بينما نجد معظم الناس لا يشعرون بضرورة عملية تحتم عليهم بحث مشكلات الفن وعلم الجمال، فإن أولئك الذين يودون التبصر في حياة الذهن وعالم النشاط العقلي يجدون أن بحث هذا الميدان ملزم لهم منطقيا على نحو لا يقل على سائر فروع الفلسفة، وقد تشكلت علاقة جدلية بين الفن والفلسفة تتتدرج في الصعود من المحسوس إلى المعقول,وصولا إلى المفاهيم والقوانين التي توضح قواعد الفن والجمال وما يتصل بهما من الأحكام.

فموضوع الجمال كان ومايزال من ضمن اهتمامات الفلاسفة ويشكل حلقة مهمة من حلقات التفكير الفلسفي إلى جانب المنطق والميتافيزيقا ونظرية المعرفة والأخلاق.  من هذا المنطلق من الضروري لطلبة الفلسفة التعرف على الانجازات العلمية والفلسفية التي تحققت في البحث الجمالي.

إن الجمال يظهر في كل ما هو طبيعي الذي لا دخل للفعل الإنساني به مطلقا، فلا  يكاد الإنسان يميز موجود من الموجودات انطلاقا من ذاته

وامتدادا لباقي الموجودات إلا وله منها موقف جمالي، إذ الجمال هو تعميم للرؤية والإدراك على سائر الكائنات.

اعتبر الجمال مؤشر لكل ما هو منظم ومتناسق وهو عاكس للهورمونيا بل هو الهورمونيا ذاتها، فالجمال هو ذلك الذي يتسم بالتناسق والسيمترية والنظام والانسجام بحيث ينم عن معنى ويكون له مغزى محدد.

يتعذر بالضبط تحديد اللحظة التي ولد فيها مفهومان متلازمان هما: "أوروبا" و"الغرب" و الواقع إنهما من تمخضات تلك الحقبة الطويلة والمتقلبة التي يصطلح عليها بـ "العصر الوسيط" التي طورت جملة من العناصر الإجتماعية والدينية والسياسية والثقافية، فاندمجت لتشكل "هوية" أوروبا، وبانتهاء تلك الحقبة، ظهر إلى العيان مفهوم "الغرب" بأبعاده الدلالية الأولية. وسرعان ما ركب من المفهومين المذكورين مفهوم جديد هو "أوروبا الغربية".

وتتجلى إشكالية هذا المفهوم من أنه تقصد أن يؤسس وجهة نظر حول "الغرب" بناء على إعادة إنتاج مكونات تاريخية، توافق رؤيته، معتبرا إياها جذورا خاصة به ، ومستحوذا في الوقت نفسه على كل الإشعاعات الحضارية القديمة، وقاطعا أواصر الصلة بينها وبين المحاضين التي احتضنت نشأتها، إلى ذلك تقصد ذلك المفهوم، أن يمارس إقصاء لكل ما هو ليس غربيا، دافعا به إلى خارج الفلك التاريخي الذي أصبح "الغرب" مركزه، على أن يكون مجالا يتمدد فيه، وحقلا يجهزه بما يحتاج إليه.