الإنترنت وعرض الحياة الخاصة

بعد أن كنا، وكما أوضحنا في العنصر السابق، نتحدث عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة وعن تحريك الإعلام لحدود الحياة الخاصة، انتقلنا اليوم للحديث عن "تخلينا عن الخصوصية خاصة في ظل التطور التكنولوجي، فقد تسبب النمو الهائل للتكنولوجيا الرقمية في تغيير جذري لتوقعاتنا حول ما يعد من الخصوصيات، وحول نظرتنا بشأن ما ينبغي أن يكون من الخصوصيات، ومن قبيل المفارقة أن أصبحت فكرة الخصوصية أكثر ضبابية في نفس الوقت الذي حظيت فيه تكنولوجيا التشفير التي تعزز السرية بانتشار واسع." فقد طغت الحياة الخاصة على الحياة العامة خاصة في الفضاء السيبراني حيث أضحت، وكما أشارت منى الأشقر جبور، الشبكات الاجتماعية في "الفضاء السيبراني" البيئة الأخطر على الحق في الخصوصية، كونها الأكثر استنزافا للبيانات الشخصية والأكثر تحريضا للشباب على الاستعراض، وعلى توسيع دائرة انتشارهم.

فهذا الفضاء فرض "نسخة معدلة ومحدثة من الكوجيتو الديكارتي: " أنا اظهر للجميع (وأحظى بتسجيل ومشاهدة ومتابعة منهم)، إذا فأنا موجود". ووفقا لهذه الفلسفة الجديدة؛ أصبح الخاص متاحا للاستهلاك العام، فالأفراد في الفضاء الافتراضي وبغية إظهار أنفسهم، عادة ما يجعلون معلوماتهم الشخصية عرضة لأشخاص لا يعرفونهم فنجدهم ينشرون صورهم وتفاصيل حياتهم اليومية الخاصة على الفيسبوك مثلا، والتي عادة ما تجري مشاركتها مع عدد كبير من الأصدقاء والمتابعين، وهم مدركون إمكانية نقل هذه المعلومات أو إعادة نشرها من طرف هؤلاء الأصدقاء إلى مئات آخرين ضمن شبكاتهم الخاصة.