Archives

ماستر 1 تخصص الفلسفة العامة

مادة: مصادر فلسفية 2

الفلسفة الحديثة

- الميراث والمميزات-

الدرس السابع :

            كما سبق وتحدثنا فى الدرس المنهجي أنه قبل قراءة أي مؤلف أو كتاب أو نص فلسفي يجب تحديد وتعين السياق التاريخي والثقافي والمعرفي من خلال قراءة مركزة ودقيقة للمكونات الأساسية لذلك السياق لأجل فهم هذه النصوص وقراءتها قراءة تأويلية فاعلة ومنتجة لا قراءة تفسيرية عَرضية. وعليه فأن قراءة رسالة في التسامح لـــ"جون لوك" أو رسالة في الطبيعة البشرية لـــــ"ديفيد هيوم" يخذنا وفق الضرورة المنهجية للفهم والقراءة نحو قراءة التحولات الفلسفية والعلمية والفنية والسياسية الكبرى التي حدثت مع أفول العصر الوسيط والفلسفة المدرسية وحلول عصر النهضة والإصلاح الديني والاكتشافات العلمية التي مهدت لتحرير الإنسان الأوروبي من سلطة الكنيسة والإقطاع. ليؤسس لمغامرة العقل في العصور الحديثة، وميلاد حركة فلسفية إنسانية، ساهمت بشكل رئيس في صنع ملامح وخصائص الحضارة الحديثة والمعاصرة. كان بين أهم نصوصها " رسالة في التسامح" و" رسالة في الطبيعة البشرية"   

- السياق التاريخي والثقافي:

أولا: تحديد الفترة التاريخية الممتدة بين 1600م و1900م، وقد اصطلح على تسميتها بالمرحلة الحديثة. وفق تحقيب فلسفي إشكالي محض معرفي ومنهجي، متميز إلى حد ما عن التحقيب التاريخي، المستند للتدوين السياسي والاجتماعي الاقتصادي. لمناقشة هذا الطرح يمكن المقارنة بين مختلف أشكال التأريخ بالنظر إلى مرجعياتها الإبيستمولوجية والإيديولوجية والثقافية: التأريخ السياسي:الفترات والعهود،الأمم والدول، الملوك والأسر. التأريخ الاجتماعي الاقتصادي: المراحل والطبقات أنماط الإنتاج ووسائلها. التأريخ العلمي: الباراديغمات والنماذج والأطر والأنماط.

ثانيا: مميزات المرحلة الحديثة:

1- القطيعة مع نمط التفكير المدرسي الذي تميزت به القرون الوسطى المسيحية اللاتينية:

أ/ ثنائية الوجود وهرميته: تحكم نمط من التصور للوجود قائم على رؤية تقول بأن الوجود منقسم إلي عالم علوي: روحاني ومثالي أو عقلي مطلق، أزلي وأبدي. وعالم سفلي حسي أو مادي محدث وزائل وقد اتصف بالمصطلح الشائع في النصوص الفلسفية القروسطية بـــــ"عالم الكون والفساد" حيث يدل الكون على المادة والفساد على الانحلال والزوال. ويخضع الإنسان في وجوده ومعرفته وقيمه لهذه الثنائية والهرمية الوجودية:الإنسان في وجوده التكويني قائم على ثنائية النفس والجسد. تمثل النفس العالم العلوي بخصائصه ومميزاته، يتحقق بها وتتحقق به وجوديا ومعرفيا وقيميا. وكذلك يحمل الجسد أعراض وسمات العالم السفلي الحسي. أما هرمية الوجود فتتمثل في تكوَن العالم على شكل وحدات وجودية هرمية: من الأعلى إلي الأسفل أو تصاعدية من الأسفل إلي الأعلى. أقرب النظريات والتصورات الفلسفية التي تلخص نمط التفكير فى هذه القرون نظرية الفيض وتأويلاتها الدينية.

ب/الرؤية الذاتية للعالم: تولدت عن الانفعال العلي مع التصور السابق للوجود حيث ألبس الوجود والإنسان خصائص بعضهما البعض، فانعكس تصور كل منهما على الأخر على نحو سببي فى نسق نظري وعملي منسجم مع السياق الثقافي العام للقرون الوسطى الذي يمثل الدين مركزه الأساس. حيث أعتبر الإنسان عالم أصغر على صورة الكون كعالم أكبر. وترتب عن ذلك فلسفة قيمية تُعلي من شأن الروح - والتي غالبا مل كانت تحصر فى مفهوم النفس- وتمجدها، بقدر ما كانت تنقص من شأن الجسد وتحتقره. كما جعلت من ترويض الجسد بمحق لذاته وتطهير النفس بتجاوز رغباتها طريق ووسيلة للوصول إلى السعادة، لذا كان اقتران المعرفة بالسعادة، والسعادة بالفضيلة والفضيلة بتهذيب الأخلاق عن طريق ما عرف من أشكال الحد من سلطة الجسد.

ج/ منهج التعريف والقياس:ارتبط بمنهجية تستند إلي التعريفات والقياس الأرسطي حيث بلغت سلطة أرسطو المدرسية المؤولة لاهوتيا درجة مماثلة لقدسية المعرفة الكنَسية خاصة مع "توما الأكويني" (1224م-1274م). والملفت للنظر أن أرسطو قد وظف منهجيا أو معرفيا فيما يخدم مسلمات الكنيسة الكاثوليكية.

د/ الفنون: تجسد الفكر السائد فكانت الفنون ذات طراز كهنوتي تضفي القداسة على الشخص أو موضوع الصورة. فتوقفت روح التشكيلية الرومانية "وانتشرت روح الفن البيزنطي في إيطاليا...وتقاليد الفنون الشرقية والفارسية في بيزنطة.."[1]

ه/ السياسة والزراعة: تميزت القرون الوسطى بتحالف الكنيسة مع البلاط من خلال تفويض الملك للحكم باسم الإله، بمجرد تتويجه ملكا من طرف الكنيسة أو البابا الذي يمثل السلطة العليا. وهذا ما أصطلح على تسميته فلسفيا بنظرية التفويض الإلهي.كما تحالفت مع الإقطاعيين ملاك الأرضي الزراعية الكبرى الذين كان يدين لهم الفلاحين بالولاء التام، ويدفعون ضريبة مقابل العمل في هذه الأرضي. كما كانوا يدفعون للكنيسة مقابل منحهم الغفران أو ما كان يسمى بصكوك الغفران..

   يعبر التفكير المدرسي عن ذلك الفكر الذي أنتجته المؤسسة الكنسية المسيحية عبر مؤسساتها التعليمية التي كانت مسيجة بذهنية لاهوتية، تماشيا مع متنفس أوروبا الكاثوليكي، والذي لم تسلم من مسه أحلام الناس ومتخيلهم. يبين هذا إلى درجة كانت للمسيحية المتخيلة والعالمة سطوة على عقول الأوروبيين ومخيالهم. كما يقدم فى الوقت نفسه صورة رائعة وفاتنة عن المجهود المدهش الذي قام به فلاسفة النهضة والعصور الحديثة للخلاص من ظلومات القرون الوسطى، وإرساء الفكر الحر.

 الدرس  الثامن:

2- انتشار التفكير الفلسفي الحر : من مميزاته الاستناد إلي علوم واكتشافات وإبداعات واختراعات:   

أ/ عصر النهضة (1450م-1600م) أو التمهيد للدخول فى العصر الحديث الذي شكل الطريق نحو الانفصال عن الفلسفة المدرسية وزعزعة نسق وأنماط التفكير اللاهوتي الكنسي وتحطيم أوثان القرون الوسطى والعمل على تشكيل مفهوما جديدا للإنسان أساس حرية التفكير والعبادة والإبداع بالعودة إلى التجربة وإنتاج قراءات وتأويلات جديدة للنصوص الفلسفية والفكرية والكتب المقدسة، وقد تميز عصر النهضة بمميزات أهمها:

1-  الاهتمام بالتجربة والتقنية المصحوبة بخيال غير مسبوق، وفي مقدمتها الطباعة( حركة الترجمة ونصوص الأوائل) والصناعة البحرية التي كانت أساس تغير وجه العالم وزيادة الرغبة فى الاكتشاف والمغامرة وإرادة الهيمنة على العالم التي تحققت عمليا باكتشاف أمريكا(كولومبس) والتحقق من كروية الأرض(ماجلان)..

2- نظرية كوبرنيكوس (1472م-1542م) حول مركزية الشمس للعالم التي أثبتت عدم علمية نظرية مركزية الأرض التي استندت عليها معارف القرون الوسطى. وقد تبنى النظرية الفيلسوف الإيطالي "جوردانو برونو" (1548م -1600م) مضيفا إليها القول بعدد العوالم ولا نهائية الكون التي أفضت إلي حرقه سنة (1600م) من طرف محاكم التفتيش بتهمة إنكاره للعقيدة الرسمية الكاثوليكية.

3- حركة الإصلاح الديني: من مميزات عصر النهضة التي تأسس على إثرها المذهب البروتستانتي حيث أعتبر المؤسسان"مارتن لوثر" (1484م-1546م) و"جون كالفن" (1509م-1564م) السلام والأمن أساس الإيمان وأن الغفران هو هبة ونعمة من الله لكل مؤمن بالمسيح المخلص وتفسير الكتاب المقدس ليس حكر على شخص بعينه، وهو وحده مصدر المعرفة الإيمانية. وقد أدت هذه التأويلات الإصلاحية إلي تقويض سلطة الكهنوت في مجالات عدة ومهدت الطريق لرفع العوائق أمام تقدم المعرفة العلمية والفلسفية. لقد ساهم المذهب الجديد فى تحرير الفرد من سلطة الجماعة بتحرير الإيمان من الوصاية الكنسية وإلحاقه بالضمير الفردي. مما فسح المجال للتفكير الفلسفي في شخصانية الإيمان الذي سرعان ما وجد حضوره المؤثر في أقاليم جغرافية وفضاءات ثقافية واسعة من أوروبا القرن السادس عشر والقرون التي تليها. مما زاد من الدعم الروحي لتركيز التفكير الفلسفي على مركزية الإنسان، والتراكم المعرفي لظهور النزعة الإنسانية وعصر الأنوار في القرن الثامن وعشر.     

 4- الفنون: إضافة إلي الفلاسفة والعلماء والمصلحين ركزت فنون عصر النهضة على العالم الحسي والجسدي من الإنسان وذهبت مذهب "الاعتداد بالفرد الوثيقة الصلة بالحياة..فإذا حب الاستطلاع المنهوم لعصر النهضة يؤدي إلي الافتتان بالحياة .... ويشبع إحساسه بتوقد الحياة في كيانه.."[2]  فانتشرت أشكال مختلفة من الفنون التي جسدها الرسامون والمعماريون والنحاتون نتاجهم المنتصب أمام الرائي إلي اليوم في ساحات ومتاحف أروونا ومدنها الحديثة.    

5- السياسة والتجارة: بداية انهيار الإقطاع ونشأة المدن التجارية الجديدة ونشاطها وحركتها عبر طرق الملاحة الجديدة. الوضع الجديد الذي دفع تدريجيا إلي التفكير السياسي الجديد حول مفهوم مركزية الدولة التي تمتلك السيادة أو السلطة العليا التي تتحقق عند "ميكافيلي" (1469م- 1527م ) فى الأمير. وبهذا يُعد صاحب كتاب "الأمير" المبدع للمفهوم الحديث للدولة، الذي تواصل نحته مع "جون بودان" (1530م- 1596م)، مؤلف "كتب الجمهورية الستة"، الصادر فى ذروة عصر النهضة سنة(1576م). عكس "بودان" التصور الطموح لشكل الدولة الحديث الذي أراد من خلاله تجاوز صراع الأمراء على السلطة إلى التحالفات التي تحقق الدولة المركزية القوية. الدولة التي تمتلك سيادة زمنية عليا من خلال الملك لذي يجسد وحدة المجتمع. بهذا يكون التنظير السياسي قد تجاوز نظرية التفويض الإلهي التي بقيت ظلالها تزاح تدريجيا من فوق عروش أوروبا إلى توجت الأنوار قيام الثورة الفرنسية سنة (1789م).

ب/ الرؤية الميكانيكية للعالم: تصور العالم على شكل آلة أحداثها محكومة بقانون السببية لا بتدخل خارجي في الطبيعة حيث تعتبر الحركة الخاصية العامة المميزة للطبيعة والمحكومة بقوانينها الداخلية.

ج- سؤال المنهج والقطيعة مع المنطق الأرسطي: افرز السياق الثقافي العام بكل أبعاده المذكورة سابقا منحى القطيعة مع طرق تفكير القرون الوسطى والثورة عليها وأدرك الفلاسفة من خلال استقرائهم لما حدث في النهضة من تحولات أن أقرب طريق لتحقيق نموذج فكري جديد تغيير آلية التفكير بالإنهمام بروح العصر  المتمثلة في معرفة العالم الحسي والمادي ومحاولة السيطرة عليه وتحويل الصور والأشكال إلي مجرد انطباعات عنه. وبدأ المعلم الأول(384ق م -322ق م) في ظل هذا السياق مجرد صورة باهتة سرعان بدأ أفولها بعدما هيمنة على عقل القرون الوسطى.وتهاوت الأقيسة وتغيرت الحدود والتعريفات، وطرح السؤال حول المنهج: عقل أم التجربة ؟ فكان ديكارت(1596م-1650م) أول من عبر عن روح العصر في شكلها المنهجي والمعرفي حيث أنه بالرغم من قوله بالمنطلق العقلي (الكوجيتو) في تفكير الوجود بدرجتيه كعقل ومادة، إلا أنه استند إلى المفاهيم الميكانيكية وقوانينها في رؤيته للمادة. كما استعار من "الاسميين" قولهم بإدراك الجزئيات عن طريق الحس، ووضع منهجا عاما( مقالة في الطريقة أو المنهج) على طريقة تفكير الرياضيين وتطبيقات الفيزيائيين الذين جعلوا من القوانين الرياضية أساسا لعلمهم في القرن السابع عشر التي عجلت بانهيار فيزياء أرسطو وتفسيراتها الذاتية للظواهر الطبيعية،وتحولت مقولة "غاليليو" (1564م-1642م) شعار للعلم والفلسفة:" الكون كتاب مكتوب بلغة رياضية"  والتي تم تجسيدها فعليا بوضع "نيوتن" (قانون الجاذبية (سنة 1687م). 

د- مركزية الإنسان ومولد النزعة الإنسانية: بدلا عن مركزية الإله كما كان سائدا فى الفلسفة المدرسية أي الاتجاه نحو بحث الذات الإنسانية ومكوناتها وإمكاناتها، مفعولها وانفعالاتها... 

                 يتبع.........                                                                             

أجب عن الأسئلة التالية :

1- أعد كتابة النص من خلال الخطاطة طرح الأسئلة حول العناصر المكونة للدرس؟

2- هل ترجع دوافع وأسباب النهضة ونشأة الفلسفة الحديثة إلى الإصلاح الديني أم إلى الاهتمام بالتجربة والتقنية والعلم ؟

- المصادر والمراجع المعتمدة في الدرس:

1- منير بهادي، الاستشراق والعولمة الثقافية، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة3 سنة 2011.

2- إفلين باتلاجين، تاريخ المتخيل من ص481 إلى ص 521 من كتاب جاك لوغوف، التاريخ الجديد، ترجمة: محمد الطاهر المنصوري، المنظمة العربية للترجمة، ط1 بيروت 2007.

3- ثروت عكاشة، موسوعة تاريخ الفن، فنون العصور الوسطى، ج12، ط2 الهيئة المصرية العامة للكتاب،2013

4- ثروت عكاشة، موسوعة تاريخ الفن: العين تسمع والأذن ترى، فنون عصر النهضة - الباروك- دار النشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، 2011.

5- جاكلين روس، بانوراما الأفكار الفلسفية، تقديم فرنسوا دوس، ترجمة: سونيا محمود نجا، المركز القومي للترجمة ط1 مصر 2019.

6- بوشنسكي.إ.م ، الفلسفة المعاصرة في أوروبا، ترجمة: عزت قرني، سلسلة عالم المعرفة، ط1 المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1992.   

7- Jacques Le Goff, L'Imaginaire médiéval, bibliothèque des histoires, Gallimard, Paris 1985.   

مقياس فلسفة العلوم

 مقياس سنوي/السداسي الخامس والسادس

موجه الى طلبة السنة الثالثة ليسانس ل م د فلسفة

 يتناول مقياس فلسفة العلوم حلقة الوصل بين الفلسفة والعلم، بمختلف فروعه ومناهجه ونتائجه( دراسة نقدية، العلاقة الجدلية) بين الفكر العلمي والفكر الفلسفي، وما ينتج عنها من مفاهيم وأنساق فلسفية متعددة ومتنوعة، يتناول المقياس ميدان بعض العلوم منها كالرياضيات والفيزياء والبيولوجيا، بحثا عن المفاهيم والأنساق المنبثقة عنها، ويتطلب هذا المقياس تحكم الطالب في معارف تاريخ العلم ومناهج البحث الفلسفي والعلمي وكذا تاريخ الفلسفة اليونانية والإسلامية. 

المحاور الكبرى للمقياس

 1-مدخل إلى فلسفة العلوم

  2-الرياضيات الكلاسيكية وخصائصها.

  3-عيوب الهندسة الاقليدية وظهور الأنساق المعاصرة.

  4-فلسفة الفيزياء الكلاسيكية.

  5-فلسفة الفيزياء المعاصرة:الجزء الأول:النظرية النسبية الخاصة.

  6-فلسفة الفيزياء المعاصرة :الجزء الثاني: لنظرية النسيبة العامة

  7-فلسفة نظريات الذرة:الجزء الأول.

  8-:فلسفة نظريات الذرة الجزء الثاني.

  9-الثورة البيولوجية وأبعادها الفلسفية.

أهم الكتب في مقياس فلسفة العلم والتي تساعدك على فهم المحاضرات وإنجاز النشاطات التعلمية

فلسفة العلوم ماهر عبد القادر
فلسفة الكوانتم -رولان أومنيس
فلسفة العلوم للجابري
البيوتيقا
الذرة ومكوناتها
فلسفة العلوم-المشكلات المعرفية
فلسفة العلوم (العلم ومستقبل الانسان...الى أين؟)
فلسفة العلوم الإسلامية-النص والسياق

هام