مراحل تطور الاتصال حسب نظرية الانتقالات
تؤكد نظرية الانتقالات بأن الاتصال الإنساني عبارة عن حلقات متصلة ومركبة من أنظمة الاتصال ، وأنه مع تطور الجنس البشري تطورت أيضا قدرة الإنسان على الاتصال ، وازدادت أهمية من عصر إلى عصر ومن مرحلة إلى مرحلة . وتشير هذه النظرية بأن علم الاتصال سوف يتطور بشكل أكبر كلما تقدم العمر بالجنس البشري وكلما استعمر بالأرض مدة أطول، وهذه النظرية هي في الحقيقة نظرية منطقية صحيحة عندما نقيسها على مر التاريخ والعصر الحالي والتطلعات المستقبلية للبشر.
عصر الإشارات والعلامات
فالاحتمال الأرجح أن الإنسان البدائي مارس الاتصال من خلال عدد محدود من الأصوات التي كان قادراً من الناحية الجسمية والطبيعية على إصدارها وأيضا من خلا لغة الجسد والتي كانت تشمل إشارات الأيدي والأرجل وحركات أخرى أكبر، وهكذا فان عمليات الاتصال لم تتجاوز الأصوات والإيماءات البدائية ولغة الجسد وما شابه ذلك؛ فالإجناس الإنسانية الأولى كانت تتواصل فيما بينها كما تتواصل بعض الأجناس الحيوانية الراقية اليوم. ⇄فالمعرفة في هذه الفترة كانت بسيطة تقتصر على تلبية الحاجات البيولوجية وحاجة الأمن، ونظرا لعدم توفر السبل الراقية للتواصل، جسدت هذه المرحلة مرحلة احتكار المعرفة.
عصر التخاطب واللغة
ويبدو أن اللغة أو التخاطب قد ظهرت في وقت ما، خلال الفترة ما بين 35-40 ألف سنة مضت مع إنسان الكرومانيون الذي وجدث أثاره بكهف كرومانيون بفرنسا، وقد ابتكر انسان الكرومانيون أدوات بسيطة تساعده كفلاح ومزارع وكانت المسألة في البداية نوعاً من الزراعة الطبيعية، أي نثْر البذور ثم العودة في وقت لاحق لجمع الحصاد، وقد تم ترويض الحيوانات. ⇄بداية التشارك البسيط للخبرات والمعارف.
عصر الكتابة
استغرق الإنسان ملايين السنين حتى توصل إلى القدرة على استخدام اللغة، واستغرق الأمر عدة قرون حتى أصبحت الكتابة إحدى حقائق الحياة الإنسانية. إن قصة الكتابة هي قصة الانتقال من الكتابة التصويرية عن طريق الصور والرسومات المعبرة إلى الكتابة الرمزية التي تستخدم حروف بسيطة للتعبير عن أصوات محددة، ثم الكتابة الألفبائية التي يمكن تحديد تاريخها بالألف الأول قبل الميلاد في منطقة الشرق الأدنى القديم، وكان أهم أسباب تطوير الكتابة حاجة الناس إلى وسائل لتسجيل حدود الأرض والملكية وعمليات البيع والشراء.
فبعد زيادة انتشار الكتابة التصويرية وزيادة تبسيطها خرج من باطنها أسلوب الكتابة الهيروغليفية فمنذ نحو ستة آلاف عام، بدأت تظهر النقوش المعبرة عن معاني، وقد حدث ذلك في مصر ومملكة بين النهرين، وكانت هذه النقوش عبارة عن صور بدائية مرسومة أو محفورة على الجدران والأسطح، ومن ثم تم تحويل هذه الصور إلى رموز تحمل صيغ اصطلاحية متفق عليها، فالرسم البسيط لشروق الشمس يعني اليوم، ورسم القوس والسهم يعني الصيد، ورسم الإنسان يعني الرجل، والخط المتعرج يعني البحيرة أو النهر، وهكذا فان الربط بين عدة رسومات يمكن أن يحكي قصة عن الصيد أو الحروب أو طقوس العبادة، وقد سمحت هذه المعاني بتخزين المعلومات وأصبح انتقال الأفكار ممكناً بهذه الطريقة من شخص لآخر.
الكتابة الرمزية المبنية على أساس النطق: طور السومريون (العراقيون) نمطاً آخر من الكتابة التي تعتمد على الرموز التي تعكس أصواتاً محددة، ففي حوالي عام 1700 قبل الميلاد توصل السومريون إلى فكرة أن يعبر كل رمز صغير عن صوت محدد بدلاً من أن يعبر عن فكرة أو شيء، وكانت قيمة هذا الإبتكار هائلة، فبدلاً من آلاف الرموز المنفصلة أصبح المطلوب عدد أقل من الرموز للتعبير عن أصوات المقاطع التي تتكون منها الكلمات، وكان ذلك هو الخطوة في تطوير الكتابة الصوتية، وقد ساعد هذا التطور على تيسير وتسهيل معرفة القراءة والكتابة، حيث أصبح على المرء أن يتذكر فقط مائة رمز أو نحو ذلك لمعرفة مختلف المقاطع الصوتية في اللغة
الكتابة الألفبائية: ظهرت الكتابة الألفبائية (التي تعتمد على الحروف) منذ حوالي سبعمائة عام قبل الميلاد وانتشرت بسرعة نسبية في أنحاء العالم القديم، وبعد عدة قرون وصلت إلى بلاد الإغريق، وتعتمد فكرة الكتابة الألفبائية على استخدام رموز الحروف للتعبير عن الأصوات الساكنة والمتحركة بدلاً من المقاطع الصوتية، وكان ذلك تقدماً كبيراً لأن عدد الحروف قد نقص كثيراً إلى أقل من مائة رمز، واليوم على سبيل المثال: لدينا 26 حرفاً هجائياً في اللغة الإنجليزية، و28 حرفاً في اللغة العربية. ⇄رغم تطور المعرفة بالمقارنة مع المرحلتين السابقتين (ظهور الرياضيات وعلم الفلك) إلا أننا لم نصل بعد لمرحلة دمقرطة المعرفة بل إن هذه المرحلة بكل ما تحمله جسدت مرحلة التسجيل الحقيقي للمعرفة.
عصر الطباعة
وتعد الطباعة أحد أبرز الابتكارات البشرية فى كل العصور، وقد مرت بالعديد من مراحل التطور، وقد كان أول من اخترع الطباعة يوحنا غوتنبيرغ حوالي سنة 1435 وكان أول كتاب يطبعه بآلة الطباعة هو الانجيل في محاولة منه للترويج لاختراعه هذا. ⇄وجسدت هذه المرحلة عصر دمقرطة المعرفة ونشرها على نطاق واسع
عصر الاتصال الجماهيري
مع ظهور ونجاح الصحافة الجماهيرية، بدأت سرعة نشاط الإتصال البشري في الزيادة المطردة، فقد شهد القرن التاسع عشر معالم ثورة وسائل الإتصال الجماهيرية التي اكتمل نموها في النصف الأول من القرن العشرين، فقد شهد القرن التاسع عشر ظهور عدد كبير من وسائل الإتصال استجابة لعلاج بعض المشكلات الناجمة عن الثورة الصناعية، فقد أدى التوسع في التصنيع إلى زيادة الطلب على المواد الخام، وكذلك التوسع في فتح أسواق جديدة خارج الحدود، كما برزت الحاجة إلى استكشاف أساليب سريعة لتبادل المعلومات التجارية، وبالتالي أصبحت الأساليب التقليدية للإتصال لا تلبي التطورات الضخمة التي يشهدها المجتمع الصناعي، ففي 1876 مثلا استطاع “جراهام بيل” أن يخترع التلفون، وفي عام 1895 شاهد الجمهور الفرنسي أول العروض السينمائية<< بفضل الاخورة لوميير>>، ثم أصبحت السينما ناطقة منذ عام 1928، وفي عام 1896 استطاع العالم الإيطالي “جوجليلمو ماركوني” اختراع اللاسلكي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتنقل فيها الصوت إلى مسافات بعيدة بدون استخدام أسلاك. وكان الألمان والكنديون أول من بدا في توجيه خدمات الإذاعة الصوتية المنتظمة منذ عام 1919، وفي أول يوليو 1941 بدأت خدمات التلفزيون التجاري في الولايات المتحدة. ⇄ بدايات وبوادر الانفجار المعلوماتي
عصر الاتصال التفاعلي
شهد النصف الثاني من القرن العشرين العديد من أشكال تكنولوجيا الإتصال، ولعل من أبرز مظاهر تلك التكنولوجيا ذلك الإندماج الذي حدث بين تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية وتكنولوجيا الأقمار الصناعية وشبكات الاتصالات اللاسلكية، وهذا الاندماج نقلنا لعصر تكنولوجيا الاتصال والانترنت، وأحدث ثورة معلوماتية. ⇄ جسدت هذه المرحلة عصر التوظيف العلمي والعملي للمعرفة عبر تكنولوجيا الكبيوتر وبرمجياته؛ سواء كان ذلك من خلال توليدها بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أو ممارستها كخبرات عن طريق الواقع الخائلي؛ لنصل بذلك لمرحلة الانفجار المعلوماتي.