محاضرات السياسات الخارجية للدول الكبرى
السنة الثالثة علوم سياسية - تخصص علاقات دولية
إذا كانت السياسة الخارجية تمثل مسعى توفيقي يعمل بشكل دائم على إيجاد
التوازنات الضرورية بين مجموعة الالتزامات الخارجية وجملة قدرات وإمكانات القوة
المتوفرة لدى الدولة واللازمة لتنفيذ تلك الإلتزامات المرتبطة أساسا بخدمة المصالح
العليا للدولة، وإذا اعتبرنا هذا الأخير يمثل معلما أساسيا لتوجيه تلك السياسة
وتقييمها في ذات الوقت بالنسبة لجميع الدول، سيكون من الضروري أخذ مسألة المشاركة
في تأطير النظام الدولي القائم وبلورة معالمه وتطوراته -بأي شكل من الأشكال بعين
الاعتبار- عند الإشارة إلى تلك الدول التي تعتلي قمة هرمية ذلك النظام، والتي
تتحمل على خلاف غيرها –سواء برغبتها أو بحكم الوضع القائم- مسؤوليات دولية مرتبطة
بإدارة علاقات القوى وضبط ميزان القوى الدوليين والمبنية على مبدأ القيادة (Leadership)
الذي يقتضي أن تمتلك القوة المتفوقة مشروعية جمع الآخرين في منظومة جماعية.
في هذا السياق تبرز الدول الكبرى، الأكثر قدرة على التأثير في معطيات
البيئة الدولية باعتبار سياساتها الخارجية تمثل أبرز المتغيرات التي تتشكل بناء
عليها ووفقها تلك المنظومة، وهو المتغير الذي يجعل من دراسة تلك السياسات، من حيث
طبيعة النسق العام الذي تتشكل في إطاره، ومن حيث نمطها المحدد الذي تؤثر من خلاله
على متغيرات البيئة الدولية، ذا قيمة علمية وعملية من أجل الفهم الصحيح للتحولات
الدولية الحاصلة، وفي هذا السياق ومنذ نهاية الحرب الباردة ظهرت الولايات المتحدة
الأمريكية في صورة الضامن للاستقرار وعامل الموازنة الأكبر والأقوى للنظام الدولي
الجديد الذي بدأ في التبلور بعد انفرادها بهرمية النظام الدولي عندما زال الاتحاد
السوفييتي.
- Gestionnaire: OMAR Mahouz