلسلة المعرفة، أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1996 ،ص .540 .
تأثر القانون المدني بمبادئ الشريعة الإسلامية: جاء عن أحمد أدرويش ، في مقاله "الأصول الفقهية و التاريخية" الصادر سنة 1996 أن اغلب الفقه يعتبر ان أغلب القوانين المدنية للدول العربية كمصر ، تونس، المغرب و الجزائر تمزج بين مبادئ الشريعة الإسلامية و القانون المدني الفرنسي في مجال المعاملات و التعاقد و تقوم على ثلاثة مبادئ: الحرية مرادفة الأصل في أمور الإباحة ،و المساواة، و مبدأ حسن النية.
أثر التحولات الاقتصادية على طبيعة العقد: عرفت أوروبا في بداية القرن 16 عشر، انتعاش الحياة الاقتصادية لتعود للاتفاقيات قوتها مع حلول القرن 18 عشر. ساعد تحرر العقد من بعض المفاهيم القديمة، ظهور أنصار القانون الطبيعي و المذاهب الفردية، الذين نادوا بتقدير حرية الفرد و تقوية دوره في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و كذا القانونية. و كان أول من رفع شعار "حرية المبادلات، حرية العقود، حرية العمل و حرية المزاحمة" هم الفيزيوقراطيون و على رأسهم أدم سميث ليفتح الباب واسعا أمام تكريس مبدأ سلطان الارادة.
هام : فأصبح للعقد بعد اقتصادي، كما جاء عن الكتاب جون بيلي ان للعقد ثلاثة أبعاد كبيرة : بعد التبادل الاقتصادي و بعد الأحكام التي تترأس تنظيم التبادل و أخيرا بعد الفكر القانوني الذي يعالج العقد كمفهوم و يحدد العلاقة المنطقية بينه و بين مفاهيم أخرى منتمية لنظام قانوني معين فكرة العقد من خلال هذا البعد الأخير تحيل إلى وجود نظرية قانونية تعد الرابط بين نشأته و تطوره الديناميكي.
هذه العلاقة الجديدة بين العقد و الاقتصاد دافع عنها ماكس ويبر برسالته، مبينا العلاقة بين تطور اقتصاد السوق و تطور توجه الفكر القانوني إلى فكرة العقد- كوظيفة، و بين عجز فكرة العقد- كنظام عن الاستجابة لمتطلبات السوق. ليصل الى فكرة " تطور العقد من العقد- كنظام إلى العقد-كوظيفة". انطلق وبير في رسالته من البعد النظري للعقد ليبين التواصل بين التبادل الاقتصادي و تحول قانون العقود.
لمعلومات أكثر الرجوع الى : - مقال جون بيلي نشره في مجلة القانون و المجتمع سنة 1988 بيين من خلاله الفائدة الحالية لمساهمة "ويبر" من خلال التطرق إلى فرضيات مساهمته ثم إلى مفهوم العقد و تطوره لينتهي بتبيان الفائدة الحالية من فكر "وبير ".
Belley Jean-Guy. Max Weber et la théorie du droit des contrats. In: Droit et société, n°9, 1988. Max Weber. Réception, diffusion de sa sociologie du droit. pp. 281-300.
DOI : 10.3406/dreso.1988.1003 www.persee.fr/doc/dreso_0769-3362_1988_num_9_1_1003