مفهوم القانون التجاري
لقد لعبت البيئة التجارية دورا كبيرا في نشأة القانون التجارية و هذا تحت ضغوط الاحتياجات الاقتصادية و المقتضيات العملية التي استلزمت إخضاع فئة معينة من الأعمال و هي الأعمال التجارية، و طائفة معينة من الأشخاص و هم التجار لتنظيم قانوني خاص و هو القانون التجاري.

ملاحظة: انظر إلى الرابط التالي:
تعريف القانون التجاري
يعرف الفقيه علي البارودي القانون التجاري بأنه" فرع من فروع القانون الخاص يحكم الأعمال التجارية و نشاط التجار في ممارسة تجارتهم"، كما يعرفه الفقيه مصطفى كمال طه انه " فرع من فروع القانون الخاص يشمل مجموع القواعد القانونية التي تنطبق على الأعمال التجارية و التجار."
خصائص القانون التجاري
إن طبيعة التعامل التجاري و ضرورياته و ما نتج عن ذلك في الواقع العملي، جعله يتميز بمجموعة من الخصائص أهمها:
- السرعة و المرونة: تتميز المعاملات التجارية بالسرعة و ببساطة إجراءاتها، لان التأخير في انجاز المطلوب و التردد قد تنجر عنه خسائر فادحة و نتائج وخيمة على مستقبل التاجر و تجارته و وضعه المالي، لذا نجد أن القانون التجاري يميل إلى تبسيط الإجراءات و الابتعاد عن الشكليات.
- الائتمان و الثقة: يقصد بالائتمان و الثقة منح المدين أجلا عند حلول اجل الدين، فالائتمان جوهري لدى التاجر[1] و ضروري لازدهار تجارته، و القصد منه هو تحقيق الرواج الاقتصادي فهو وجه آخر للسرعة، و من مظاهره السندات التجارية حيث تستحق الوفاء في آجال معينة.
نشأة القانون التجاري
لقد مر القانون التجاري بعدة مراحل تاريخية إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم و كل مرحلة من هذه المراحل عرف شعوبها التجارة و مارسوها، فخلقوا بذلك قواعد و عادات و أعراف تجارية في مجالات عدة منها النقل و البنوك و التجارة البحرية...
- العصور القديمة: ظهرت أولى أثار القانون التجاري في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فمن خلال التاريخ يتبين لنا أن الشعوب التي كانت تقطن حول البحر الأبيض المتوسط برزت عن غيرها من الشعوب في النشاط التجاري، لتمركزها في مواقع جغرافي مهمة في التبادل التجاري، و عليه ترجع أصول العديد من الأحكام و القواعد القانونية التي لا تزال سارية المفعول في قانون التجارة البحرية خاصة إلى ما تعارفت عليه هذه الشعوب في تعاملها التجاري، و من أوائل شعوب العالم القديم التي عرف عنها الاشتغال بالتجارة البابليون، حيث أسسوا لها قواعد و انظمه مهمة منها تشريع حمو رابي و قد ذكر هذا القانون بعض القواعد التجارية كعقد الشراكة، و عقد الوكالة....، في حين أن الفينيقيين كان لهم اهتمام كبير بالتجارة البحرية حيث برعوا في الملاحة البحرية، وقام الإغريق كذلك بتأسيس نظام خاص بالقرض البحري و الذي أصبح فيما بعد أساسا لعقد القرض الجزافي.
- العصور الوسطى: تميز القرن الحادي عشر بظهور عدة موانئ بحرية، و التي شكلت مركزا هاما للنشاط التجاري، و تميزت هذه الفترة بسيطرة طبقة التجار على الأمور التجارية و حتى المسائل غير التجارية بفعل الثروة التي كانت تمتلكها، حيث فرضت سلطتها و استلمت الحكم و قامت بسن القوانين و الأنظمة، و خلال تلك الفترة كانت طبقة التجار تنتخب رئيسا لها و هو القنصل و الذي يعتبر حاكم المدينة الذي يتولى الفصل في النزاعات بين التجار، و كانوا يعتمدون في قضائهم على العرف و العادات التجارية.
- العصر الحديث: نتيجة اكتشاف القارة الأمريكية و تدفق المعادن الثمينة من ذهب وفضة ، و نتيجة التعامل بها ، اتسعت العمليات المصرفية و زاد انتشارها كما زاد انتشار المصارف و إقبال الدول على الاقتراض لتمويل العمليات التجارية، و باتساع العمليات التجارية تكونت الشركات الضخمة من اجل الاستثمار و ازدادت عمليات تدخل الدولة لتشمل مجموع النشاطات الاقتصادية، لأنه كان من وجبها تنظيم الدخل القومي و الاقتصاد الوطني بدلا من ترك الأمر للتجار وحدهم، و من هنا بدأت تظهر التشريعات الوطنية في المجال التجاري. (1)[2]
نطاق تطبيق القانون التجاري
يؤسس القانون التجاري على إحدى النظريتين: النظرية الشخصية ( الذاتية) و النظرية الموضوعية ( المادية) .
- النظرية الشخصية: و مفادها أن القانون التجاري يقتصر في تطبيق أحكامه على القائمين بالمهن التجارية أي التجار، فلا يشمل سواهم، أما غير التاجر فلا شان للقانون التجاري به فهو لا ينطبق إلا على من يكتسب صفة التاجر لاحترافه إحدى الحرف التي يعتبرها المشرع تجارية.
- ما يؤخذ على هذه النظرية أنها غير دقيقة لأنها تستلزم وضع معيار يفرق بين التاجر و غير التاجر عن طريق تحديد الحرف التجارية التي تكسب من يزاولها صفة التاجر و هذا أإمر صعب التحقيق، لأنه يصعب حصر كل الحرف التجارية، كما أن التاجر لا يقتصر في نشاطه في الحياة على الناحية التجارية، بل هناك نشاط مدني يتعلق بحياته الخاصة و حاجاته المعيشية، و بذلك يقضي المنطق عدم إخضاع هذه الأعمال للقانون التجاري و لو قام بها التاجر
- النظرية الموضوعية: تعتمد هذه النظرية على العمل التجاري، باعتباره المحور الذي تدور حوله قواعد القانون التجاري، بصرف النظر عن صفة الشخص القائم به، أي إن القانون التجاري يطبق على الأعمال التجارية و لو كان القائم بها مدنيا و القانون المدني يطبق على الأعمال المدنية و لو كان القائم بها تاجرا.
- ما يؤخذ على هذه النظرية هو صعوبة تحديد الأعمال التجارية مسبقا أو على الأقل وضع معيار يستدل به لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني، كما يعاب على هذه النظرية أنها توسع نطاق القانون التجاري ، فالقانون التجاري نشا قانونا شخصيا خاصا بالتجار و يجب أن يظل كذلك ، فهو يجب أن يطبق على المهنة التجارية لا على العمل التجاري. (2)[3]
- موقف المشرع الجزائري: من خلال قواعد القانون التجاري يتضح ان المشرع الجزائري قد اخذ بكل من النظريتين المادية و الشخصية، حيث تظهر الأولى في المادتين 02 و 03 من خلال تعداده للأعمال التجارية في حين تظهر النظرية الشخصية من خلال أخذه بنظام التاجر في المادة الأولى و نظرية الأعمال التجارية بالتبعية في المادة 04 من القانون التجاري الجزائري.
علاقة القانون التجاري بالقوانين الأخرى
للقانون التجاري علاقة وثيقة بالعديد من القوانين من ضمنها:
- علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد: توجد علاقة وثيقة بين القانون التجاري و علم الاقتصاد، فإذا كان هذا الأخير يبحث عن كيفية إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق الموارد، فان القانون التجاري ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات، فكل الأشياء التي يهتم الاقتصاد بإنتاجها و توزيعها و استهلاكها، و تداولها سواء كانت حاجات أو أموال، هي نفسها التي يهتم بها القانون التجاري، بحيث يقوم بتنظيمها من الناحية الاتفاقية و القانونية و القضائية، و من ثمة فان كل من الاقتصاد و القانون التجاري يعمل على توفيرها و تسخيرها لخدمة الإنسان.
- علاقة القانون التجاري بالقانون الدولي العام: إن الصلة وطيدة بين القانون التجاري و القانون الدولي العام نظرا لتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، إذ احدث هذا التدخل تغيرا جذريا في القانون التجاري بحيث أصبحت الدولة تقوم بدلا من الخواص بالنشاط التجاري و توجهه وفق خطة اقتصادية معينة فتضع لذلك قواعد للاتجار قصد المحافظة على النظام العام، و في سبيل تحقيق ذلك تقوم بإبرام اتفاقيات تجارية دولية.
- علاقة القانون التجاري بفروع القانون الداخلي: للقانون التجاري علاقة بعدة فروع من فرع القانون الداخلي، كالقانون الضريبي الذي يقوم بتنظيم ضريبة خاصة على الأرباح التجارية و الصناعية، كما توجد علاقة وطيدة بين القانون التجاري و القانون الجزائي، إذ ينظم هذا الأخير الجرائم و المخالفات المتعلقة بممارسة التجارة كجريمة الإفلاس و تقليد أو تزوير براءات الاختراع و الاعتداء على الاسم التجاري و جريمة سحب شيك بدون رصيد...، كم للقانون التجاري علاقة مع قانون العمل على اعتبار أن عمال المتجر أو المصنع يخضعون لقوانين الضمان الاجتماعي و تحديد ساعات العمل و الأجر و جميع المزايا التي يقررها قانون العمل.