تعد الدعوى العمومية وسيلة الدولة لاقتضاء حقها في العقاب، إلاّ أنّه قد يطرأ من الأسباب ما يؤثر على تلك الوسيلة بانقضاء الدعوى العمومية؛ يقصد بانقضاء الدعوى العمومية عند الفقه "استحالة دخولها في حوزة  القضاء المختص بنظرها أو استحالة استمرارها في حوزته" هذه الاستحالة التي تتجسد في عدة حالات أو أسباب يمكن ذكرها على النحو التالي وفاة المتهم، التقادم، صدور حكم بات العفو الشامل، إلغاء قانون العقوبات، تنفيذ اتفاق الوساطة، سحب الشكوى والمصالحة.

ولا يقتصر انقضاء الدعوى العمومية على الأسباب العامة بل هناك أسباب خاصة تؤدي أيضا إلى انقضاء الدعوى العمومية  وتختلف الأسباب الخاصة لانقضاء الدعوى العمومية عن الأسباب العامة في أنّ الأولى متعلقة بجرائم خاصة عكس الثانية التي تشترك فيها جميع الجرائم بما في ذلك الجرائم الخاصة. وسوف نعمد من خلال هذا الموضوع على تقديم وتفصيل الأسباب العامة والأسباب الخاصة لانقضاء الدعوى العمومية. وهو ما يجعلنا نقسم الموضوع إلى قسمين أسباب عامة (أولا) وأسباب خاصة (ثانيا).



 


يتميّز عمل ضباط الشرطة القضائية بكونه عمل بوليسي من جهة وعمل شبه قضائي من جهة أخرى، ولذلك نجده يخضع لتبعية مزدوجة، فهم يخضعون لرؤسائهم المباشرين في الشرطة أو الدرك أو الأمن العسكري باعتبارهم يمارسون مهام الضبطية الإدارية، وفي نفس الوقت يخضعون لإدارة وكيل الجمهورية وإشراف النيابة العامة ورقابة غرفة الاتهام باعتبارهم يمارسون مهامهم في الضبطية القضائية ولا يمكن أن تتعارض التبعيتين طالما أن مجالها مختلف. وهو ما نصت عليه المادة 12/02 من (ق. إ. ج) "ويتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي ويشرف النائب العام على الضبط القضائي بدائرة اختصاص كل مجلس قضائي وذلك تحت رقابة غرفة الاتهام بذلك المجلس". كما أنهم يخضعون للمساءلة التأديبية والمدنية والجزائية بحسب نوع الخطأ المقترف من طرف أحدهم.


لقد خوّل المشرع الجزائري للضبطية القضائية أثناء ممارسة اختصاصاتها استعمال أساليب وآليات مستحدثة وجديدة بموجب القانون رقم 06 - 22 المؤرخ في 20/12/2006، للتحري والتحقيق في بعض الجرائم الواردة على سبيل الحصر، نظرا لما لها من خطورة كبيرة على المجتمع، وتسمى هذه الأساليب لدى الفقه بأساليب التحري الخاصة، حيث نذكر منها الاعتراض على المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور والتسرب.



[1]. القانون رقم 06 - 22 المؤرخ في 20/12/2006 المعدل للأمر 66-155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالجريدة الرسمية عدد 84.


سوف نخصص هذه الحصة من الأعمال الموجهة لاختصاصات الضبطية القضائية في الجرائم المتلبس بها، وهذا بعدما تعرفنا على اختصاصات الضبطية القضائية في الحالات العادية، والأشخاص الذين يحوزون على صفة الضبطية القضائية، ولكن قبل ذلك لا بدّ من تقديم تعريف للتلبس وحالاته، وشروط صحة إجراءاته، وأخيرا اختصاصات الضبطية في حالات التلبس.


ينشأ حق الدولة في العقاب مباشرة بعد وقوع الجريمة ولا تملك الدولة توقيع العقاب إلاّ عن طريق الدعوى العمومية طبقا لقاعدة "لا عقوبة بغير دعوى". إلاّ أنه قبل عرض هذه الدعوى على القضاء لا بد من الحديث عن مرحلة تسبقها وهي مرحلة تمهيدية يتم فيها ضبط المجرم والتحري على الجريمة وجمع الأدلة، ويختص بهذه المرحلة جهاز يعرف في قانون الإجراءات الجزائية بالضبطية القضائية.


الأصل أو القاعدة العامة يكون للنيابة العامة الحق في تحريك الدعوى لعمومية ومباشرتها، كما يمكن لها حفظ الدعوى، أو ... بألاّ وجه للمتابعة طبقا لمبدأ الملاءمة، إلاّ أنّه استثناء يرى المشرع في بعض الجرائم بأنّ الضرر الناشئ عن الجريمة يمس بصفة أكثر مصلحة المجني عليه مقارنة بمصلحة المجتمع، لذلك يتطلب شكوى من الطرف المضرور لتحريك الدعوى من النيابة العامة، كما يتطلب في بعض الجرائم إذن أو طلب من بعض الجهات الإدارية كي تتمكن النيابة العامة من تحريك الدعوى العمومية هذا ما يسمى بقيود تحريك الدعوى العمومية.

تنشأ الدعوى العمومية بمجرد وقوع الجريمة مهما كان نوعها، هذا ليس معناه تحريكها مباشرة فنشأة الدعوى العمومية تختلف عن تحريكها حيث يوجد حالات لا يمكن فيها تحريك الدعوى العمومية رغم نشأتها، كعدم التبليغ عن وقوع الجريمة بمعنى أنّ الجهات المعنية بتحريك الدعوى أي الضبطية القضائية أو النيابة العامة لا تعلم بوقوع الجريمة. أو وصول علم للجهات المختصة بتحريك الدعوى العمومية (النيابة العامة) رغم ذلك فإنّها لا تستطيع تحريكها بسبب القيود المفروضة عليها فتأمر بحفظها.

PDF