وسائل الإعلام الجماهيري وتآكل الخصوصية
إن الصناعة الثقافية اليوم، لا تسيطر فقط على المستويات العمومية ولكنها تخترق أيضا وبعمق الدوائر الحميمية والخاصة، التي كانت تشكل فيما مضى أساس ذاتية الفاعل (اللاعب) العمومي، وخصوصا بمساعدة الإعلام الجماهيري والذي جعل العلاقة بين الحميمية وبين العمومية تنقلب، فأحدث نوع من النقلة من السرية والحياء إلى عالم حيث كل شيء يمكن أن يقال ويظهر.
ولعل من بين الأوائل الذين تناولوا هذه المسألة هما المحاميان صامويل دي وارين ولويس دي برانديز واللذان نشرا مقال بعنوان "الحق في الخصوصية" سنة 1890 يدين الصحافة على وقاحتها وينذرا أيضا بالخطر الذي تشكله البدعة الجديدة التي اخترعها كوداك على الخصوصية، وقد احتدم النقاش حول هذه المسألة مع بروز تلك الحركة المتناقضة المزدوجة بين حرية الإعلام والحق في الخصوصية.
فقد اقترن تطور وسائل الاعلام والاتصال بانتهاكات متزايدة للحق في الخصوصية، وفي هذا السياق تحدث سيرج برول وفليب بروتون عن عرض الحميمية l'exposition de l'intime في برامج تلفزيون الواقع كحصة Loft Story، حيث أوضحا كيف أن التلفزيون، والذي هو بالأساس وسيلة إعلام جماهيرية، اضحى اليوم يركز على برامج مستلهمة من الحياة الخاصة في حميميتها، لتبرز بذلك ظاهرة استراق النظر (التلصص) المتلفز التي انتهكت حرمة الحياة الخاصة، وجعلتها مشهدا من المشاهد الأساسية ضمن برامجها.