المسؤولية العقدية الالكترونية
المسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بالالتزامات الناشئة عن العقد أو عدم تنفيذها حيث تقتضي القواعد العامة وجوب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه مع مراعاة مبدأ حسن النية في ذلك، وقيام المسؤولية العقدية يفترض أن هناك عقدا صحيحا واجب التنفيذ لم يقم المدين بتنفيذه، أما أركان المسؤولية العقدية فتبقى هي ذاتها التي في القواعد العامة من خطأ وضرر وعلاقة السببية، إلا أن المميز في المسؤولية العقدية الالكترونية هي تلك الخصوصية التي يتمتع بها الخطأ العقد الالكتروني.
الفرع الأول) أركان المسؤولية العقدية الإلكترونية
والعقود وإن اختلفت العادية منها عن الإلكترونية فلأن الأخيرة تنعقد بوسائل إلكترونية ، وهي وسائل كهرومغناطيسية أو ضوئية أو أي وسائل تستخدم في تبادل المعلومات. لذلك فان المسؤولية الناجمة عن الأولى والثانية فهي واحدة من حيث أركانها، والتي تكمن فيما يلي:
أولا) الخطأ التعاقد الالكتروني
يعتبر كل طرف من أطراف العلاقة التعاقدية مرتكبا لخطأ عقدي إذا لم يقم بتنفيذ التزامه العقدي أو تأخر في تنفيذه أو تنفيذه بشكل معيب باعتبار أن هذا الخطأ يمثل انحرافا في سلوك المدين يؤدي إلى مسائلته.
فقبل التطرق لصور الخطأ في المعاملات الالكترونية وجب التطرق لطبيعة الالتزام في المجال الالكتروني، هل هو التزام ببذل عناية ؟ أم هو التزام بتحقيق نتيجة ؟
إن أغلب الالتزامات في المعاملات الالكترونية غايتها تحقيق نتيجة لأن المتعاقد يسعى إلى الوصول إلى هدف معين وذلك إما للاستفادة من خدمة معينة أو من سلعة معينة محلا للالتزام، وإن عدم تحقيق هذا الهدف ولو بعد بذل العناية الكافية يشكل عدم التنفيذ، ويكون في هذه الحالة للمتعاقد الأخر أن يثبت فقط وجود الالتزام لكي يكون الملتزم مجبرا ببيان أنه حقق النتيجة التي التزم بها وإقامة مسؤوليته التعاقدية، ما عدا إذا أثبت تدخل السبب الأجنبي المتمثل إما في القوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو خطأ الدائن (الطرف الأخر) أو خطأ الغير .
غير أن بعض الفقه يرى بأن هناك من العقود المعلوماتية التي يكون فيها الالتزام مجرد بدل عناية، إلا أننا نستدل بقرار لمحكمة الاستئناف بباريس عقب قضية أحيلت عليها تدور حول عدم تمكن مهندس معلوماتي من تصميم برنامج للحاسوب حيث اعتبرت أن الالتزام في هذه الحالة يبقى التزاما بتحقيق نتيجة، لأن مصمم البرنامج إذا لم يكن واثقا من نتيجة عملية فعلية ألا يلتزم بالقيام به، ومن ثم فإن إرادة الطرفين عند التعاقد هي التي تحدد طبيعة الالتزام .
هذا عن طبيعة الالتزام أما فيما يخص صور الخطأ، فإن هذا الأخير يتخذ صورتان :
الصورة الأولى) الإخلال بالتزام التسليم أو أداء الخدمة
يمتاز تسليم محل في المعاملات الالكترونية بنوع من الخصوصية وفقا لطبيعة الخدمة أو السلعة. فبرنامج الحاسوب مثلا تسلم من خلال تحميلها على دعامات :” الأقراص الممغنطة أو مفتاح الفلاش ديسك ” أو على شبكة الانترنيت مباشرة في دفعة واحدة أو عبر مراحل.
والتسليم لا يقتصر على الشيء وحده وإنما يشمل كذلك ملحقاته التي توضح كيفية عمل الأنظمة المعلوماتية وتحضيراتها المادة وأساليب الصيانة، وهي في الغالب بيانات تسجل على أقراص أو يتم تحميلها عبر الانترنيت.
ولعل ميعاد التسليم يكتسي أهمية كبرى في العقود المعلوماتية إذا كان محددا، لأن ضرر التأخير يشكل أهم صور المسؤولية العقدية، أما إذا لم يكن كذلك فيفترض وقوعه فور إبرام العقد ما لم تقض طبيعة الشيء محل المعاملة بمواعيد أخرى، أو إذا كان العمل ذهنيا يتطلب فترة زمنية ملائمة لإنجازه.
الصورة الثانية) عدم مطابقة السلعة أو الخدمة للمواصفات
إن المورد في المجال المعلوماتي ملزم بمعرفة احتياجات زبونه وإعلامه بالضرورات التقنية للنظام والأجهزة المعلوماتية التي يقدمها إليه ومدى قدرتها على تحقيق الغاية التي يسعى إليها.
فالتسليم في المجال المعلوماتي يتسم بنوع من الخصوصية حيث قد يقوم المزود بإرسال السلعة أو الخدمة المطلوبة نوعا لكنها غير المطلوبة من حيث الإصدار مثلا، ذلك أن البرامج المعلوماتية سريعة التحديث أو أنها هي المطلوبة نوعا وإصدار إلا أنها غير ملائمة لحاسوب المستفيد لذلك وجب على المزود إعلام الطرف الآخر بكل البيانات التي قد تساعده على تلبية حاجاته من وراء التعاقد، لكي يكون التسليم مطابقا لتلك الاحتياجات. وللوصول إلى هذه الغاية فإن الزبون والمورد مطالبان معا بإقامة حوار بينهما يمهد لتنفيذ العقد على الوجه الأكمل. .
كما يلتزم المدين أو المزود بضمان الالكتروني والذي يتمثل في ضمان العيوب الخفية، ضمان التعرض والاستحقاق.
ثانيا) الضرر التعاقدي الالكتروني
يعتبر الضرر التعاقدي الالكتروني الركن الثاني من أركان المسؤولية المدنية التعاقدية، ويقصد به على أنه:" الإخلال بمصلحة محققة مشروعة للمضرور في ماله أو شخصه، أي الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه أو مصلحة مشروعة له، وهو ركن جوهري وأساسي في المسؤولية المدنية لأنه محل الالتزام بالتعويض".
إن الضرر العقدي المباشر الذي يطال طرف العلاقة التعاقدية الالكترونية ينقسم إلى قسمين ضرر متوقع وضرر غير متوقع، فالمدين لا يسأل إلا أن الضرر المباشر المتوقع أما الضرر غير المتوقع فلا يثير مسؤولية .
ثالثا) علاقة السببية
إن علاقة السببية في المجال الالكتروني لا تختلف عن علاقة السببية المقررة في القواعد العامة وهي ذلك الرابط بين الخطأ والضرر أي بصفة أخرى أن يكون الضرر هو نتيجة لخطأ مرتكب وبالتالي فإذا ما ألحق ضرر بأحد أطراف العلاقة التعاقدية بطريقة الكترونية دون أن يخل الطرف الأخر بأي التزام من التزاماته فلا وجود لمسؤولية عقدية كأن يقوم مقدم الخدمة بإرسال البرنامج الالكتروني محل البيع للمستفيد غير أن حاسوب هذا الأخير قام بمحوها بطريقة أوتوماتيكية عن طريق مضاد الفيروسات أو بأي طريقة تقنية أخرى ففي هذه الحالة لا وجود لمسؤولية مقدم الخدمة متى أثبت توصل المستفيد بمحل البيع أو الخدمة.
الفرع الثاني) التعويض عن الضرر التعاقدي الالكتروني
1) تعريف التعويض وأنواعه
التعويض يقصد به وسيلة لإصلاح الضرر، وعلى وجه التحديد يقصد به الإصلاح وليس محو التام والفعلي للضرر الذي وقع.
فإصلاح الضرر في التعويض نقصد به التعويض العيني، ولكن إذا استحال التعويض أن يكون عينا، يمكن للقاضي أن يقدر مبلغا معينا لتعويض المتضرر بمقابل مالي من أجل التخفيف على المضرور أثر ما وقع له وهاد ما يعرف ب: التعويضبالمقابل، وهذا الأخير يتفق مع طبيعة الضرر وبالأخص الضرر الأدبي والضرر الجسماني، وهذا النوع من التعويض موجود بكثرة في المسؤولية المدنية الالكترونية ومثال ذلك إفشاء الاسرار والمساس بالحق في الخصوصية.
حيث صدر فرار عن محكمة الاستئناف الفرنسية عن الغرفة المدنية الثانية بتاريخ 03/09/2010، والذي تضمن: " أن شركة Ebay وفروعها قامت ببيع المنتجات المزيفة عبر شبكة الانترنت ومن بين هذه المنتجات بيع عطور Dior وذلك من خلال الانتهاك التوزيع الانتقائي الذي أنشأته هذه الشركة.
وقد سببت هذه المبيعات المزيفة أضرار وخيمة للغير، مما دفع المحكمة إلى الحكم عن هذه الشركة بتعويضات:
- 38.5 مليون أورو عن تلك الأضرار.
- وأبضا حكمت لها ب 50.000 أورو عن كل يوم تأخير".
2) تقدير التعويض عن الضرر التعاقدي الالكتروني
الأصل الغالب في تقدير التعويض أن يتم بمعرفة القاضي، إلا أنه يجوز الاتفاق مقدما على تقدير التعويض الذى يستحق عند إخلال المدين بالتزامه وهو المعروف بالشرط الجزائي أو التعويض الاتفاقي وقد حرص المشرع أن ينص في صدر النص الذى وضعه في هذا المجال الذى يصح فيه الاتفاق مقدما على مقدار التعويض، وهو اتفاق يلتزم به المدين عند إخلاله بالتزامه.
والاتفاق يبقى على ركن الضرر فلا يحكم بالتعويض إذا لم يترتب على إخلال المدين بالتزامه أي ضرر بالدائن، ولكن يظهر أثر الاتفاق على تقدير التعويض، فيما يتعلق بركن الضرر في مجال الإثبات إذ يترتب عليه افتراض حصول ضرر مساو لما قدره المتعاقدان، فلا يكلف الدائن بإثبات وجود ضرر، كما أن من يدعى من الطرفين أن الضرر الواقع فعلا فلا يقل أو يزيد عما هو متفق عليه فعليه عبء إثبات ذلك.
فإذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، فيكون أحد أركان المسئولية قد تخلف وبالتالي لا تحكم المحكمة بأي تعويض، كما يجوز للقاضي التدخل من خلال سلطته التقديرية في تخفيض مقدار التعويض إذا كان مبالغ فيه أو رفعه إذا كان زهيدا لا يتطابق مع درجة الضرر.
التقدير الاتفاقي يمنح لمتعاقدين الحرية في اختبار تحديد المبلغ المتفق عليه وفقا لتقديرهم المطلق، ولهم أيضا أن يحددوا مبلغ التعويض في حالة عدم تنفيذ العقد كليا وبإمكانهم تحديد غرامة إكراهية التي تلزم المدين على تنفيذ التزامه، غير أن هذه الأخيرة يمكن للثاضي تعديلها وتحديدها بصفة نهائية وذلك حسب الضرر الذي لحق بالمتضرر.
-
- Enseignant: FATIMA MAHMOUDI